الخطبتان في صلاة الجمعة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
إنما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين فهي صلاة حتى ينزل
الإمام .
(الثالث : الخطبتان) بإجماعنا وأكثر
أهل العلم على الظاهر، المصرّح به في كلام جماعة،
للتأسي والمعتبرة المستفيضة، ففي الصحيحين
وغيرهما
: «إنما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين فهي صلاة حتى ينزل
الإمام ».
ونحوها الموثق المروي في
المعتبر عن
جامع البزنطي بزيادة قوله : «لا جمعة إلاّ بخطبة» ونقص قوله : «فهي صلاة» إلى آخره. قيل : وفي العامة قول بالاجتزاء بخطبة،
ويوهمه الكافي للحلبي.
وآخر بعدم
الاشتراط .
ولا ريب في ضعفهما.
(ويجب في)
الخطبة (الأولى:
بلا خلاف، بلفظه، للاحتياط، والتأسي، وعن ظاهر التذكرة
الإجماع عليه،
وللأمر به في الموثق الآتي. وفي تعيين «الحمد لله» كما هو صريح جماعة،
أو إجزاء «الحمد للرحمن» أو «لربّ العالمين» إشكال. والأحوط : الأوّل. خلافا لنهاية الإحكام فقرّب
إجزاء «الحمد للرحمن».
ويجب فيها أيضا
الصلاة على الرسول وآله، وفاقا للأكثر، بل في ظاهر الخلاف وعن التذكرة
الإجماع عليه، وهو الحجّة، مضافا إلى
الاحتياط . دون الصحيح المتضمن للأمر بها،
لتضمنه كثيرا من المستحبات الموجب لوهن دلالته على الوجوب جدّا، سيّما مع خلوّ الموثق الآتي عنها هنا. ولعلّه لذا لم يوجبها الماتن هنا وفاقا للحلّي والمرتضى
رحمهما الله، مضافا إلى
الأصل ، لكنه مخصّص بما مرّ من الإجماع المعتضد بعمل أكثر الأصحاب، وبه يقيّد الموثق ويصرف عن ظاهره أيضا. وتتعيّن بلفظها، لما مضى.
(والثناء على الله تعالى) بما هو أهله، وفاقا للمرتضى والخلاف،
للموثق الآتي. لكن يحتمل اتحاده مع الحمد كما هو ظاهر الخلاف، ولا ريب أن
الإتيان به أحوط.
(و
الوصية بتقوى الله) سبحانه، وفاقا للأكثر، وفي ظاهر الخلاف الإجماع عليه،
للموثق الآتي. خلافا للمرتضى
; فلم يذكرها في شيء من الخطبتين. وهو ضعيف.
ولا يتعيّن لفظها ولا لفظ الوعظ بلا خلاف أجده، وبعدم التعيّن صرّح جماعة
، ومنهم الفاضل في النهاية، وفيها : لا يكفي
الاقتصار على التحذير من
الاغترار بالدنيا وزخارفها، لأنه يتواصى به المنكرون للمعاد، بل لا بدّ من الحمل على
إطاعة الله تعالى والمنع عن المعاصي.
وذكر جماعة
أنه يكفي المسمى كاتقوا الله وأطيعوه وأمثالهما، ولعلّه للإطلاق.
(وقراءة سور خفيفة) كما عن المبسوط والجمل والعقود و
المراسم والوسيلة والسرائر والجامع وبه صرّح الماتن في
الشرائع وجماعة،
للموثق، وفيه : «ينبغي للإمام الذي يخطب بالناس يوم الجمعة أن يلبس عمامة في الشتاء والصيف، ويتردّى ببرد يمنية أو عدنية، ويخطب وهو قائم يحمد الله تعالى ويثني عليه، ثمَّ يوصي بتقوى الله تعالى، ويقرأ سورة من
القرآن خفيفة، ثمَّ يجلس، ثمَّ يقوم فيحمد الله ويثني عليه ويصلّي على محمد صلي الله عليه و آله وسلم وعلى أئمة المسلمين ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات» الخبر.
