ما لا يصح الاستنجاء به
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو عبارة عن الأعيان النجسة، والعظم،
والروث ، والمحترمات، والمطعومات.
وهي تشمل سائر الأعيان المتنجّسة،
ولم نعثر على قائل بحرمة
الاستنجاء بها رغم تعرّض الكثير من الأعلام لحكمها الوضعي الذي تقدّم الكلام حوله في بحث شروط ما يستنجى به.
صرّح الفقهاء بحرمة الاستنجاء بالعظم،
بل قيل: إنّه لا خلاف فيه،
بل ادّعي عليه
الإجماع .
واستدلّ له بدليلين:
الروايات المستفيضة
:
منها: رواية
ليث المرادي عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن استنجاء الرجل بالعظم أو
البعر أو العود، قال: «أمّا
العظم والروث فطعام الجنّ، وذلك ممّا اشترطوا على
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم»، فقال: «لا يصلح بشيء من ذلك».
ومنها: ما رواه
الحسين بن زيد عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم- في حديث المناهي- قال:«ونهى أن يستنجي الرجل بالروث والرمّة (الرمّة: هي العظم البالي.)
ومنها: ما روي من أنّ وفد الجانّ جاؤوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: يا رسول اللَّه متّعنا، فأعطاهم الروث والعظم فلذلك لا ينبغي أن يستنجى بهما.
ويؤيّده
بل يدلّ
عليه غير واحدة من الروايات الواردة في كتب الجمهور، كرواية
ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: «لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام؛ فإنّه زاد إخوانكم من
الجنّ ».
لكن
الإشكال في سند هذه الروايات ودلالتها:
أمّا السند فلوجود
علي بن خالد في الاولى، فإنّه وإن كان إماميّاً إلّاأنّ وثاقته غير ثابتة.
ولوجود
شعيب بن واقد في الثانية؛
باعتباره مجهول الحال.
وإرسال الثالثة المذكورة من دون سند، ومثلها الروايات الاخرى.نعم، لو قيل
بانجبار ضعف الروايات بعمل الأصحاب والشهرة والإجماعات المنقولة
تمّ
الاستدلال بها من حيث السند.وأمّا الدلالة فلعدم
استفادة الحرمة من بعض الروايات المذكورة، كالرواية الاولى التي وردت فيها جملة (لا يصلح)، وهي أعمّ من نفي الجواز أو التطهير،
وكالرواية الثالثة التي وردت فيها جملة (لا ينبغي) التي هي أعمّ من الحرمة والكراهة، بل الذي فهمه بعضهم من جملة (لا يصلح) خصوص
الحكم الوضعي ،
كما سيأتي.
شمول الأدلّة الدالّة على حرمة الاستنجاء بالمطعوم للعظام أيضاً؛ لأنّها منها.
ويدلّ عليه بعض الروايات التي ذكرت في وجه الحرمة أنّها من طعام الجنّ.وهي رواية ليث المرادي وابن مسعود المتقدمتين.إلّاأنّ صحّة هذا الاستدلال فرع تمامية تلك الروايات.وفي مقابل المشهور ذهب
الحرّ العاملي إلى الكراهة، وعقد باباً في
الوسائل تحت عنوان (كراهة الاستنجاء بالعظم والروث)؛
ولعلّه استظهر ذلك من الروايتين اللتين ورد في إحداهما:«لا ينبغي» وفي الاخرى: «لا يصلح».واحتمل
العلّامة الكراهة في
التذكرة ،
لأصالة البراءة .
بينما التزم بعضهم جانب
الاحتياط .
ولابدّ من
الإشارة هنا إلى نقطتين:
الاولى: أنّه لا فرق بناءً على حرمة الاستنجاء بالعظم بين عظم الميّت أو الحيّ، وبين القابل
للتذكية وغيره.
الثانية: أنّ هناك من احتمل أن تكون الحرمة أشدّ إذا كان العظم المستنجى به من حيوان متقرّب بذبحه إلى اللَّه تعالى، كما لو كان هدياً مثلًا.
وهو كالعظم حكماً ودليلًا، والظاهر من النصوص والفتاوى
والإجماعات أنّ المراد به رجيع ذات الحافر من الخيل والبغال والحمير ونحوها
من حيوانات البرّ.
