• خواندن
  • نمایش تاریخچه
  • ویرایش
 

الأهلية (في المعاملات)

احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF



لتصفح عناوين مشابهة، انظر الأهلية (توضيح).
بحث الفقهاء في أهلية الصبي المميّز للمعاملات بمعناها الأخص؛ أي العقود و الإيقاعات ، وبحثهم تارةً في أهليته لإيقاعها لنفسه؛ بأن يبيع أو يشتري أو يستأجر لنفسه، واخرى في أهليته لإيقاعها نيابة عن الغير، وفي كلتا الحالتين تارةً يصدر عنه ذلك بدون إذن الولي، واخرى مع إذنه.
وتفصيل ذلك كما يلي:




المشهور بين الفقهاء عدم جواز استقلال الصبي المميز بالتصرّفات المالية، كالبيع و الشراء و الإجارة ونحوها، بل ادّعي عليه الإجماع .
قال العلّامة الحلّي : «هو (الصغير) محجور عليه بالنصّ والإجماع- سواءً كان مميزاً أو لا- في جميع التصرّفات إلّا ما استثني كعباداته و إسلامه و إحرامه و تدبيره ووصيّته و إيصال الهدية وإذنه في دخول الدار على خلافٍ في ذلك».
واستدلّ لذلك:

۱.۱ - الاستدلال بالكتاب


قوله تعالى: «وَابْتَلُوا الْيَتَامَى‌ حَتَّى‏ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ». وتقريب الاستدلال : هو أنّ الآية الكريمة اعتبرت الرشد في جواز تصرّفات الصبي في أمواله مستقلّاً بعد اعتبار البلوغ فيه، ومن الواضح جدّاً أنّه لو كان الرشد لوحده كافياً في جوازها بدون إذن الولي لكان اعتبار البلوغ في ذلك قبل الرشد لغواً محضاً، فيعلم من ذلك أنّ نفوذ تصرّفات الصبي يتوقّف على أمرين: البلوغ والرشد. إذاً الآية الكريمة دالّة على المنع عن تصرّفات الصبي قبل البلوغ وإن كان رشيداً. ولعلّ السرّ باختبار الرشد قبل البلوغ مع عدم وجوب دفع المال إلّابعده هو أن لا يمنع البالغ الرشيد عن ماله بعد بلوغه حتى بمقدار زمان الاختبار، فإنّه بحسب الغالب يحتاج إلى مدّة ولو قصيرة، فإذا كان الاختبار بعد البلوغ لابدّ وأن يمنع في زمان الاختبار عن تسليم ماله إليه.
[۴] محاضرات في الفقه الجعفري، ج۲، ص۲۳۴.

ثمّ إنّ اختصاص الآية الكريمة باليتامى لا يضرّ بالاستدلال بشأن كلّ صبي؛ لعدم احتمال الفرق، وكأنّ النكتة في نزولها بخصوص شأن اليتامى هو أنّ ما كان محلّاً للابتلاء بلحاظ حفظ أموالهم أو صرف المال عليهم أو أخذ اجور الخدمة عليهم كانوا هم اليتامى، أمّا غير اليتيم فهو يعيش عادة تحت كنف أبيه ، ولا يطلب الأب عادة الاجور، بل لا يملك الطفل الذي في كنف أبيه- غالباً- مالًا يخصّه، فنزلت الآية الكريمة بلحاظ الواقع الخارجي الذي كان يتطلّب بيان أحكام هذه الامور.
[۵] فقه العقود، ج۲، ص۹۸.


۱.۲ - الاستدلال بالسنة الشريفة


وهي عدّة روايات:
منها: ما رواه حمران ، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام قلت له:... قال: «إنّ الجارية ليست مثل الغلام ، إنّ الجارية إذا تزوّجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ، ودفع إليها مالها، وجاز أمرها في الشراء و البيع واقيمت عليها الحدود التامّة واخذ لها بها»، قال: «والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع، ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك».
ومنها: رواية أبي الحسين الخادم بيّاع اللؤلؤ عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سأله أبي- وأنا حاضر - عن اليتيم متى يجوز أمره؟ قال: «حتى يبلغ أشدّه»، قال: وما أشدّه؟ قال: «احتلامه»، قال: قلت: قد يكون الغلام ابن ثمان عشرة سنة أو أقلّ أو أكثر ولم يحتلم، قال: «إذا بلغ وكتب عليه الشي‏ء جاز أمره، إلّاأن يكون سفيهاً أو ضعيفاً».



