التأمين عقب الفاتحة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ذهبت العامّة إلى أنّ التأمين عقب
الحمد في الصلاة
سنّة، وذهب بعضهم إلى وجوبه على الإمام في
الصلاة الجهرية . وأمّا فقهاؤنا فقد اتّفقت كلمتهم على عدم كونه سنّة، بل عدم مشروعيّته في الصلاة، حتى أصبح ذلك موقفاً واضحاً
للمذهب، واختلفت كلماتهم بعد ذلك في
حرمته و
بطلان الصلاة به.
فذهب المشهور
- بل المعظم
- إلى القول بحرمته وبطلان الصلاة به، بل ادّعي عدم وجدان الخلاف فيه إلّا ما حكي عن الإسكافي و
أبي الصلاح الحلبي ، بل
الإجماع و
الاتّفاق عليه وعلى أنّ قولها
بدعة ،
وفي قبال ذلك نسب إلى
ابن الجنيد الإسكافي وأبي الصلاح الحلبي
القول بالجواز وإن لم نتحقّق النسبة، كما نسب المحقّق القول بالكراهة إلى قائل مجهول،
واحتمله- بل مال إليه- في المعتبر
أوّلًا وإن حكم في آخر المطاف بأنّ الأَولى
الامتناع عنه، ومثله الأردبيلي،
واختار الكراهة
الفيض الكاشاني ،
واحتملها العاملي
مستجوداً القول بالتحريم دون
الإبطال .
وهل إنّ الأقوال في المسألة تنتهي إلى قول واحد، كما يرى صاحب الجواهر ذلك بالنسبة للمتقدّمين؟ أو إنّها تنتهي إلى قولين، كما يرى
المحقّق الحلّي ؟ أو إلى ثلاثة، كما يرى الفيض الكاشاني؟ أو إلى غير ذلك؟ إنّ ظاهر أكثر عبارات الفقهاء- بل صريح بعضها- ثبوت حكمين لقول آمين عقب الحمد في الصلاة
: أحدهما: الحرمة
تكليفاً، والآخر: بطلان الصلاة به
وضعاً، فلا بدّ من البحث عمّا يقصد بكلّ منهما:
ولا ينبغي
الريب أنّ قول آمين ليس من المحرّمات الذاتية الأوّلية كحرمة
الكذب و
الغيبة، وقد تقدّم أنّ صاحب
الجواهر قدس سره لم يحتمل
الحرمة الذاتية في المقام، وصرّح بأنّ المراد حرمته
تشريعاً ، إلّا أنّه مع ذلك يحتمل بدواً في كلماتهم
إرادة أحد معانٍ ثلاثة للحرمة تكليفاً:
ولكن بالعنوان الثانوي
كالتشبّه بكفّار
أهل الكتاب أو
المخالفين، وقد يستظهر ذلك من صحيح
معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أقول آمين إذا قال الإمام: «غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ»؟ قال: «هم اليهود والنصارى»، ولم يُجِب في هذا
؛ بناءً على إرجاع الضمير "هم" إلىالقائلين آمين، وقد تكون في العبارة المتقدّمة عن
المفيد قدس سره في كتاب
الإعلام إشارة إلى هذا المعنى حيث قال: «بدعة في
الإسلام ووفاق لكفّار
أهل الكتاب »
.
كما نبّه عليه صاحب الجواهر وجعله المقصود في المقام، وقد يشهد له بعض تعبيراتهم المتقدّمة، والمراد بالحرمة التشريعية حرمة
الإتيان به بعنوان أنّه مشروع في الصلاة وارد
كجزء منها أو
مستحبّ فيها، وحيث إنّ
الأمر ليس كذلك فمن جاء به بهذا العنوان كان مشرِّعاً ومبتدعاً فيحرم تكليفاً؛ لأنّ كلّ تشريع و
إسناد لما ليس من
الدين إلى الدين بدعة
محرّمة.
