• خواندن
  • نمایش تاریخچه
  • ویرایش
 

الانسداد في الأصول

احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF



قد عرفت أنّ دليل الانسداد هو دليل عقلي أقامه بعض الاصوليين لإثبات حجّية الظن في الأحكام، وهو دليل مبتني على عدّة مقدمات أهمّها دعوى انسداد باب العلم والعلمي في الأحكام، ومنه جاءت التسمية . وتفصيل الكلام فيه تاريخاً ومضموناً ودليلًا كما يلي:




اختلفوا في تأريخ دخول هذه الفرضية في الفقه ومدى تأثيرها في استنباط الأحكام الشرعية، والخلاف في ذلك في نقطتين:
الاولى: في حجّية الظن في الأحكام الشرعية وعدمها؟ بمعنى أنّ الحجّة تنحصر في العلم فقط.
الثانية: أنّه لو فرض حجّية الظن هل الحجّة مطلق الظن أو بعضه؟
والخلاف الأوّل نشب بين المجتهدين والأخباريين من علمائنا، حيث إنّ الأخباريين رفضوا حجّية الظن مطلقاً وحصروا الحجّة بالعلم، باعتقاد أنّ باب العلم مفتوح تجاه الأحكام الشرعية باعتبار أنّ مجامعنا الروائية والتي منها الكتب الأربعة - التي رواياتها كلّها قطعية عندهم- تكفي لمعظم الأحكام الشرعية خصوصاً بعد إضافة الأحكام الضرورية و الإجماعية إليها. بينما ذهب المجتهدون إلى حجّية بعض الظنون في مقابل السلب الكلّي الذي تبنّاه الأخباريون .
وهذا رأي عامة المجتهدين حتى السيّد المرتضى الذي عرف عنه القول بعدم حجّية خبر الواحد وغيره من الظنون الخاصة؛ إذ إنكاره لها باعتبار عدم الحاجة إليها بعد إمكان تحصيل العلم بالأحكام الشرعية، لا أنّه لا يعقل التعبّد بها كما تخيّل الأخباريون، وقد نقل الشيخ الأنصاري جملة من عباراتهم التي تعكس كون عدم حجّية الظنون الخاصة لعدم الحاجة إليها بعد انفتاح باب العلم لا عدم التعبّد بها.
والخلاف الثاني حدث بين المجتهدين أنفسهم، حيث ذهب المشهور منهم إلى عدم حجّية الظن إلّاما خرج بالدليل. ومن هنا قيل: الأصل الأوّلي لدى الشيعة هو عدم حجّية الظن.
[۵] هداية المسترشدين، ج۳، ص۳۲۹.
بينما ذهب جماعة في العصور المتأخّرة إلى حجّية مطلق الظن، والذين عرفوا بالانسداديين.
وأوّل من بدأ بهذه النظرية هو المحقّق الوحيد البهبهاني وتبعه جماعة من تلامذته.
[۶] هداية المسترشدين، ج۳، ص۳۳۰.

وقد شاع نسبتها إلى الميرزا القمّي ، وكأنّه هو الفريد في إبداعها ؛ ولعلّه لكونه أكثر من غيره مساهمة وتحمّساً في تشييد أركان أدلّتها والدفاع عنها، بل يمكن القول من الناحية التاريخية أنّ ظهور النظرية في مجال الاستنباط الفقهي بدأ منه؛ إذ الاصوليّون من قبله ربما اكتفوا بإبداء النظرية فقط من دون الاستفادة منها عملياً، وأمّا الذين جاؤوا من بعده فلم يعترفوا بها ورفضوا أدلّته.
نعم، ربما يتراءى من عبائر العلّامة الحلّي وغيره ذلك، لكنّه خلط وخبط، ونسبةٌ لا واقع لها.
[۷] هداية المسترشدين، ج۳، ص۳۳۰.