اختلف الفقهاء في صحّة معاملات الصبي لنفسه مع إذن الولي على قولين:

۲.۱ - عدم صحة المعاملات


ما هو المشهور من عدم الصحّة، بل ادّعي عليه الإجماع .
واستدلّ له بأنّه لا شكّ في شمول الروايات الناهية لهذا الفرض ، وهي ما ورد بعنوان عدم الجواز والنفوذ، بدعوى أنّ النفوذ مع الإذن لعلّه لا ينافي عنوان عدم جواز أمره، فلا إشكال في شمول ما دلّ على عدم دفع المال إليه، فإنّ النهي عن دفع المال إليه الذي كان بمعنى النهي عن تسليطه عليه يشمل الإذن الخالي عن الإشراف حتماً، وإلّا للغي هذا النهي عرفاً؛ إذ بإمكان كلّ ولي يرغب أن يدفع مال الطفل المميّز إليه أن يأذنه في التصرّف كي يجوز دفع المال إليه، فمعنى النهي عن تسليط الأطفال على أموالهم هو المنع عن إذنهم بالتصرّف في الأموال من دون الإشراف عليهم.
إذاً فمعاملات الصبي باطلة ولو كان مميّزاً ورشيداً إلّاباشراف الوليّ ولا فائدة في مجرّد الإذن.
[۱۴] فقه العقود، ج۲، ص۱۴۸.


۲.۲ - صحة المعاملات


ما ذهب إليه بعض الفقهاء من صحّة معاملات الصبي المميّز إذا وقعت بإذن الولي.
قال المحقّق الأردبيلي : «وبالجملة، ظاهر عموم الآيات والأخبار و الأصل هو الجواز مع التميّز التام وإذن الولي».
وقال المحقّق الإيرواني : «وإن أبيت- سيما بعد ورود الأخبار على عدم نفوذ أمر الجارية وكذا الغلام في البيع والشراء إلى أن يبلغوا الحلم - فغاية ما هناك الالتزام به في صورة الاستقلال دون ما كان بإذن الأولياء ونصبهم الصبيان للمعاملات؛ لعدم شمول النصوص له وكذا الإجماع- إن سلم عن المناقشة - لم يشمل ذلك، فالحكم في ذلك هو عمومات أدلّة صحّة المعاملات».
[۱۶] حاشية المكاسب (الإيرواني)، ج۲، ص۱۷۱.




تصحّ تصرّفات الصبي المميّز في غير ماله، أي إذا كان وكيلًا عن غيره في عقد أو إيقاع ولو كان التوكيل على نحو التفويض ، سواءً أكان الموكّل وليّاً أم غيره.
قال السيّد الشهيد الصدر : «إذا كان تصرّف الصبي في غير ماله فلا يعتبر إذن الولي، والظاهر الحكم بصحّته إذا كان وكيلًا عن المالك، بل لا يبعد كفاية كونه مأذوناً من قبله ولو بدون توكيل».
[۱۷] المنهاج (الحكيم)، ج۲، ص۲۴، م ۱، تعليقة الشهيد الصدر، الرقم ۵۲.


۳.۱ - الاستدلال على الصحة


واستدلّ له بالعمومات والإطلاقات الدالّة على صحّة المعاملات بعد عدم الدليل على التخصيص أو التقييد هنا.

