أهل الذمة (العلاقات معهم)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
أهل الذمة (توضيح).
ثمّة أحكام
شرعية عديدة ترجع إلى تحديد
العلاقات الاقتصادية و
الاجتماعية مع
أهل الذمّة، نذكرها-
إجمالًا - كما يلي:
صرّح بعض
الفقهاء بجواز
الصدقة على أهل
الذمّة وكلّ كافر حتى ولو كان
أجنبيّاً إذا لم يكن من
أهل الحرب ؛
لقوله سبحانه وتعالى: «لَايَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ».
ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «على كلّ
كبد حرّى أجر».
إلّا أنّ
الأكثر قيّدوا الحكم المذكور بالذمّي،
وبعضهم
بالإيمان ،
و
الأقرب الأخذ بإطلاق
الآية و
إطلاقات الصدقة و
البرّ و
الإحسان .
و
التفصيل في محلّه.
اختلف الفقهاء في جواز
الوقف على أهل الذمّة على عدّة أقوال:
عدم
الجواز مطلقاً، وهو قول
سلّار و
ابن البرّاج؛ لقوله تعالى: «لَاتَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ».
وقد يناقش بأنّ الموادّة غير الصدقة التي قد تكون بداعي
جذبهم إلى الإسلام، على أنّ
انطباق عنوان «حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» على
الذمّي مطلقاً غير
محرز .
الجواز مطلقاً، وهو ما حكاه
الشيخ الطوسي ،
واختاره المحقّق وغيره؛
لقوله تعالى: «لَايَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِن
دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ».
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «على كلّ كبد حرّى أجر».
مضافاً إلى عمومات البرّ والإحسان والصدقة إلى
الكافر وغير ذلك.
الجواز على
الأقرباء دون
الأجانب ، وهو مختار الشيخين و
أبي الصلاح و
ابن حمزة وغيرهم،
وادّعي عليه
الإجماع ؛
جمعاً بين
دليل القول بعدم الجواز والأوامر الكثيرة الواردة في
الحثّ على صلة الرحم. إلّا أنّه بعد عدم
نهوض دليل على
التحريم لا
داعي لهذا الجمع هنا.
الجواز للوالدين خاصّة، وهو مختار
ابن إدريس ؛
لقوله تعالى: «وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً».
ولا شكّ في صحّة
الوقف على
الوالدين إلّا أنّه غير خاص بهما؛ لما تقدّم. نعم، يفترض أن لا يكون في هذا الوقف
إعانة على
الكفر أو المعاصي. هذا بالنسبة إلى الوقف على أهل الذمّة. أمّا على معابدهم-
كالبيع و
الكنائس - فلا خلاف
في عدم جوازه،
بل ادّعي الإجماع عليه؛
لكونه إعانة لهم على المحرّم.
نعم، يجوز لأهل الذمّة أن يوقفوا شيئاً لكنائسهم وبيعهم، ولم نعلم فيه مخالفاً؛
لأنّه لازم
الإقرار لهم على دينهم؛ إذ لابدّ لهم من معبد.
والتفصيل في محلّه.
لا يجوز
تنفيذ وصيّة أهل الذمّة إذا كانت في
معصية ، كما لو أوصوا ببناء كنيسة أو بيعة أو صرف شيء في كتابة
التوراة ، أو
استئجار لخدمة البِيَع والكنائس، أو
شراء مصباح لهما أو
أرض توقف عليهما وغير ذلك ممّا هو محرّم؛ لما فيها من الإعانة على الإثم.بخلاف ما لو كانت
الوصيّة بأمر جائز، ككتابة
علم الطب أو
الحساب أو غيرهما من الامور الجائزة، فإنّه يجوز
إنفاذه ا؛ لعموم الأدلّة من دون فرق بين
انتفاع أهل الذمّة به أو غيرهم،
بل ادّعي الإجماع عليه.
ودليله عمومات الوصايا ومطلقاتها، حيث لا
معارض .