حيث يحرم إبطال الصلاة وقطعها بما يكون موجباً لذلك، وهذا المعنى للحرمة التكليفية يتوقّف على ثبوت
الحرمة الوضعية و
المانعية أي بطلان الصلاة به، فتكون الحرمة التكليفية دائرة مدار البطلان إثباتاً ونفياً، وسيأتي أنّ مناشئ القول بالبطلان مختلفة، فتختلف
الحرمة التكليفية باختلافها سعة وضيقاً على ما سنشير إليه.
وليعلم أنّ المعاني الثلاثة للحرمة التكليفية مختلفة سعة وضيقاً:
أي الحرمة الذاتية ولو بالعنوان الثانوي- يحرم قول (آمين) عقيب الحمد في الصلاة مطلقاً حتى إذا لم يقصد به الورود أو الجزئية؛ لإطلاق النهي وكون عمل المخالفين ذلك، فيحصل التشبّه بهم.
أي الحرمة التشريعية- فتختصّ الحرمة بما إذا جيء به بقصد الورود، أي قصد الجزئية أو
الاستحباب في الصلاة عقيب الحمد، فما لم يقصد ذلك- كما إذا جاء به بقصد مطلق الدعاء كأيّ دعاء آخر- لم يكن تشريعاً، فلا يكون محرّماً.
أي حرمة قطع الصلاة بالمانع- لا بدّ من ملاحظة منشأ القول بالبطلان:
أ- فإن كان البطلان بملاك استفادة مانعيّة قول (آمين) في الصلاة من الروايات كان الإتيان به مبطلًا مطلقاً، فيحرم تكليفاً أيضاً مطلقاً بناءً على حرمة إبطال الصلاة تكليفاً.
ب- وإن كان البطلان بملاك كونه دعاءً منهيّاً عنه في الصلاة وأنّ ما لم يسمح به فيها يكون قاطعاً لها وإن كان دعاءً، فأيضاً تثبت الحرمة التكليفية والمانعية.
ج- وإن كان البطلان بملاك كونه من كلام
الآدميين اختصّت الحرمة تكليفاً أيضاً بما إذا كان كذلك كما إذا لم يقصد به الدعاء.
د- وإن كان البطلان بملاك الزيادة العمدية في الصلاة اختصّت الحرمة بما إذا قصد به الجزئية وإن قصد به الدعاء أيضاً.
إلّا أنّ المنشأين الأخيرين للبطلان- أي البطلان بملاك الزيادة العمدية وقصد الجزئية به، أو عدم قصد الدعاء به فيكون من كلام الآدميين- ينبغي إخراجهما عن هذا البحث؛ لأنّهما لا يختصّان بقول (آمين)، بل يجريان في كلّ ما ليس جزءاً من الصلاة، كما تقدّم.
وحيث إنّ
احتمال الحرمة الذاتية حتى بالعنوان الثانوي- كالتشبه بالمخالفين- لقول (آمين) الوارد في كثير من الأدعية بعيد جدّاً، و
استظهاره ا من صحيحة معاوية غير واضح بل غايته
الإجمال ، كما أنّه لم يرد تصريح بذلك في كلماتهم حتى استظهر صاحب الجواهر إرادة الحرمة التشريعية لا الذاتية في المقام، فحملُ كلمات الأصحاب القائلين بالحرمة على المعنى الأوّل مستبعد، فيدور الأمر بين المعنيين الثاني والثالث (حرمة التشريع وحرمة قطع الصلاة) بنحو مانعتي الخلو، لا بنحو مانعتي الجمع حيث لا تمانع بينهما، بل هما ثابتتان على القاعدة؛ فإنّ التشريع حرام خصوصاً في العبادات التي هي توقيفية، كما أنّ حرمة إبطال الصلاة
بإيجاد المانع أو القاطع ثابتة في محلّها.
ومنه يظهر أنّ النافين للحرمة تكليفاً لو كان قصدهم نفي
الحرمة الذاتية لم يكن ذلك مخالفة منهم لمن حكم بالحرمة تشريعاً أو بملاك حرمة الإبطال، فليس ذلك قولًا في قبالهم.