۳.۲ - الاستدلال على عدم الصحة


وقد يستدلّ على عدم الصحّة بما يلي:
۱- بقوله سبحانه وتعالى: «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ». ونوقش فيه بأنّ الآية الكريمة لا تدلّ على عدم الجواز، بل لا إشعار فيها على ذلك، بل هي كالصريحة في أنّها بصدد تصرّفات الصبي في أمواله لا في أموال غيره.
۲- دعوى عدم القول بالفصل بين التصرّف في مال نفسه والتصرّف في مال غيره، فكما لا يصحّ في الأوّل لا يصحّ في الثاني. إلّاأنّ هذه الدعوى عهدتها على مدّعيها.
۳- الروايات الدالّة على عدم نفوذ أمر الصبي قبل البلوغ .
ونوقش فيه: بأنّ هذه الروايات لا تدلّ إلّا على عدم نفوذ تصرّف اليتيم في ماله دون ما إذا كان التصرّف في مال غيره بإذنه. نعم، تقدّم أنّه لا خصوصية لليتيم في الحكم وإنّما ذلك لأجل أنّه هو المورد المتوهّم لدفع المال إليه، فنتعدّى إلى غير اليتيم من الصغار. وأمّا خصوصية أنّ موضوع المنع هو تصرّف الصغير في مال نفسه فلا مقتضي لرفع اليد عنها.
هذا، مضافاً إلى أنّ تصرّفه في مال نفسه أيضاً لا يكون نافذاً بما أنّه تصرّف صبي، وهذا لا ينافي نفوذه بما أنّه مضاف إلى الموكّل، سواءً فيه الولي وغيره. ثمّ إنّه قد تبنى المسألة على مدى اعتبار عبارة الصبي المميّز شرعاً، وهل أنّه مسلوب العبارة أم لا؟ وذلك لما له من الأثر الواضح على صحّة أو بطلان معاملاته وعباداته، فقد ذهب مشهور الفقهاء إلى أنّ عبارة الصبي المميّز مسلوبة، بل ادّعي عليه الإجماع. خلافاً لجملة من المتأخّرين؛ حيث ذهبوا إلى أنّ عبارة الصبي معتبرة ومؤثّرة في مؤدّاها؛ لذا يصحّ له مباشرة العقود والإيقاعات في أمواله بإذن الولي، وأن يكون وكيلًا من قبله في ذلك.
[۲۴] مصباح الفقيه، ج۱۴، ص۳۶۰.
[۲۶] فقه العقود، ج۲، ص۱۷۲.


۳.۳ - الاستدلال للمشهور


واستدلّ للمشهور بعدّة طوائف من الروايات، وهي:

۳.۳.۱ - ما دل على رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم


منه: ما رواه ابن ظبيان ، قال: اتي عمر بامرأة مجنونة قد زنت فأمر برجمها، فقال علي عليه السلام : «أما علمت أنّ القلم يرفع عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ؟». ومنه: موثّقة عمّار الساباطي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ فقال: «إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة، وجرى عليه القلم، والجارية مثل ذلك إن أتى لها ثلاث عشرة سنة، أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة وجرى عليها القلم».
و تقريب الاستدلال: هو أنّ المراد بالقلم المرفوع كافّة الأحكام المجعولة على الكبار، تكليفية كانت أم وضعية، فكما لا يتّصف فعل الصبي بالوجوب والحرمة، فكذا لا تثبت في حقّه الأحكام الوضعية كسببيّة عقده و إنشائه للبيع- مثلًا- لحصول النقل والمبادلة في إضافة الملكية، فإنّ سببيّته له اعتبار وضعي إمضائي مرفوع عن الصغير؛ إمّا برفعها أو برفع منشأ انتزاعها من قبيل وجوب الوفاء كرفعها عن إنشاء المجنون والنائم.
[۲۹] هدى الطالب، ج۴، ص۱۵- ۱۶.
إذاً فهذه الطائفة تدلّ على إلغاء أقوال الصبي وأفعاله عن الاعتبار، وعدم موضوعيتها للآثار المترتّبة على ما إذا صدرت من الكبير.

۳.۳.۲ - المناقشة في الطائفة الأولى


أوّلًا: بأنّ كلمة رفع القلم عن الصبي أو جريه عليه تدلّ على رفع ثقل عنه أو جريه عليه على ما هو مفهوم من كلمة (عن) أو من كلمة (على)، و الثقل إنّما يكون للحكم التكليفي أو لكتب السيّئات، أمّا الحكم الوضعي فحينما يوجب الثقل كما في النجاسة - مثلًا- فإنّما يوجبه بواسطة الحكم التكليفي. وما يثقل الظهر مباشرة إنّما هو الحكم التكليفي أو السيّئات، وهذه المناسبة تصرف الكلام إلى نفي الحكم التكليفي أو السيّئات أو- على الأقل- تمنع عن تمامية الإطلاق .
وثانياً: بأنّ المفهوم بالبداهة عدم ارتفاع أكثر الأحكام الوضعية عن الطفل كالنجاسة والضمان والجنابة وغيرها، فيدور الأمر عندئذٍ بين تخصيص هذه الامور بعد فرض شمول الحديث لرفع قلم الحكم الوضعي وبين تفسير القلم بغير قلم الحكم الوضعي، والثاني أولى وأنسب في فهم العرف .
[۳۰] فقه العقود، ج۲، ص۱۵۶- ۱۵۷.