استدلّ القائلون بالانسداد بأنّنا نعلم إجمالًا بوجود أحكام إلزامية فعلية من واجبات ومحرّمات في الشريعة المقدّسة، لا يجوز إهمالها وعدم التعرّض لامتثالها .
وبما أنّه لا يمكننا معرفتها بالعلم الوجداني- للفاصل الزمني بين عصرنا وعصر التشريع ولسائر الملابسات والظروف غير الملائمة- بل ولا يمكن حصرها بالأمارات أيضاً؛ لعدم قيام الدليل على اعتبارها - على الفرض- ولا يمكن الاحتياط التام في جميعها؛ لاستلزامه اختلال النظام أو العسر والحرج المنفيين في الشريعة، بل ولا يمكن التخلّص من عهدتها بالرجوع إلى الأصول العملية المؤمّنة؛ لعدم جريانها في جميع الأحكام الإلزامية في تمام المسائل الفقهية مع العلم الوجداني بمخالفته للواقع؛ لأنّه يكون تكذيباً لرسالة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
فكلّ هذه الامور أوجبت بشكل طبيعي لزوم العمل بالظنّ وتحصيل الموافقة الظنية، وهذا هو المطلوب؛ إذ لولاه يلزم إمّا ترك الامتثال ، والمفروض عدم سقوطه بمقتضى ما تقدّم أو العمل بما يقابل الظن وهو الوهم أو الشكّ، وهذا من ترجيح المرجوح على الراجح الذي هو قبيح عقلًا، فالنتيجة هي اعتبار الظن في تعيين الأحكام الشرعية.
وحاول الفقهاء بيان ذلك ضمن مقدّمات رتّبوها كما يلي:
الاولى: نعلم إجمالًا بوجود تكاليف فعلية.
الثانية: انسداد باب العلم والعلمي في الكثير من الأحكام الشرعية.
الثالثة: عدم وجوب الاحتياط التام في جميع الشبهات لعدم إمكانه أو لاستلزامه اختلال النظام أو العسر والحرج.
الرابعة: استقلال العقل بقبح ترجيح المرجوح على الراجح.
وهناك مقدّمة خامسة، وهي: أنّه لا يجوز لنا إهمال تلك التكاليف وعدم التعرّض لامتثالها.
واورد عليه بأنّها ليست مقدّمة مستقلّة بل هي مطويّة في المقدّمة الاولى؛ إذ العلم الإجمالي بالتكاليف الفعلية يوجب تنجّزها وعدم إهمالها.
ولكن لوحظ على ذلك بأنّ نفس الإشكال يرد بالنسبة إلى المقدّمة الرابعة فإنّها أيضاً ليست مقدّمة مستقلّة في قبال المقدّمة الاولى؛ إذ عدم جريان الاصول المؤمّنة أيضاً من أثر تنجّز العلم الإجمالي، فهي أيضاً مطويّة في المقدّمة الاولى، وعندئذٍ نصل إلى النتيجة التالية، وهي: أنّ مقدّمات دليل الانسداد ثلاث، لا أربع ولا خمس.
[۱۳] المباحث الاصولية، ج۸، ص۴۸۴.

ولأجل هذه المؤاخذات غيّر بعض الاصوليّين المعاصرين ترتيب صورة الدليل بنحو آخر فقال: «إنّه بعد أن فرغنا- قبل علم الاصول- في ثبوت أحكام علينا، وثبوت حقّ الطاعة للشارع في أحكامه، ووجوب تحديد الموقف العملي تجاهها لابدّ من تأسيس هذا الموقف وطريقة الخروج عن عهدة المولوية على أحد الاسس الآتية:
۱- على أساس القطع.
۲- على أساس الحجّة.
۳- على أساس إجراء الاصول (العملية) بالنسبة لكلّ مورد مورد.
۴- على أساس الاحتياط التام.
۵- على أساس التقليد .
۶- على أساس الأخذ بما يقابل الظن، و(هو) الوهم.
۷- على أساس الظن.
وهذا الحصر وإن لم يكن عقلياً لكنّه شبيه بالحصر العقلي بعد وضوح بطلان غير هذه الامور السبعة، فإذا أبطلنا تمام الشقوق الستّة الاولى انحصر الأمر في السابع وهو الظن»، وهو المطلوب.



