الانتحار (الحكم التكليفي)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الانتحار (توضيح).
لا
شبهة في
حرمة الانتحار بأيّ شكل كان، وهو من
الكبائر ؛ لأنّه من مصاديق
قتل النفس المحترمة ، قال تعالى: «وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ
اللّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ».
لا
شبهة في
حرمة الانتحار بأيّ شكل كان، وهو من
الكبائر ؛ لأنّه من مصاديق
قتل النفس المحترمة ، قال تعالى: «وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ
اللّهُ إِلَّا
بِالْحَقِّ »،
وقال تعالى: «وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً• وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً».
وقد روي عن
الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «من قتل نفسه متعمّداً فهو في نار
جهنّم خالداً فيها، قال اللَّه عزّوجلّ: «وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ...»».
هذا، وقد وقع الكلام في بعض المسائل التي تتفرّع على حرمة الانتحار و
القاء النفس في
التهلكة ، وهي ما يلي:
يقع الكلام- بعد
الاتّفاق على حكم الانتحار عمداً- في حكم
البقاء في مكان يحتمل
التعرّض فيه إلى
الخطر و
هلاك النفس، وأنّه هل يجب على
المكلّف حفظ نفسه عمّا يخاف معه الخطر و
الموت أم لا يجب في نفسه؟
فقد حكم معظم فقهائنا
بأنّ
حفظ النفس عن ذلك من
الواجبات .
بل صرّح
الشهيد الثاني بأنّ ترك هذا الحفظ محرّم في نفسه، حيث قال: «إنّ حفظ النفس من
التلف واجب، وتركه محرّم».
ولذلك حكم
المشهور في موارد
الاضطرار وتعرّض النفس إلى الهلاك بجواز
تناول المحرّم من
الأطعمة لأجل حفظ النفس، بل قيل بوجوب التناول وعدم جواز
التنزّه عنه.
قال: «لو أراد التنزّه والحال حالة
خوف التلف للنفس، بل أو
الضرر الذي لا يتحمّل عليها لم يجز ذلك؛ لأنّه إلقاء بيده في التهلكة».
وقال
الإمام الخميني : «في كلّ مورد يتوقّف حفظ النفس على ارتكاب محرّم يجب
الارتكاب ، فلا يجوز التنزّه والحال هذه، ولا فرق بين
الخمر و
الطين وبين سائر المحرّمات، فإذا أصابه
عطش حتى خاف على نفسه جاز
شرب الخمر بل وجب، وكذا إذا اضطرّ إلى غيرها من المحرّمات».
ونحوه أفتى السيّد الگلبايگاني.
قال : «لا يوجد تكليف يقدّم على حفظ النفس وإن كان وجوبه شديداً، بل لا يكون أوجب الفرائض، مثل
الفريضة اليومية وأشدّ منها، بل و
اصول الدين يجب فيها
التقية حفظاً للنفس، قال تعالى: «إِلَّا مَن اكرِهَ وَقَلبُهُ مُطمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ».
وورد: «لا دين لمن لا تقيّة له»،
و «التقيّة ديني و
دين آبائي»،
إلى غير ذلك من التشديدات فيها».
إلّاأنّ بعض فقهائنا بعد أن حكم بحرمة الانتحار وقتل النفس، نفى
الوجوب الشرعي عن حفظ النفس عن التعرّض للخطر، وصرّح بأنّ المقدمات المنتهية إلى قتل النفس ليست محرّمة في نفسها.
قال: «وأمّا حفظها عن الخطر فليس بواجب شرعي. نعم، هو ممّا يلزمه، وأين هو من
الحرام الشرعي ؟
ولذا لا يعاقب من لم يحفظ نفسه عنه إلى أن انتهى
الأمر إلى الهلاك مرّتين: إحداهما
لترك الواجب، والاخرى لفعل الحرام، فالمقدّمات المنتهية إلى الانتحار وقتل النفس ليست محرّمة شرعاً، فعليه لا يكون البقاء فيما هو محلّ خطر للنفس حراماً شرعياً، بحيث يعاقب عليه وإن لم ينته إليه؛ إذ الحكم في نحوه إنّما هو
احتياطي لا
واقعي ، بل كان
الغرض منه هو حفظ الواقع وعدم فواته، فمن وقف على موضع يعتقد الخطر فيه لا يكون إلّا
متجرّياً ، وأمّا
العصيان فلا، والحكم الشرعي في مثله
إرشاد إلى ما حكم به
العقل لإدراك الواقع، لا
لمصلحة فيه نفسه تفوت بالترك حتى يعاقب عليه، كغيره من موارد الاحتياطات
المجعولة لصيانة الواقع عن الفوات، وإنّما العصيان في ذلك بلحاظ أصل الانتحار والقتل، لا ترك التحفّظ».