ولا ضعف فيه كما قيل،
بل هو من الموثق الذي هو حجّة سيّما مع عمل الجماعة. ودلالته واضحة، لمكان
الأمر الظاهر في الوجوب، ولا صارف عنه حتّى ممّا فيه من لفظة «ينبغي» الظاهرة في
الاستحباب ، بناء على ظهور رجوعها إلى ما عدا الأحكام الواردة في الخطبة كما لا يخفى على من تدبّره. هذا مضافا إلى الاحتياط والأمر بها في هذه الخطبة في الصحيح السابق، وإن كان في
الاستناد به لذلك مناقشة، لما عرفته. خلافا للحلبي فلم يذكرها،
مشعرا بعدم الوجوب. وهو، مع عدم وضوح مستنده سوى الأصل المخصّص بما مرّ إن قلنا بجريانه في مثل ما نحن فيه، وإلاّ فلا أصل له من أصله، شاذ. وللخلاف وجماعة
فاكتفوا بآية تامة الفائدة، للأصل، وضعف الموثق بما مر. وفيهما ما مرّ.
وفي الخبر : سمعت
رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول على المنبر : «وَنادَوْا يا مالِكُ».
وفيه ضعف سندا ودلالة ومقاومة لما مرّ جدا. نعم، في الصحيح السابق
الاجتزاء بها في الخطبة الثانية، وبه استدل على الاجتزاء بها مطلقا حتى في الخطبة الأولى بناء على عدم القائل بالفرق بينهما. وفيه ـ بعد ما مرّ ـ تضمنه الأمر بالسورة في الاولى، وهو حقيقة في الوجوب، وكلّ من قال بوجوبها فيها قال في الأخيرة بوجوبها أو عدم وجوب شيء من القرآن فيها. وبعبارة أخرى : كلّ من قال بكفاية الآية في الأخيرة قال بها في الاولى.
فلا يمكن الاستناد إليه
لإثبات شيء من القولين إلاّ بعد حمل الصدر أو الذيل على الاستحباب. ولا ترجيح هنا، إذ كما يمكن حمل الأول عليه فيوافق القول بكفاية الآية، كذا يمكن العكس فيوافق القول بعدم وجوب شيء من القرآن في الثانية، كما هو ظاهر الماتن هنا وفي المعتبر
وجماعة،
ولهم : الموثقة السابقة المعتضدة بالأصل السليم عمّا يصلح للمعارضة عدا الصحيحة، وهي لما عرفت غير صالحة للحجية، نعم لو كان القراءة في الثانية متعينة كما هو المشهور أمكن ترجيح الأول، فتدبّر. وللاقتصاد و
الإصباح والمهذّب والجامع،
فأوجبوا
السورة لكن بين الخطبتين، ومستنده غير واضح، نعم، في الصحيح : «يخرج الإمام بعد
الأذان فيصعد المنبر فيخطب، ولا يصلّي الناس ما دام الإمام على المنبر، ثمَّ يقعد الإمام على
المنبر قدر ما يقرأ قل هو الله احد، ثمَّ يقوم فيفتتح خطبته ثمَّ ينزل ويصلّي بالناس».
ودلالته على ما ذكروه ضعيفة بل لا دلالة له.
(و) يجب (في) الخطبة (الثانية) بعض ما مرّ في الاولى من (حمد الله تعالى والصلاة على
النبي صلي الله عليه وآله وسلم وعلى أئمة
المسلمين :) لعين ما مضى، مع عدم خلاف ظاهر في وجوب الصلاة هنا.
(و) يجب هنا زيادة على ذلك (
الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات) للموثق السابق. ولا يجب غيره، للأصل. خلافا للأكثر، فأوجبوا جملة ما في الأولى حتى الوعظ و
القراءة أيضا، ومستندهم من النص غير واضح، عدا الصحيحة المتقدمة المتضمنة لجملة من الأمور المستحبة، ودلالتها على الوجوب لذلك كما عرفت غير واضحة. نعم، عن ظاهر الفاضلين دعوى الإجماع على
اعتبار ما عدا القراءة في الخطبة،
وهو ظاهر الخلاف أيضا،
بل زاد فادّعاه على الأمور الأربعة جملة، فيكون هذا هو الحجة المقيّدة لإطلاق الموثقة.
وعليه فيشكل الأمر في القراءة هل هي السورة الخفيفة أو يكفي آية تامة الفائدة، وحيث قد أوجبنا السورة في الأولى لزمنا إيجابها في الثانية أيضا، لعدم القائل بالفرق بين الخطبتين بوجوب السورة في الاولى وكفاية الآية في الثانية وإن قيل بالفرق بينهما من وجه آخر، هذا مضافا إلى الاحتياط. إلاّ أن
الاكتفاء بالآية التامة الفائدة ممكن، لما مرّ، مع
احتمال فهم ظهور دعوى الإجماع عليه من الخلاف، بل ظاهره كفاية مطلق شيء من القرآن الصادق على نحو (مُدْهامَّتانِ)
لكن نزّله المتأخرون على الآية التامة الفائدة، ويمكن تنزيله على ما ذكره في أكثر كتبه من السورة الخفيفة.