اختلف الفقهاء في الوصيّة لأهل الذمّة على ثلاثة أقوال:
جواز الوصيّة لهم، وهو
المعروف بين الفقهاء،
بل نفى بعضهم
الخلاف فيه؛
لأصالة الصحّة والجواز، ولأنّها نوع
عطيّة ،
وللروايات
المستفيضة كصحيحة
الريّان بن شبيب ، قال: أوصت
ماردة لقوم نصارى فرّاشين بوصيّة، فقال أصحابنا: أقسم هذا في فقراء
المؤمنين من أصحابك، فسألت
الرضا عليه السلام ، فقلت: إنّ
اختي أوصت بوصيّة لقوم نصارى وأردتُ أن أصرف ذلك إلى قوم من أصحابنا مسلمين، فقال: «امض الوصيّة على ما أوصت به، قال
اللَّه تعالى: «فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ» ».
عدم جواز الوصيّة لهم، وهو مختار
القاضي ابن البرّاج ،
والمحدّث البحراني؛
مستدلّين باستلزامها المودّة لهم، وهي محرّمة؛ لقوله سبحانه وتعالى: «لَاتَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا
آبَاءَهُمْ أَوْ
أَبْنَاءَهُمْ أَوْ
إِخْوَانَهُمْ أَوْ
عَشِيرَتَهُمْ ».
وقد تقدّم أنّ هذه الآية أجنبية عن موارد
الوقف والصدقة والوصية و
الهبة لأهل الذمّة.
التفصيل بين
الأرحام وغيرهم، فجوّزها فيهم دون غيرهم؛
لما ورد من الحثّ على
صلة الرحم مطلقاً، الشامل للذمّي أيضاً.
وقد تقدّم
التعليق عليه عند الحديث في الوقف على أهل الذمّة.
التعزية هي
تسلية أهل
المصيبة و
قضاء حقوقهم و
التقرّب إليهم و
إطفاء نار حزنهم،
وهي مستحبّة إذا كانت للمسلمين، بلا خلاف في ذلك،
وأمّا لأهل الذمّة فقد صرّح
العلّامة الحلّي بجوازها أيضاً، حيث قال: «
الأقرب جواز تعزية أهل الذمّة... لأنّها كالعيادة، وقد عاد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم غلاماً من
اليهود مرض. ..».
بينما يظهر من
المحقّق الحلّي المنع منها، حيث قال: «تعزية أهل الذمّة ليس بمسنون؛ لأنّه يتضمّن
ودّاً و
حنواً، وهو منهيّ عنه. لا يقال: قد روي أنّ
النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أتى غلاماً من اليهود وهو مريض، و
عيادته في معنى تعزية أهله؛ لأنّا نقول: يحتمل أن يكون إنّما جاءه لعلمه أنّه يسلم، فقد روي أنّه قعد عند رأسه وقال له: «أسلم»، فنظر إلى أبيه، فقال: أطع
أبا القاسم ، فقال النبيّ: «الحمد للَّه الذي أنقذه من
النار » ».
وحمل بعضهم هذا الكلام من المحقّق الحلّي على نفي
استحباب تعزية أهل الذمّة، لا على حرمتها إلّاإذا استلزمت موادّتهم؛ لأنّ
الأصل يقتضي
الإباحة ، وهو لا ينقطع إلّاباستلزام الموادّة ونحوها.
ونظراً لعدم
مساوقة التعزية للموادّة وعدم
إحراز الحرمة، يمكن
الترقي والقول باستحباب تعزيتهم أيضاً؛
استناداً لعمومات الحثّ على تعزية
المصاب و
الحزين ومطلقاته، مثل
معتبرة السكوني عن
أبي عبد اللَّه عن
آبائه عليهم السلام قال: «قال
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم : من عزّى حزيناً كسي في
الموقف حلّة يحبر بها»،
وغيرها من النصوص.
