موارد إزالة النجاسة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
إزالة النجاسة بمعنى رفعها و
تطهير الموضع والمحلّ، و إزالتها عن كلّ ما هو في معرض
الاستفادة و
الاستعمال مطلوبة وراجحة؛ لرجحان رفع مطلق
القذارة شرعاً، بل وعرفاً، خصوصاً في النجاسات العينية، وموارد وجوب إزالة النجاسة شرعاً أو شرطاً موجود في
الفقه .
تجب إزالة النجاسة عن
اللباس و
البدن في كلّ ما علم من الشرع
اشتراط صحّته بطهارتهما كالصلاة و
الطواف ، وما أوجب تجنيبه النجاسة و
احترامه كالمساجد، وموارد ذلك كالتالي:
تجب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن للدخول في الصلاة، بل وتوابعها كصلاة
الاحتياط ، وقضاء الأجزاء المنسيّة، بلا فرق في ذلك بين الواجبة والمستحبّة، و
الأداء و
القضاء ؛ لاشتراط طهارتهما في صحّتها بالإجماع،
والنصوص
الكثيرة المتواترة، بلا فرق في ذلك بين الساتر من اللباس وغيره، إلّا ما يستثنى من مثل
الجورب ونحوه ممّا لا تتمّ الصلاة فيه، وإن كان أفضل،
وكذا لا فرق في البدن بين أصله وتوابعه، كالشعر والظفر.
ولا فرق أيضاً بين قليل النجاسة
وكثيرها إلّا ما عفي عنه من الدم، فإنّه عفي عمّا دون
الدرهم البغلي ، ودم الجرح والقرح الذي يشقّ إزالته ولم يقف سيلانه.
نعم، يستحبّ إزالة ما دون الدرهم،
وغسل ذي القرح ثوبه في كلّ يوم مرّة.
وتفصيل هذه المسائل فروعاً وأدلّة في محالّه.
المشهور
- بل ظاهر
الغنية الإجماع عليه
- وجوب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن في الطواف الواجب والمندوب، سواءً كانت النجاسة دماً أو غيره، قلّت أو
كثرت؛ لخبر
يونس بن يعقوب ، قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل يرى في ثوبه الدم وهو في الطواف، قال: «ينظر الموضع الذي رأى فيه الدم فيعرفه، ثمّ يخرج ويغسله، ثمّ يعود فيتمّ طوافه»،
فإنّ
الأمر للوجوب.
وللنبوي: «الطواف بالبيت
صلاة »
الدالّ على مساواته لها في سائر الأحكام، سيّما المعروفة، كالطهارة من
الحدث والخبث ونحوهما.
لكن عن
ابن الجنيد وابن حمزة
أنّهما كرها الطواف في الثوب النجس، ومال إليه
السيّد العاملي ، حيث استظهر رجحانه، لكنّه قال: «الأولى اجتناب ما لم يعف عنه في الصلاة، و
الأحوط اجتناب الجميع».
واستدلّ له
بالأصل، وضعف الخبرين المتقدّمين سنداً ودلالة، وبمرسل
البزنطي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: قلت له: رجل في ثوبه دم ممّا لا تجوز الصلاة في مثله، فطاف في ثوبه؟ فقال: «أجزأه الطواف فيه، ثمّ ينزعه ويصلّي في ثوب طاهر».
وتفصيل ذلك وما يتفرّع عليه في محلّه.
صرّح بعض الفقهاء باعتبار عدم نجاسة ثوبي
الإحرام بغير النجاسة المعفوّ عنها في الصلاة.
واستدلّ له
بالروايات:
منها: ما رواه
حريز عن
الإمام الصادق عليه السلام قال: «كلّ ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تحرم فيه»»، فيدخل فيه النجس نجاسة غير معفوّ عنها في الصلاة.
ومنها: ما رواه ابن عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن المحرم يصيب ثوبه
الجنابة ، قال: «لا يلبسه حتى يغسله، وإحرامه تامّ».
ومنها: ما رواه عنه عليه السلام أيضاً قال: سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه التي أحرم فيها وبين غيرها، قال: «نعم، إذا كانت طاهرة»،
وغيرها.
وناقش بعض
الفقهاء في دلالة هذه النصوص على المطلوب.
وتفصيل ذلك في محلّه.
صرّح جملة من الفقهاء بوجوب إزالة النجاسة عن اللباس والبدن لدخول المسجد،
بل نسب إلى
أكثر أهل العلم، أو إلى عدم الخلاف بين الامّة، أو إلى الإجماع صريحاً أو ظاهراً.
