الاستيلاد(أثر استيلاد الأمة)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الاستيلاد(توضيح).
يأتي البحث في هذا المصطلح حول الاستيلاد بمعنى صيرورة
الجارية امّ ولد.
يترتّب على الاستيلاد أمران:
تنعتق امّ الولد بعد موت
مولاها من سهم ولدها إذا كان سهمه يفي بانعتاقها، وأمّا مع عدم
الوفاء فقد ذهب الأكثر إلى أنّ عليها أن تسعى في تكميله إن أرادت ذلك، ولا يلزم الولد من المال إلّا ما ورثه من أبيه؛
لأنّ الانعتاق إنّما يسري إلى جميع المال إذا كان امتلاك من ينعتق على المالك
اختيارياً لا قهرياً
كالإرث ، وأمّا
السراية عليه في باقي نصيبه من الإرث فلإطلاق النصوص أنّها تنعتق من نصيبه من
التركة .
وخالف في ذلك
ابن حمزة فأوجب على الولد السعي في فكّها،
وقريب منه ما ذكره
الشيخ في
مبسوطه ،
وإن قيّده في
النهاية بما إذا كان ثمن
رقبتها ديناً في ذمّة مولاها ولم يخلف غيرها.
ولو مات ولدها قبل موت مولاها عادت رقّاً وزال تشبّثها بالحرّية؛
لأنّ انعتاقها يكون من سهم ولدها وقد مات قبل موت أبيه.
يمنع
الاستيلاد من
بيع امّ الولد ونقلها من ملك مولاها الذي استولدها،
بلا خلاف في ذلك بين
المسلمين .
بل يظهر من المروي عن
أمير المؤمنين عليه السلام أنّ بيعها من المنكرات،
حيث روى
السكوني عن
جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام: «أنّ عليّاً عليه السلام أتاه رجل، فقال: إنّ أمتي أرضعت
ولدي وقد أردت بيعها، فقال: خذ بيدها فقل: من يشتري منّي امّ ولدي».
وخالف في ذلك
ميثم البحراني حيث جوّز بيعها،
ولعلّه لبعض
الأخبار الدالّة على ذلك كصحيحة
زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن امّ الولد، قال:«أمة تباع وتورث وتوهب، وحدّها حدّ
الأمة ».
ونسب إلى
الصدوق العمل بها.
لكن
الرواية شاذّة لابدّ من طرحها أو تأويلها
بإرادة من كان لها ولد مجازاً، كما لعلّه
يومئ إليه صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «امّ الولد حدّها حدّ الأمة إذا لم يكن لها ولد».
إلّاأنّ عدم جواز بيع امّ الولد مشروط ببقاء ولدها حيّاً
بلا خلاف فيه،
بل ادّعي
الاتّفاق عليه،
مضافاً إلى عموم «الناس مسلّطون على أموالهم»
الذي لا يصحّ الخروج عنه إلّابما دلّ عليه دليل، كامّ الولد التي يبقى ولدها حيّاً، وإلّا فمع
موته فإنّها تبقى تحت العموم المذكور.
نعم، لو مات ولدها وكان له ولد فقد وقع
الكلام في قيامه مقامه ليكون مانعاً من بيع
جدّته ؛ لصدق الولد عليه أيضاً، أو عدم قيامه مقامه، فلا يكون مانعاً من بيعها، بدعوى عدم صدق الولد عليه، أو التفصيل بين ما كان وارثاً لجدّه لعدم ولد الصلب للمولى، فيحكم بالقيام مقام أبيه، وبين ما لم يكن وارثاً لجدّه فلا يحكم بقيامه مقامه، وجوه، بل أقوال.
ثمّ إنّ جماعة من الفقهاء ألحقوا سائر أسباب
النقل الاخرى-
كالصلح والهبة - بالبيع في المنع؛
لاشتراكها معه في
الحيلولة دون وصول الأمة إلى
الانعتاق .
كما لا يصحّ بيع امّ الولد ونقلها كذلك لا يصحّ ما يستلزم النقل
كرهنها ، حيث ذهب جماعة إلى عدم صحّته، بل نسب ذلك إلى
الأصحاب ؛
لأنّ
الفائدة من الرهن امتلاك العين المرهونة أو بيعها عند تخلّف الراهن عن
أداء دينه، وهو ما لا يحصل في امّ الولد؛ لعدم
إمكان بيعها أو نقلها بأيّ نحوٍ من أنحاء النقل،
كما تقدّم.وخالف في ذلك
أبو علي الإسكافي حيث ذهب إلى صحّته،
ونفى عنه البعد في
المختلف ،
ويظهر ذلك من
المبسوط والغنية أيضاً، كما استظهره منهما في
مفتاح الكرامة .