ويتحصّل ممّا ذكرنا أنه يجب في الخطبتين أمور أربعة : الحمد، و
الصلاة ، والوعظ، والقراءة، كما هو المشهور بين الطائفة. والأحوط زيادة الاستغفار للمؤمنين كما في العبارة والموثقة، وإن كان في وجوبه نظر، لدعوى الشيخ الإجماع في الخلاف على كون الأربعة أقلّ ما يجب في الخطبة وأنه إذا أتى بها تجزيه بلا خلاف، وأطلقها بحيث تشمل الثانية، فيحمل الأمر به في الموثقة على الاستحباب. وفي المقام أقوال متشتتة ليس في نقلها كثير فائدة.
والمشهور وجوب
الترتيب بين الأمور الأربعة، وعربيتها، إلاّ إذا لم يفهمها العدد المنعقد بهم
الجمعة ولم يمكنهم التعلّم فبغيرها، واحتمل بعض وجوبها مطلقا،
وآخر سقوط الجمعة حينئذ من أصلها.
(ويجب تقديمهما على الصلاة) بالنص
والإجماع الظاهر المصرّح به في بعض العبائر،
وفي
المنتهى لا نعرف فيه مخالفا.
نعم، عن الصدوق في العلل والعيون و
الهداية الفتوى بتأخيرهما، معلّلا بأنّ الخطبتين مكان الركعتين الأخراوين.
وهو
اجتهاد في مقابلة النص وإن روى في الفقيه ما يوافقه فقال : قال
أبو عبد الله غليه السلام : «أوّل من قدّم الخطبة على الصلاة يوم الجمعة عثمان» الخبر.
لإرساله واحتماله التصحيف، أو أن المراد يوم الجمعة في العيد. وقد صرّح الأصحاب
ببطلان الصلاة مع التأخير، قالوا : لانتفاء شرطها. وقاعدة العبادة التوقيفية والتأسي تقتضيه وإن كان
استفادته من النصوص مشكلة.
(و) يجب (أن يكون الخطيب قائما) حال الخطبة (مع القدرة) بلا خلاف أجده، بل عليه الإجماع في الخلاف و
التذكرة وشرح القواعد للمحقّق الثاني وروض الجنان،
للتأسي، والنصوص،
مضافا إلى المعتبرة المتقدم إليها
الإشارة وفيها : «إنّها صلاة حتى ينزل الإمام»
وعموم التشبيه أو المنزلة يقتضي الشركة في جميع الأحكام حتى وجوب
الطمأنينة كما عن التذكرة.
قالوا : ولو خطب جالسا مع القدرة بطلت صلاته وصلاة من علم بذلك من المأمومين، ويعلم وجهه ممّا سبق.
وفي وجوب
الاستنابة مع الضرورة إشكال كما عن التذكرة،
وعن
نهاية الإحكام الأولى أن يستنيب غيره. ولو لم يفعل وخطب قاعدا أو مضطجعا جاز كالصلاة.
(وفي وجوب الفصل بينهما بالجلوس تردّد) للفاضلين هنا وفي المعتبر والمنتهى
: من التأسي بالنبي و
الأئمة :، وخصوص المعتبرة المستفيضة الآمرة به.
ومن أنه فصل بين ذكرين جعل للاستراحة فلا يتحقق فيه معنى الوجوب، وإنّ فعل النبي صلي الله عليه و آله وسلم كما يحتمل أن يكون تكليفا يحتمل أنه
للاستراحة وليس فيه معنى التعبد، ولأنّا لا نعلم الوجه الذي أوقعه عليه فلا يجب المتابعة.
نعم (أحوطه الوجوب) تحصيلا للبراءة اليقينية، سيّما مع عدم ظهور قائل بالاستحباب صريحا بين الطائفة وإن احتمله عبارة المهذّب والنهاية
المعبّرة عنه ب: ينبغي، الظاهر فيه. والأظهر الوجوب، كما هو الأشهر على الظاهر، المصرّح به في عبائر جمع،
بل لعلّه عليه عامة من تأخر، لما مرّ، مع ضعف وجوه الاستحباب بابتناء بعضها على منع وجوب التأسي في العبادات، وهو ضعيف كما قرّر في محلّه، وضعف آخر منها بعدم نصّ عليه، بل هو استنباط محض لا يجوز الاستناد إليه، ومع ذلك شيء منها لا يصلح لصرف الأوامر عن ظواهرها إلى
الاستحباب .
