الأهلية (مرحلة التمييز)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الأهلية (توضيح).
تبدأ مرحلة التمييز من حين القدرة على التمييز إلى
ظهور علامات البلوغ.
من ماز الشيء ميزاً، أي عزله وفرزه. ويكون في
المشتبهات و
المختلطات ، ومعنى تميّز الشيء انفصاله عن غيره.
وعليه فالمراد ب (سنّ التمييز) تلك السنّ التي إذا انتهى إليها الطفل تحصل له القدرة على تمييز الخير من الشرّ والحسن من القبح، و
النفع من الضرر، ولو إجمالًا وبصورة سطحية وموجبة جزئية.
والمراد بالصبي المميز فقهياً هو أن يصير له وعي و
إدراك يفهم به الخطاب الشرعي إجمالًا، فيدرك معاني العبادات والمعاملات، ويفهم نتائج هذه المعاملات في
تبادل الحقوق والالتزامات ولو بصورة سطحية مجملة، فيعرف فرق البيع عن الشراء، ويفهم تعادل القيم وتفاوتها. ولهذا فالطفل في مرحلة
الطفولة وقبل أن يصل إلى هذا الوعي والتمييز يعتبر غير مميز حتى وإن كان له إدراك وتمييز في كثير من الامور الطبيعية. وليس لمبدأ هذه المرحلة سنّ معيّنة من عمر الإنسان أو
علامة طبيعية فيه، فهي تختلف باختلاف شخصية الطفل ومؤهّلاته العقلية والجسدية والبيئية، فإنّ كلّ تلك العوامل مؤثّرة في سرعة الوصول إلى هذه المرحلة.
ويشهد لذلك ما رواه
معاوية بن وهب ، قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام في كم يؤخذ الصبي بالصلاة؟ فقال: «فيما بين سبع سنين وستّ سنين...»،
وغيرها من الروايات.
وتحصل للإنسان في هذه المرحلة أهلية لُامور اخرى مضافاً إلى ما تقدّم في مرحلة الطفولة. وقد بحث الفقهاء أهلية الصبي المميّز في أقواله وأفعاله؛ فإنّها تارة تكون من
اصول الدين واخرى من فروعه، وما يكون من فروع الدين تارة لا يحتاج إلى
القصد واخرى يحتاج إليه، وما يحتاج إلى القصد تارةً يكون في العبادات واخرى في المعاملات
:
وقع الخلاف في أهلية الصبي المميّز لقبول
الإسلام منه على قولين:
أنّه يحكم بإسلامه إذا أقرّ بالشهادتين وأظهر الإسلام ويخرج بذلك عن
تبعيته للأبوين الكافرين.
واستدلّ له بأنّ الإسلام يدور مدار
الإقرار بالشهادتين، وبذلك يحرم ماله ودمه، والروايات الدالّة على ذلك متظافرة، فإنّ إطلاق هذه الروايات يشمل البالغ وغيره، فلا ينبغي الإشكال في قبول إسلام الصبي المميّز والحكم بترتّب أحكام الإسلام عليه؛ لأنّ
المدار في ذلك إنّما هو
إظهار الشهادتين.
بل قد يكون بعض الأطفال أقوى إيماناً من أكثر البالغين ومتمكّناً من
الاستدلال على وجود الصانع و
إرساله الرسل و
إنزاله الكتب على نحو لا يتمكّن منه إلّا الخواص. نعم، لا تترتّب الأحكام الإلزامية على صغارهم وإن كانوا مميّزين، وهكذا الطفل
المسلم إذا ارتدّ عن دينه، وذلك
لرفع القلم عن الصبيّ حتى يحتلم. وبالجملة، إنّ مقتضى الإطلاقات هو الحكم بإسلام الصبي المميّز إذا أظهر الإسلام، كما أنّ مقتضاها هو الحكم بكفر ولد المسلم إذا أظهر
الكفر وكان مميّزاً. نعم، لا يحكم عليه بأحكام الارتداد لرفع القلم عنه.
أنّه لا يحكم بإسلامه، بل يتبع أبويه في الحكم بكفره إذا كانا كافرين.
قال
المحقّق النجفي - بعد نقل ما حكي عن بعض العلماء من
التصريح بأنّ الواجبات الاصولية (أي:
الاعتقادية ) العقلية تجب على الطفل قبل بلوغه دون الفرعية-: «لا يخفى عليك ما فيه من كونه
كالاجتهاد في مقابلة المقطوع به نصاً وفتوى من رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ، ولعلّنا نقول بلزوم الإقرار عليه مع فرض وصوله إلى الواقع، إلّاأنّ ذلك لا ينافي عدم
جريان الأحكام عليه، وليس فيه تخصيص للدليل العقلي كما هو واضح».
وتفصيل البحث في ذلك في محلّه.
المشهور بين الفقهاء أنّ عبادات الصبي شرعية وليست
تمرينية ، وبيان ذلك: إنّ العبادات إمّا واجبة أو مستحبّ.
ولا شكّ في صحّة العبادات المستحبّة الصادرة من الصبي المميّز؛ لشمول أدلّتها له كشمولها للبالغين. وأمّا حديث رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم فلا
حكومة له على أدلّة المستحبّات؛ إذ المتبادر منه ليس إلّاالقلم الذي يصحّ بالنسبة إليه إطلاق اسم الرفع، وليس هو إلّاالقلم الذي يوقعه في الكلفة، لا القلم الذي ينفعه، فلو ورد: أنّ من صلّى ركعتين فله كذا وكذا من
الأجر ، أو من صام يوم كذا وجبت له الجنّة، لا يصدق على
تخصيصه بما عدا الصبي أنّه رفع عنه هذا القلم، بل يصدق عليه أنّه لم يوضع له.