وفصّل آخرون بين رهن الأمة في غير ثمن رقبتها فلم يجوّزوا رهنها، وبين رهنها في ثمن رقبتها مع
إعسار المولى فجوّزوا رهنها؛ لوجود المقتضي وعدم المانع.
إلى التحرير والدروس، ولكن لم نعثر عليه في التحرير.
وأمّا
احتمال تمكّنه ويساره في المستقبل فإنّه لا يكون مانعاً عن صحّة الرهن؛
لاستصحاب بقاء إعساره إلى ذلك الزمان.
ولو وطأ الراهن أمته المرهونة فأحبلها فلا خلاف في صيرورتها بذلك امّ ولد،
سواء كان الوطء
بإذن المرتهن أو بدون إذنه، ويبقى عقد الرهن لازماً بلا شبهة ولا
إشكال ،
بل يظهر من
التذكرة الإجماع عليه؛
لتحقّقه قبل الاستيلاد، فلا يكون
الإحبال مانعاً من بقائه بيد المرتهن حتى ولو كان وطء الراهن بإذنه؛ لتعلّق حقّه بالأمة قبل الاستيلاد.
نعم، وقع الإشكال في جواز بيع المرتهن لها
لاستيفاء حقّه، حيث ذهب جماعة
إلى عدم الجواز ما دام الولد حيّاً؛ لعموم المنع من بيعها وأرجحيّته على دليل جواز بيع المرتهن؛ لأنّ الاستيلاد يضاهي
العتق ، بل ربما كان أقوى منه؛ لتحقّقه بالاستيلاد ممّن لا يتحقّق منه العتق،
كالمجنون والمحجور عليه.
وذهب آخرون إلى الجواز؛
لأسبقيّة حقّ المرتهن، ولأنّه لو جاز بيعها في ثمن رقبتها فمن الأولى جوازه فيما يستحقّه من الراهن؛ لأنّه من
الديون المتعلّق بها.ولو سلّم
التعارض بين ما دلّ على جواز بيع الرهن، وبين ما دلّ على المنع من بيع امّ الولد مع عدم الترجيح، فمقتضى الأصل الجواز.
وفصّل جماعة آخرون بين إعسار المولى فيجوز بيعها، وبين يساره فلا يجوز، بل تعطى قيمتها للمرتهن بدلًا منها؛
جمعاً بين عمومات المنع من بيعها، وبين ما دلّ على جواز بيع المرتهن لها لاستيفاء حقّه.
لكن ابن إدريس اعتبر هذا الرأي مخالفاً لُاصول المذهب.
وفصّل رابع بين ما كان الوطء بدون إذن المرتهن فيجوز بيعها، وبين ما كان بإذنه فلا يجوز؛ لكونه موافقاً للُاصول.
وتردّد في ذلك جماعة فلم يرجّحوا جواز بيعها على عدمه.
لا يجوز وقف امّ الولد بناءً على
انتقال الموقوف إلى الموقوف عليه؛ لعدم جواز نقلها إلى الغير بأيّ نحوٍ من أنحاء النقل.
وأمّا بناءً على بقاء الموقوف على ملك
الواقف فربما يقال بصحّة وقفها حينئذٍ وبقائها كذلك مدّة حياة مولاها، ثمّ تنعتق بعد موته من نصيب ولدها، فإذا مات الولد قبل
والده تأبّد وقفها هذا بناءً على عدم اشتراط التأبيد في نيّة
الوقف . وأمّا بناءً على اشتراطه فلا ينعقد الوقف من أساسه؛ لزوال رقّيتها بمجرّد موت مولاها، والوقف يقتضي التأبيد فيتنافيان.
ولو استولد الموقوف عليه
الجارية الموقوفة ولم يكن معه شريك في الوقف فقد اختلفوا في صيرورة الأمة بذلك امّ ولد على قولين:قول وهو المنسوب إلى الشيخ،
واختاره الفخر في الإيضاح،
والصيمري
ونسبه في غاية المراد إلى الأصحاب.