كما يظهر أنّ القول بالتحريم تكليفاً دون البطلان -كما تقدّم عن السيّدين العاملي والحكيم- مبناه
اختيار أحد المعنيين الأوّلين للحرمة وعدم استفادة المانعية والبطلان من مجموع الروايات، فإنّ مجرّد الحرمة تكليفاً أو بملاك التشريع لا يوجب البطلان؛ لكونه فعلًا آخر خارج الصلاة ما لم يقصد به الجزئية للصلاة الموجب للزيادة العمدية المبطلة.
ويراد بها- كما تقدّم- بطلان الصلاة به ولزوم إعادتها، وهذا هو المشهور المدّعى عليه الإجماع في كلمات الفقهاء
، كما تقدّم.
وقد استند الفقهاء في ذلك إلى وجوه واستدلالات عديدة، أهمّها وأحسنها الاستفادة من الروايات الناهية عن قول آمين عقب الحمد في الصلاة، وهي عدّة روايات
:
صحيحة
جميل بن درّاج عن
أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد وفرغ من قراءتها فقل أنت: الحمد للَّه ربّ العالمين، ولا تقل: آمين»
.
صحيحة
معاوية بن وهب المتقدّمة
- حيث قال السائل في ذيلها: ولم يُجِب في هذا- ويستفاد من سكوت الإمام عليه السلام و
إعراضه عن الجواب على سؤال
السائل عدم
جواز قول آمين وأنّ الإمام عليه السلام قد سكت عنه
للتقيّة؛ إذ لو كان جائزاً لصرّح به، هذا لو لم يجعل قوله عليه السلام: «هم اليهود والنصارى» هو الجواب؛
تشنيعاً على العامّة الذين يعملون ذلك- كما أشار إليه
البهائي في
الحبل المتين وغيرُه
- وإلّا كان أظهر في المنع.
رواية
محمّد الحلبي وقد نقلت بطريقين: أحدهما فيه
محمّد بن سنان ، والآخر نقله المحقّق في
المعتبر بطريقه إلى
جامع البزنطي عن
عبد الكريم عن الحلبي ، والظاهر صحّته- قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام أقول إذا فرغت من
فاتحة الكتاب: آمين؟ قال: «لا»
.
حديث
زرارة بن أَعيَن- بطريق
الصدوق- عن
الامام أبي جعفرالباقر عليه السلام قال: «... ولا تكفّر فإنّما يفعل ذلك
المجوس، ولا تقولنّ إذا فرغت من قراءتك آمين، فإن شئت قلت: الحمد لله ربّ العالمين...»
. والحديثان الأولان واردان في المأموم والأخيران في مطلق المصلّي، فيعمّان الإمام والمنفرد، فيثبت الحكم فيهما معاً على حدّ سواء.
وهذه الروايات تكون شاملة للتأمين جهراً وسرّاً سواء أ كانت الصلاة جهريّة أو إخفاتية؛ لإطلاق النهي. ومن هنا تتضح أدلّة قول المشهور. ومن الملاحظ في بعض هذه الروايات كالأُولى والرابعة أنّها لم تقتصر على النهي عن قول (آمين)، بل تضمنت بيان أنّ السنّة بعد قراءة الحمد قول (الحمد للَّه ربّ العالمين)، كما أشارت إلى ذلك روايات اخرى.
وفي قبال هذه الروايات المانعة رواية خامسة وهي: صحيحة اخرى لجميل «قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب، آمين؟ قال: ما أحسنها، واخفض
الصوت بها»
. هذا، وقد وقع البحث في مفاد هذا الحديث، ففي متنه احتمالات
:
الاحتمال الأوّل: المراد من قوله «ما أحسنَها» التعجّب، أي قولها في غاية الحسن أو على سبيل التهكّم.
الاحتمال الثاني: المراد به
الاستفهام الإنكاري .
الاحتمال الثالث: كون «ما» نافية و «احسّنُها» فعلًا للمتكلّم من التحسين، أو «احسِنُها» من
الإحسان بمعنى العلم،
كقوله عليه السلام- في التثويب-: «ما نعرفه».
ولا يخفى أنّ المنافاة بين هذه الرواية وسائر الروايات المانعة إنّما تكون بناءً على الشق الأوّل من الاحتمال الأوّل؛ فإن لم يمكن الجمع بينهما جمعاً عرفيّاً فلا بدّ من طرحها حينئذٍ، لصدورها تقيّة.