فلا يدخل فيه رجيع ذات الظلف وذات الظفر والخفّ فإنّه يجوز الاستنجاء بها؛
للأصل،
ولجواز الاستنجاء بكلّ جسم إلّا ما خرج بالدليل يقيناً، بل قد يشعر به ما في خبر ليث، حيث سأله عن البعر فعدل في الجواب إلى الروث،
ممّا يعني
اختصاص الحكم برجيع ذات الحافر.
واورد عليه بأنّ العدول إلى الروث دليل على
إرادة مطلق الرجيع؛ لمغايرة البعر للروث، ففي العدول إليه دلالة على
التعميم لا العكس. نعم، لو كان البعر عامّاً شاملًا للروث أمكن اعتبار العدول دليلًا على الاختصاص.
ويشهد لذلك
استدلال العلّامة
بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من استنجى بعظم أو رجيع فهو بريء من محمّد صلى الله عليه وآله وسلم»،
حيث استعملت كلمة (رجيع) بدلًا من (البعر).ولعلّه لذلك حكم البعض بأنّ الأولى بل الأحوط تجنّب رجيع ذات الخفّ والظلف، بل رجيع كلّ حيوان.
اللهمّ إلّاأن يقال: إنّ (البعر) المنقول عن الدعائم
محمول على الروث؛ لعدم الجابر له على إطلاقه،
كما أنّ أهل اللغة صرّحوا بأنّ (الرجيع) هو الروث.
والمراد بها كلّ ما كان
احترامه واجباً في الدين أو المذهب.
كورق المصحف العزيز، وكلّ ما كتب عليه أسماء اللَّه تعالى وصفاته، وأسماء الأنبياء والأئمة عليهم السلام، وكتب الحديث
والفقه والأدعية والزيارات، وسائر العلوم الدينيّة، وكذا حجر
الكعبة وثوبها، وحجر
زمزم ،
والتربة الحسينية ، وتربة مشاهد الأئمة عليهم السلام، والضرائح المقدّسة وأستارها والقناديل، بل الظاهر أنّ منها قبور أعاظم الصحابة وكبار الشهداء
كالعبّاس عليه السلام وشهداء
كربلاء رضوان اللَّه عليهم.
وليس من المحترمات أجزاء الحيوان والنقدان والنفيس من الجواهر.
وكيف كان، فلا إشكال في حرمة الاستنجاء بالمحترمات، بل ادّعي عدم وجدان الخلاف في كلّ محترم، بل قيل:إنّه لا يليق بالفقيه المتمرّس
المطالبة بدليل فيه، بل يمكن استفادة ذلك من
الاتّجاه العام في الشريعة وأحكامها في مجالات مختلفة
:
منها: ما دلّ على وجوب تعظيم الشعائر،
كقوله تعالى: «وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ»،
حيث يمكن التمسّك بها لحرمة الاستنجاء بالمحترمات أيضاً؛ لما في الاستنجاء بها من الهتك
والاستخفاف بالشريعة.
ومنها: ما دلّ على حرمة مسّ المحدث كتابة
القرآن الكريم وأسماء اللَّه تعالى أو اسم أحد الأنبياء أو الأئمّة عليهم السلام
الدالّ بالأولوية على المنع من الاستنجاء به.
ومنها: ما دلّ على وجوب صون القرآن الكريم والكتب التي فيها اسم اللَّه تعالى والأنبياء عليهم السلام عمّن ليس بطاهر،
فعن
ملاقاة النجاسة بطريق أولى، ولأنّه هو الظاهر من قوله تعالى: «فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ• مَرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ».
ومنها: فحوى خبر
هشام بن سالم قال:سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن صاحب لنا فلّاح يكون على سطحه الحنطة والشعير فيطؤونه ويصلّون عليه، قال: فغضب، ثمّ قال: «لولا أنّي أرى أنّه من أصحابنا للعنته».
وليس فيه: «فلّاح».هذا كلّه إذا كان الاستنجاء بالمحترمات من دون قصد
الإهانة . وأمّا معه فهو يوجب الكفر في جميعها،
أو بعضها.
وقد روي أنّ
موسى بن عيسى الهاشمي أهان التربة الحسينية فأدخلها في دبره فمات بعد أن خرجت أمعاؤه.