بأنّها تصير امّ ولد؛ لتحقّق علوق الأمة المملوكة ملكاً إجمالياً للموقوف عليه، خصوصاً مع تغليب الاستيلاد في
الشريعة على غيره.
وقول
بعدم صيرورتها كذلك؛ لأنّ
العلوق لا يكون سبباً لجريان أحكام الاستيلاد إلّافي الملك التامّ الخاص بشخص معيّن، وهو غير متحقّق هنا؛ لاشتراك سائر البطون في الجارية، مضافاً إلى سبق تحقّق الوقف على الاستيلاد فيقدّم لذلك عليه.ثمّ إنّه على القول بصيرورة الجارية الموقوفة امّ ولد، فهل يغرم الموقوف عليه قيمتها لسائر البطون؟ وجهان: ينشآن من أنّ عوض الموقوف إن كانت خاصة بالبطن الأوّل فلا يلزم غرامتها لسائر البطون، وإن كانت لسائر البطون الزم غرامتها لهم.
هذا إذا لم يكن له شريك من طبقته، وإلّا وجب عليه
إعطاء حصّة الشريك من قيمة الأمة.
وأمّا حكم الولد فقد اختلف فيه الفقهاء، فذهب بعضهم إلى أنّه محكوم بالحرّية؛ لعدم كونه ناشئاً من الزنا،
لامتلاك الموقوف عليه للأمة في الجملة، ولا يغرم الموقوف عليه قيمته للبطون الآتية
لاستحقاقه لها فعلًا، والولد بمنزلة ثمرة البستان التي تعود للموقوف عليه الفعلي.وقيل: إنّ الولد محكوم بالوقفية كامّه.
المشهور
جواز بيع
الأمة عند إعسار مولاها وعدم تمكّنه من
أداء ثمن رقبتها؛
لصحيحة
عمر بن يزيد ، قال: قلت لأبي
ابراهيم عليه السلام: أسألك، قال:«سل»، قلت: لِمَ باع أمير المؤمنين عليه السلام امّهات الأولاد؟ قال: «في فكاك رقابهنّ»، قلت: وكيف ذلك؟ قال: «أيّما رجل اشترى جارية فأولدها، ثمّ لم يؤدّ ثمنها ولم يدع من المال ما يؤدّي عنه، أخذ ولدها منها فبيعت وأدّى ثمنها»، قلت: فيبعن فيما سوى ذلك من دين؟قال: «لا».
وخالف في ذلك
السيّد المرتضى فمنع من بيعها مطلقاً.
واجيب عنه بأنّه مسبوق
بالإجماع وملحوق به.
ولا فرق في
الحكم المذكور بين بقاء جميع ثمن امّ الولد في ذمّة
المشتري أو بعضه؛
لإطلاق الأخبار، وصدق عدم
تأدية ثمنها في كلا الحالين.
كما لا فرق بين كون
الثمن ديناً لبائع الأمة، أو لشخص آخر استدان منه ليشتري به الأمة من آخر؛ لصدق كونه ثمناً للرقبة، بخلاف ما لو اشترى الأمة في
الذمّة ثمّ استدان مبلغاً ليؤدّي ثمنها، فإنّ امّ الولد لا تباع حينئذٍ للوفاء بهذا المبلغ المستقرض؛ لعدم صدق كونه أداءً لثمنها.
وفي لزوم
الاقتصار في أداء ثمنها على بيع بعضها لو كان يفي بالثمن قولان:
صرّح
المحقّق التستري بجواز بيع جميعها؛ عملًا بالإطلاق.
بينما اختار آخرون الاقتصار على البعض؛ لعدم صدق البيع بثمنها على الجزء الآخر الذي لم يتعلّق به الثمن، فهو كعدم جواز فعل جميع المحرم مع
الإكراه على بعضه.
والمقصود من عدم وجود مال للمولى يفي بثمن رقبتها هو ماله في غير مستثنيات
الدين ؛وهي ثيابه التي يتردّد بها لحوائجه، وبيت السكنى، وقوت يوم وليلة.
لأنّ الحكم بجواز بيع امّ الولد في ثمنها مسوق نصّاً
وفتوى
لبيان
ارتفاع المانع من بيعها، واعتبارها كسائر أمواله التي يُلزم المالك ببيعها في سائر ديونه، ومن الواضح أنّ المستثنيات ليست من تلك الأموال.
