الانتحار
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الانتحار (توضيح).
انتحر
الرجل ، أي نحر نفسه، أي قتل نفسه، ويعبّر
الفقهاء عن ذلك بقتل
الإنسان نفسه.
مصدر انتحر، يقال: انتحر
الرجل ، أي نحر نفسه،
وأضاف
الزبيدي : «أي قتل نفسه».
ويعبّر
الفقهاء عن ذلك بقتل
الإنسان نفسه، إلّابعض المتأخّرين فقد عبّروا في بعض المواضع بالانتحار.
وهو عند الفقهاء
قطع الأعضاء الأربعة من
الرقبة ، وهي:
المري و
الحلقوم و
الودجان ، وقد يطلق
الذبح على
القتل بمجرّد فري الأوداج المؤدّي إلى
الموت .
والانتحار أعم من هذه الجهة؛ لأنّه قد يحصل بذبح الإنسان نفسه، وقد يحصل بقتلها بطريقة اخرى وإن كان
منشأ الكلمة من هناك.
قد يتحقّق الانتحار بفعل ما يوجب
إتلاف النفس و
إهلاكها ، وقد يتحقّق بترك ما يوجب حفظها وإحيائها:
وهذا قد يكون بمباشرة المنتحر نفسه للقتل، وقد يكون نتيجة تسبيبه إلى ذلك.
والأوّل من قبيل
طعن الجسم بالسكّين أو ضربه
بالسيف أو
إطلاق النار على
الرأس أو
القلب ونحوه، أو
إلقاء النفس في النار المتأجّجة أو إلقائها من
شاهق أو في
نهر عميق، أو من قبيل
شرب السمّ القاتل ونحوه.
والثاني من قبيل
الإقرار بجريمة عقوبتها القتل من دون أن يكون قد اشترك فيها، أو من قبيل
تغرير غيره بقتله.
وقد يتحقّق قتل النفس عن
طريق الخطأ ، كما لو أراد أن يرمي صيداً فأصاب نفسه خطأ ومات، أو عن طريق الخطأ شبه
العمد ، كما لو جرح نفسه
بسلاح من دون قصد الانتحار فمات نتيجة لسراية
الجرح إلى نفسه، أو ضرب نفسه بما لا يقتل عادة فمات من جرّاء ذلك. إلّاأنّ هذا لا يدخل في معنى الانتحار، أي قتل النفس عمداً.
إذا تعرّض الإنسان لخطر يعلم أنّه سوف يؤدّي به إلى
الهلكة والموت وكان بإمكانه
التخلّص منه ولم يفعل كان ذلك انتحاراً.
من قبيل
الامتناع عن
الحركة لتخليص النفس من الهلاك جراء
السقوط في نار أو
ماء يمكنه التخلص منهما، فمن القي في
شيء من هذا القبيل ولم يحرّك نفسه ليخرج منه حتى مات فقد تسبّب في قتل نفسه، وهذا وإن لم يتعرّض له الفقهاء بشكل
مباشر إلّاأنّه يستفاد من حكمهم بأنّ من كان حاله كذلك ولم يفعل شيئاً لتخليص نفسه من الهلاك لا يثبت
القصاص أو
الدية على من ألقاه فيه؛ وتعليلهم ذلك بأنّ الهلاك
مستند حينئذٍ إلى الممتنع نفسه لا إلى الملقي له في ذلك المكان الذي لا يكون الإلقاء فيه وحده سبباً للموت.
قال
الشيخ الطوسي : «إذا طرحه في النار نظرت فإن أسعر له ناراً في
حفيرة حتى إذا تجحّمت ألقاه فيها فلم يمكنه الخروج منها حتى مات فعليه
القود ، وإن كانت النار على
بسيط الأرض فمات فإن لم يمكنه التخلّص منها مثل أن كان ضعيف
الخلقة أو كبيراً أو مكتوفاً أو غير
مكتوف لكنّ النار قهرته ومنعته من الخروج فعليه القود، وأمّا إن أمكنه الخروج منها فلم يفعل حتى مات، وإنّما يعلم هذا منه بأن يقول: أنا
قادر على الخروج ولست أخرج أو كان بقرب
البئر ، ومعلوم أنّه لو انقلب حصل خارجاً عنها فلا قود؛ لأنّه أعان على قتل نفسه. وأمّا الدية قال قوم: فيه الدية؛ لأنّه هو
الجاني بإلقائه في النار، وترك التخلّص مع
القدرة لا يسقط
الضمان عن الجاني كما لو جرحه فترك المجروح
مداواة نفسه حتى مات فإنّه ضامن.