وثمّة محاولات للجمع بينهما:
۱- قد استند بعضهم- كالمحقّق في المعتبر
والأردبيلي
والكاشاني
إلى هذا الحديث وجعله قرينة على إرادة الكراهة من النهي الوارد في الروايات المتقدّمة. واعترض عليه من قبل الآخرين: بأنّ صحيحة جميل هذه كما تنفي الحرمة تنفي الكراهة أيضاً؛ لأنّها صريحة في الاستحباب والحسن، فلا محيص عن المعارضة، ولا بدّ حينئذٍ من حملها على التقيّة.
۲- واحتمل المحقق في المعتبر وجهاً
للجمع بين الروايات المانعة والمبيحة بحمل الاولى على منع المنفرد، والثانية على الجماعة.
وهو كما ترى؛ إذ أنّ بعض روايات المنع صريحة في الجماعة.
۳- سيأتي أنّه على بعض المحتملات في النهي- والذي فهمه بعض الفقهاء من هذه الروايات- يمكن الجمع بينهما بجمع دلالي عرفي. وذهب بعض الفقهاء إلى الاحتمالين الثاني أو الثالث، فحمل
الوحيد البهبهاني - تبعاً للأردبيلي
- جملة «ما أحسنها» على
الاستفهام الاستنكاري، أو أن تكون «ما» نافية و «احسِّنها»
فعلًا للمتكلّم، أي ما أراها حسناً ولا أحكم بحسنها، وأنّ جملة «واخفض الصوت بها» فعل ماضٍ فاعله الإمام عليه السلام، أي خفضَ صوته عند الجواب، وعليه فتكون هذه العبارة من الراوي.
ووافقه على ذلك بعض واستبعده آخرون، قال في مستند العروة: «إنّ خفض الصوت ثلاثيّ مجرّد ولم يعهد استعماله من باب
الإفعال ، فلا يقال: أخفضَ صوته، بل الصحيح خفضَ، وحيث إنّ الموجود في الصحيحة رباعيّ، فيتعيّن كونه من كلام الإمام عليه السلام وأمراً منه بالخفض».
ويؤيّده أنّ كلمة «بها» تكون زائدة عندئذٍ مع ظهورها في رجوع الضمير فيها إلى نفس المرجع في قوله عليه السلام: «ما أحسنها».
ومن هنا اتّفقت كلمة أكثر الأصحاب بشأن هذا الحديث على أن يحمل على التقيّة؛
لاستقرار المعارضة بينه وبين الروايات الناهية المتقدّمة وعدم
إمكان جمع عرفي بينهما. فلا بدّ من العمل بالروايات الناهية والأخذ بما هو ظاهر النهي فيها بعد سقوط معارضها عن الحجّية بالحمل على التقيّة.
الذي تفرّد بنقل رواية جميل بن درّاج-:قال : «فأوّل ما في هذا الخبر أنّ راويه جميل، وقد روى ضد ذلك وهو ما قدّمناه من قوله: «ولا تقل (آمين)، بل قل: الحمد للَّه ربّ العالمين». وإذا كان قد روى ما ينقض هذه الرواية ويوافق رواية غيره فيجب العمل عليه دون غيره، ولو سلّم لجاز أن نحمله على ضرب من التقيّة؛ لإجماع الطائفة المحقّة على ترك العمل به».
وقد ردّه بعض كالفيض الكاشاني بأنّ «الطعن غير وارد؛ لاحتمال أن يكون «احسنها» من الاحسان بمعنى العلم على صيغة التكلّم و «ما» نافية كقوله عليه السلام في التثويب: «ما نعرفه».
وعلى هذا فلا تنافي بين خبري جميل، بل يتوافقان، وإنّما أمره عليه السلام بخفض الصوت بها ليتميّز عن القرآن، والتقيّة تحصل بالإتيان بها مع الخفض أيضاً كما يحصل مع الرفع، وربما يجعل من التحسين، ويحمل الصيغتان على التكلّم. وما قلناه أظهر».