يكره
مصافحة الذمّي،
كما يستفاد ذلك من بعض
النصوص الآمرة بغسل اليد بعد المصافحة،
أو الآمرة بالمصافحة من وراء
الثياب ،
بل ورد
النهي عن نفس المصافحة في
صحيحة عليّ بن جعفر عن
أخيه أبي الحسن موسى عليه السلام ، قال: سألته عن
مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة، وأرقد معه على
فراش واحد واصافحه، قال: «لا».
والنهي في هذه الرواية
لإظهار التنفّر و
الانزجار منهم.
نعم، إذا كان في مصافحتهم وفتح العلاقات
الاجتماعية معهم
تأليفاً لقلوبهم كان حسناً.
يستحبّ في
رضاعة الطفل أن تكون
المرضعة مسلمة عفيفة وضيئة، ويكره
استرضاع الكافرة، ومع
الاضطرار تسترضع الذمّية غير المجوسية، وتمنع في فترة الرضاعة من
شرب الخمر وأكل لحم
الخنزير .
وأمّا المجوسية فالكراهة فيها آكد؛
للروايات الواردة في ذلك، كرواية
الحلبي ، قال: سألته عن رجل دفع ولده إلى ظئر يهودية أو نصرانية أو مجوسية ترضعه في بيتها أو ترضعه في بيته، قال: «ترضعه لك اليهودية والنصرانية في بيتك، وتمنعها من شرب الخمر، وما لا يحلّ مثل لحم الخنزير، ولا يذهبن بولدك إلى بيوتهنّ... فإنّه لا يحلّ لك، والمجوسية لا ترضع لك ولدك إلّاأن تضطرّ إليها».
من واجبات دفن الميّت
إضجاعه في القبر على جانبه
الأيمن مستقبل القبلة ، إلّاأنّ
المشهور أنّ
المرأة الذمّية إذا كانت حاملًا من مسلم تُضجع في قبرها
مستدبرة القبلة
وهو موضع
وفاق ،
بل ادّعي عليه
الإجماع ليكون وجه الولد إلى القبلة؛ لأنّ وجهه إلى ظهرها.
وفي بعض الكلمات شمول الحكم لمطلق الكافرة
لا لخصوص الذمّية وإن كان ظاهر كلمات اخرى كون المورد هو المرأة الذمّية.
وتدفن المرأة الذمّية في مقابر المسلمين
إكراماً للطفل المسلم الذي في بطنها بلا خلاف؛ لأنّ الولد لمّا كان محكوماً بأحكام المسلمين لم يجز
دفنه في مقابر أهل الذمّة، ولا يجوز إخراجه من
بطنها بعد موتهما معاً، فيتعيّن دفنها معه.
ذهب أكثر الفقهاء إلى تعلّق
الخمس بأرض الذمّي إذا اشتراها من
مسلم ،
بل هو
المنسوب إلى علمائنا،
بل ادّعي الإجماع عليه؛
لقول
الإمام الباقر عليه السلام في رواية
أبي عبيدة الحذّاء : «أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس».
ولا موهن لهذه
الرواية إلّا إهمال بعض المتقدّمين للحكم المذكور كابني
أبي عقيل و
الجنيد و
المفيد و
سلّار وأبي الصلاح ، وهذا
الوهن موهون بنسبة الحكم إلى
الأصحاب .
ثمّ إنّ ظاهر النصّ وفتوى المشهور و
اقتضاء الأصل اختصاص الحكم المذكور بالشراء
وإن عمّمه
كاشف الغطاء لمطلق المعاوضات،
بل ظاهر أوّل الشهيدين وصريح ثانيهما
التعميم لكلّ
انتقال من مسلم إلى ذمّي.
وذهب بعض الفقهاء في مقابل ذلك إلى القول بأنّ هذه الضريبة ليست سوى
الخراج أو
الجزية ، وأنّ تشابه
المقدار بينها وبين الخمس أوجب تصوّر كونها مورداً من موارده.
والتفصيل في محلّه.