ومن هنا صرّح بعضهم بعدم جواز بيع امّ الولد إذا كانت من المستثنيات، كما لو كانت خادمة لمولاها- مثلًا- لخروجها حينئذٍ عن الأموال التي يؤدّى بها الدين شرعاً.
وهل يختصّ جواز بيعها بما بعد موت المولى؟ المنسوب إلى ابن حمزة ذلك؛نسبه إليه في الإيضاح،
ولكن لم نعثر عليه في
الوسيلة. اقتصاراً فيما خالف القاعدة على موضع
الوفاق الذي هو ما بعد الموت.
وذهب المشهور إلى أنّه يعمّ زمان حياته؛
وعليه الأكثر كما في مفتاح الكرامة،
لعموم «الناس مسلطون على أموالهم» المتقدّم، وإطلاق جواز بيعها من غير اشتراط الموت
في صحيحة عمر بن يزيد عن أبي الحسن عليه السلام، قال: سألته عن امّ الولد تباع في الدين، قال: «نعم، في ثمن رقبتها».
هذا مضافاً إلى عدم وجود ما يدلّ على المنع من إجماع أو غيره.
وإن نوقش في إطلاق الصحيحة بإمكان تقييده بصحيحة عمر بن يزيد الاخرى، قال: قلت
لأبي عبد اللَّه عليه السلام، أو قال لأبي إبراهيم عليه السلام: أسألك، فقال: «سل»، فقلت: لِمَ باع أمير المؤمنين عليه السلام امّهات الأولاد؟ قال: «في فكاك رقابهنّ»، قلت:وكيف ذلك؟ فقال: «أيّما رجل اشترى جارية فأولدها، ثمّ لم يؤدِّ ثمنها ولم يدع من المال ما يؤدّى عنها، اخذ ولدها منها وبيعت، فادّي ثمنها»، قلت: فيبعن فيما سوى ذلك من أبواب الدين ووجوهه؟قال: «لا».
فإنّ قوله عليه السلام: «ولم يدع من المال ما يؤدّى عنها» ظاهر فيما بعد الموت.
هذا، ولكن هناك من تردّد في قصر الحكم على ما بعد الموت أو تعديته لزمان
الحياة .
هذا كلّه إذا كان بيعها لأداء ثمنها. وأمّا إذا كان لأداء دين مولاها المستغرق ولم يكن له سواها فلا خلاف في عدم جواز بيعها في حياته،
وأمّا بعدها فالمعروف عدم جواز بيعها أيضاً، فتنعتق من سهم ولدها
خصوصاً على القول
بانتقال التركة إلى الورثة؛ لأصالة بقاء المنع الثابت حال الحياة.
وخالف في ذلك جماعة وهو المحكي في
المقابس عن الشيخ في
المبسوط.
إلى ابن حمزة.
واختاره الشهيدان في اللمعة وشرحها،
والصيمري في غاية المرام،
فذهبوا إلى جواز بيعها لذلك؛ لأنّ الولد لا سهم له بعد موت أبيه في صورة
استغراق الدين؛ لقوله تعالى: «مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ».
جوّز بعض الفقهاء بيع امّ الولد إذا مات مولاها ولم يترك من المال ما يكفّن به؛ لأنّ المنع من بيعها لأجل
انعتاقها من سهم ولدها متوقّف على
إرثه ، وهو مفقود مع
الحاجة إلى
الكفن ؛ لما دلّ على أنّ الإرث بعد الكفن.
نسبه فيه إلى الأصحاب.
واورد عليه بأنّ عموم ما دلّ على أنّها لا تباع في غير ثمن رقبتها يقتضي عدم جواز بيعها في كفن مولاها أيضاً، فيكون ذلك مخصّصاً لما دلّ على أنّ الإرث بعد الكفن.نعم، بناءً على جواز بيعها في مطلق الدين يمكن دعوى أولويّة جواز بيعها في الكفن؛ لأنّه مقدّم عليه.