هل
النهي تكليفي أو إرشادي؟ وقد اختلفوا في المستفاد من النهي الوارد في هذه الروايات؛ فانّه يحتمل بدواً ثلاث احتمالات ثلاثة:
كون المراد بالنهي الإرشاد، وهو الذي ذهب إليه المشهور، فانّهم استفادوا منه
الإرشاد إلى المانعية والبطلان بقول آمين عقب الحمد، مستندين في ذلك إلى أنّه مفاد النهي عند ما يتعلّق بالمركّبات العبادية كالصلاة، فيكون قول آمين عقب الحمد مبطلًا للصلاة مطلقاً حتى إذا لم يقصد به الجزئية وقصد به الدعاء.
ويعزّزه
إطلاق النهي فيها وعدم تقييده بذلك أو بقصد التشريع في شيء من الروايات الناهية، فيثبت بذلك فتوى المشهور بالحرمة الوضعية؛ أي مانعية قول (آمين) في الصلاة عقب الحمد، وحرمته تكليفاً أيضاً بملاك حرمة إبطال الصلاة بفعل المانع متعمّداً حتى إذا لم يقصد التشريع أو الجزئية.
كون المراد بالنهي التكليفي؛ ففي قبال المشهور حمل بعضهم
النهي في هذه الروايات على إرادة النهي التكليفي- لا الوضعي- بمعنى الحرمة التشريعية؛ مستندين في ذلك إلى أنّ الجهة المنظور إليها والمبتلى بها على ما يظهر من أسئلة الرواة إنّما هي ما كان يصنعه العامّة ويرونه سنّةً أو
واجباً من قول آمين للإمام أو المأموم أو المنفرد بعد الحمد أو مطلقاً، جهراً أو
إخفاتاً على
اختلاف الأقوال.
وهذا يناسب إرادة النهي عن ذلك؛ لأنّه تشريع منهم وإدخال لما ليس ثابتاً ولا وارداً عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الدين، وقد استندوا في ذلك إلى رواية بعض الضعفاء المطعون فيهم كأبي هريرة ونحوه
ممّن لم يوثّق في كتب الرجاليّين من أصحابنا، فيكون النهي مناسباً مع إرادة الحرمة التشريعية لا الوضعية، سيّما وأنّ مانعيّة الدعاء في الصلاة مستبعدة مع ورود الأمر به والحثّ عليه في سائر الروايات، ولا أقلّ من الإجمال.
ولا يمكن التمسّك بإطلاق النهي؛ فإنّه فرع تعيّن المراد من النهي في المرتبة السابقة وأنّه منع تكليفي أو إرشادي، ولا يمكن تعيينه بالاطلاق.
ونحن إذا لم نستظهر من النهي الوارد في تلك الروايات الإرشاد إلى المانعية والبطلان بل حرمته التشريعية، أمكن الجمع بينها وبين صحيح جميل الآخر بإرادة استحبابه إذا جيء به بقصد الدعاء والذكر المطلق، وحرمته إذا جيء به بقصد الورود في الصلاة كما يصنعه العامّة به؛ لكونه تشريعاً محرّماً، ويكون ما في ذيل
الصحيح من قوله عليه السلام: «واخفض الصوت بها» إشارة إلى ذلك وأنّه لا تصنع كما يصنعه العامّة حيث يرفعون الصوت بها فإنّه غير وارد في الصلاة، فيكون هذا وجه جمع بينهما.
كون المراد النهي تكليفاً ووضعاً
، إلّا أنّ ذلك مردود؛ فإنّه لا يمكن الجمع بين المعنيين المختلفين للنهي في استعمال واحد، وكلّ هذا مقرّر في محلّه من
علم الأصول.
وهكذا يتّضح أنّ عمدة الدليل في المسألة هي الروايات، واستفادة فتوى المشهور منها مبتنية على استظهار المانعية من النهي لقول آمين بعنوانه عقب الحمد في الصلاة.
وقد استند في كلمات الفقهاء إلى وجوه اخرى لتخريج البطلان قد اجيب عليها جميعاً في كلمات الأعلام والمحقّقين المتأخرين:
التمسّك بالإجماع.