•
أهل الذمة (معابدهم)، يختلف حكم معابد أهل الذمّة
باختلاف الطريقة التي فتحت بها أرضهم؛ لأنّها قد تكون مفتوحة عنوة بالقهر والغلبة، وقد تكون مفتوحة صلحاً على أن تكون أرضهم للمسلمين، وقد تكون مفتوحة صلحاً أيضاً على أن تكون أرضهم لهم، وقد تكون البلدان مستحدثة بيد المسلمين.
يجوز الصلاة في البيع والكنائس من دون استئذان أهلها أو الواقف أو الناظر عليها إذا علم بعدم إرادة الواقف اختصاص
الوقف بهم، بل ومع
الجهل بالاختصاص أيضاً؛ للأصل والسيرة، وظاهر النصوص
التي ترك
الاستفصال فيها،
كرواية
الحكم بن الحكم ، قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول، وسئل عن الصلاة في البيع والكنائس، فقال: «صلّ فيها، قد رأيتها ما أنظفها»، قلت: أيصلّى فيها وإن كانوا يصلّون فيها؟ فقال: «نعم، أما تقرأ
القرآن : «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى
شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى
سَبِيلًا »،
صلّ إلى
القبلة وغرّبهم».
وأمّا مع العلم بالاختصاص فقد قوّى بعضهم
بطلان الشرط والوقف معاً،
بل جزم بعضهم بجواز الصلاة فيها
وإن تردّد
الشهيد الأوّل في ذلك، حيث قال: «وفي
اشتراط إذن أهل الذمّة في
البيعة والكنيسة
احتمال ؛ تبعاً لغرض الواقف وعملًا بالقرينة».
واورد عليه بأنّه لا حاجة إلى الإذن بعد كون الأصل عدم ثبوت ملكهم لها، وعدم
احترام معابدهم في الإسلام.
والتفصيل في محلّه.
•
أهل الذمة (مساكنهم)، ذكروا أنّه لا إشكال في عدم
المنع من علوّ بيوت أهل الذمّة على بيوت المسلمين إذا كان
إحداثها قبل إحداث بيوت المسلمين، كما لا إشكال في عدم جواز علوّها على سائر بيوت المسلمين
المجاورة إذا كان إحداثها بعد ذلك.
الأشهر
بل المشهور
حرمة
المعاملة الربوية بين المسلم والذمّي، سواء كان آخذ
الربا مسلماً أو ذمّياً،
بل هو ممّا ذهب إليه عامة المتأخّرين إلّاالنادر منهم.
وخالف في ذلك
الشيخ الصدوق و
السيّد المرتضى؛ للمرسلة عن
الإمام الصادق عليه السلام : «ليس بين المسلم وبين الذمّي ربا، ولا بين
المرأة وبين زوجها ربا».
واورد عليه بأنّ الرواية ضعيفة مرسلة
غير صالحة
لتخصيص العمومات، مع
إمكان حملها على من لم يعمل بشرائط الذمّة،
وحينئذٍ يكون حكمه حكم الحربي الذي يجوز أخذ الربا منه
بالاتّفاق، بل يجوز أخذ جميع أمواله.
والتفصيل في محلّه.
يظهر من كلمات الفقهاء المفروغية عن جواز
الاستعانة بأهل الذمّة والكفّار الذين يؤمن شرّهم دون غيرهم؛
لقوله تعالى: «وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً»،
ولأنّ المنع من الاستعانة بهم أولى من المنع من الاستعانة
بالمرجفين . وأمّا بعض الروايات
الدالّة على حرمة الاستعانة بأهل الذمّة فهي
ضعيفة سنداً؛ لكونها مرويّة من طرق الجمهور،
ولا وجود لها في كتبنا الروائية والفقهية.
نعم،
المرجع في ذلك مصالح المسلمين العليا التي يرجع فيها إلى وليّ الأمر.
•
أهل الذمة (شهادتهم)، لا تقبل
شهادة الذمّي على المسلم في غير الوصيّة بالإجماع، وأمّا فيها فقبولها متوقّف على
الضرورة وفقدان
عدلين مسلمين.
