أهل الذمة (أحكامه)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
أهل الذمة (توضيح).
لأهل
الذمّة أحكام و
حقوق و
واجبات نذكرها فيما يلي:
متى دخل
أهل الكتاب في الذمّة دخلوا في
عهدة اللَّه ورسوله، ووجب
نصرهم و
الدفاع عنهم،
و
المحافظة على
نفوسهم و
أولادهم الأصاغر من
القتل و
السبي و
النهب ما داموا على الذمّة،
ولهم حرّية
الاعتقاد و
الإقامة و
التنقّل وسائر
النشاطات الاقتصادية ، و
التأمين على الأموال و
الممتلكات ، وهو ما نحاول فيما يلي
التعرّض له:
يأمن
الكتابي بدخوله الذمّة على نفسه و
ذرّيته ونسائه من القتل وتحفظ حرمته في
المجتمع الإسلامي ، فلا يجوز
شتمه و
تخويفه و
إيذاؤه ؛ لأنّ هذا هو
المطلوب من عقد الذمّة، وهو مقتضاه.
قال في مقام عدّ
أحكام أهل الذمّة: «خامسها: فيما يلزم لهم بعد عقد الذمّة على
الإطلاق وهو امور، منها:
عصمة نفوسهم و
أعراضهم ونسائهم وذراريهم وأموالهم، إلّاما شرط خروجه من
المال ، ولا يجوز
سبّهم وشتمهم وضربهم وتخويفهم و
أذيّتهم مشافهةً...».
وبالدخول في عقد الذمّة يعصم الكتابي أمواله من
التلف أيضاً، فلا يجوز لأحد
إتلافها، ومن أتلفها كان
ضامناً لها حتى ولو كانت من
الأشياء المحرّمة كالخمر ونحوه ممّا يملكه
أهل الذمّة على دينهم، بشرط
التزامهم بشرائط الذمّة التي منها
الاستتار وعدم
التظاهر بها، فلو تظاهروا لم يضمن المتلف ما أتلفه، إلّاإذا كان من الامور التي لا
مناص من التظاهر بها كالخنازير التي لابدّ من
إخراجها إلى
المراتع و
المياه ؛
ولذا ورد في بعض الروايات
الضمان على من أتلف
الخنزير دون
آلة الموسيقى كالبربط ، (وهو آلة موسيقية. ) فعن
مسمع عن
الإمام الصادق عليه السلام : «أنّ
أمير المؤمنين عليه السلام رفع إليه رجل قتل خنزيراً فضمَّنه، ورفع إليه رجل كسر بربطاً فأبطله».
و
انطلاقاً من ذلك تتحمّل
الدولة الإسلامية مسؤولية
حماية الذمّي في
الوطن الإسلامي وعدم التعرّض له بسوء، كما تتحمّل ذلك بالنسبة إلى سائر المواطنين من المسلمين، ومقتضى ذلك أيضاً لزوم حماية أهل الذمّة من
اعتداء الكفّار الحربيين عليهم، فيجب الدفاع و
الجهاد لحمايتهم في الوطن الإسلامي.
يتمتّع أهل الذمّة في الإسلام بحرّية الاعتقاد و
ممارسة الطقوس الدينية، فيسمح لهم بالتردّد إلى
كنائسهم وبيعهم وبيوت
نيرانهم ، ولا يجوز التعرّض لمعابدهم التي لم يهدمها المسلمون، ويجوز لهم
استباحة ما كان مباحاً باعتقادهم.
قال: «ومنها: عدم منعهم عن كنائسهم وعباداتهم، وشرب
الخمور ، وأكل الخنازير، و
نكاح المحارم، وضرب
الناقوس ، و
استعمال الغناء و
الملاهي ، ونحو ذلك، مع
التستّر في ذلك».
ورغم
إقرار الشريعة لأهل الذمّة بحرّية الاعتقاد إلّاأنّ ذلك لا يمنع من
إحضارهم مجالس العلماء؛ ليطّلعوا على الحقّ ويسمعوا
دعوة الإسلام؛ لئلّا يكون للناس على اللَّه حجّة بعد
الرسل .
قال: «ويلزم إحضارهم مجالس العلماء بالحجّة؛ ليسمعوا
الدعوة وتثبت عليهم
الحجّة ».