وفي قباله ذكر بعض المعاصرين بأنّ
الإقدام على عمل يخاف منه على النفس في حكم الانتحار.
تعرّض الفقهاء في باب
الجهاد لحكم الثبات
أمام العدوّ وحرمة
الفرار من
القتال ، وقد ذكرت شروط لهذا الحكم، منها
التكافؤ من حيث العدد والعدّة، حيث لم يجوّزوا
الانصراف من القتال إذا كان
المشركون ضعف
المسلمين أو أقل، وجوّزوا الانصراف لو زاد عدد المشركين عن
الضعف من عدد المسلمين مع
تقارب الأوصاف ، أمّا لو زاد
الكفّار على الضعف وظنّ المسلمون
السلامة استحبّ الثبات، ولو ظنّ
العطب وجب الانصراف على ما عليه المعظم.
انطلاقاً من حرمة قتل النفس والإلقاء بها إلى التهلكة يقع الكلام في حكم
هجوم أحد المسلمين على صفّ العدوّ مع يقينه بأنّه سيقتل، وكان قصده
إعلاء الدين
و
الدفاع عن المسلمين.
وكذا يقع الكلام في حكم
العمليات الانتحارية (
الاستشهادية ) التي ينفّذها أحياناً
المجاهدون في
سبيل اللَّه ضدّ مراكز أعداء
الإسلام الذين غصبوا بلادهم وانتهكوا حرماتهم.
فقد يذهب البعض إلى عدم مشروعية مثل هذه
العمليات ، مستدلّاً على ذلك ببعض
الآيات الكريمة و
الروايات الشريفة:
فمن الآيات قوله تعالى: «وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ»،
وقوله تعالى: «وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ»،
فهما بظاهرهما تدلّان على حرمة قتل كلّ نفس محترمة، بلا فرق بين قتل
الإنسان نفسه أم قتل غيره، فتكون العمليات الاستشهادية من مصاديق ذلك.
ويلاحظ عليه بأنّ الآيتين الكريمتين لم تردا في قتل النفس مطلقاً، حيث استثنت الاولى القتل بالحقّ، وأناطت الثانية الحرمة ب (من يفعل ذلك عدواناً وظلماً)، وهذا يدلّ على عدم الحرمة مع وجود
هدف مشروع في القتل، وعليه لا يمكن
اعتبار العمليات الاستشهادية
استناداً لهاتين الآيتين الكريمتين من مصاديق القتل المحرّم.
وقد يستدل أيضاً بالآية الكريمة: «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ»
بناءً على تفسير التهلكة بالموت، فكلّ إلقاء باليد إلى ما يكون نتيجته الموت يكون محرّماً.
وهذا يشمل العمليات الاستشهادية أيضاً.
ويمكن
المناقشة في ذلك بعدم نظر الآية الكريمة إلى حكم
الجهاد الاستشهادي ، بل لعلّ سياقها يدلّ على أنّها
ناظرة إلى من يتقاعس عن الجهاد وإعداد العدّة له فيأتيه العدوّ ويهلكه فتذهب حياته
هدراً ؛ لأنّها وردت في
سياق الحثّ على الجهاد والقتال في سبيل اللَّه فيكون المراد من الإلقاء باليد إلى التهلكة
كناية عن ذلك.
كيف؟! وإذا حرم جهاد الأعداء فيما قد يؤدّي إلى الموت كان لازمه إبطال تشريع الجهاد والقتال مقابل الأعداء، وهو واضح البطلان. إذاً لابدّ من حمل موضوع التهلكة في الآية الكريمة على معنى لا يتنافى مع مشروعية الجهاد و
الدفاع .