واجيب عليه- مضافاً إلى تشكيك بعض
:- بأنّه مع وجود الروايات العديدة والناهية يحتمل قوياً استناد المجمعين إليها، فلا يكشف عن قول المعصوم عليه السلام،
على أنّ كلمات بعض القدماء قابلة للحمل على إرادة الحرمة التكليفية تشريعاً لا المانعية لهذا الدعاء بعنوانه، بل قال الشهيد: «وكثيرٌ من الأصحاب لم أقف له على التأمين بنفي ولا إثبات، كابن أبي عقيل، والجعفي في الفاخر، وأبي الصلاح رحمهم الله رحمهم اللَّه».
دعوى أنّ (آمين)
اسم فعل، فهو علَم للفظ فعل (استجب) لا لمعناه، فلا يكون دعاء بل من كلام الآدميين، فيكون مبطلًا للصلاة.
واجيب بالمنع عن ذلك:
۱- أنّ أسماء الأفعال ليست أعلاماً للألفاظ بل للمعاني،
وقد مرّ ذلك في أوّل البحث.
۲- وروده في بعض الأدعية المأثورة عن المعصومين عليهم السلام، واستحبابه في بعض الموارد
كالاستسقاء كما ستأتي الاشارة إليه.
دعوى أنّ وقوعه مصداقاً للدعاء والذكر فرع كونه مسبوقاً بالدعاء؛ لأنّه بمعنى (اللّهمّ استجب) أو (كذلك افعل) أو (كذلك فليكن) وهو فرع تقدُّم دعاء قبله، وإلّا كان مجرّد لقلقة لسان،
ويخرج بذلك عن كونه مناجاة للَّه تعالى ومكالمة له وذكراً له سبحانه؛ فإنّ (آمين) يؤتى بها للختم.
وفي الجواهر: «أمّا لو قيل: إنّ معناها (كذلك مثله) أو (كذلك فافعل)... فلا محيص عن
اعتبار تعقّبها حينئذٍ للدعاء، وعدم صحّتها منفردة، بل تكون لغواً».
واجيب
:
۱- بأنّه بنفسه صالح أيضاً لأن يكون دعاءً مستقلًا؛ لأنّه طلب من اللَّه
بالاستجابة بشكل عام، ولو فرض لزوم سبقه بدعاء آخر كفى في ذلك وقوعه عقب الحمد؛ لاشتمالها على قوله تعالى: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ» فيما إذا قرأه الإمام وسمعه المأموم أو قرأه المأموم وقصد به القرآنية والدعاء معاً. ودعوى أنّ قصد الدعائيّة ينافي قصد القرآنية فلا يجتمعان،
مردودة من قبل المحققين من أصحابنا؛ فإنّه ليس من قبيل
استعمال اللفظ المشترك في معنيين»؛ إذ المعنى حال القرآنية والدعاء واحد، والفرق في الداعي فتارة يكون القرآنية واخرى الدعاء.
ويؤيّده
الحديث القدسي الذي رواه الصدوق عن
أمير المؤمنين عليه السلام قال: «قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : قال اللَّه تبارك وتعالى: قسمت
فاتحة الكتاب بيني وبين عبدي، فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل... الحديث».
وقال
السيد الشفتي : «وأوضح منه ما في بعض الكتب: قسّمت الفاتحة بيني وبين عبدي نصفين؛ فإنّ أوّلها ثناء وآخرها دعاء».
والظاهر أنّ مراد كثير من الفقهاء من نفي الدعائيّة نفي كونها دعاءً مستقلًا بنفسه لا نفيها من
الأصل ، قال في
الانتصار : «وأيضاً فلا خلاف في أنّ هذه اللفظة ليست من جملة القرآن ولا مستقلّة بنفسها في كونها دعاءً وتسبيحاً، فجرى التلفّظ بها مجرى كلّ كلام خارج عن القرآن و
التسبيح ».