حكم من بدّل
دينه : لا خلاف ولا
إشكال في أنّه لا يقبل من الذمّي
تبديل دينه بدين لا يقرّ
الإسلام ببقاء أهله عليه،
كالوثنية و
البهائية ،
بل ادّعي
الإجماع عليه؛
ضرورة عدم
قبول دين من انتقل إليه فضلًا عن
المنتقل .
إنّما الخلاف في حكمه بعد ذلك، حيث ذهب جماعة إلى أنّه مخيّر بين الإسلام و
القتل ؛
لعموم قوله تعالى: «وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ»،
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من بدّل دينه فاقتلوه».
وذهب بعض إلى أنّه يقبل منه
الرجوع إلى دينه؛ لصدق أنّه من تلك
الديانة ، فيكون مشمولًا لعموم الأدلّة، ولأنّ
الرواية المتقدّمة ليست
مستجمعة لشرائط الحجّية، و
دلالة الآية على
المطلوب غير تامّة؛ لأنّ
السماح له بالرجوع إلى دينه
السابق لا يعني قبوله منه حتى يتنافى مع قوله تعالى: «وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ».
واختار آخرون عدم إباحة الرجوع إلى دينه الأوّل؛ لأنّه بدخوله فيما لا يجوز إقراره عليه قد أباح دمه، وصار حكمه حكم
المرتدّ الذي لا يقبل منه غير الإسلام.
وأمّا إذا بدّل دينه بدين يقرّ الإسلام
أهله عليه
كالمسيحية و
اليهودية و
المجوسية فقد اختلفوا فيه على قولين:
الأوّل: أنّه يقبل منه، وهو
مختار جماعة،
وادّعى بعضهم أنّه
ظاهر المذهب؛ لأنّ
الكفر ملّة واحدة.
واورد عليه بأنّ
المقصود من الملّة الواحدة أنّها واحدة في
العقوبة و
النجاسة وغيرهما لا في
الديانة .
القول الثاني: أنّه لا يقبل منه، وهو مختار آخرين؛
مستدلّين بقوله سبحانه وتعالى: «وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ»،
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من بدّل دينه فاقتلوه».
ولو عاد إلى دينه الأوّل قيل: يقبل منه،
وقيل: لا يقبل؛ للآية والرواية
الآنفتين.
لأهل الذمّة
كامل الحرّية في
القيام بنشاطاتهم الاقتصادية و
الخروج إلى
الأسواق و
الدخول مع المسلمين في معاملات تجارية؛ وذلك لإطلاق الأدلّة الشامل لغير المسلمين، كقوله تعالى: «وَأَحَلَّ اللّهُ
الْبَيْعَ ».
بل سمح الشارع لهم بما لم يسمح لسائر المسلمين، كبيع
الخمر و
الخنزير وشرائهما فيما بينهم،
وسمح للمسلمين
استيفاء حقوقهم من
الذمّي حتى ولو كان قد أتى بها من
معاملة محرّمة في ديننا، كما لو باع من مثله خمراً أو خنزيراً؛ لأنّ الذمّي قد اقرّ على دينه بما لديه، ولرواية
منصور ، قال: قلت
لأبي عبد اللَّه عليه السلام : لي على رجل ذمّي دراهم فيبيع الخمر والخنزير وأنا
حاضر ، فيحلّ لي أخذها؟ فقال: «إنّما لك عليه دراهم فقضاك دراهمك».
لكن هذا الحكم لا يشمل ما لو كان البائع مسلماً، أو كافراً حربياً، أو ذمّياً متظاهراً ببيع الخمر والخنزير؛
لفساد البيع حينئذٍ، فيبقى المال على ملك صاحبه، فلا يجوز
تناوله في مقابل الحقّ؛ لأنّه
سحت .
لكنّ
المحقّق السبزواري استشكل في
تقييد الحكم المذكور بما إذا لم يكن البائع مسلماً؛ لإطلاق الروايات، إلّاإذا كان المقصود من
الاستثناء منع البائع المسلم من ذلك رغم حلّية أخذ الثمن منه.
واستشكل المحدّث البحراني أيضاً في تقييد الحكم في الذمّي بالتستّر، بل استقرب عدمه؛
لاعتقاده بخلوّ الأخبار عن كون التستّر من شروط الذمّة.
وعلى أيّ حال، فرغم منح
الشريعة الحرّية الاقتصادية لأهل الذمّة، إلّاأنّها حدّدت بعض نشاطاتهم في حدود القيم والمفاهيم التي جاء بها الإسلام، حيث ذهب المشهور إلى منعهم من شراء
القرآن أو
العبد المسلم، كما منعوا من بيع
السلاح لهم على تفصيل مذكور في مصطلحي: (إسلام وكافر).