ولابدّ من الإشارة هنا إلى نقطتين:
النقطة الاولى: أنّ حرمة الاستنجاء بالمحترمات تبقى ما دام الشيء المحترم باقياً على ماهيّته وعنوانه، فإن استهلك وتبدّل عنوانه زالت عنه حرمة الاستنجاء.
النقطة الثانية: أنّ بعض الأشياء ليست بدرجة من الاحترام بحيث يستلزم احترامها المنع التحريمي عن الاستنجاء بها، كالأحجار المأخوذة من قبور المؤمنين وما يحاذيها، وما اخذ للتبرّك من ثياب العلماء والصلحاء والسادات، فإنّ الاستنجاء بها يكون على مستوى الكراهة فقط.
لا إشكال في حرمة الاستنجاء بالمطعوم، بل نسبه في
المنتهى إلى علمائنا،
كما أنّ في
الغنية والروض الإجماع عليه،
بل ادّعي
استفاضة نقله.
واستدلّ له بعدّة أدلّة:
منها: الروايات الدالّة على أنّ المطعوم من المحترمات.كرواية
عليّ بن إبراهيم في تفسير قوله تعالى: «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ»،
قال: «نزلت في قوم كان لهم نهر يقال له: الثرثار، وكانت بلادهم خصبة كثيرة الخير، وكانوا يستنجون بالعجين ويقولون: هو ألين لنا، فكفروا بأنعم اللَّه واستخفّوا بنعمة اللَّه فحبس اللَّه عليهم الثرثار، فجدبوا حتى أحوجهم اللَّه إلى ما كانوا يستنجون به حتى كانوا يتقاسمون عليه».
وقريب منه ما رواه
عمرو بن شمر عن
الإمام الصادق عليه السلام.
وكرواية هشام بن سالم المتقدّمة
ورواية
عمرو بن جميع ،
فإنّه روي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم على عائشة فرأى كسرة كاد أن يطأها، فأخذها وأكلها، وقال: يا حميرا أكرمي جوار نعم اللَّه عليك، فإنّها لم تنفر عن قوم، فكادت تعود إليهم».الدالّتين بالأولوية على حرمة الاستنجاء بالمطعوم.
وكرواية
دعائم الإسلام ، قال:نهوا عليهم السلام عن الاستنجاء بالعظام والبعر وكلّ طعام.
والرواية وإن كانت ضعيفة
باعتقاد البعض؛ لعدم قبولهم كتاب الدعائم،
إلّاأنّها منجبرة في رأي البعض الآخر بالإجماع المتقدّم،
والأولويّة المستفادة من أخبار العظم والروث،
ولا أقلّ من اعتبارها مؤيّداً في هذا المجال.
ومنها: الأخبار الواردة في العظم والروث الناهية عن الاستنجاء بهما؛ لأنّهما طعام الجنّ،
فيكون طعام أهل الصلاح أولى بالمنع.
ولكن تنظّر في ذلك بعض الفقهاء.
ثمّ إنّ هذه الروايات يمكن
الاعتماد عليها مع
اعتضاد بعضها ببعض، وانجبار ضعفه بالآخر.
هذا مضافاً إلى أنّ القول بالحرمة هو مقتضى الاحتياط في المسألة.
ومنها: أنّ ذلك أيضاً هو مقتضى الحرمة المانعة من
الاستهانة بالمحترمات؛
وإن تنظّر فيه صاحب المدارك
فإنّ في الاستنجاء بها هتكاً غير قابل للوصف.
هذا، مضافاً إلى أنّ الاستنجاء بما خلقه اللَّه تعالى للأكل كاد أن يكون كفراً؛ لما فيه من التحقير والاستخفاف بأنعمه العظام، واللَّه تعالى لا يرضى لعباده الكفر بأنعمه.
ثمّ إنّه لا فرق في عدم جواز الاستنجاء بالمطعوم بين
الإزالة للنجاسة أو التطهير الشرعي، كما أنّه لا فرق في المطعوم بالنسبة إلى قوم دون قوم؛ ولعلّه يشعر به التعليل بطعام الجنّ.