۲- لو سلّمنا عدم صدق الدعاء على قول (آمين)، وأنّ استعماله في مثل هذا المورد لحنٌ فمع ذلك لا تخرج بذلك عن كونها مناجاة (فإنّ الذكر والمناجاة يصدقان عرفاً بأيّ تعبير ولو بكلمة واحدة.) مع الربّ ولو بكلمة ملحونة، فتندرج في موضوع قوله عليه السلام: «كلّ ما ناجيت به ربّك فهو من الصلاة».
إنّ الدعاء إذا كان منهيّاً عنه كان محرّماً، فلا يجوز في الصلاة ويكون ككلام الآدميين مبطلًا.
ويجاب: بأنّ هذا يتوقّف على استفادة الحرمة الذاتية لا التشريعية، وإلّا كان المحرّم هو التشريع، وهو لا يوجب البطلان ما لم يقصد الجزئية. على أنّ ثبوت الحرمة كذلك لا يجعل الدعاء من كلام الآدميين حتى يكون مبطلًا للصلاة أو قاطعاً لها.
ا
إنّ معنى (آمين) : اللهم استجب، فلو نطق بذلك أبطل صلاته فكذا ما قام مقامه.
واجيب: بمنع الحكم في الأصل لاتفاقهم على جواز الدعاء في أثناء الصلاة، وهذا منه؛ لظهور أنّه دعاء عام في طلب استجابة الدعاء،
قال الشهيد الأوّل: «وكذا قوله (المحقق) ببطلان الصلاة بقوله: (اللّهمّ استجب) ضعيف؛ فإنّ الدعاء بالمباح جائز في الصلاة بإجماعنا؛ وهذا دعاء عامّ في طلب استجابة جميع ما يدعى به».
الاستناد إلى الحصر المستفاد من قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة: «إنّما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن»،
وليس
التأمين منها، وكل ما دلّ الدليل على اعتباره فيها كالقيام والركوع والسجود قلنا به وإلّا فلا؛ عملًا بمقتضى الحصر.
واجيب:- بعد
الإغماض عن سنده- أنّ الظاهر منه حصر الامور التي لها مدخلية في حقيقة الصلاة وماهيتها، و (آمين) على فرض ثبوتها ليست منها، بل من الامور الخارجة المندوبة.
الاستناد إلى تعليم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة ما عدا ذكر التأمين.
واجيب: بأنّه يمكن أن يكون
إغفاله لاستحبابه وعدم وجوبه.
دعوى كون التأمين عملًا كثيراً خارجاً عن الأعمال المشروعة.
ويمكن الجواب بعدم كونه فعلًا كثيراً؛ فإنّ التفوّه بكلمة واحدة- آمين- لا يصدق عليه أنّه فعل كثير، وليس ماحياً لصورة الصلاة؛ فانّه ليس منافياً للصلاة؛ لكونه دعاء وذكراً.
هو التمسّك
بأصالة الاحتياط ؛
وذلك لاحتمال شرطية عدمه في صحة الصلاة.
واجيب: بأنّه مبني على عدم جريان الأصل في شرائط العبادة، وهو غير صحيح.
كما واستدلّ بعضهم للجواز ببعض الوجوه،
كالاستناد إلى
أصالة الجواز.
ومن المعلوم أنّه لا مجرى لها بعد ورود النهي. قراءة جديدة للأقوال:
ويتّضح من مجموع ما تقدّم أنّ المستظهر أوّلًا من كلمات الأصحاب وإن كان تعدّد الأقوال وكثرتها في قول آمين عقب الحمد في الصلاة- من القول بالجواز أو الكراهة أو الحرمة تكليفاً ووضعاً أو الحرمة تشريعاً والبطلان وضعاً أو الحرمة دون
البطلان أو البطلان دون الحرمة- إلّا أنّه بالدقّة ترجع الأقوال والكلمات إلى قولين في المسألة لا أكثر؛ لأنّه من ناحية الحكم الوضعي والبطلان ترجع إلى القول بمانعية (آمين) بعنوانه في الصلاة وعدمها.