يجوز لأهل الذمّة أن يقيموا في دار الإسلام ويتنقّلوا إلى أيّ
نقطة من نقاط البلاد الإسلامية باستثناء بعض المناطق التي استثناها الفقهاء من ذلك:
فلا يجوز لأهل الذمّة دخول
المسجد الحرام بإجماع
الإمامية؛ لقوله تعالى: «إِنَّمَا
الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا».
ولا يجوز لهم أيضاً دخول سائر المساجد؛ للإجماع أيضاً،
بل قيل بأنّ عليه مذهب
أهل البيت عليهم السلام،
وهو الحجّة، مضافاً إلى ما يستفاد من التفريع في الآية من أنّ
الملاك هو
تعظيم المسجد الحرام و
تنزيهه منهم.
لكنّ بعض الفقهاء المتأخّرين استشكل في شمول الحكم لغير المسجد الحرام إذا لم يلزم
الهتك .
ولا فرق في الحكم المذكور بين
الاستيطان أو
المكث أو
الاجتياز أو جلب
الطعام أو
البيع و
الشراء ؛ لأنّ ذلك
مقتضى النهي عن
الاقتراب من المسجد الحرام في
الآية الشريفة، وما دلّ على جواز اجتياز
الجنب في غير المسجدين مختصّ بالمسلمين دون غيرهم.
فإنّه لا خلاف
في عدم جواز دخول أهل الذمّة الحرم،
بل قيل: هو
المراد من المسجد الحرام في الآية بقرينة قوله سبحانه وتعالى: «وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ»،
وقوله تعالى: «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى»،
مع أنّ الإسراء كان من بيت امّ هاني، ومن الواضح أنّ العيلة لا تتسبّب من عدم
دخول الكفّار المسجد الحرام؛ إذ ليس هو محلّاً
للتجارة ، بل من عدم دخولهم الحرم، و
حرمانهم من التجارة فيه.
هذا مضافاً إلى قول الإمام الصادق عليه السلام: «لا يدخل أهل الذمّة الحرم ولا دار
الهجرة ، ويخرجون منها».
فإن دخلوا عالمين بالحرمة عزّروا، ويعذرون مع
الجهل بها، ولو مرض أحدهم في الحرم نقل منه، ولو مات فيه لم يدفن فيه، بل ذكر بعضهم بأنّه لو دفن نبش واخرج من قبره.
ويحتمل
إلحاق حرم الأئمّة عليهم السلام و
الحضرات المباركة و
الصحن الشريف بالمسجد.
لا يجوز لأهل الذمّة استيطان
الحجاز على قول مشهور،
بل ادّعي عليه الإجماع،
وهو الحجّة بعد
السيرة القطعية .
والمراد من الحجاز
مكّة و
المدينة و
خيبر و
اليمامة و
ينبع و
فدك ومخاليفها،
أي القرى التي حولها.
ولا دليل عليه في الأخبار
سوى خبر
الدعائم المتقدّم، وخبر
الجرّاح المروي من طرق
الجمهور من أنّ آخر ما تكلّم به
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «أخرجوا يهود الحجاز وأهل نجران من
جزيرة العرب »،
وهو يشمل غير اليهودي؛ لعدم القول بالفصل.
وفي خبر آخر عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لُاخرجنّ اليهود و
النصارى من جزيرة العرب»،
بناءً على أنّ المراد بها الحجاز.
والكلّ مناقش فيه؛ إذ الإجماع لو تمّ فهو واضح المدركية بعد هذه النصوص الواردة، وأمّا الأخبار فهي
ضعيفة السند؛ ولهذا ذهب بعض الفقهاء المتأخّرين
كالسيّد الخوئي إلى أنّ
إتمام هذا الحكم بالدليل مشكل.
وأمّا جزيرة العرب فقد قالوا: إنّه لا يسكنها أهل الذمّة، بل ادّعي عدم الخلاف عليها.
والمراد بها- كما قيل- مكّة والمدينة واليمن ومخاليفها.
وفي
المنتهى : أنّ المراد بها في النصوص المذكورة الحجاز،
ونحوه في
المبسوط و
التذكرة ،
فيكون المراد من جزيرة العرب والحجاز واحد.
وقيل: هي من
عدن إلى
ريف عبّادان طولًا، ومن
تهامة وما والاها إلى
أطراف الشام عرضاً،
وهو الأشهر بين أهل اللغة كما قيل.