۳.۳.۳ - ما دل على أن عمد الصبي خطأ


وهو ما ورد بسند صحيح عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «عمد الصبي وخطأه واحد». فإنّ هذه الرواية تدلّ بإطلاقها على أنّ الصبي مسلوب العبارة، وأنّ ما يصدر منه من عقد أو إيقاع وأمثالهما عن عمد كأنّه صدر منه خطأ، فهو باطل على كلّ حال. ولا يقيّد إطلاق هذه الرواية بموثّقة إسحاق بن عمّار عن جعفر عن أبيه عليهما السلام: «أنّ عليّاً عليه السلام كان يقول: عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة »، باعتبار اختصاص الموثّقة بباب الديات، بقرينة قوله عليه السلام: «يحمل على العاقلة»؛ وذلك لأنّهما مثبتان ولا تنافي بينهما كي يقيّد أحدهما بالآخر.

۳.۳.۴ - المناقشة في الطائفة الثانية


منها: أنّه من المحتمل أن تكون قضية لحوق العمد في الصبيان بالخطأ في باب الجنايات مركوزة ومعهودة وقت صدور النصّ في الأذهان إلى حدّ أوجب انصراف الحديث إليه، وهذا من احتمال اتّصال القرينة من القسم الذي لا يمكن نفيه بسكوت الراوي عنه بجعل سكوته شهادة على العدم؛ لأنّ هذا ليس ممّا يجلب نظر الراوي على أساس احتمال أنّه سيأتي زمان لا تكون هذه القرينة واضحة، فلابدّ من التصريح بها منذ الآن،
[۳۳] فقه العقود، ج۲، ص۱۶۳.
فإنّ الراوي لا يلتفت إلى هذا، بل يكفيه أن تكون القرينة مركوزة في الأذهان وقت صدور النصّ، وبهذا لا يمكن التمسّك بإطلاق الرواية لغير باب الجنايات، فإذاً لا يمكن الاستدلال بها على مسلوبية عبارة الصبي.
ومنها: القطع بعدم إمكان الأخذ بإطلاق قوله عليه السلام: «عمد الصبي وخطأه واحد» بعد فرض عدم اختصاصه في ذاته بباب الجنايات ، وإلّا لزم تأسيس فقه جديد بأن يقال- مثلًا-: إنّ إتيان الصبي بمبطلات الصوم لا يبطل صومه؛ لأنّه بمنزلة الخطأ ، وأيضاً لزم من ذلك القول بصحّة صلاة الصبي إذا ترك عمداً أجزاءها التي لا يضرّ تركها خطأ بصلاة البالغين، وهكذا الكلام في ناحية الزيادة العمدية فيها. بل يلزم منه الالتزام بصحّة صلاة الصبيان إذا اقتصروا فيها على النيّة و تكبيرة الإحرام و الركوع و السجدة الواحدة و السلام ، فإنّ ترك ما سوى ذلك خطأ لا يضرّ بصلاة البالغين، والمفروض أنّ عمد الصبي خطأ. بل يلزم من العمل بإطلاق تلك الروايات أن لا تصحّ عبادات الصبيان أصلًا، فإنّ صحّتها متوقّفة على صدورها من الفاعل بالإرادة و الاختيار ، وقد فرضنا أنّ عمد الصبي خطأ، فلا يعقل صدور عبادة صحيحة منه، ولا يظنّ أنّ أحداً يلتزم بشي‏ء من هذه اللوازم.
ودعوى انصراف تلك الروايات عن هذه الموارد جزافية.
[۳۵] محاضرات في الفقه الجعفري، ج۲، ص۲۳۶.