وأمّا القول ببطلان الصلاة إذا قصد به الجزئية فيكون زيادة عمدية، أولم يقصد به الدعاء فيكون كلاماً آدمياً مبطلًا، فهما خارجان عن صميم البحث؛ لأنّه مبطل في كلّ دعاء آخر أيضاً، ولا
اختصاص له بقول (آمين)، كما هو ظاهر البحث. ومن الناحية التكليفية بعد
استبعاد إرادة الحرمة الذاتية حتى بالعنوان الثانوي لا بدّ وأن يرجع القول بالحرمة تكليفاً إمّا إلى الحرمة التشريعية- أي حرمة التشريع وقصد الورود لما لم يرد من الشرع- أو حرمة إبطال الصلاة بما يوجب بطلانها وقطعها، وكلتاهما ثابتتان على القاعدة، ولا تختصّان بقول (آمين). ولا خلاف من أحد في كبراهما فقهياً.
وتتفرّع أُولاهما على قصد التشريع والورود في الصلاة، وهذا يقول به حتى النافي للتحريم في المقام؛ فإنّه إنّما ينفي الحرمة الذاتية لا التشريعية. وتتفرّع ثانيتهما على ثبوت المانعية، فالمنكر لها- القائل بالجواز أو الكراهة- يقبل الحرمة بملاك الإبطال لا محالة، ولكنّه ينفي صغراها وهي المانعية بحسب الحقيقة، الذي هو أحد القولين الأصليّين في المسألة. وأمّا الحرمة بملاك التشريع إذا قصده المصلّي فيقبلها منكر المانعيّة أيضاً كما في سائر الموارد، كما أنّه يقبل البطلان إذا قصد الجزئيّة فصار زيادة عمدية، أو لم يقصد به الدعاء والذكر أصلًا فصار كلاماً آدمياً مبطلًا، فإنّ كلّ ذلك مسلّم وخارج عن صميم البحث.
وبعبارة اخرى: إنّ قول (آمين) يكون له عدّة صور تختلف بحسب القصد:
الاولى: قصد مطلق الدعاء دون قصد الورود.
الثانية: قصد الاستحباب (الورود).
الثالثة: قصد الجزئية.
الرابعة: عدم قصد الدعاء أصلًا.
وبعض هذه الصور خارج قطعاً؛ لأنّ البحث فيها لا يختص بقول (آمين)، بل يجري في كل زيادة عمدية في الصلاة، وتكون الفتوى فيها على طبق القواعد، كالصورتين الأخيرتين؛ إذ لا ريب في أنّ قصد الجزئية مبطل، وكذا عدم قصد الدعاء؛ لأنّه يكون حينئذٍ من كلام الآدميين الذي لا إشكال في إبطاله الصلاة، كما لا إشكال أيضاً في حرمة قطع الصلاة تكليفاً.وأمّا الصورة الثانية فانّه لا كلام في حرمة قصد التشريع تكليفاً. نعم، وقع الكلام في
أثره وضعاً، وهل انّه موجب للبطلان أو لا؟
وكذا البحث في الصورة الاولى، وهي قول (آمين) مع قصد مطلق الدعاء، وهل إنّه موجب للبطلان أو لا؟ وتتفرّع عليه الحرمة تكليفاً وعدمها. والحاصل: إنّنا إذا حصرنا البحث في هذه الدائرة الضيقة وأخرجنا الحيثيّات العارضة فتصبح المسألة ذات قولين:
الأوّل: الحرمة والبطلان مطلقاً ولو كان بقصد مطلق الدعاء.
والثاني: الجواز مع قصد مطلق الدعاء.
وأمّا البطلان مع قصد الورود أو الجزئية أو عدم قصد الدعاء أصلًا فهي- كما ذكرنا- حيثيّات غير مختصّة بهذه اللفظة. فتكثّر الأقوال في المسألة نشأ من
إدراج ملاكات ونكات اخرى خارجة عن صميم البحث وغير مختصّة بخصوص قول آمين في البحث مع كون تلك النكات والملاكات ثابتة ومسلّمة في محلّها، وإنّما سكت من سكت عنها لخروجها عن المقصود الأصلي من هذا البحث، فلا ينبغي جعلها آراءً متقابلة وأقوالًا مختلفة في المسألة.
الموسوعة الفقهية، ج۱، ص۲۸۳-۳۰۵.