وربّما قيل: إنّها من
ريف أبي موسى إلى
اليمن طولًا، ومن رمل
تبريز إلى منقطع
السماوة عرضاً.
وإذا كان
الدليل على ذلك في الحجاز غير ثابت فبطريق أولى عدم ثبوته في جزيرة العرب.
إذا عقد
الإمام الذمّة لرجل دخل معه أولاده
الصغار و
زوجاته وعبيده وأمواله، فإذا بلغ أولاده أو اعتق عبيده يستأنف عقد الذمّة معهم إلّاأن يسلموا؛
لأنّ
الأب عقد الذمّة لنفسه، وإنّما دخل أولاده معه لكونهم صغاراً، فإذا بلغوا زال
المقتضي للدخول.
وهم كما يتبعونه في الذمّة يتبعونه في خروجه عنها؛ لأنّ
التابع يتبع متبوعه، فمتى بطلت ذمّته بطلت ذمّة متبوعه،
بل ادّعي على ذلك الإجماع.
ويجوز للرجل أن يستتبع في عقد
الجزية من شاء من أقاربه وإن لم يكونوا من
المحارم ، فيشترط ذلك في عقد الذمّة؛
لجريان
القاعدة فيه حينئذٍ.
تقدّم أنّ مخالفة الذمّي وعدم
التزامه ببعض شروط الذمّة يوجب نقض العهد، وإن اختلفوا في
آثار هذا
النقض على الذمّي على عدّة أقوال:
أنّه يردّ إلى
مأمنه بلا خلاف؛
لأنّ هذا هو حكم من دخل بلاد
الإسلام بشبهة أمان، فيكون من دخلها بعهد أولى بالردّ إلى المأمن.
ولعلّ
الوجه فيه أنّ دخوله في الذمّة أخرجه من تحت عمومات الحربي، فإذا نقض الذمّة فلا يحرز دخوله مرّة اخرى في العموم، فيلزم الجمع بين عدم كونه ذمّياً وعدم
إحراز حربيّته، وذلك
بإخراجه من بلاد المسلمين.
أنّه يصير بنقضه للعهد محارباً فيتخيّر الإمام بين قتله و
استرقاقه ومفاداته؛
لأنّ نقضه للعهد كان بعلم منه و
اختيار ، فلا يقاس بمن دخل بشبهة
الأمان حتى يقال بأنّ قتله يعتبر
غيلة و
خيانة .
أنّ الإمام مخيّر بين ردّه إلى مأمنه وبين
إجراء حكم الحربي عليه، وهو مختار
الشيخ الطوسي وإن لم يذكر له وجهاً.
التفصيل بين من نقض عهده بسبب
القتال مع المسلمين أو
إعانة الكافرين فيجري فيه حكم
المحارب ، وبين من نقضه بغير ذلك فيردّه إلى مأمنه، وهو مختار
الصيمري وإن لم يذكر له وجهاً أيضاً.
ولعلّ الوجه فيه هو ما ذكرناه في القول الأوّل مع
إضافة أنّه لو أعلن الحرب فإنّ دخوله في حكم المحارب يصبح محرزاً، فلا معنى لعدم إجراء أحكام الحربي في حقّه.
هذا بالنسبة إلى حكم الذمّي
الناقض للعهد، وأمّا حكم ماله و
أهله وذرّيته وتابعيه فالظاهر- كما في
الجواهر -:«
اختصاص ذلك -الحكم المذكور- بخصوص
الخارق دون غيره، بل قد يشكل
جريان الحكم على ماله وأهله بناءً على ما سمعته سابقاً
باحترام مال المستأمن وإن لحق بدار الحرب، الّلهمّ إلّا أن يقال: إنّ أمان أهله وذرّيته وماله تبع لأمانه، والفرض
انتقاضه على وجه لا يجب معه علينا الردّ إلى المأمن؛ لكون النقض من قبله، وخصوصاً إذا كان قد اشترط عليه مع ذلك، فلعلّ
الأقوى حينئذٍ انتقاض الأمان في توابعه، فتسبى نساؤه، وتسترقّ ذرّيته».
•
أهل الذمة (العلاقات معهم)، ثمّة أحكام شرعية عديدة ترجع إلى تحديد العلاقات
الاقتصادية و
الاجتماعية مع أهل الذمّة، نذكرها في عنوانه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۹، ص۶۶-۹۸.