وأمّا العبادات الواجبة؛ فإنّ أدلّتها شاملة للصبي المميّز إلّاأنّ حديث رفع القلم حاكم عليها؛ بمعنى أنّه يفهم منه إجمالًا عدم
تنجيزها عليه؛ وذلك أنّ المراد من رفع القلم عنه هو: إمّا قلم
المؤاخذة ؛ بمعنى أنّ ما يصدر منه من
مخالفة الأحكام الشرعية من ترك الواجبات وفعل المحرّمات لا يكتب عليه، ومقتضى ذلك كونه مشمولًا لأدلّة التكاليف، ولكنّه لا يؤاخذ بمخالفتها، فهو غير ملزم بها شرعاً، بل يجوز له مخالفتها، فتكون الواجبات
مستحبّةً في حقّه؛ أو أنّ المراد برفع القلم: قلم التكاليف التي يترتّب على مخالفتها المؤاخذة، فمعنى رفع القلم عنه: أنّه خصّصت التكاليف بما عداه، ولم يوضع على الصبي، وإطلاق الرفع عليه بلحاظ ما فيها من شأنية
الوضع على الجميع، فعلى هذا يكون الصبي خارجاً عن موضوع أدلّة التكاليف، ولكن يدلّ على
مشروعيتها له، واستحباب قيامه بوظيفتها طائفتان من الروايات:
الاولى: ما دلّ على
الأمر بأمر الصبيان بالصلاة والصوم؛
بتقريب أنّ الأمر بالأمر أمر بالفعل حقيقة؛ إذ
الغرض منه ليس إلّا تحقّق ذلك الفعل في الخارج، فيكون الأمر بالأمر طريقاً إليه. ومن تلك الروايات ما عن
الحلبي عن أبي عبد اللَّه عن
أبيه عليهما السلام قال: «إنّا نأمر
صبياننا بالصلاة إذا كانوا بني خمس سنين، فمروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا بني سبع سنين...».
والطائفة الثانية هي الروايات الدالّة على تكليف الصبيان بالصلاة والصوم والحج بغير عنوان الأمر بالأمر بها، فتدلّ على مشروعية عباداته. نعم، قامت
القرينة الخارجية على عدم
إرادة الوجوب منها، والقرينة هي الأدلّة الدالّة على رفع التكليف عن الصبي حتى يحتلم.
ومن روايات هذه الطائفة ما رواه
إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إذا أتى على الصبي ستّ سنين وجب عليه الصلاة، وإذا أطاق الصوم وجب عليه الصيام».
•
الأهلية (في المعاملات)، بحث الفقهاء في أهلية الصبي المميّز للمعاملات بمعناها الأخص؛ أي
العقود و
الإيقاعات ، وبحثهم تارةً في أهليته لإيقاعها لنفسه؛ بأن يبيع أو يشتري أو يستأجر لنفسه، واخرى في أهليته لإيقاعها
نيابة عن الغير، وفي كلتا الحالتين تارةً يصدر عنه ذلك بدون
إذن الولي، واخرى مع إذنه.
إنّ القول بتأثير
إجازة الصبي بعد البلوغ في
تصحيح معاملاته الواقعة قبل بلوغه يبتني على
القول بمسلوبية عبارته قبل البلوغ وعدمه، فبناءً على ما ذهب إليه
المشهور من مسلوبية عبارة الصبي لا معنى
لتأثير الإجازة في تصحيح معاملاته؛ لأنّه لا
اعتبار بأقواله وأفعاله، فكأنّ معاملاته لم تكن. وأمّا بناءً على ما ذهب إليه جملة من المتأخّرين من أنّه لا دليل على سلب عبارته، وإنّما
العيب في عقده وتصرّفه الخارجي هو
الحجر على أمواله، الذي يقتضي قيام الولي في
المعاملات أو
إشراف الولي على معاملاته على الأقل.
وعليه
فبطلان عقد الصبي ليس بمعنى عدم قبوله التصحيح بعد ذلك بالإجازة بعد البلوغ، بل غاية
الأمر أنّ عقد الصبي بدون إشراف الولي يلحق
بالفضولي ، وإن كانت أدلّة صحّة
عقد الفضولي واردة في خصوص عقد غير المالك الملحوق بإجازة المالك، إلّاأنّ
العرف يتعدّى من ذلك إلى كلّ مورد كان العيب فيه عدم نفوذ رضاه مباشرة للحجر؛ إذ لا يحتمل العرف أن يكون عدم نفوذ
الرضا للحجر أشدّ من فرض عدم نفوذه لعدم الملك.
استثنى
الفقهاء عدّة موارد من عدم صحّة تصرّفات الصبي المميّز، وهي كما يلي:
•
الأهلية (استثناءات مرحلة التمييز)، استثنى الفقهاء عدّة موارد من عدم صحّة تصرّفات الصبي المميّز، وهي كما يلي: ۱ ـ
بيع المحقّرات وشراؤها، ۲ ـ إذا كان مجرّد آلة
للإيصال أو
لإبراز قصد المتعاملين، ۳ ـ معاملاته بإشراف الولي، ۴ ـ الوصيّة، ۵ ـ
الوقوف والصدقات، ۶ ـ
العارية مع
إذن الولي ووجود
المصلحة ، ۷ ـ
شهادة الصبي.
الموسوعة الفقهية، ج۱۹، ص۱۶۰-۱۸۵.