أكثر الفقهاء على رفض هذا الدليل؛ لأنّ أهم مقدّماته وعمدتها هي المقدّمة القائلة بانسداد باب العلم والعلمي بالنسبة لنا، وهي مرفوضة لديهم؛ لأنّهم بين من يدّعي انفتاح باب العلم إلى الأحكام الشرعية، وذلك من خلال تحصيل العلم بالوصول إلى المعصوم عليه السلام حتى نهاية الغيبة الصغرى، أمّا ما بعدها إلى عصرنا الحاضر فمن خلال قطعية الأخبار الموجودة،
والتي منها أخبار الكتب الأربعة التي يكون انتسابها إلى مؤلّفيها- الذين هم مشايخ العلم وأعلام المذهب- أيضاً قطعي، وهذه الأخبار تكفي لمعظم الفقه، مضافاً إلى الأحكام الضرورية والإجماعية التي لا تحتاج إلى دليل كذلك.
وهذا مذهب‏ جمع من علمائنا الأخباريين وجماعة من المجتهدين القدماء كالسيّد المرتضى و أتباعه و المحقّق الحلّي .
وبين من يرى انفتاح باب العلمي- وهم أكثرية المجتهدين من علمائنا - فإنّهم وإن لم يعترفوا بانفتاح باب العلم؛ لوضوح انسداده علينا بلا حاجة إلى إقامة البرهان، ولكن حيث إنّ الطرق العلمية مفتوحة علينا- والتي منها خبر الثقة- فلا حاجة لنا إلى التماس دليل الانسداد؛ وذلك من خلال دلالة الأدلّة القطعية على حجّية بعض الظنون الخاصة في الأحكام والموضوعات، والتي عمدتها خبر الواحد الثقة في الأحكام الشرعيّة، وهي بهذه الصفة قد ملأت الفقه من الطهارة إلى الديات بحيث لا يبقى معها مجال للعلم الإجمالي المفروض في المقدّمة الاولى من مقدّمات الانسداد، خصوصاً بعد ما تضاف إليها الأحكام الضرورية والإجماعية وغيرها الثابتة بالقرائن والشواهد القطعية، فينحلّ العلم المذكور.
وبعد ذلك فلو شكّ في الحكم فلا مانع من الرجوع إلى الاصول المؤمّنة، ولا يلزم منه خروج من الدين وتكذيب رسالة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
وكذا المعروف انفتاح باب العلم في تعديل الرواة، حيث وقع الإشكال في دليل اعتبار قول الرجالي بالنسبة إلى الرواة، والإشكال هو الاستشكال في انفتاح باب العلم والعلمي في سند الأخبار- بعد تسليم كبرى حجّية خبر الثقة- بزعم الإشكال في ثبوت صغرى الوثاقة- بالنسبة لكثير من الرواة؛ وذلك لأنّ الأخبار الآحاد الواردة في كتب أهل الرجال بالنسبة لأحوال الرجال كثير منها مبتلى بالإشكال من المعارض والضعف ونحوهما، مضافاً إلى أنّها شهادات حدسية لا أخبار حسّية لتشملها أدلّة حجّية خبر الثقة ونحو ذلك من الامور التي توجب اضطرار المجتهد من العمل بمجرّد ظنّه، ومع ذلك كيف تصحّ دعوى انفتاح باب العلم والعلمي في علم الرجال؟ وهذا ما اضطرّ كلّ متعرّض للموضوع أن يجعل حلّاً للإشكال، فالشيخ الأنصاري وغيره جعل اعتبار قول الرجالي من باب اعتبار قول المفتي، فما يعتبر فيه يعتبر فيه أيضاً.
وجعل آخرون اعتباره من حيث إيجابه للوثوق و الاطمينان ، فيكون معتبراً من هذا الباب كما يراه الفاضل المامقاني .
[۲۱] تنقيح المقال، ج۱، ص۱۷۹.