إذا فعل أهل الذمّة ما هو سائغ في شرعهم غير
سائغ في شرعنا- كشرب الخمر ونحوه- لم يؤاخذوا عليه ما لم يتجاهروا به، فإذا تجاهروا عوقبوا بما يقتضيه شرع الإسلام»؛ لعدم اقتضاء عقد الذمّة إقرارهم على
التجاهر به، فتبقى سائر عمومات الأمر بالمعروف و
إجراء الحدود والنهي عن
تعطيلها على حالها.
إلّاأنّ هناك من اختار إجراء الحدود عليهم مطلقاً؛ للأصل.
وأمّا إذا فعلوا ما ليس بسائغ في شرعهم أيضاً
كالزنا و
اللواط فالحكم فيه كما في المسلم؛
للعموم.
وقيل: إن شاء
الحاكم دفعه إلى أهل
نحلته ليقيموا عليه الحدّ بمقتضى شرعهم؛
ولعلّه لكون مقتضى
عقد الذمّة بقاءهم على أحكامهم ومقتضيات شرعهم.
إذا تنازع الذمّي مع آخر ورفعا الأمر إلى الحاكم الشرعي فهنا صورتان:
الاولى: أن يقع
التنازع بين الذمّيين ثمّ يترافعان إلى حاكم الشرع. وهنا تارةً يترافعان إلى الحاكم
ابتداءً، واخرى بعد ترافعهما سابقاً إلى حاكم منهم، فإذا ترافعا ابتداءً فإنّه يظهر من بعض الفقهاء هنا أنّ الحاكم مخيّر بين الحكم بينهم بحكم
الإسلام ؛ لقوله تعالى: «وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم
بِالْقِسْطِ »،
وبين
الإعراض عنهم؛
لقوله تعالى: «فَإِن جَاؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ».
إلّاأنّ مفهوم كلمات بعض آخر وجوب
استجابة الحاكم لهما وقبوله
الدعوى وحكمه بينهما؛ لأنّهم ذكروا أنّه لو ترافع إلى حاكم الشرع مستأمنان حربيّان من غير أهل الذمّة فلا يجب على الحاكم
إجابتهما ؛ للإجماع، ولعدم وجوب دفع بعضهم عن بعض، بخلاف أهل الذمّة الذين لهم حرمة في دار الإسلام.
ومفهوم هذا الكلام وجوب الاستجابة لأهل الذمّة؛ لثبوت
الحرمة لهم. وأمّا إذا ترافعا إلى
حاكم الشرع بعد ترافعهما إلى حاكمهم فقد ذكر بعض
الفقهاء أنّه يجوز نقض حاكم الشرع ما حكم به قضاتهم
بالباطل إذا استدعاه أحد الخصمين للحكم؛ للعمومات الدالّة على وجوب دفع
الظلم ،
ولخبر
هارون بن حمزة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: قلت: رجلان من
أهل الكتاب نصرانيّان أو يهوديّان كان بينهما خصومة، فقضى بينهما حاكم من حكّامهما بجور، فأبى الذي قضى عليه أن يقبل، وسأل أن يردّ إلى حكم المسلمين، قال: «يردّ إلى حكم المسلمين».
الصورة الثانية: أن يترافع ذمّي مع مسلم، أو
مستأمن مع مسلم، وهنا يجب على الحاكم أن يحكم بينهما بما أنزل
اللَّه ؛
للعمومات والمطلقات مثل قوله تعالى: «وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ».
والتفصيل في محلّه.
•
أهل الذمة (ديتهم)، لا
إشكال في ثبوت
الدية لأهل الذمّة، وإنّما الإشكال في مقدارها، حيث ذهب
المشهور والمشهور
المختصر النافع ، إلى أنّها في الرجال ثمانمئة درهم.