هذا كلّه إذا فسّرت التهلكة في الآية الكريمة بمعنى الموت. أمّا إذا فسّرت بالمعاني الاخرى التي وردت كلمة الهلكة والتهلكة فيها-
كالعذاب ومخالفة التكليف ونحو ذلك- فهذا يخرج الآية الكريمة عن موضوع
الاستدلال .
أمّا الروايات التي قد يستدلّ بها على عدم المشروعية:
فهي رواية
ناجية عن أبي جعفر عليه السلام- في
حديث - أنّه قال: «إنّ
المؤمن يبتلى بكلّ بليّة ويموت بكلّ ميتة، إلّا أنّه لا يقتل نفسه».
ورواية
أبي ولاد الحناط ، قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «من قتل نفسه متعمّداً فهو في نار جهنّم خالداً فيها»،
حيث يقال بأنّ هذه الروايات ظاهرة في أنّه لا يجوز للمؤمن أن يقتل نفسه ولو بالتسبيب، والعمليات الاستشهادية من هذا القبيل. ويلاحظ عليه بأنّ إحدى الروايتين ظاهرها النظر إلى قتل النفس تخلّصاً من البلايا التي قد تصيب المؤمن في الدنيا أو اختياراً لموتة معينة خوفاً ممّا هو أشقّ، وهذا خارج عن موضوع العمليات الاستشهادية. وقد يدخل تحت مدلول هذه الرواية ما يسمّى في بعض المجتمعات المعاصرة ب (الموت الرحيم)، حيث يتمّ
القضاء على حياة المريض الذي لا
أمل له في
الشفاء ويعاني آلاماً
رهيبة من مرضه، فإنّه قد يقال: إنّ هذه الرواية تدلّ على حرمة ذلك.
وأمّا الرواية الثانية فهي أيضاً ناظرة إلى قتل النفس بما هو قتل للنفس لا بما هو جهاد أو دفاع في قبال العدو، فيكون تمام
النظر فيها إلى
إماتة الإنسان نفسه من دون
اقترانه بهدف كبير ومشروع يسوّغه كالدفاع عن الإسلام، وعليه فهذه الرواية أيضاً لا تشمل حالات الجهاد والدفاع أساساً.
وفي قبال ذلك قد يستدلّ ببعض آيات
الكتاب الكريم وبعض الروايات على مشروعية العمليات الاستشهادية وعدم حرمتها ضمن الشروط التي يحدّدها
الشارع ، والشروط التي تمليها
الظروف الميدانية للمجاهد وأهمّيتها ومدى تناسبها مع حجم الفعل.
ومن تلك الآيات قوله تعالى: «وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ»،
حيث أمرت الآية الكريمة بالقتال في
سبيل اللَّه ولم تحدّد وسيلة له، ولا شكّ في أنّ العمليات الاستشهادية من مصاديق هذا القتال، حيث إنّ الذي يقوم بها إنّما يقاتل الذين يقاتلون المسلمين.
وقوله تعالى: «إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»،
ولا شكّ في أنّ بذل النفس في سبيل اللَّه تعالى من أظهر مصاديق قتال أعداء الإسلام وجهادهم، والعمليات الاستشهادية من مصاديق هذا
البذل .
ويمكن التمسّك بعموم و
إطلاق كلّ آيات الجهاد والقتال في سبيل اللَّه لإثبات مشروعية العمليات الاستشهادية، بعد عدم وجود
مخصّص واضح لها بما عدا العمليات الاستشهادية.
كما أنّه هناك الكثير من الروايات التي يمكن
التمسّك بإطلاقها لإثبات مشروعية العمليات الاستشهادية:
من قبيل قوله صلى الله عليه وآله وسلم في رواية
أبي حمزة عن
أبي جعفر عليه السلام : «ما من
قطرة أحبّ إلى اللَّه عزّوجلّ من قطرة
دم في سبيل اللَّه»،
وقول
الإمام الصادق عليه السلام في رواية السكوني، قال: «قال
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم : فوق كلّ ذي برّ برّ حتى يقتل
الرجل في سبيل اللَّه، فإذا قتل في سبيل اللَّه فليس فوقه
برّ ».