۳.۳.۵ - ما جمع بين رفع القلم عن الصبي وتنزيل عمده منزلة الخطأ


وهي رواية أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليهما السلام : «أنّه كان يقول في المجنون و المعتوه الذي لا يفيق والصبي الذي لم يبلغ: عمدهما خطأ تحمله العاقلة ، وقد رفع عنهما القلم ». ووجه الاستدلال بهذه الرواية على أنّ الصبي مسلوب العبارة هو: أنّ الرواية تكفّلت مطالب ثلاثة، أوّلها: أنّ جناية المعتوه والصبي بالقتل العمدي تكون بمنزلة جنايتهما خطأ، فلا مجال للاقتصاص منهما، الذي هو حكم ارتكاب القتل العمدي من البالغ. ثانيها: أنّ الدية تستقرّ على عاقلتهما، ولا تخرج من مال المعتوه والصبي، وهذا حكم الخطأ المحض ، وإلّا فالدية في الجناية شبه العمد تكون في مال الجاني. ثالثها: رفع القلم عن المعتوه والصبي.
وبما أنّ قوله عليه السلام: «وقد رفع عنهما القلم » ليست جملة مستأنفة ، بل هي مرتبطة بكون الدية على العاقلة، ووجه الربط هو أحد أمرين: فإمّا أن يكون رفع القلم علّة لوجوب الدية على العاقلة؛ ومعناه: أنّ رفع قلم المؤاخذة الدنيوية- سواءً المالية كالدية والنفسية كالقصاص- عن المعتوه والصبي كارتفاع المؤاخذة الاخروية صار منشأ لوجوب الدية على العاقلة. وإمّا أن يكون رفع القلم معلولًا لتنزيل الشارع عمد المعتوه والصبي منزلة خطأهما، ومعناه حينئذٍ: أنّ عمدهما لمّا كان في وعاء التشريع بمنزلة الخطأ وقصدهما كلا قصد، فلذا ارتفعت المؤاخذة الاخروية والدنيوية- من القصاص و الغرامة الماليّة- عنهما شرعاً.
وهذان الاحتمالان يشتركان في نفي موضوعية إنشاء الصبي للأثر ؛ لأنّ الإنشاء أمر قصدي، ولا يتحقّق بدونه؛ ولذا لا يترتّب أثر على إنشاء الهازل و النائم و الغالط ونحوهم ممّن لا يكون داعيه إلى الإنشاء تحقّق الأمر الاعتباري في وعاء الاعتبار كالملكية و الزوجية والحرّية. ولا فرق في لغوية إنشاء الصبي بين كونه لأجل تنزيل قصده منزلة عدم القصد، وبين رفع قلم المؤاخذة عنه شرعاً. كما لا فرق بين كونه مستقلّاً في التصرّف في ماله وبين كونه وكيلًا عن الغير أو مأذوناً عن وليّه.
[۳۸] هدى الطالب، ج۴، ص۴۱- ۴۲.


۳.۳.۶ - المناقشة في الطائفة الثالثة


بأنّ الظاهر بطلان كلا الاحتمالين:
أمّا بطلان كون رفع القلم علّة لثبوت الدية على العاقلة؛ فلعدم الملازمة بين الأمرين فضلًا عن العلّية؛ فإنّ ارتفاع القلم عن الصبي لا يستلزم ثبوت الدية على العاقلة؛ إذ يمكن ارتفاع الدية رأساً وعلى فرض لزوم الدية من باب عدم ذهاب دم المسلم هدراً فيمكن أن تكون ثابتة في بيت المال أو على جميع المسلمين. وعلى أيّ حال رفع القلم عن الصبي ليس علّة لثبوت الدية على العاقلة. وأمّا عدم كونه معلولًا لقوله عليه السلام: «عمد الصبي خطأ»، فلأنّه لو اريد به كون عمده خطأ تكويناً أمكن تقريب العلّية بوجه، إلّا أنّ هذا غير صحيح فلابدّ وأن يكون ذلك تنزيلًا بنحو الحكومة ؛ بمعنى أنّ الشارع نزّل عمد الصبي بمنزلة الخطأ، ومعنى التنزيل نفي آثار المنزّل عنه و إثبات آثار المنزّل عليه، ويكون المراد من التنزيل هنا نفي آثار العمد- كالقصاص- وما هو شبه العمد - كالدية- من مال الجاني عن فعله وإثبات آثار الخطأ له، لكن في خصوص ما كان متوجّهاً إلى الغير لا إلى الصبي. وهذا معنى رفع القلم عنه فهو متمّم ومبيّن له لا معلوله.
[۳۹] محاضرات في الفقه الجعفري، ج۲، ص۲۳۹.