واستدلّ له بالإجماع، وظاهر قوله تعالى: «طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ»،
وقوله تعالى: «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ»
المتمّم بعدم القول بالفصل بين
المسجد الحرام وغيره.
وكذا استدلّ له أو ايّد ببعض الروايات، كالنبوي المشهور: «جنّبوا مساجدكم النجاسة»،
وما رواه
القداح عن الإمام الصادق عن أبيه عليهما السلام قال: «قال
النبي صلى الله عليه وآله وسلم : تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم»،
وغير ذلك من الأدلّة والمؤيّدات.
وربّما يظهر من بعض الفقهاء
التردّد في
أصل الحكم المذكور؛ لدعوى ضعف دليله سنداً أو دلالة، وللنصوص الواردة في جواز
اتّخاذ الكنيف مسجداً بعد الطمّ والمواراة، ولغير ذلك.
ثمّ إنّه وقع البحث لدى الفقهاء في الفرق بين المتعدّية وغيرها، فظاهر بعض وصريح آخرين عدم الفرق بين المتعدّية التي يستلزم إدخالها
التلويث وغيرها، فيحرم
الإدخال وتجب
الإزالة مطلقاً، وخصّ بعض آخر المنع بالملوّثة،
واعتبر ثالث المدار في الحرمة على
التعدية و
الهتك ، فإذا كانت متعدّية أو لم تكن لكن كان في إدخالها هتك حرمت.
وجزم به
السيّد الخوئي .
هناك كلام- بل خلاف- بين الفقهاء في
اعتبار الطهارة في مواضع
الوضوء والغسل والتيمّم، بمعنى أنّه هل يشترط في صحّتها إزالة النجاسة عن محالّها قبل الشروع فيها، أم أنّ المعتبر جريان الماء على محلّ طاهر، فيكفي إزالة النجاسة عن كلّ عضو هي فيه قبل غسله، أم لا يعتبر إلّا عدم بقاء العضو نجساً بعد الغسل، فيكفي غسل واحد بقصد الإزالة والوضوء أو الغسل، أم يفصّل بين ما إذا استلزمت نجاسة الأعضاء نجاسة الماء الوارد عليها، كما في ما إذا كانت الطهارة بالماء القليل، وكانت الغسلة غير متعقّبة بطهارة المحلّ، كما في الغسلة الاولى، وكانت متنجّسة بما يعتبر التعدّد في إزالته، وبين ما لم تستلزم ذلك، كما في الماء
الكثير، أو القليل وكانت الغسلة متعقّبة بطهارة المحلّ، كما إذا لم تكن النجاسة ممّا يعتبر التعدّد في إزالتها، أو كان معتبراً إلّا أنّه قصد التوضّؤ بالغسلة الثانية، فيشترط طهارة الأعضاء في الحالة الاولى دون الثانية أو غير ذلك
؟
وتفصيل ذلك في محالّه.
تجب إزالة النجاسة عن موضع السجود وإن لم تكن متعدّية؛ لاشتراط طهارته من غير خلاف،
بل عليه دعوى الإجماع،
وأمّا سائر المساجد فالمشهور
عدم اشتراط طهارتها وخلوّها عن النجاسة إلّا من المتعدّية، إلّا أنّ هذا لا لأجل اشتراط الطهارة فيها، بل من جهة اشتراطها في ثوب المصلّي وبدنه، حيث إنّ المتعدّية تسري إليهما، فتبطل الصلاة لذلك، فالمسألة حينئذٍ من صغريات تلك كما صرّح بذلك بعض الفقهاء.
هذا، وقد حكي عن
أبي الصلاح الحلبي اشتراط الطهارة في مواضع المساجد السبعة بأجمعها، وعن
السيّد المرتضى اعتبار طهارة ما يلاقيه بدن المصلّي.
لا
إشكال في وجوب إزالة النجاسة عن المساجد،
بل نقل عن جماعة الإجماع عليه،
و
المستند في ذلك في الجملة قوله تعالى: «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ»،
وقوله تعالى: «وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْقائِمِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ»
بضميمة عدم الفصل بين المسجد الحرام وغيره،
وببعض الروايات
والوجوه الاعتبارية، ككون حرمة
تنجيس المساجد ووجوب إزالة النجاسة عنها حكمين قطعيين وأمرين ارتكازيين في أذهان المتشرّعة، حيث إنّ المساجد بيوت للَّه المعدّة لعبادته، فلا تجتمع مع النجاسة؛ لمكان
أهمّيتها وعظمتها.
والظاهر أنّ أصل الحكم لا خلاف صريحاً فيه وإن نوقش في بعض أدلّته، وربما ظهر من بعضهم الميل إلى خلافه.