وأمّا ما قد يثار في قبال القول بالمشروعية، من القول بمعارضة الأدلّة التي ذكرت هنا مع بعض الروايات التي تقدّمت، والتي تمنع من قتل النفس حيث يقال بأنّ هذه الروايات
المانعة تخصّص
العمومات القرآنية، فإذا دلّت الروايات على حرمة أن يقتل
المرء نفسه، تخصّص الآيات بما عدا ذلك.
فيرد عليه: أنّ تلك الروايات- كما أشرنا آنفاً- ناظرة إلى القتل بمعنى الإماتة من حيث هي من دون
اقتران بعنوان آخر كالجهاد وحفظ الإسلام والدفاع عنه؛ فإنّ تلك العناوين لا نظر للروايات المتقدّمة إليها، أي هي ليست ناظرة إلّالحكم الإماتة وإزهاق النفس مع قطع النظر عن
طروّ تلك العناوين الثانوية.
وإن شئت قلت:
العرف يرى أنّ عنوان الجهاد والدفاع ونحو ذلك كأنّه أمر آخر غير قتل الإنسان نفسه فلا إطلاق أساساً فيها لكي تشمل الجهاد فتلغي مشروعيته، وعليه لا تكون هذه الروايات شاملة لموارد الجهاد والقتال في سبيل اللَّه.
ولو فرضنا شمولها لذلك فالنسبة بينهما هي
العموم والخصوص المطلق ؛ لأنّ الآيات والروايات تتحدّث عن
فضل القتل في سبيل اللَّه وكلّ قتل ينشأ عن فعل جهادي، والآيات والروايات الناهية عن قتل النفس- لو فرضنا شمولها لموردنا- فهي إنّما تشمله بالإطلاق، وعندها تقتضي
القاعدة تقييد هذه الإطلاقات بما ورد من مقيّدات ومخصّصات، فينتج
استثناء القتل في سبيل اللَّه من حكم حرمة قتل النفس، وهو ما يشمل العمليات الاستشهادية.
وقد تعرّض بعض الفقهاء المعاصرين لحكم العمليات الاستشهادية التي يقوم بها المجاهدون، وأفتى بجوازها، بل عدّها البعض منهم من أفضل درجات
الشهادة و
التضحية بالنفس في سبيل الدين، وقيّده بعضهم بوجوب
مراعاة الشروط اللازمة لتوقّف الدفاع عن النفس و
العرض على هذا النوع من العمليات، ولا يختصّ ذلك بالتعرّض للعسكريّين من أفراد العدوّ، بل يشمل أيضاً التعرّض إلى المدنيّين منهم أيضاً إذا كانوا من المؤيّدين للعدوّ في عدوانه، وكانوا ممّن يتقوّى بهم
كيان العدوّ.
وقع البحث في حكم من أمر غيره بقتله، وأنّه هل هو بحكم المنتحر بحيث لا يترتّب قصاص على القاتل، وتسقط
الدية عنه، ويتحمّل الآمر هنا
الإثم و
العقاب ، أم أنّ القتل في هذه الحال لا يعتبر انتحاراً، بل قتلًا يأثم القاتل به ويتحمل ما يترتّب عليه من دية أو قصاص؟
من الواضح أنّه إذا كان القاتل
مختاراً أو متوعّداً بما دون القتل فإنّه بقتل الآمر يكون قد ارتكب محرّماً؛ لأنّ حرمة القتل لا ترتفع
بإذن المقتول الآمر، كما صرّح بذلك بعض الفقهاء،
وأمّا ثبوت القصاص على القاتل فقد ذهب بعض إلى عدمه،
وصرّح الشهيد الثاني بأنّه هو الأشهر.
واستدلّ له بأنّ الآمر قد أسقط حقّه بالإذن، فلا يتسلّط عليه
الوارث .
وذهب بعض آخر إلى ثبوته؛
لأنّ الإنسان غير مسلّط على إتلاف نفسه ليكون إذنه بالإتلاف مسقطاً للضمان كما هو الحال في الأموال، وعليه فعمومات أدلّة القصاص محكّمة في المقام.