هناك مسائل متعدّدة في جناية الذمّي و
الجناية عليه نتعرّض لها فيما يلي بنحو
الإجمال :
الاولى: إذا اعتاد المسلم قتل الذمّي فإنّه يقتل به بعد أخذ فاضل ديته من الذمّي
على المشهور،
بل ادّعي عليه الإجماع؛
للروايات الكثيرة كرواية
إسماعيل بن الفضل ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن المسلم هل يقتل بأهل الذمّة؟ قال: «لا، إلّاأن يكون
معوّداً لقتلهم، فيقتل وهو صاغر».
وروايته الاخرى عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: قلت له: رجل قتل رجلًا من أهل الذمّة، قال: «لا يقتل به إلّاأن يكون
متعوّداً للقتل».
وخالف في ذلك ابن إدريس مؤكّداً على أنّه «لا ينبغي أن يلتفت إلى هذه الرواية ولا يعرّج عليها؛ لأنّها مخالفة للقرآن والإجماع، وإنّما أوردها شيخنا في
استبصاره ، و
تأويلها على هذا».
المسألة الثانية: لو قتل الذمّي مسلماً عمداً دُفع هو وماله إلى أولياء
المقتول ، وتخيّروا بين قتله و
استرقاقه على المشهور،
بل ادّعي عليه الإجماع؛
لصحيح
ضريس عن
الإمام الباقر عليه السلام في
نصراني قتل مسلماً، فلمّا اخذ أسلم، قال: «اقتله به»، قيل: وإن لم يسلم؟
قال: «يدفع إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا عفوا، وإن شاؤوا استرقّوا»، قيل: وإن كان معه مال؟ قال: «دفع إلى أولياء المقتول هو وماله».
هذا إذا كان القتل عمديّاً، وأمّا إذا كان خطئيّاً فقيل: إنّ ديته من ماله، فإن لم يجد
فعاقلته على الإمام عليه السلام؛ لأنّهم يؤدّون إليه جزيتهم، كما يؤدّي العبد الضريبة إلى مولاه،
بل ظاهر بعضهم الإجماع عليه؛
لصحيحة
أبي ولّاد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «ليس فيما بين أهل الذمّة معاقلة فيما يجنون من قتل أو
جراحة ، إنّما يؤخذ ذلك من أموالهم، فإن لم يكن لهم مال رجعت الجناية على إمام المسلمين؛ لأنّهم يؤدّون إليه
الجزية كما يؤدّي
العبد الضريبة إلى سيّده»، قال: «وهم
مماليك للإمام، فمن أسلم منهم فهو حرّ».
إلّاأنّ
الشيخ المفيد صرّح بأنّ: «الذمّي إذا قتل المسلم خطأً فديته على عاقلته».
المسألة الثالثة: يقتل الذمّي بالذمّي وإن اختلفت ملّتهما بلا خلاف فيه؛
لعموم: «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ»،
ولخبر السكوني عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «إنّ
أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول: يقتصّ لليهودي وللنصراني وللمجوسي بعضهم من بعض، ويقتل بعضهم ببعض إذا قتلوا عمداً».
بل وكذا يقتل الذمّي بالذمّية لكن بعد ردّ فاضل ديته، وكذا الذمّية بالذمّية وبالذمّي من غير رجوع عليها بفضل؛
لعموم قوله سبحانه وتعالى: «النَّفْسَ
بِالنَّفْسِ ».
المسألة الرابعة: لو قتل الذمّي حربياً فقد قيل: إنّه لا يقتل به»؛ ولعلّه لكونه غير
محقون الدم،
وإن تردّد في ذلك المحقّق النجفي.
المسألة الخامسة: لو قتل ذمّي
مرتدّاً قتل به حتى ولو كان ارتداده فطرياً
بلا خلاف ولا إشكال،
بل في
المسالك هو مذهب
الأصحاب ؛
لأنّه
محقون الدم بالنسبة إلى الذمّي،
وإنّما يقتله المسلمون،
فيندرج في عموم أدلّة القصاص،
ولا دليل على اختصاصها بغير هذا الفرض.
والتفصيل في محلّه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۹، ص۷۵-۹۸.