۳.۳.۷ - الروايات الدالة على أن أمر الصبي لا ينفذ


۱- ما رواه حمران ، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام ... قال: «... إنّ الجارية إذا تزوّجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ، ودفع إليها مالها وجاز أمرها في الشراء و البيع ... والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك».
۲- رواية أبي الحسين الخادم بيّاع اللؤلؤ عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سأله أبي - وأنا حاضر - عن اليتيم متى يجوز أمره؟ قال: «حتى يبلغ أشدّه»، قال: وما أشدّه؟ قال: « احتلامه »، قال: قلت: قد يكون الغلام ابن ثمان عشرة سنة، أو أقلّ، أو أكثر، ولم يحتلم، قال: «إذا بلغ وكتب عليه الشي‏ء جاز أمره إلّاأن يكون سفيهاً أو ضعيفاً».
فهذه الطائفة من الروايات تدلّ على سلب عبارة الصبي؛ لأنّها حكمت بعدم جواز أمره وعدم نفوذه في البيع والشراء وأمثالهما.

۳.۳.۸ - المناقشة في الطائفة الرابعة


وناقش بعض الفقهاء في الاستدلال بهذه الروايات بأنّ الظاهر أنّ هذه الروايات بعيدة عن مقصود المستدلّ؛ لأنّها صريحة في المنع عن نفوذ أمر الصبي في البيع والشراء وغيرهما، ومن البيّن أنّ الظاهر من عدم نفوذ أمر الصبي المنع عن استقلاله في أمر المعاملة ، وتسلّطه عليها نحو تسلّط البالغين على أموالهم وشؤونهم؛ إذ لا يقال لمجري الصيغة فقط: إنّ أمر المعاملة بيده. ومن هنا لا يجري عليه ما جرى على المتعاملين من الشرائط و الأحكام .
وبتعبير آخر: أنّ لفظ الأمر المذكور في هذه الطائفة وإن كان بمفهومه اللغوي شاملًا لأيّ فعل يصدر من الصبي، ولكنّ إسناد لفظ يجوز- الذي ذكر فيها- إليه ومناسبته له يقتضي أن يراد منه سلطنة الصبي على أمواله، وتصرّفه فيها كيف يشاء، ولا يفرّق في ذلك بين أن يكون تصرّفه فيها بإذن وليّه أو بدونه، ومن الظاهر أنّ هذا المعنى لا يتحقّق بمجرّد إجراء الصيغة. إذاً فالطائفة المزبورة تمنع عن كون الصبي مستقلّاً في معاملاته ولو كان ذلك بإذن وليّه، وعليه فلا ظهور فيها- بوجه- في سلب عبارات الصبي. والذي يدلّ على صدق مقالنا من نفس تلك الروايات هو وقوع الاستثناء في جملة منها بقوله عليه السلام: «إلّاأن يكون سفيهاً أو ضعيفاً».
ثمّ إنّ بعض الفقهاء ذهب إلى أنّ ما دلّ على سلب عبارة الصبي يختص بما فيه إلزام و التزام بشي‏ء على وجه يترتّب على مخالفته مؤاخذة .

۳.۳.۹ - قول المحقق الهمداني


قال: «إنّ ما دلّ على سلب أفعال الصبي وأقواله إنّما يدلّ عليه في عقوده و إيقاعاته ونظائرها ممّا فيه إلزام والتزام بشي‏ء على وجه يترتّب على مخالفته مؤاخذة، لا مطلق أعماله؛ ولذا قوّينا شرعية عباداته، فكذا معاملاته التي لم يكن فيها إلزام والتزام، بل مجرّد اكتساب، كحيازة المباحات وتناول الصدقات ونظائرها، ألا ترى قضاء الضرورة بعدم جواز السرقة ممّا حازه الصبي من المباحات الأصلية وغيرها ممّا يجوز حيازتها بقصد الاكتساب ».
[۴۳] مصباح الفقيه، ج۱۳، ص۶۰۱.

وممّا يترتّب على ذلك هو جواز صرف سهم الفقراء من الزكاة للطفل ولو مع وجود الوليّ، كأن يطعمه في حال جوعه وإن لم يعلم بذلك أبوه، رغم أنّ الظاهر من أدلّة الصرف في سهم الفقراء هو تمليكهم إيّاه. نعم، ليس للمالك الاجتزاء بدفعها للصبي في تفريغ ذمّته؛ لإمكان أن يقال بكون الملكية الحاصلة بقبضه مراعاةً بعدم إتلافها وصرفها في ما يجوز لوليّه الصرف فيه، أو يقال: بأنّها وإن دخلت في ملكه بقبضه- كالحطب الذي يحوزه للاكتساب- ولكنّها مضمونة على المالك حتى يصرفها في حاجته.
[۴۴] مصباح الفقيه، ج۱۳، ص۶۰۱.