وقع البحث بين الفقهاء في ارتفاع المنع من بيع امّ الولد في صورة
جنايتها على الغير، أو جناية الغير عليها، وذلك كما يلي:
جناية امّ الولد قد تكون على غير مولاها، كما قد تكون على مولاها:
أ- جناية امّ الولد على غير مولاها:
المشهور
أنّ مولى امّ الولد مخيّر في جنايتها على الغير خطأً- كغيرها من العبيد
والإماء - بين دفعها إلى المجنيّ عليه، وبين فدائها بأقلّ الأمرين: من
أرش الجناية أو قيمتها؛
لأنّ الأقلّ إن كان أرش الجناية فهو لا يقلّ عمّا يستحقّه المجنيّ عليه من الأرش، وإن كان الأقلّ هو قيمتها فهو وإن كان أقلّ من أرش الجناية إلّاأنّه لا يقلّ عن امّ الولد نفسها، فلا مبرّر لعدم القبول بقيمتها، وليس المولى من العاقلة حتى يتحمّل ما زاد على قيمتها من الأرش.
وذهب بعضهم إلى
التخيير بين دفعها إلى المجنيّ عليه، وبين فكّها بأرش الجناية بلغ ما بلغ؛
لإطلاق الأدلّة.
واختار
الشيخ الطوسي في موضع من مبسوطه
الزام مولى الأمة بأرش الجناية، وتبعه
القاضي في
المهذّب ، ومال إليه
العلّامة في
المختلف ؛
لرواية
مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «امّ الولد جنايتها في حقوق الناس على سيّدها، وما كان من حقوق اللَّه عزّوجلّ في الحدود فإنّ ذلك في بدنها»، قال:«ويقاصّ منها للمماليك، ولا قصاص بين
الحر والعبد ».
لكن
الرواية - مضافاً إلى ضعفها
بنعيم ابن إبراهيم الذي لم يرد فيه توثيق ولا مدح
- مخالفة لإطلاق أو عموم ما دلّ على تعلّق الجناية برقبة المملوك.
مع إمكان تأويلها بأنّها ناظرة إلى أنّ
اغترام المولى بجنايتها يكون على كلّ حال من ماله، سواء كان بدفعه رقبة الأمة أو مال آخر من أمواله، فتكون الرواية بهذا التأويل من أدلّة المشهور.
ونفس الأقوال والأدلّة تجري فيما لو جنت امّ الولد على جماعة دفعة واحدة أو بصورة متعاقبة إذا لم يتخلّلها
فدية،
لكنّ قال
الشهيد في
الدروس : «لو جنت على جماعة ولمّا يضمن السيّد فعليه أقلّ الأمرين من قيمتها والأرش، وإن ضمن للأوّل فظاهر المبسوط أنّه لا
ضمان عليه بعد إذا كان قد أدّى قيمتها، بل يشاركه من بعده فيما أخذ».
وهذا الكلام غريب، كما صرّح بذلك
المحقق النجفي .
وممّا تقدّم يتّضح حكم الجناية العمديّة لُامّ الولد؛ لأنّ تعلّق حقّ المجنيّ عليه في رقبة امّ الولد في هذه الحالة أولى من تعلّقه برقبتها حال خطئها،
كما أنّ للمجنيّ عليه الاقتصاص منها أو استرقاقها بمقدار جنايتها، فينتفي بسبب ذلك حقّها في الاستيلاد.
ولابدّ من
الإشارة إلى أنّ البحث في جناية امّ الولد خطأً أو عمداً إنّما يتصوّر فيما لو كان مولاها حيّاً؛ إذ بعد وفاته لا تبقى متشبّثة بالحرّية ليبحث في ارتفاع المانع من بيعها بجنايتها؛ لأنّها محكومة بعد ذلك إمّا بالحرّية المطلقة أو بالرقّية المطلقة.
ب- جناية امّ الولد على مولاها:
إذا قتلت امّ الولد مولاها خطأً فلا تتعلّق جنايتها برقبتها؛ لعدم معقولية
استحقاق المولى شيئاً من ماله،
فلابدّ من فكّ رقبتها من نصيب ولدها بعد قتله؛ لرواية
غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: «قال علي عليه السلام: إذا قتلت امّ الولد سيّدها خطأً فهي حرّة، ليس عليها
سعاية ».
لكنّه ورد في خبر
حمّاد بن عيسى عن جعفر عن أبيه عليهما السلام أنّه قال: «إذا قتلت امّ الولد سيّدها خطأً سعت في
قيمتها ».
إلّاأنّه متروك لم يعمل به الفقهاء،
وحمله بعضهم على الشبيه بالعمد،
أو على من مات ولدها قبل موت مولاها،
أو على من لم يكن سهم ولدها كافٍ في فكّ رقبتها.
