و الفقهاء يستعملونه في نفس معناه اللغوي.
ولعلّ حديثهم عن اعتصام الماء مرجعه إلى معنى مجازي، فكأنّ الماء صار بتمسّكه بمادته مانعاً عن حصول النجاسة و الانفعال بها.
أي ومن أراد أن يهتدي إلى صراط مستقيم، ويدخله اللَّه عاجلًا في رحمتهالواسعة ويجزل له الثواب من فضله ورحمته، فليعتصم باللَّه تعالى ويلوذ بلطفه ويتمسّك بهداياته و آياته و دينه وما انزل على رسوله.
ويدلّ على ما نقول ما رواه الحسن بن الحسين الأنصاري عن محمّد بن الحسين عن أبيه عن جدّه، قال: قال علي بن الحسين عليهما السلام : «كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم جالساًومعه أصحابه في المسجد ، فقال: يطلُع عليكم من هذا الباب رجل من أهل الجنّة يسأل عمّا يعنيه، فطلع عليهم رجلٌ طوالٌ شبيه برجال مُضَر، فتقدّم فسلّم على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وجلس، فقال: يا رسول اللَّه، إنّي سمعت اللَّه عزّوجلّ يقول فيما أنزل: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا» فما هذا الحبل الذي أمرنا اللَّه بالاعتصام به وألّا نتفرّق عنه؟ فأطرق رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم مليّاً ثمّ رفع رأسه وأشار بيده إلى علي بن أبي طالب عليه السلام وقال: هذا حبل اللَّه الذي من تمسّك به عُصم به في دنياه، ولم يضلّ به في آخرته، فوثب الرجل إلى علي عليه السلام فاحتضنه من وراء ظهره وهو يقول: اعتصمت بحبل اللَّه وحبل رسوله، ثمّ قام فولّى فخرج...».
قسّم الفقهاء الماء إلى معتصم وغير معتصم.
والمعتصم منه إمّا يكون بمادّته كالماء الجاري و البئر و المطر ، وإمّا يكون بكثرته كالماء الكرّ ، أو يكون متصلًا بالمعتصم.
ويقصدون بالمعتصم الماء الذي لا ينفعل بمجرّد ملاقاة النجاسة ما لم يتغيّر لونه أو طعمه أو ريحه .
وأمّا غير المعتصم- كالماء القليل وما يلحق به كالماء المضاف - فهو ينفعل بمجرّد ملاقاة النجس وإن لم يتغيّر.
تعرّض الفقهاء في كتاب الجهاد لأسباب الاعتصام، وأنّه تعتصم دماء الكفّار و أموالهم وسائر مايتعلّق بهم بأحد أسباب الاعتصام، ونشير إلى أهمّها إجمالًا فيما يلي:
تعصم دماء الكفّار وأموالهم بالصلح، أو المهادنة على ترك القتال إذا رأى الإمام أو نائبه المصلحة في الصلح، فيصلح بينهم وبين المسلمين على الوجه الأصلح على قدر ما يسعه من حقن دمائهم وأموالهم اقتصاراً على الممكن .
يقصد بالاعتصام الاجتماعي - الذي صار اليوم ظاهرة عالمية- تجمّع عددٍ من الناس عاملين ضمن مؤسّسة أو جامعة أو جمعية، أو وزارة ، أو من عامة الناس في مكان معيّن داخل مركز عملهم أو في الساحات والطرقات العامّة، فيستقرّون هناك لساعات معينة أو لأيّام وربما لأكثر من ذلك، احتجاجاً على أمرٍ ما أو مطالبة بحقوقهم أو بإجراءإصلاحات أو تعديلات أو غير ذلك.
وهذا العمل جائز بحدّ نفسه ما لم يؤدّ إلى الإضرار بالآخرين، كما لو أضرّ بالمارّة أو كان يعطّل الحياةالاقتصادية، أو كان ضدّ الدولة الإسلامية بغير حقّ أو ما شابه ذلك.
نعم، قد تكون المصلحة في الاعتصام نفسه طبقاً للعناوين الثانوية، كالاعتصامات الطلابية المطالبة بالسماحبارتداءالحجاب في دول لا تسمح بارتدائه في الجامعات الرسمية، والمرجع في ذلك الحاكم الشرعي أو من يوكّله بهذا الأمر .