 
۱. مصباح الفقاهة، ج۳، ص۲۴۴- ۲۴۵.    
۲. التذكرة، ج۱۴، ص۱۸۵.    
۳. النساء/سورة ۴، الآية ۶.    
۴. محاضرات في الفقه الجعفري، ج۲، ص۲۳۴.
۵. فقه العقود، ج۲، ص۹۸.
۶. مصباح الفقاهة، ج۳، ص۲۴۶.    
۷. الوسائل، ج۱، ص۴۳، ب ۴ من مقدّمة العبادات، ح ۲.    
۸. الوسائل، ج۱۸، ص۴۱۲، ب ۲ من الحجر، ح ۵.    
۹. كفاية الأحكام، ج۱، ص۴۴۹.    
۱۰. المكاسب (تراث الشيخ الأعظم)، ج۳، ص۲۸۰.    
۱۱. المكاسب (تراث الشيخ الأعظم)، ج۳، ص۲۸۱.    
۱۲. الدروس، ج۳، ص۱۹۲.    
۱۳. الغنية، ج۱، ص۲۱۰.    
۱۴. فقه العقود، ج۲، ص۱۴۸.
۱۵. مجمع الفائدة، ج۸، ص۱۵۳.    
۱۶. حاشية المكاسب (الإيرواني)، ج۲، ص۱۷۱.
۱۷. المنهاج (الحكيم)، ج۲، ص۲۴، م ۱، تعليقة الشهيد الصدر، الرقم ۵۲.
۱۸. النساء/سورة ۴، الآية ۶.    
۱۹. مصباح الفقاهة، ج۳، ص۲۵۹.    
۲۰. مصباح الفقاهة، ج۳، ص۲۶۰.    
۲۱. الرياض، ج۸، ص۱۱۸.    
۲۲. جواهر الكلام، ج۲۲، ص۲۶۲.    
۲۳. المكاسب، ج۳، ص۲۷۸.    
۲۴. مصباح الفقيه، ج۱۴، ص۳۶۰.
۲۵. مصباح الفقاهة، ج۳، ص۲۴۷.    
۲۶. فقه العقود، ج۲، ص۱۷۲.
۲۷. الوسائل، ج۱، ص۴۵، ب ۴ من مقدّمة العبادات، ح ۱۱.    
۲۸. الوسائل، ج۱، ص۴۵، ب ۴ من مقدّمة العبادات، ح ۱۲.    
۲۹. هدى الطالب، ج۴، ص۱۵- ۱۶.
۳۰. فقه العقود، ج۲، ص۱۵۶- ۱۵۷.
۳۱. الوسائل، ج۲۹، ص۴۰۰، ب ۱۱ من العاقلة، ح ۲.    
۳۲. الوسائل، ج۲۹، ص۴۰۰، ب ۱۱ من العاقلة، ح ۳.    
۳۳. فقه العقود، ج۲، ص۱۶۳.
۳۴. البيع (الخميني)، ج۲، ص۳۶.    
۳۵. محاضرات في الفقه الجعفري، ج۲، ص۲۳۶.
۳۶. مصباح الفقاهة، ج۳، ص۲۵۴- ۲۵۵.    
۳۷. الوسائل، ج۲۹، ص۹۰، ب ۳۶ من القصاص في النفس، ح ۲.    
۳۸. هدى الطالب، ج۴، ص۴۱- ۴۲.
۳۹. محاضرات في الفقه الجعفري، ج۲، ص۲۳۹.
۴۰. الوسائل، ج۱، ص۴۳، ب ۴ من مقدمة العبادات، ح ۲.    
۴۱. الوسائل، ج۱۸، ص۴۱۲، ب ۲ من الحجر، ح ۵.    
۴۲. مصباح الفقاهة، ج۳، ص۲۴۸- ۲۵۰.    
۴۳. مصباح الفقيه، ج۱۳، ص۶۰۱.
۴۴. مصباح الفقيه، ج۱۳، ص۶۰۱.




الموسوعة الفقهية، ج۱۹، ص۱۶۴-۱۷۳.    



جعبه ابزار