ثمّ إنّه تجدر
الإشارة هنا إلى أنّه ليس إزالة النجاسة عن المساجد واجبة، وتنجيسها محرّماً فحسب، بل صرّح الفقهاء بأنّ إزالة النجاسة فيها محرّمة أيضاً،
وهو فيما إذا استلزم التنجيس ظاهراً، أمّا إذا لم يستلزم ذلك كما لو غسلها في
إناء أو فيما لا ينفعل
كالكثير، فقد يقال لا يحرم بناءً على عدم تحريم غير الملوّثة، وقد يقال
بالتحريم مطلقاً؛ لما فيه من
الامتهان المنافي للتعظيم المأمور به.
هذا، ويتفرّع على أصل هذا الحكم فروع:
منها: ما يتعلّق بدائرته، وهل يختصّ بظاهر المساجد أم يعمّ باطنها؟ وما يلحق بالمساجد في هذا الحكم من
آلاته ، كأبوابه وشبابيكه، وما يعدّ منسوباً إليه ويتشرّف بشرفه، بل والمصحف الشريف والضرائح المقدّسة، وكلّ ما علم من الشرع وجوب تعظيمه وحرمة
إهانته ،
كالتربة الحسينية ، وكتب الحديث وغير ذلك.
ومنها: ما يتعلّق بنوعيّة
الوجوب من حيث
العينية و
الكفائية و
الفورية وعدمها.
ثمّ بناءً على الفورية قد تقع
المزاحمة بين وجوب الإزالة ووجوب الصلاة وغير ذلك ممّا يكون تفصيله في محالّه.
تجب إزالة النجاسة عن المأكول والمشروب وعن ظروفهما وجوباً شرطياً، بمعنى أنّه لا يجوز أكله أو شربه مع النجاسة؛
لوضوح أنّ غسل المأكول عند تنجّسه إذا لم يرد أكله ليس بواجب في
الشريعة المقدّسة، وكذلك الحال في الظروف؛ وذلك لأنّه لا دليل عليه عدا حرمة
أكل المتنجّس وشربه، المستفاد ممّا ورد في مثل اللحم المتنجّس والمياه المتنجّسة وغيرها من المائعات.
بل الواجب إزالة النجاسة عن الظروف و
الأواني مقدّمة
لاستعمالها لكلّ ما علم اشتراط الطهارة فيه، من المأكول والمشروب، وماء الغسل والوضوء ونحوها، بالأدلّة المقرّرة في محالّها من الإجماع والأخبار مع فرض التنجّس بها.
صرّح الفقهاء بوجوب إزالة النجاسة عن بدن الميّت؛ للروايات التي منها: خبر
الفضل بن عبد الملك عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: سألته عن الميّت، فقال: «أقعده، واغمز بطنه غمزاً رفيقاً، ثمّ طهّره من غمز
البطن ، ثمّ تضجعه، ثمّ تغسّله...»،
وغيره.
وأصل الحكم مقطوع به في كلام الفقهاء،
بل عن بعضهم نفي الخلاف فيه، وعن آخرين دعوى الإجماع عليه،
إلّا أنّه وقع الكلام في أنّه هل الواجب إزالة النجاسة عن جميع جسده قبل الشروع في الغسل، أم يكفي تطهير كلّ عضو سابقاً على تغسيله، أم لا يعتبر سبق الطهارة على الغسل وإنّما يكفي صبّ الماء للغسل و
التطهير معاً
؟ كما تقدّم في عنوان إزالة النجاسة عن البدن للشروع في الطهارات الثلاث. وتفصيل ذلك في مصطلح (تغسيل الميت).
الظاهر أنّه لا خلاف في أنّ بدن الميّت أو كفنه إذا تنجّس بنجاسة خارجة من الميّت أو خارجيّة يجب غسلها وإزالتها، ثمّ دفنه طاهر البدن و
الكفن ، بلا فرق في ذلك بين كونه بعد تمام الغسل أو في أثنائه، وبين ما إذا كان قبل التكفين وبعده.
نعم، وقع الكلام في جهات اخرى:
منها: ما لو كانت النجاسة الخارجة حدثية، فهل يجب
إعادة الغسل؟
ومنها: ما لو كان المتنجّس هو الكفن، فهل الواجب هو القرض أم هو الغسل إلّا أن تكون
الملاقاة بعد وضعه في القبر، فإنّها تقرض، أم يجب الغسل مطلقاً إلّا مع التعذّر، فالقرض، أم
التخيير وجواز كلّ منهما ولو مع
إمكان الآخر؟ وغير ذلك
ممّا يكون تفصيله في محالّه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۰، ص۲۸۹-۲۹۷.