والأولى السكوت في حالة الجلوس، للنهي عن
التكلم حالته في الصحيح.
وأن يكون بقدر قراءة
التوحيد كما في آخر.
وذكر جماعة أنه لو عجز عن
القيام في الخطبتين فصل بينهما بسكتة،
ولا يبعد. وفي التذكرة احتمال الفصل بينهما
بالاضطجاع ،
وهو ضعيف.
(ولا يشترط فيهما
الطهارة ) وفاقا للحلّي،
وعليه الفاضل في القواعد وغيره،
للأصل، مع عدم وضوح المخرج عنه، سوى التأسي، والاحتياط، وعموم التشبيه في المعتبرة المتقدمة بأنها صلاة حتى ينزل الإمام. ولا حجة في شيء منها، لضعف الأوّل بما مرّ. وفيه ما سبق. والثاني : بمعارضته بالأصل. وفيه : أنه عام بالنسبة إلى ما دلّ على لزوم الاحتياط في نحو العبادات من
استصحاب شغل الذمة المستدعي للبراءة اليقينية، وهو خاص فليقدّم. والثالث : باحتمال عود الضمير إلى الجمعة، ويعارض القرب الوحدة. «وحتى» غاية للخطبتين. سلّمنا لكن ليس المراد الحقيقة الشرعية إجماعا بل المشابهة، ويكفي فيها بعض الوجوه، وحمله على اشتراط الطهارة ليس بأولى من الحمل على
الثواب والحرمة.
وفيه : ظهور السياق في رجوع الضمير إلى الخطبة، ولا يعارضه الوحدة، لتوسط الضمير بين اسمين فيجوز مراعاة أيّهما كان في المطابقة، وجعل «حتى» غاية للخطبة بعيد غايته. مع أن هذا الاحتمال على تقدير تسليمه لا يجري إلاّ في الصحيح من تلك المعتبرة، وأمّا
المرسل منها المروي في الفقيه و
المقنع فلا يحتمله، لتثنية الضمير فيه بقوله : «فهما صلاة» والأصل في المشابهة الشركة في جميع وجوه الشبه حيث لا يكون لبعضها على بعض رجحان بالشيوع والتبادر والغلبة كما في مفروض المسألة، وكفاية بعض الوجوه في صحة التشبيه حسن حيث يعلم ولم يلزم
إجمال ، وأما معه كما فيما نحن فيه فلا. فإذا الوجوب أظهر، وفاقا للمبسوط والخلاف وابن حمزة،
وعليه من المتأخرين جماعة.
وظاهر الأدلة اعتبار الطهارة عن الحدث والخبث مطلقا، وكونها شرطا في الخطبتين، بل الصلاة أيضا كما مضى.
(وفي جواز إيقاعهما ) أي الخطبتين خاصة (قبل الزوال روايتان، أشهرهما الجواز) ففي الصحيح : «كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يصلي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك ويخطب في الظل الأول، فيقول
جبرئيل عليه السلام : يا محمّد قد زالت الشمس فانزل فصلّ».
وعليه جماعة من القدماء ومنهم الشيخ في الخلاف مدّعيا عليه الإجماع،
وهو حجة أخرى بعد الرواية. مضافا إلى النصوص الموقتة
لصلاة الجمعة أو الظهر يومها بأول الزوال وهي كثيرة.
وتأويل الصلاة بها وما في حكمها أعني الخطبة لكونها بدلا من الركعتين خلاف الظاهر، كتأويل الخطبة في الرواية بالتأهب لها كما عن التذكرة،
وتأويل الظلّ الأول بأول الفيء كما في المنتهى،
وتأويله بما قبل المثل من الفيء، والزوال عن المثل كما في
المختلف ،
مع أن الأخير يستلزم
إيقاع الصلاة بعد خروج وقتها عنده إلاّ أن يؤوّل الزوال بالقريب منه.
والرواية الثانية ما دلّ على أن الخطبة بعد الأذان كآية (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ)
ففي الصحيح : عن الجمعة، فقال : «بأذان وإقامة، يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب» الخبر.