هذا إذا كانت جنايتها خطأً. وأمّا إذا كانت عمداً فحكمها
القصاص .
وهل يجوز بيعها مع عدم الاقتصاص لو كانت
الجناية موجبة لاسترقاقها إذا كان المجنيّ عليه غير مولاها؟اختار المشهور عدم الجواز وبقاء حقّ الاستيلاد لها على حاله.
وذهب جماعة إلى جواز بيعها أو نقلها؛
كما نسبه إلى السيوري في المكاسب،
إذ لابدّ أن يكون للجناية تأثير كسائر الأسباب الشرعية، فلو لم يكن لها تأثير في استرقاق امّ الولد فلابدّ أن يكون لها تأثير في جواز نقلها عن ملك مولاها.
ولمّا كان ضعف هذا الدليل واضحاً لدى
الشيخ الأنصاري اكتفى في ردّه بأنّه:«مندفع بما لا يخفى».
إذا جنى حرّ على امّ ولد بما يوجب
الدية فقد احتمل بعضهم تخيير المولى بين دفعها إلى
الجاني وأخذ قيمتها كاملة منه، وبين
إمساكها وعدم أخذ شيء منه؛ لئلّا يلزم الجمع بين
العوض والمعوّض، حالها في ذلك حال سائر الإماء.
وقال: «ولم أجد أحداً من الأصحاب تعرّض لذلك».
واورد عليه بأنّ أخذ الدية منه لا يستلزم الجمع بين العوض والمعوض؛ لأنّ أخذها إنّما هو لتلافي ما فات بسبب الجناية، لا أنّه عوض رقبة امّ الولد حتى يلزم منه محذور الجمع بين العوض والمعوض.
ذكر بعضهم أنّ من موارد مشروعية نقل امّ الولد عن ملك مولاها
التحاقها بدار الحرب ثمّ استرقاقها بيد
المسلمين ،
وكذا
استعادتها بالفتح بعد أن أسرها
المشركون ؛
لكونها حينئذٍ من غنائم المسلمين.ولعلّ ذلك مبتنٍ على عدم جواز انتزاعها من المقاتلين بعد تقسيم
الغنائم بينهم، حيث يعطى حينئذٍ مولاها قيمتها من
بيت المال ،
كما عليه بعضهم.
وأمّا بناءً على ما ذهب إليه الأكثر
من جواز
الانتزاع والإرجاع إلى مولاها مع
إعطاء قيمتها للمقاتلين من بيت المال
فلا يبقى لما ذكر مجال؛
لرواية طربال عن
الإمام الباقر عليه السلام أنّه سئل عن رجل كان له جارية، فأغار عليه المشركون فأخذوها منه، ثمّ إنّ المسلمين بَعدُ غَزَوهُم فأخذوها فيما غنموا منهم، فقال: «إن كانت في الغنائم وأقام البيّنة أنّ المشركين أغاروا عليهم فأخذوها منه ردّت عليه، وإن كانت قد اشتُريت وخرجت من المغنم فأصابها ردّت عليه برمّتها، واعطي الذي اشتراها الثمن من المغنم من جميعه»، قيل له: فإن لم يصبها حتى تفرّق الناس وقسموا جميع الغنائم فأصابها بعد، قال:«يأخذها من الذي هي في يده إذا أقام البيّنة، ويرجع الذي هي في يده إذا أقام البيّنة على أمير الجيش بالثمن».
لو خرج مولى امّ الولد الكتابي من عقد الذمّة- لأيّ سبب كان كقتله رجلًا من المسلمين مثلًا- انتقلت أمواله بما فيها امّ الولد إلى أولياء المقتول،
فيجوز لهم التصرّف فيها ببيعها ونقلها إلى الغير بأيّ نحوٍ من أنحاء
النقل ،
ويسقط حقّها حينئذٍ في الانعتاق.وإنّما تعرّض الفقهاء في هذا الفرع للكافر الذمّي دون غيره؛ لجريان أحكام المسلمين فيه دون غيره من الكفّار حتى ولو كانوا مستأمنين.
ذهب جماعة من الفقهاء إلى جواز بيع امّ الولد إذا أسلمت وبقي مولاها ذمّياً؛
لنفي السبيل بقوله تعالى: «وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا».