نعم، قد يقال بسقوط القصاص والدية دون الإثم إذا كان القاتل مكرهاً، كما لو قال الآمر: اقتلني وإلّا قتلتك، حيث صرّح
المحقّق الحلّي بقوله: «لو قال: اقتلني وإلّا قتلتك لم يسغ القتل... ولو باشر وقتله لم يجب القصاص؛ لأنّه كان مميّزاً أسقط حقّه بالإذن، فلا يتسلّط الوارث».
وقال
العلّامة الحلّي : «... سقط القصاص والدية دون الإثم».
وتردّد بعضهم في سقوط القصاص،
وكذا في
سقوط الدية بناءً على القول بسقوط القصاص.
وقد يظهر من البعض ثبوت الدية في هذه الحال دون القصاص.
وفصّل البعض بين ما إذا كان المكره قد قتل الآمر بقصد
الدفاع عن النفس، إذ كان قد هدّده بالقتل وبين القتل بغير هذا القصد، حيث نفوا القصاص عنه في الأوّل، وأثبتوه أو أثبتوا الدية عليه في الثاني.
وتفصيل ذلك متروك إلى محلّه.
لا شكّ في حرمة
إفشاء الأسرار سيّما إذا كانت أسراراً هامّة تخصّ
الدولة الإسلامية أو الجماعات المؤمنة، حيث إنّ
انكشافها لعدوّ المسلمين أو للحكّام
الظالمين يضرّ بمصالح المسلمين والمؤمنين ودولتهم وكيانهم، أو جماعات المؤمنين في دولة
الجور والكفر ويعرّضهم لهتك أعراضهم أو
سفك دمائهم أو
تشريدهم وغير ذلك ممّا يضرّ بهم.
وعليه يقع البحث في حكم إقدام المسلم على الانتحار- بعد وقوعه
أسيراً بيد العدو أو
الحاكم الظالم، أو في حال محاصرته ويوشك أن يقبض عليه- تخلّصاً من إفشاء الأسرار والمعلومات
الهامة التي بحوزته، والتي يسبّب وقوعها بيد العدوّ تهديداً جدّياً لكيان الدولة الإسلامية، أو تعريضاً لنفوس المؤمنين إلى الخطر الحتمي.
قد يقال بدخول ذلك في موارد ترجيح الأهم على المهم من الأحكام بحسب قاعدة
التزاحم ، وذلك لأنّ حفظ النفس من التلف والهلاك واجب شرعاً والإقدام على إتلافها حرام كذلك، هذا من جهة، ومن جهة اخرى إفشاء الأسرار موجب لتعريض كيان الدولة الإسلامية للخطر و
الانهدام ، أو
لحوق الضرر الكبير بالمسلمين والمؤمنين من هتك حرّياتهم أو سفك دمائهم، فيدور الأمر بين
مراعاة حفظ النفس من التلف، ومراعاة حرمة
إلحاق الضرر بالمؤمنين ودولة الإسلام. فقد يقال بجواز الإقدام على إتلاف النفس إذا كانت مراعاة الحكم الثاني أهمّ من حفظ النفس لعظمة الضرر الذي قد يلحق بالمسلمين.
وقد يناقش في ذلك بأنّ التزاحم إنّما يتحقق في موارد
التضاد و
التمانع بين فعلين راجعين إلى المكلّف نفسه كالصلاة في
المسجد مع
إزالة الخبث عنه- مثلًا- وفي المقام لا تزاحم بهذا المعنى وإنّما يقدم الإنسان على قتل نفسه لكي لا يتمكّن العدوّ أن يستخلص منه الأسرار في
المستقبل .
وقد يجاب عليه بأنّ الإنسان كما يجب عليه شرعاً حفظ نفسه ويحرم عليه إزهاق روحه كذلك يجب عليه حفظ الأسرار الهامّة التي فيها حفظ حياة المؤمنين أو حفظ
النظام الإسلامي، فيقع التمانع والتضاد بين هذين الواجبين، وحينئذٍ إذا كان أحدهما أهم من الآخر قدّم شرعاً، وهذا هو التزاحم
المصطلح .