وعلى أيّة حال، فالمقصود بالمطعوم ما كان طعاماً
للإنسان دون المختصّ بالحيوان، كما يظهر ذلك من الأمثلة المضروبة له كالخبز والفاكهة وغيرهما.
وقد ذكر بعض الفقهاء المطعوم في عداد المحترمات؛
بل لم يتعرّض له بعضهم، بل اكتفى بذكر المحترمات،
ويظهر من بعضهم تخصيص الحكم بالمحترم، وهو قاض بأنّ منه محترماً وغير محترم.
بينما ذكر جملة منهم المطعوم مستقلًاّ عن المحترمات،
وفرّع عليه حكم الاستنجاء بالمحترمات.
لكن في الجواهر أنّ الذي يظهر من كلماتهم، ومن قوله تعالى: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ»،
وكذا من التعليل في بعض الروايات بأنّ العظم والروث من طعام الجنّ: هو ثبوت الاحترام لكلّ نعم اللَّه تعالى المطعومة، وإن كان لا يبعد عدم ثبوت الاحترام بالنسبة إلى بعض المطعومات غير المعتادة كبعض البقول، بل
الإنصاف أنّ حرمة الاستنجاء ببعض المطعومات المعتادة كاللحم ونحوه ليست مبنيّة على الاحترام. والحاصل: أنّ كلّ ما ثبتت فيه جهة احترام من الشرع يجري فيه الحكم وإن لم يكن مطعوماً بالفعل، بل ادّعي
الإجماع على المطعوم من غير
استثناء ،
كما تقدّم.
وخصّ بعضهم حرمة الاستنجاء بالمطعوم بالفعل، اقتصاراً فيما خالف
الأصل على موضع الوفاق، ومع عدم كونه مطعوماً بالفعل فالأظهر الجواز فيما لم يثبت احترامه.
وخصّها آخر بالطعام المحترم،
وقد تقدّم، بل بخصوص الخبر،
حيث نسبه إلى ظاهر بعض محدّثي متأخّري المتأخّرين. ولعلّه لورود النصّ فيه.
بينما فصّل رابع بين المعتاد وغيره، وقال- ما حاصله-: إن لم يكن معتاداً- كبعض البقول- فلا احترام له، ولكن ترك ذلك فيه لا يخلو من رجحان، وإن كان معتاداً فالمخبوز منه والمعجون محترم، وفي
إلحاق المطحون وجه، ولا يبعد تمشية الاحترام إلى كلّ معتاد من الثمار ونحوها، وأمّا الحبوب فمحترمة على وجه
الرجحان .
وهو
إجزاء الاستنجاء بما يحرم الاستنجاء به وعدمه، وفيه عدّة أقوال:
عدم الإجزاء، وهو ما ذهب إليه جماعة،نقله عن
السيد المرتضى في الذكرى
بل قيل: إنّه المشهور بينهم،نقله
النراقي عن والده في
مستند الشيعة بل ادّعي الإجماع عليه.
واستدلّوا له بعدّة أدلّة:
منها: الأخبار الكثيرة المرويّة من طرق الخاصّة والعامّة، كقول الإمام الصادق عليه السلام في رواية ليث المتقدّمة: «لا يصلح بشيء من ذلك».
وهو ظاهر في عدم حصول
الطهارة ، بل يستفاد من التعليل بعدم الصلاحية بطعام الجنّ تسرية الحكم إلى طعام الإنس، بل ربّما يقال بشموله لكلّ محترم.
واورد عليه بأنّه مجمل لا دلالة فيه على نفي إجزاء الاستنجاء؛
لاحتمال إرادة نفي الجواز
والإباحة ،
بل صرّح بعضهم بذلك.
ومنها: ما رواه الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه نهى عن الاستنجاء بالعظم والروث، وقال: «فإنّهما لا يطهّران».
وهذه الرواية وإن كانت واردة في العظم والروث إلّاأنّها تعمّ غيرهما؛ لعدم القول بالفصل،
أو لأولوية الحكم بعدم الصحّة في بعضها كالمطعومات.
واورد عليه:
أوّلًا: بأنّ هذا النوع من الروايات العامّية لا يجوز الاعتماد على سندها.
وثانياً: بأنّ النهي لا يقتضي الفساد في مثل هذه الأمور التي لا يشترط فيها نيّة القربة،
فهو كالاستنجاء بالحجر المغصوب الذي يجزي الاستنجاء به رغم حرمته.