ولازم الحكم المذكور زوال حقّ الاستيلاد عن امّ الولد؛ لحكومة قاعدة نفي السبيل على جلّ
القواعد الفقهية التي منها قاعدة المنع عن بيع امّ الولد.
وخالف في ذلك الشيخ في بعض كتبه نافياً جواز بيعها أو
إعارتها ، ذاهباً إلى وجوب
الحيلولة بينها وبين مولاها الكافر وإيداعها عند امرأة ثقة.
ذهب أكثر الفقهاء إلى جواز بيع امّ الولد إذا لم يتمكّن مولاها من
الإنفاق عليها.
وخالف في ذلك العلّامة مدّعياً إلزام امّ الولد
بالتكسّب لرفع حاجتها، ومع عجزها ينفق عليها من بيت المال، ومع ارتفاع حاجتها
بالنكاح يجب تزويجها، فإذا تعذّر جميع ذلك ففي بيعها إشكال.
بل لم يستبعد الشيخ الأنصاري عدم جواز بيعها في هذه الحالة أيضاً؛ لأنّها لا تختلف عن الحرّة في وجوب سدّ رمقها على كلّ من اطّلع على حالها وجوباً كفائياً، إلّاإذا استلزم ضرراً عظيماً عليها، أو لم يساعدها أحد في ذلك، فحينئذٍ لا يبعد القول بالجواز؛ لحكومة أدلّة نفي الضرر على أدلّة المنع من بيعها، ولأنّ رفع
المعاناة عنها يكون حينئذٍ أولى من تحمّلها المشاق بأمل حصولها على الحرّية بعد موت مولاها.مضافاً إلى
احتمال ظهور أدلّة المنع من بيعها في ترجيح حقّها في الاستيلاد على حقّ المالك في التصرّف الناقل، لا على حقّها الآخر، وهو تمكّنها من العيش والبقاء.
يجوز بيع امّ الولد على من تنعتق عليه كولدها
وأخيها مثلًا، كما ذكر ذلك جماعة،
بل هو لازم كلّ من جوّز بيع المسلم على الكافر إذا كان ممّن ينعتق عليه.
ذهب جملة من الفقهاء إلى جواز إعمال البائع حقّه في
الخيار ونقل الأمة إلى ملكه حتى ولو كان المشتري قد أحبلها في مدّة الخيار،
ونقله عن بعضهم في مقابس الأنوار،
ولعلّه
لاقتضاء حقّ الخيار ذلك ومنع الاستيلاد
عنه يحتاج إلى دليل وهو مفقود في المقام.بل يمكن القول بأنّ المنع إنّما هو في النقل الاختياري لُامّ الولد دون النقل المستند لأمرٍ مشروع
كالاستفادة من حقّ الخيار.
وإن أمكن مناقشته بعدم اقتضاء الخيار
الاسترداد مطلقاً، بل مع
الإمكان ، والمفروض أنّ الاستيلاد مانع شرعاً منه، ومع وجود المانع لا يكون استرداد العين ممكناً.
ومن هنا اختار العلّامة
وولده
والمحقّق الكركي والشهيد الثاني وغيرهم إلى أبي العباس والصيمري.
تقديم المنع من نقلها مع إعطاء البائع قيمة الأمة بعد إعماله حقّ
الفسخ .
ذكر بعضهم أنّ من موارد جواز نقل امّ الولد اشتراط أداء مال
الضمان من ثمنها فيما إذا كان علوقها بعد
الاشتراط بناءً على جوازه من مال معيّن،
فيتعلّق بها حقّ المضمون له، ويقدّم على حقّ الاستيلاد لأسبقيّته عليه.
إذا نذر المولى
جارية صدقة، وكان نذره قبل علوقها، فإمّا أن يكون نذر نتيجة لا يحتاج في تحقّقه للقيام بالتصدّق، كما لو قال: نذرت جاريتي صدقة للفقراء، أو قال: لئن رزقت ولداً فجاريتي
صدقة لهم.وإمّا أن يكون نذر فعل يحتاج الناذر للوفاء به بالقيام بالتصدّق بالجارية، كما لو قال: لئن رزقت ولداً لأتصدّقنّ بجاريتي على
الفقراء .
