الاستقبال (استقبال القبلة في الصلاة)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الاستقبال (توضيح).
لا خلاف في وجوب استقبال
القبلة وجوباً شرطياً وشرعياً
في
الصلوات الواجبة مع التمكّن
والاختيار والعلم بجهة القبلة،
بل ادّعي عليه
إجماع المسلمين،
بل هو من ضروريات الدين،
من دون فرق في ذلك بين المسافر والحاضر،
والسائر والمستقرّ.
ويدلّ
عليه من الكتاب قوله تعالى: «فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ».
ومن السنّة روايات كثيرة بلغت حدّ
الاستفاضة ،
بل
التواتر ،
كصحيحة
زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام أنّه قال:«لا صلاة إلّاإلى القبلة».
هذا في الواجبة، أمّا المستحبّة:
فالكلام فيه تارة يكون في حالة
الاستقرار واخرى في حالة المشي والركوب.أمّا حالة الاستقرار وعدم المشي والركوب فقد اختلف الفقهاء فيها على قولين:
أحدهما: عدم الوجوب بمعنى مشروعيّة
الصلاة المندوبة من دون استقبال، وهو مختار جماعة وظاهر آخرين،
واستدلّ له
:
أوّلًا: بقوله تعالى: «فَأَيْنَمَا تُوَلُّوْا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ»،
حيث ورد أنّها نزلت في صلاة النافلة.
وثانياً: بصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام حيث قال: «استقبل القبلة بوجهك، ولا تقلب بوجهك عن القبلة فتفسد صلاتك، فإنّ اللَّه عزّوجلّ يقول لنبيّه في
الفريضة : «فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ»...»،
فإنّ ظاهره اختصاص وجوب الاستقبال بالفريضة.
وبالرواية التي سئل فيها
الإمام الرضا عليه السلام عن الرجل يلتفت في صلاته، هل قطع ذلك صلاته؟ قال: «... إن كانت نافلة لا يقطع ذلك صلاته ولكن لا تعود».
وثالثاً: بعدم معقوليّة ندب الفعل ووجوب الاستقبال فيه.
ورابعاً: بأصالة عدم وجوب الاستقبال مع فرض
الشكّ فيه.
ومع ذلك فإنّ من الأفضل عند هؤلاء الصلاة إلى القبلة، وهو موضع وفاق بينهم؛
لعموم قولهم عليهم السلام: «خير المجالس ما استقبل به القبلة».
ثانيهما: وجوب الاستقبال فيها، بمعنى كونه شرطاً في صحتها، وهو مختار جماعة آخرين،
بل قيل: إنّه المشهوربينهم.
واستدلّ له:
أوّلًا: بقوله تعالى: «وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ»
الشامل للصلاة الواجبة والمندوبة.
وثانياً: بأصالة الفساد في كلّ عبادة يشكّ في صحتها باعتبارها توقيفيّة.
وأمّا في حالة المشي والركوب فلا خلاف في عدم اعتبار الاستقبال في النافلة حال السفر،
بل ادّعي الإجماع عليه في حال الركوب.
وإنّما الخلاف في حال الحضر فذهب بعضهم إلى وجوب الاستقبال فيه مطلقاً.ذهب إليه ابن أبي عقيل كما في المختلف،
ويظهر من
السرائر،
بينما نفاه عنه آخرون مطلقاً،
بل ادّعي عليه
الشهرة .
وفصّل ثالث بين المشي والركوب، فأوجبه في المشي دون الركوب.
وفصّل رابع بين الاستقبال في
تكبيرة الإحرام وغيرها، فأوجبه فيها دون غيرها.
أمّا الاستقبال لقضاء
السجدة المنسيّة فلا إشكال
في وجوبه،
وكذا التشهّد المنسي،
بناءً على وجوب قضائه؛
لظهور التطابق بين أدلّة
القضاء والأداء في جميع الخصوصيات المعتبرة.
وإنّما الإشكال في سجدتي السهو حيث اختار جماعة وجوب الاستقبال فيهما؛
لموافقته
الاحتياط ،
ولأنّ الإتيان بالسجدتين جبران للنقص الوارد في الصلاة فهما مشروطتان بالاستقبال كاشتراط الصلاة المنجبرة بهما.
على أنّ ذلك يمكن أن يستفاد من رواية
ابن القدّاح عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن
علي عليه السلام قال: «سجدتا السهو بعد التسليم وقبل الكلام»؛
إذ فيها إشعار باتّصالهما بالصلاة اتّصال الجزء، فلابدّ من مراعاة الاستقبال فيهما، كمراعاته في نفس الصلاة.
واختار آخرون عدم الوجوب
وقد نسبه في مفتاح الكرامة إلى
جواهر الفقه وظاهر
الشرائع والمعتبر.
واستدلّ
له بالأصل، وإطلاق الأدلّة أو عدم انصراف مفيد للشرطية، مع ملاحظة ما ورد من الأمر بفعلهما متى ذكر إذا نسيهما،
وملاحظة أنّهما ليستا بصلاة ولا جزء منها، وإنّما هما كالعقوبة، أو لإرغام أنف
الشيطان كما ورد في قوله عليه السلام في رواية معاوية بن عمّار: «يسجد سجدتين بعد التسليم وهما المرغمتان، ترغمان الشيطان».
هذا، وظاهر
التذكرة التوقّف في المسألة،
وأفتى
السيد اليزدي بوجوب الاستقبال على سبيل
الاحتياط .
هذا حكم أصل الاستقبال في الصلاة، وأمّا التفاصيل كالمراد من القبلة وكيفية الاستقبال وحكم من لم يتمكّن وغير ذلك من الأحكام فتفصيلها كالتالي:
•
الاستقبال (المراد بالقبلة)،ا خلاف بين الفقهاء بل ادّعى بعضهم
الاتّفاق على أنّه ليس المراد من
القبلة خصوص بناء
الكعبة المشرّفة، بل محلّها وجهتها من تخوم
الأرض إلى عنان السماء.