وحينئذٍ قد يقال بأهمّية حفظ
روح الجماعة المؤمنة وكيانها أو الدولة الإسلامية فيجوز قتل النفس، بل قد ينتهي الأمر إلى وجوب الانتحار لا مجرّد جوازه في هذه الحالات. إلّاأنّ في ثبوت ذلك على إطلاقه، مع ما دلّ من الأدلّة على رفع الاضطرار و
العسر و
الحرج والتقية للتكاليف بصورة عامّة إشكالًا.
نعم، قد يثبت ذلك في أحكام خاصة استثنائية كحفظ حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الدفاع عن
بيضة الإسلام بحيث يعلم بأنّ الشارع لا يرضى بتفويتها بأيّ
ثمن حتى حفظ الحياة، فيجب عندئذٍ أو يجوز على
الأقل قتل الإنسان نفسه من أجل حفظ ذلك الغرض الشرعي الخاص.
وأمّا إذا لم يثبت مثل هذا الغرض الشرعي أو لم يحرز توقّفه على قتل نفسه فلا يجوز القتل؛ لأنّه محرّم في نفسه، بل من الكبائر فلا يمكن رفع اليد عن حرمته إلّا بدليل قاطع
للشكّ باليقين .
قد يتعرّض الشخص إلى الموت أو القتل بطريقة شديدة يصعب على النفس تحمّلها إذا ما قيست بالطرق العادية، كما إذا تعرّض للتعذيب حتى الموت وبصورة
بطيئة ، أو القي في نار
متأججة ، أو هدّد بالقتل الشديد و
الصعب كالتقطيع إرباً إربا إن لم يقتل نفسه، أو اصيب بمرض
عضال ذي آلام شديدة
مستمرة يصعب تحمّلها مع علمه بأنّ نتيجته الموت بعد مدّة طويلة أو قصيرة.
فيقع البحث حول حكم هذا الشخص في هذه الصور المختلفة إذا اختار أو لجأ إلى القتل الأسهل تخلّصاً من الفرد الأصعب منه، فهل يعتبر منتحراً أم لا؟
أمّا صورة
التهديد بالقتل الأصعب فسيأتي البحث عنها عند البحث عن مسألة الإكراه على الانتحار. وأمّا باقي الصور كما في حالة إلقائه في نار متأجّجة فيقفز منها إلى
الماء وهو يعلم أنّه سيغرق، فهنا لم يتعرّض الفقهاء إلى حكمه من
الناحية التكليفية، وإنّما تعرّضوا له من حيث الضمان حيث قووا الضمان على الملقي له في النار؛ لأنّه السبب الأصلي لموته، فإنّ من ألجأه إلى إلقاء نفسه في الماء هو فعل الملقي له في النار.
قال : «ولو لم يمكنه الخروج إلّا إلى ماء مغرق فخرج ففي الضمان إشكال، ولو لم يمكنه إلّابقتل نفسه فالإشكال أقوى، والأقرب الضمان؛ لأنّه صيّره في حكم غير مستقرّ الحياة».
ونحوه
الشهيد الثاني في
الروضة ،
و
الفاضل الأصفهاني في
كشف اللثام .
وكذلك لا يعتبر منتحراً أيضاً في صورة ما إذا داهمته النار ففرّ منها برمي نفسه من شاهق أو ألقى نفسه في الماء فمات، فهو لم يقتل نفسه عمداً بل فرّ من النار التي داهمته تخلّصاً من الحرق الشديد إلى الماء اضطراراً.
نعم، قتل المريض نفسه تخلّصاً من المرض العضال الذي أصابه وتعجيلًا لموته بدلًا من مكافحته للآلام التي يسببها المرض- مهما كانت شدّتها- يصدق عليه عنوان الانتحار وتترتّب عليه الآثار المتقدّمة
الذكر ، حيث ورد في الأدلّة ما يمكن تطبيقه على هذه
الصورة ، كرواية
ناجية عن أبي جعفر عليه السلام- في حديث- أنّه قال: «إنّ المؤمن يبتلى بكلّ
بليّة ويموت بكلّ ميتة، إلّاأنّه لا يقتل نفسه».