وربّما يدّعى أنّ حجّيته من باب حجّية الظن الثابتة بدليل الانسداد، إلّاأنّ المعروف هو أنّ رأي الرجالي إنّما يكون معتبراً من باب حجّية خبر الثقة، وقد يشملها إطلاق أدلّة حجّية خبر الثقة بلا مانع؛ ولذا يمكن دعوى انفتاح باب العلمي في علم الرجال أيضاً كما هو مفتوح في جميع أبواب الفقه، وذلك بالتقرير التالي: بأنّ باب العلميّات- أي باب الظنون الخاصة- مفتوح؛ لاعتبار قول الرجالي من طريقين:
أحدهما: التنصيص من أحد المعصومين عليهم السلام الواصل إلينا بطريق معتبر.
وثانيهما: التنصيص من أحد علماء الرجال على توثيق واحد من الرواة، ويكون تنصيص الرجالي من باب الإخبار لا الحدس؛ ولذا جعل المشهور
[۲۲] بحوث في علم الرجال، ج۱، ص۳۹- ۴۰.
اعتبار قول الرجالي من باب النبأ والخبر، فاعتبروا فيه كلّ ما اعتبروا في الرواية والخبر.
واحتمال أنّه إنشاء من الحدس و الاجتهاد ممّا لا يعتنى به بعد قيام السيرة على حجّية خبر الثقة فيما لا يعلم أنّه نشأ من الحدس، ولا ريب في احتمال الحسّ في أخبارهم- ولو من جهة نقل كابر عن كابر وثقة عن ثقة
[۲۳] بحوث في علم الرجال، ج۱، ص۴۰- ۴۱.
- حيث إنّ تأليف الكتب والتراجم وتمييز الصحيح من السقيم كان متعارفاً عندهم، وقد وصلتنا جملة من ذلك.
قال الشيخ الطوسي : «إنّا وجدنا الطائفة ميّزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار، ووثّقت الثقات منهم، وضعّفت الضعفاء، وفرّقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته (وبين‏) من لا يعتمد على خبره، ومدحوا الممدوح منهم وذمّوا المذموم، وقالوا: فلان متّهم في حديثه، وفلان كذّاب، وفلان مخلّط، وفلان مخالف في المذهب و الاعتقاد ، وفلان واقفي، وفلان فطحي، وغير ذلك من الطعون التي ذكروها، وصنّفوا في ذلك الكتب، واستثنوا الرجال من جملة ما رووه من التصانيف في فهارستهم، حتى أنّ واحداً منهم إذا أنكر حديثاً نظر في إسناده وضعّفه بروايته. هذه عادتهم على قديم الوقت وحديثه لا تنخرم».
ومن هنا نجد أنّ الرأي السائد في حجّية قول الرجالي هو حجّيته من باب حجّية خبر الثقة وتشملها الأدلّة الدالّة على حجّيته.
[۲۸] تنقيح المقال، ج۱، ص۱۷۰.
[۳۱] بحوث في علم الرجال، ج۱، ص۴۰- ۴۱.
والتفصيل في علمي الرجال والاصول.



اختلفوا في أنّ دليل الانسداد على فرض صحّته وتمامية مقدّماته، هل يثبت حجّية الظن من باب الحكومة أو من باب الكشف؟ والمراد من الحكومة أحد التفاسير الثلاثة التالية:
الأوّل: حكم العقل بحجّية الظن بمعنى أنّه منجّز ومعذّر، يعني أنّ الظن في باب الانسداد يوجب صرف تنجّز العلم الإجمالي إلى مورده فقط و إخراج موردي الشكّ والوهم عن دائرة التنجّز.
[۳۲] المباحث الاصولية، ج۸، ص۴۹۹.

التفسير الثاني: أنّ الظن في باب الانسداد كالقطع في باب الانفتاح؛ فكما أنّ حجّية القطع بمعنى المنجزية والمعذّرية ذاتية له، كذلك حجّية الظن حال الانسداد تكون ذاتية له، غاية الأمر أنّ الحجّية ليست من لوازم ماهية الظن- كما في القطع- بل هي من لوازم وجوده، وهذا يعني أنّها من لوازم حصّة خاصة من الظن، وهي الظن حال الانسداد.
[۳۳] المباحث الاصولية، ج۸، ص۵۰۴- ۵۰۵.