اختلف الفقهاء في أنّ
حجر إسماعيل عليه السلام من
الكعبة حتى يمكن
الاكتفاء به في الاستقبال بدلًا من الكعبة، أم أنّه ليس منها فلا يصحّ الاكتفاء به
؟ذهب الأكثر
إلى أنّه ليس منها
مستدلّين بالروايات البالغة حدّ الاستفاضة،
كصحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الحجر أمن البيت هو أو فيه شيء من البيت؟ فقال:«لا، ولا قلامة ظفر...».
وأمّا
إدخاله في
الطواف فلا يدلّ على كونه من الكعبة بوجهٍ،
ولعلّ ذلك لدفن امّ إسماعيل عليهما السلام فيه فطيف خارجه لئلّا يوطأ قبرها، كما ورد في بعض الروايات.
وذهب بعضهم إلى أنّه من الكعبة
بل نسب
الشهيد ذلك إلى المشهور
- لمرسلة الفقيه الدالّة على أنّ طول الكعبة التي شيّد إبراهيم عليه السلام أركانها كان ثلاثين ذراعاً،
وهو أكثر من البناء الفعلي بخمس أذرع، ممّا يعني دخول شيء من حجر إسماعيل عليه السلام فيها.
وعلى أيّ حال، لو قطعنا بدخول الحجر في البيت صحّ الاستقبال إليه، وإلّا امتنع الحكم بالصحة؛ لأنّ فيه عدولًا عن اليقين إلى
الظن ،
ومقتضى الاحتياط تركه.
المدار في تحقّق الاستقبال على الصدق العرفي، وهو في كلّ مورد بحسبه، فالقائم يتوجّه بمقاديم بدنه من الوجه والصدر والبطن والفخذ،
واحتاط بعضهم بتوجيه أصابع الرجلين أيضاً،
لكنّه في غير محلّه؛ لعدم توقّف الاستقبال على توجيه الأصابع عرفاً.
وكذا الجالس. نعم، يعتبر فيه عدم التفاحش في الركبتين إن كان متربّعاً،
وتوجيههما إلى القبلة إن كان جالساً على قدميه، بأن تكون ركبته ووجهه وصدره وبطنه تجاه القبلة.
واورد عليه بعدم توقّف الاستقبال على شيء من ذلك بلا فرق بين
الجلوس والقيام .
والمضطجع يستقبل بمقاديم بدنه كهيئة الميّت حينما يوضع في لحده. هذا إن أمكن وإلّا يصلّي مضطجعاً على عكس المدفون، أي يجعل رأسه مكان رجليه ويستقبل.
والمستلقي على ظهره يجعل رجليه إلى القبلة، بحيث إذا رفعت وسادته قليلًا كان وجهه إلى القبلة،
فهو كهيئة
المحتضر .
والمستلقي على بطنه يقاس بحالة الجلوس.
وأمّا الماشي والعادي والزاحف فاستقبال كلٍّ منهم بحسبه،
فيتوقّف على الصدق العرفي للاستقبال في الهيئة التي هم فيها.
ثمّ إنّه يستحبّ استقبال القبلة بباطن الكفّين في
التكبير في الصلاة كتكبيرة الإحرام
وسائر التكبيرات
بما في ذلك التكبيرات الثلاثة عقيب الصلاة،
وكذا يستحبّ استقبال القبلة بأصابع الرجلين حال
القيام والركوع وبسط اليدين موجّهتي الأصابع إلى القبلة حال
السجود .
•
الاستقبال (في جوف الكعبة)،لا خلاف في جواز
الإتيان بالنافلة في جوف
الكعبة،بل ادّعي الاتّفاق على
الاستحباب .
•
الاستقبال (على سطح الكعبة)،اختلف الفقهاء في جواز
الصلاة على سطح
الكعبة ، فمنهم من جوّزها مطلقاً،ومنهم من جوّزها على كراهة،ومنهم من لم يجوّزها إلّافي حال
الضرورة .
إذا سافر المكلّف جوّاً بالطائرة فقد ذكر بعضهم أنّه تصحّ الصلاة فيها إذا كان متمكّناً من
الإتيان بها إلى القبلة مع توفّر سائر الشروط الاخرى، وإلّا لم تصحّ إذا كان في سعة الوقت بحيث يتمكّن من الإتيان بها واجدة للشرائط بعد النزول من الطائرة، ومع ضيق الوقت يجب الإتيان بها مستقبل القبلة إن كان عالماً بجهتها، ومع عدم علمه بها يصلّي إلى الجهة المظنونة.وإذا لم يكن متمكّناً من الاستقبال صلّى من دون استقبال.
وأمّا إذا كان السفر بالسفن الفضائية فقد قال في
تحرير الوسيلة : «إن أمكن الوقوف على السطح الداخلي بحيث تكون رجلاه إلى
الأرض صلّى مراعياً لجهة القبلة وإلّا صلّى معلقاً بين
الفضاء ، فإن أمكن مع ذلك أن تكون رجلاه إلى الأرض صلّى كذلك، وإلّا فبأيّ وجه أمكنه، ولا تترك الصلاة بحال، وفي الأحوال يراعي القبلة أو الجهة الأقرب إليها».
•
الاستقبال (الإخلال به)،
الإخلال بالاستقبال الواجب في
الصلاة فيه عدّة صوركالإخلال العمدي والإخلال الخطأي والإخلال نسياناً أو جهلًا.
الموسوعة الفقهية، ج۱۲، ص۱۱۹-۱۳۱.