لكنه مضمر، إلاّ أن يجبر بموافقته الكتاب. لكن في دلالته كالرواية قصور، لابتنائها على كون الأذان يوم الجمعة عند الزوال، وهو ممنوع كما قيل.
ولا يخلو عن نظر. فتصح الدلالة ويحصل الجبر، مضافا إلى حصوله بالشهرة المتأخرة المقطوعة، والمطلقة المحكية في صريح روض الجنان وظاهر
الذكرى والتذكرة.
فلا يخلو القول بهذه الرواية عن قرب، سيّما مع تأيدها بالنصوص الدالة على أنّ الخطبتين بدل من الركعتين أو صلاة فلا تقدّمان على وقتها، وبالاحتياط لظهور
الاتفاق على جوازهما بعد الزوال. ويذبّ عن الرواية السابقة بأحد الوجوه المتقدم إليها الإشارة جمعا، أو يقال : المراد بها أنه عليه السلام كان إذا أراد تطويل الخطبة للإنذار و
الإبشار والتبليغ والتذكير كان يشرع فيها قبل الزوال ولم ينوها خطبة الصلاة ، حتى لو زالت الشمس كان يأتي بالواجب منها للصلاة ، ثمَّ ينزل فيصلّي وقد زالت بقدر شراك. ولا بعد في توقيت الصلاة بأول الزوال مع وجوب تأخير مقدماتها عنه فهو من الشيوع بمكان ، وخصوصا الخطبة التي هي كجزء منها ، مع أن جواز الخطبة بعد الزوال مجمع عليه ، وهو ينافي ظواهر
الإطلاقات فلا بدّ من تأويلها ، وهو كما يحصل بما يوافق الاستدلال كذا يحصل بما ينافيه وهو ما ذكرنا. وعن الإجماع : بالوهن بمصير المعظم إلى الخلاف مع معارضته بالشهرة المحكية على الخلاف ، ولكن المسألة مع ذلك لا تخلو عن الشبهة ، والاحتياط يقتضي مراعاة الرواية المانعة.
( ويستحب أن يكون الخطيب بليغا ) جامعا بين
الفصاحة التي هي عبارة عن خلوص الكلام من ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد وعن كونها غريبة وحشية ، وبين البلاغة التي هي القدرة على تأليف الكلام المطابق لمقتضى الحال من التخويف و
الإنذار وغيرهما بحيث يبلغ به كنه المطلوب من غير
إخلال ولا
إملال . ( مواظبا على الصلوات ) محافظا عليها في أوقاتها. متّصفا بما يأمر به مجانبا ما ينهى عنه. ( متعمّما ) شتاء كان أو صيفا. ( مرتديا
ببرد يمنية ) أو عدنية. ( معتمدا في حال الخطبة على شيء ) من قوس أو عصا أو سيف وأمثالها. ( وأن يسلّم ) على الناس ( أوّلا ، ويجلس أمام الخطبة ) على المستراح وهو الدرجة من المنبر فوق التي يقوم عليها للخطبة.
للنصوص المستفيضة فيما عدا الأوليين،
وأمّا هما فقد علّلا بأنّ لهما
أثرا بيّنا في القلوب وللوعظ معهما وقعا في النفوس. ولا خلاف في شيء من ذلك إلاّ من الخلاف في استحباب السلام فنفاه،
لأصالة البراءة عمّا لم يثبت التكليف به ولو ندبا في الشريعة. وهو حسن لو لا المرفوعة الناصّة به
المنجبرة بالشهرة، مضافا إلى جواز
المسامحة في أدلة السنن والكراهة، وعموم أدلة استحباب
التسليم ،
الشامل لمفروض المسألة، ولذا عن الفاضل في النهاية والتذكرة استحباب التسليم مرتين،
مرّة إذا دنا من المنبر يسلّم على من عنده، قال : لاستحباب التسليم على كلّ وارد، واخرى إذا صعده فانتهى إلى الدرجة التي تلي موضع القعود استقبل الناس فسلّم عليهم بأجمعهم، قال : ولا يسقط بالتسليم الأول، لأنه مختص بالقريب من المنبر والثاني عام. واعلم أنّ قوله (ثمَّ يقوم فيخطب جاهرا) أي رافعا صوته بها ليس ممّا يتعلق به الاستحباب، لوجوب القيام كما مرّ، وكذا
الإجهار ، للتأسي، وتحصيلا لفائدة الخطبة من
الإبلاغ والإنذار.
رياض المسائل، ج۳، ص۳۲۶- ۳۳۹.