وهذان التفسيران للحكومة منسوبان إلى صاحب الكفاية حسب ما استظهر من موضعين منها.
التفسير الثالث: ما ذكره السيّد الخوئي من أنّ المراد من الحكومة أنّ العقل- الذي هو الحاكم في باب الإطاعة والامتثال لا غيره- يُلزم المكلّف بعد تمامية المقدّمات بالامتثال الظنّي، بمعنى أنّ العقل يراه معذوراً في مخالفة الواقع مع الأخذ بالظن، فيحكم العقل بتبعيض الاحتياط في فرض عدم التمكّن من الاحتياط التام فيوجب الاحتياط في المظنونات وتركه في المشكوكات والموهومات.
فالمراد بالحكومة هو تبعيض الاحتياط بنظر العقل لا أنّ العقل له حكم بحجّية الظن.
والمراد بالكشف: هو أنّ العقل بعد تماميّة المقدّمات يكشف لنا بأنّ الشارع جعل الظن حجّة في الأحكام الشرعية، وأنّه يجب اتّباعه في تحصيل الأحكام الشرعية. والتفصيل في علم الاصول، بحث الانسداد.
ثمّ إنّه هل المقدّمات توصلنا إلى الحكومة أو الكشف، فهذا أمر بناه السيّد الخوئي على كيفية تقرير المقدّمة الثالثة والتي هي: (إنّ الاحتياط التام غير واجب)، فإذا قرّرت بأنّ عدم وجوب الاحتياط التام لاستلزامه اختلال النظام أو العسر التام والحرج، تكون النتيجة هي الحكومة- على تفسيره- لأنّ عدم جواز الاحتياط للمحذور المتقدّم لا ينافي حكم العقل بلزوم الاحتياط في بعض الأطراف وتركه في البعض الآخر و الاكتفاء بالامتثال الظني.
وإذا قرّرت بأنّ الاحتياط التام غير واجب لأنّ الشارع لا يرضى بالاحتياط والامتثال الإجمالي، فإنّ الاحتياط وإن كان حسناً في نفسه إلّاأنّه ليس كذلك فيما إذا استلزم انحصار الامتثال في أكثر الأحكام على الامتثال الإجمالي المنافي لقصد الوجه والجزم، فتكون النتيجة هي الكشف؛ إذ بعد فرض فعلية التكاليف وانسداد باب العلم والعلمي وعدم رضا الشارع بالامتثال الإجمالي يستكشف أنّ الشارع جعل الظن حجّة وطريقاً إلى أحكامه.