وقال آخرون: لا دية، وإنّما عليه ضمان ما شيّطته النار؛ لأنّه لما قدر على
الخلاص فلم يفعل كان هو الذي أهلك نفسه وأتلفها، فهو كما لو خرج منها ثمّ عاد فيها».
وقال
فخر المحقّقين : «وترك فعل
دافع الهلاك
سبب في قتل نفسه».
وقال
السيّد الخوئي : «لو ألقى شخصاً في النار أو
البحر متعمّداً فمات، فإن كان متمكّناً من الخروج ولم يخرج باختياره فلا قود ولا دية؛ فإنّ الموت حينئذٍ مستند إلى نفسه لا إلى فعل الملقي، فلا يتحقّق موجب القصاص ولا موجب الدية».
ونحوه حكم
السيّد الخميني في
التحرير .
من تعمّد الامتناع عن ما تتوقّف عليه ديمومة
الحياة واستمراريتها
كالأكل والشرب- مثلًا- حتى الموت يعدّ منتحراً وقاتلًا لنفسه، وهذا وإن لم يتعرّض له الفقهاء أيضاً إلّابعض المعاصرين كما سيأتي نقل كلامه إلّاأنّه يستفاد من مسألة مَن حبس غيره ومنعه عن
الشراب و
الطعام مدّة لا يحتمل فيها
البقاء ، حيث اعتبره الفقهاء قتلًا عمديّاً؛ لأنّه يصدق عليه عرفاً هذا العنوان.
قال
المحقّق النجفي : «لو حبسه ومنعه الطعام والشراب، فإن كان مدّة لا يحتمل مثله البقاء فيها،
صحةً و
مرضاً و
شبعاً و
جوعاً و
ريّاً و
عطشاً فمات فهو عمد بلا
خلاف ولا إشكال، وإن لم يكن كذلك، بل كان مدّة يحتمل مثله البقاء فيها، ولكن أعقبه ذلك مرضاً علم أنّه مسبّب عنه مات به، أو ضعف قوّة كذلك حتى تلف فيه فهو عمد وإن لم يرد القتل».
وكذا يستفاد ذلك من حكمهم بوجوب حفظ النفس ولو
بتناول المحرّم من الأطعمة لو لم يجد
المضطرّ غيرها؛ لتوقّف بقاء حياته عليه، وفتواهم بعدم جواز تركه و
التنزّه عنه في هذه الحال.
قال
المحقّق الحلّي : «
القصد حفظ النفس، وهل يجب التناول للحفظ؟ قيل: نعم، وهو
الحقّ ، فلو أراد التنزّه والحال حالة
خوف التلف لم يجز».
وقد استدلّوا على وجوب حفظ النفس بقوله سبحانه وتعالى: «وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ
اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً»،
وقوله تبارك وتعالى أيضاً: «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ».
هذا، وقد صرّح بعض المعاصرين بحكم ذلك في جواب سؤال عن
حكم إضراب
السجين عن الطعام
احتجاجاً على الحكم الصادر في حقّه أو على ظروف السجن الذي هو فيه، حيث قال: «يجوز ذلك إلّا إذا وصل إلى مرتبة يخاف على النفس أو تؤدّي إلى
نقص يعدّ
جناية عليها، فيحرم».
لا
شبهة في عدم عدّ الامتناع عن
المعالجة من الأمراض والتداوي انتحاراً وإقداماً على قتل النفس عرفاً، وكذا عند الفقهاء، إذا كان لا يعلم أنّ هذا
الترك يؤدّي إلى الموت، وإن كان يعتبر تاركاً للواجب، وهو حفظ النفس عن التلف.
نعم، في الموارد التي يكون حفظ الحياة فيها متوقّفاً على المعالجة والتداوي وكان يعلم بذلك، كما هو الحال في الجراح
البليغة أو الأمراض
المخوفة ، أو كان الجرح بسيطاً لكن تركه من دون معالجة يؤدّي إلى سريانه وكان العلاج موثوقاً به في رفع الخطر، قد يحكم بشموله بحكم الانتحار، إلّاأنّه قد يشكل بأنّ
العرف لا يرى في المريض الذي يترك مداواة نفسه مع علمه بأنّه قد يؤدّي به ذلك إلى الموت أنّه منتحر.
ويمكن
استظهار ذلك من كلام السيّد الخوئي في وجه الحكم في مسألة ما لو أحرقه بالنار قاصداً به قتله، أو جرحه كذلك فمات فعليه القصاص وإن كان متمكّناً من
إنجاء نفسه بالمداواة وتركها باختياره، حيث قال: «لأنّ القتل مستند إلى فعله وهو الجرح و
الإحراق ، وترك المداواة وإن كان دخيلًا في تحقّق الموت، إلّا أنّ الموت لم يستند إليه، فإنّه من آثار
المقتضي ، والمداواة من قبيل المانع، فإذا لم يوجد- ولو اختياراً- استند
الأثر إلى المقتضي... فالقتل عند عدم المداواة يستند إلى المحرق أو الجارح دون المقتول».