تحتلّ مسألة
إنقاذ النفس الإنسانية المحترمة وإحيائها مكانة كبيرة لدى المشرّع الإسلامي، وقد ورد في هذا
الشأن آيات من الكتاب الكريم، منها قوله تعالى:
«وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً».
ووردت روايات عن المعصومين عليهم السلام مفسّرة لهذا
الإحياء بأنّه الإنقاذ من
الحرق أو
الغرق أو
الهدم أو
السباع ،
بل كان هذا الحكم من الأهمية بمكان بحيث أباح الشارع لأجله
ارتكاب بعض المحرّمات أو قطع بعض الواجبات.
والقدر المتيقّن من المراد بالنفس المحترمة هو نفس المسلم، أمّا غيره من النفوس التي يحرم إتلافها-
كالذمّي و
المعاهد - فقد اختلف في وجوب إنقاذها وحفظها. وقد يقع الكلام في أنّه هل يجوز للشخص أن يلقي بنفسه في
الأخطار أو
التهلكة من أجل إنقاذ نفس أو نفوس محترمة؟
وقد تقدّم الكلام في
عكس هذه المسألة- أي إتلاف نفس غيره لأجل إنقاذ نفسه- في مصطلح (اضطرار) و (إكراه)، وقد ذكر هناك بأنّه لا يجوز إتلاف النفس المحترمة ولو لأجل إنقاذ نفسه من القتل أو الموت، إلّا في بعض الحالات وعلى بعض
المباني التي اختارها بعض المعاصرين.
أمّا تعريض النفس للإتلاف أو الهلاك لأجل إنقاذ نفوس محترمة فهذا يمكن تصوّره في حال كون تلك النفس أهم من نفس المكلّف، كما في حال الدفاع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمام عليه السلام أو إنقاذ حياتهم، فنفوسهم عليهم السلام أهم من نفوس كلّ المسلمين.
أمّا إذا كانت تلك النفس مساوية لنفس المكلّف من حيث الإسلام و
الاحترام ، فهل يجوز
التضحية بالنفس لأجل إنقاذها؟
قد يقال بالجواز؛ تمسّكاً بعموم قوله تعالى: «وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ»،
كما ذهب إليه الشهيد الثاني، وادّعى عدم كونه من إلقاء النفس في التهلكة، بل عدّه من قبيل ثبات المجاهد، فهو
فائز وليس بهالك.
ويمكن أن يستدلّ على ذلك أيضاً بأدلّة جواز الدفاع عن
الأهل بل و
المال ، وأنّ من قتل دون أهله أو دون ماله فهو
شهيد ، وكذلك ما دلّ على جواز بل وجوب
نصرة المؤمنين والدفاع عنهم إلّاأنّ هذا يتوقّف على
صدق الدفاع.
وقد استظهر
الجواز أيضاً
المحقّق النراقي فيما إذا كان
المستنقذ - بالفتح- أكثر من واحد.
وذهب بعض إلى القول بعدم الجواز، منهم
المحقّق السبزواري و
المحقّق النجفي ، قال الأخير: «إنّ من المعلوم-
عقلًا و
نقلًا - تقديم حفظ نفسه التي يعبد اللَّه بها على غيره، بل لعلّ ذلك من الإلقاء بيده إلى التهلكة، ودعوى كونه كثبات المجاهد... واضحة المنع، فالتحقيق عدم جواز
إيثاره ».
قد يقع البحث في حكم من أقدم على الانتحار إلّاأنّه حال
مانع دون تحقّق قصده ولم يمت
نتيجة لذلك المانع، حيث يقال:
إنّه لا خلاف في
استحقاقه الإثم حيث إنّه تجرّأ وأقدم على قتل نفسه وإن لم يتحقّق الانتحار بالفعل، وعليه لابدّ له من
التوبة إلى اللَّه من هذا الفعل كي يدفع عنه العقاب
الاخروي .
وفي بعض
الأنظمة الوضعية هناك من يعتبر
الشروع في الانتحار
جنحة أو جناية، أمّا تطبيق
القانون على الجاني حين يفشل في قتل نفسه
فنادر جدّاً.
الموسوعة الفقهية، ج۱۷، ص۳۴۸-۳۶۱.