فإن كان نذر نتيجة، وكان مطلقاً غير معلّق على شيء، كما لو قال: نذرت هذه الجارية صدقة لفلان، فلا إشكال في صحّة
النذر وتقديمه على الاستيلاد بناءً على صحّة النذر المطلق ونذر النتيجة؛ لعدم وقوع العلوق في ملك المولى الناذر.وكذا لو كان نذر نتيجة معلّقاً على شرط تحقّق قبل العلوق، وذلك لنفس
السبب .وأمّا لو تحقّق الشرط بعد العلوق فقد ذهب بعضهم
إلى جريان أحكام الاستيلاد فيه؛ لوقوع العلوق في ملك المولى الناذر، وصيرورة النذر مرجوحاً بالاستيلاد.
وما يقال من
احتمال صحّة النذر بعد تحقّق شرطه فينتقل إلى القيمة
لصيرورة الاستيلاد بمنزلة التلف للمنذور؛ جمعاً بين حقّي امّ الولد والمنذور له.
فقد اورد عليه بأنّ
الإتلاف لا يوجب الضمان إذا لم يكن في ملك الغير كما هو الحال في مسألتنا؛ لأنّ الجارية حينما استولدها كانت في ملكه، فلا معنى لضمانها بالاستيلاد.
هذا إذا كان النذر بنحو نذر النتيجة، وأمّا إذا كان بنحو نذر الفعل وكان مطلقاً غير معلّق على شيء، فإن قلنا بخروج المنذور عن ملك الناذر بمجرّد النذر- كما قوّاه في المقابس
- فهو حينئذٍ كنذر النتيجة إذا كان مطلقاً، حيث لا يكون للاستيلاد أثر في الأمة؛ لوقوعه في ملك الغير.
وإن قلنا بعدم خروج المنذور عن ملك الناذر فالاستيلاد قبل التصدّق واقع في الملك فيؤثّر أثره؛ لعدم تعلّق النذر بالعين، بل بفعل التصدّق الذي لم يصدر من الناذر.ووجوب التصدّق وإن كان يستلزم حرمة
التصرّف بالمنذور إلّاأنّه لا يعني خروجه عن ملك الناذر، وقد تقدّم أنّ الحرمة العرضية لا تمنع من جريان أحكام الاستيلاد.
وأمّا لو كان نذر الفعل معلّقاً على شرط لم يتحقّق إلّابعد
العلوق والاستيلاد فالحكم بعدم بطلان الاستيلاد فيه كسابقه، بل هو أوضح، وإن كان يختلف عنه باحتمال انحلال النذر فيه؛ لأنّ وقت أداء الصدقة إنّما هو بعد تحقّق الاستيلاد والعلوق، فيبطل بذلك النذر لمرجوحيّته ويقدّم الاستيلاد عليه لراجحيّته، بخلافه في الصورة السابقة؛ لأنّ وقت أداء النذر فيها قد حلّ قبل الاستيلاد؛ لعدم تعليقه على شيء، فيكون راجحاً ومقدّماً عليه.
لكن هناك من ادّعى وجوب التصدّق بامّ الولد في صورة تحقّق شرط النذر؛ لتقدّم سببه على سبب الاستيلاد، مع احتمال انحلال النذر؛ لصيرورة التصدّق مرجوحاً بالاستيلاد.
إذا مات قريب امّ الولد وخلّف تركة ولم يكن له وارث غيرها، فقد اختار جماعة جواز شرائها لتعتق وترث قريبها،
ونسبه إلى العماني.
بل ادّعي عليه
الإجماع ؛
ترجيحاً لأخبار
الإرث - الدالّة على شراء العبد الذي لم يكن لقريبه وارث غيره- على قاعدة المنع من بيعها، مضافاً إلى أنّ قاعدة المنع من بيع امّ الولد ظاهرة في رفع
السلطنة الاختيارية للمولى، والمفروض هنا عدم كون البيع بالاختيار، بل
بالجبر والإرغام لو امتنع.
يجوز للمولى بيع امّ الولد إذا حُرم ولدها من الإرث بسبب
ارتكابه بعض موانعه كالكفر مثلًا؛ لأنّ المنع من بيعها إنّما شرّع ليكون مقدّمة لتحريرها بعد موت مولاها من سهم ولدها، فإذا حُرم ولدها منه لا يبقى هناك مبرّر للمنع المذكور.
الموسوعة الفقهية، ج۱۲، ص۴۱۱-۴۳۱.