لو اكره شخص على قتل نفسه، فهل يجوز له قتل نفسه أم لا؟
الظاهر أنّه لا إشكال في أنّه لا يتحقّق
الإكراه ولا يجوز
الإقدام فيما إذا كان ما توعّد به دون القتل كما صرّح بذلك الفقهاء في مسألة الإكراه على قتل الغير؛ إذ لا يظهر الفرق بين المقامين، وإنّما الكلام فيما إذا توعّده بالقتل، والمعروف بين الفقهاء في تلك المسألة عدم الجواز للروايات النافية
للتقية في الدماء، ولعدم رافعية الإكراه حرمة قتل الغير لورودها مورد الامتنان، وأمّا في هذه المسألة فيقوى الإشكال ويشتدّ عمّا هو عليه في الإكراه على قتل الغير، من جهة
الفائدة من
امتثال هذا الأمر المكره عليه وعدمه؛ لأنّ نتيجته قتل نفسه فلا معنى للاضطرار في هذا الحال، وإلى هذا الأمر أشار بعض الفقهاء:
قال : «لو أكرهه على قتل نفسه، بأن قال: اقتل نفسك وإلّا قتلتك، فقتل نفسه، ففي وجوب القصاص على المكرِه وجهان، منشؤهما أنّ الإكراه هل يتحقّق للعاقل على هذا الوجه أم لا؟ أحدهما: نعم، فيجب القصاص على المكرِه؛ لأنّه بالإكراه على القتل والإلجاء إليه قاتل له. وأظهرهما: المنع، وأنّ ذلك ليس بإكراه حقيقة؛ لأنّ المكرَه من يتخلّص بما امر به عمّا هو أشدّ عليه، وهو الذي خوّفه المكرِه به، وهنا المأمور به القتل والمخوّف به القتل، ولا يتخلّص بقتل نفسه عن القتل، فلا معنى لإقدامه عليه، فظهر بذلك
رجحان عدم تحقّق إكراه
العاقل عليه»،
وإليه ذهب المعظم.
نعم، قد يقع الكلام فيما لو كان التخويف بقتل أشدّ وأصعب من
النوع الذي يقتل به المكرَه نفسه، فهنا قد يقال بتحقّق الإكراه على قتل النفس.
قال
الشهيد الثاني : «نعم، لو كان
التهدّد بقتل أشدّ ممّا يقتل به المكره نفسه- كقتل فيه
تعذيب - اتّجه تحقّق الإكراه حينئذٍ؛ لأنّ المكره يتخلّص بما أمر به عمّا هو أشدّ عليه، وهو نوع القتل الأسهل من النوع الأشقّ».
ولكن قد يناقش فيه بأنّ هذا الاعتبار لا يسوّغ قتل النفس
المنهي عنه، قال المحقّق النجفي: «وقد يناقش بأنّ ذلك لا يقتضي جواز قتله لنفسه المنهي عنه، فلا حكم لإكراهه
المزبور ، وحينئذٍ يكون المباشر أقوى من السبب، واحتمال
الجواز باعتبار شدّة الأمر المتوعّد به منافٍ لإطلاق دليل المنع، وإلّا لجاز للعالم بأنّه يموت عطشاً- مثلًا- أن يقتل نفسه بالأسهل من ذلك».
وظاهر هذه الكلمات بل صريحها عدم جواز القتل فضلًا عن عدم ترتّب القود على المكره.
إلّاأنّ السيّد الخوئي فصّل بين
الحكم التكليفي و
الوضعي الذي هو ثبوت القود على المكره وعدمه، حيث ذهب إلى أنّ الشخص إذا كان متوعّداً بما يزيد على القتل من خصوصياته، كما إذا قيل له: اقتل نفسك وإلّا لقطّعت إرباً إرباً، فالظاهر جواز قتل نفسه عندئذٍ، لعدم قصور شمول دليل الإكراه لذلك فترتفع به حرمة قتل النفس
المحترمة ، إلّاأنّه لم يثبت القود على المكرِه؛ لأنّ إكراه شخص على قتله و
توعيده بنوع من القتل أصعب من النوع الذي يقتل به نفسه لا يوجب خروج المكرَه- بالفتح- عن الاختيار، فإنّه باختيار قتل نفسه دفعاً للفرد الأشد والأصعب، وعليه فبطبيعة الحال يستند القتل إليه
حقيقة دون المكرِه- بالكسر- فلا موجب عندئذٍ للقود.
الموسوعة الفقهية، ص۳۴۴-۳۶۶.