هذا، مضافاً إلى
إمكان أن يكون ما روي من أنّهما لا يطهّران
إرشاداً إلى فقدان بعض صفات ما يستنجى به، كالقالعيّة بسبب صقالة العظم ورخاوة الروث.
ومنها: الإجماع المتقدّم الذي اورد عليه بأنّ معقده
الحكم التكليفي دون الوضعي
الذي هو مختلف فيه، كما يتّضح ذلك من خلال التعرّض للرأي المخالف.
ومنها: أنّ عدم الإجزاء هو مقتضى
استصحاب نجاسة المحلّ،
أو استصحاب المنع من دخول الصلاة.
الإجزاء، وهو مختار جملة من فقهائنا،
بل ادّعي عليه الشهرة بين أصحابنا؛
لقوله عليه السلام: «لا، حتى ينقى ما ثمّة» في جواب من سأل عن حدّ الاستنجاء،
فإنّه دالّ بإطلاقه أو عمومه على
الاكتفاء بما يحصل به النقاء،
ولا ينافيه تعلّق النهي به؛ لأنّه كتعلّقه بإزالة النجاسة بالماء المغصوب.
واورد عليه بأنّ الرواية لا عموم فيها من هذه الجهة؛ لاحتمال أن يكون السؤال عن العدد أو الكيفيّة التي يستنجى بها، فأجاب عليه السلام بأنّ حدّه النقاء من دون أن يعيّن نوع المطهّر.
ولو سلّم
الإطلاق من هذه الجهة فهو لا يشمل ما نهى الشارع عن استعماله؛ لأنّ غاية ما يمكن استفادته منه حينئذٍ الرخصة، وهي لا تناط بالمعاصي،
فإنّها كالرخصة في
التقصير لصلاة المسافر المنصرفة عن سفر المعصية.
ويدلّ على الإجزاء أيضاً: أنّ الغرض من الاستنجاء هو إزالة النجاسة وتحقّق النقاء، وقد حصل.
وأجيب عنه بأنّ المطلوب حصول النقاء، ولكن لا بكلّ مطهّر بل بما هو مسموح به في الشريعة.
هذا، ولكن استثنى بعض فقهائنا الاستنجاء بالمحترمات- كالاستنجاء بحجر الكعبة وثوبها، وأوراق كتب فيها القرآن والحديث،
ونحوها كالاستنجاء بما كتب عليه أسماء اللَّه تعالى وصفاته وأسماء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وكتب الأنبياء عليهم السلام وأسماؤهم.
- مع العلم
أو مع قصد
الإهانة أو كفر النعمة، فإنّه موجب للكفر، وكلّ ما يستتبع التكفير لا يترتّب عليه التطهير؛
إذ مع صيرورة المحلّ نجساً بالذات بسبب الكفر لا يُتصوّر تطهيره بالاستنجاء،
فلو عاد إلى
الإسلام وقبلت توبته بعد ذلك فلابدّ من
إعادة الاستنجاء.
لا يقال: إنّ الإسلام من جملة المطهّرات فلا حاجة إلى تطهير المحل مرّة اخرى.فإنّه يقال: بأنّ الإسلام مطهّر من النجاسة الكفريّة دون غيرها.
التفصيل بين العظم والروث وبين غيرهما فلا يجزي
الاستنجاء بهما، ويجزي بغيرهما.
والوجه فيه: أنّ العرف حاكم بعدم ترتّب الأثر على الاستنجاء بالأشياء التي ورد النهي عن الاستنجاء بها، بل قوله:(لا يصلح) ظاهر في عدم ترتّب
الأثر الشرعي عليه، بخلاف ما لم يرد فيها نهي،فإنّ العرف يعتبرها كالاستنجاء بالحجر المغصوب الذي يكفي الاستنجاء به وإن حرم؛ لكونه تصرّفاً في ملك الغير.
ومن خلال نقل الوجوه
المتضاربة في هذا المجال يمكنك التعرّف على السبب الذي دعا البعض إلى التوقّف في المسألة،
أو التزام جانب
الاحتياط فيها.
الموسوعة الفقهية، ج۱۲، ص۳۱۳-۳۲۵.