والمراد بالمطلقة أنّ المقدّمات لو تمّت تفيد حجّية كلّ ظن بما هو ظن بجميع مراتبه القوية والضعيفة وفي جميع موارده، سواء كان المورد ذات أهمّية شرعاً- كالدماء- أم لا، ومن أيّ سبب حصل بلا فرق بين حصوله من الشهرة الفتوائية أو الخبر الواحد أو غيرهما.
والمراد بالمهملة أنّ نتيجة المقدّمات هي حجّية الظن بلا تعيّن لها في ناحية الإطلاق ولا ناحية التقييد، فهي مجملة من الناحيتين، وحينئذٍ يلزم الأخذ بالقدر المتيقّن من الظنون.
والمراد بالمقيّد أنّ نتيجة المقدّمات تشخّص حجّية حصّة خاصة من الظن بأن تشخّص حجّية الظن الاطمئناني- مثلًا- دون غيره، أو تعيّن حجّية الظن في غير الموارد التي يهتمّ بها الشارع كالأعراض والدماء.
ثمّ إنّه بماذا تنتهي نتيجة المقدّمات فهو تابع لما يختاره المجتهد من الحكومة أو الكشف، فإن قلنا بالحكومة فنتيجة المقدّمات تصبح مطلقة؛ لأنّ الحاكم لا يعقل أن يشكّ في حكمه ويتردّد فيه، وهذا ما اختاره صاحب الكفاية، فذهب إلى أنّ نتيجة المقدّمات بالنسبة إلى أسباب الظن مطلقة، فلا يرى العقل فرقاً بين ظن وظن بما هو ظنّ، سواء حصل من الشهرة الفتوائية أو خبر الثقة أو غيرهما.
وأمّا بالنسبة إلى الموارد- كالدماء والأعراض والأموال- أو المراتب- كالظن الاطمئناني والظن القوي والضعيف- فنتيجة المقدّمات تكون مقيّدة؛ لأنّ العقل مستقل بحجّية الظن ومنجزية الواقع في غير الموارد التي اهتم الشارع بالحفاظ عليها حتى في ظرف الشكّ- كالدماء والفروج وغيرهما- حيث استقلّ العقل بوجوب الاحتياط فيها وإلغاء حجّية الظنون فيها، وعندئذٍ فلو ظنّ بأنّ شخصاً مهدور الدم مع احتمال كونه محقون الدم فلا يجوز قتله بل لابدّ من الاحتياط عقلًا، وكذا بالنسبة إلى المراتب كالظن الاطمئناني دون سواه على أساس أنّه المتيقّن في الحجّية دون سواه.
فلو وفى الاطمئناني منه برفع العسر والحرج، فلا يجوز له التعدّي إلى ما دونه وإلّا يضاف إليه بمقدار ما يرفع به العسر والحرج لا أكثر.
وأمّا إن قلنا بالكشف فالنتيجة في ناحية الأسباب مطلقة دون الموارد والمراتب فإنّها فيهما مهملة.
أمّا في ناحية الأسباب فإنّ العقل لا يرى فرقاً بين حصول الظنّ من سبب وآخر، فلا فرق بين الظن الحاصل من فتوى المجتهد والحاصل من الشهرة- مثلًا- بل العقل يرى أنّ الشارع جعل الظن حجّة من أيّ سبب حصل إلّاالسبب الذي نهى الشارع عنه.
وأمّا من حيث‏ الموارد فتكون النتيجة مهملة؛ إذ العلم بعدم رضا الشارع بالاحتياط الكلّي لا ينافي وجوب الاحتياط في خصوص الموارد المهمّة- كالدماء والأعراض بل الأموال الخطيرة- فلابدّ من الاقتصار على المتيقّن من العمل بالظنّ في غير هذه الموارد والاحتياط فيها.
وكذا الحال من حيث المراتب؛ إذ العقل لا يدرك- بعد العلم بعدم رضا الشارع بالاحتياط الكلّي- أنّه جعل الظن حجّة بجميع مراتبه، بل يحتمل أنّه جعل خصوص الظن القوي حجّة، فمجرّد احتمال عدم جعل الظن الضعيف حجّة كاف في الحكم بعدم الحجّية، فلابدّ من الاقتصار على القدر المتيقّن والعمل بالظن القوي. ولو لم يف ذلك بمعظم أبواب الفقه يتنزل إلى المرتبة التي تلي مرتبة الظن القوي، وهكذا.



الامور الاعتقادية قسمان:

۶.۱ - القسم الأول


الامور الاعتقادية التي يكون المطلوب فيها المعرفة والعلم دون غيره- كما في أصول الدين- فلا يكفي فيها الظن؛ لأنّه ليس بمعرفة ولا علم فلابدّ من تحصيل العلم بها.
وأمّا إذا عجز عن تحصيل المعرفة ولم يتيسّر له ذلك بأن انسدّ عليه باب العلم، فهل يكتفى بالظنّ في باب المعارف كما هو في باب الأحكام، أم لا؟
أمّا بالنسبة إلى معرفة الخالق والصانع فهو يتوقّف على إمكان افتراض الجهل به، فإن فرض إمكان الجهل بمعرفة الخالق والصانع فيمكن الاكتفاء بالظن ما دام لم يتيسّر العلم.
وأمّا بناءً على‏ عدم إمكانه من حيث إنّه عندما يشعر بنفسه يدرك أنّه لم يخلق نفسه فإذا أدرك أنّ له خالقاً فهذه اليقظة الفطرية تدفعه إلى معرفة الخالق والصانع، وعندئذٍ لو جهله لكان جهله مستنداً إلى تقصيره وجحوده وتمرّده، فلا يكون معذوراً في جهله ليكتفي بظنّه في معرفة الخالق.
وأمّا بالنسبة إلى معرفة النبوّة الخاصة- كمعرفة نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم- و المعاد و الإمامة فيمكن افتراض الجهل بها بل هو واقع نشاهده في كثير من أفراد المجتمع من اليهود والنصارى وغيرهم، فيمكن القول بالانسداد والاكتفاء بالظن.
وهل يحكم حينئذٍ بكفرهم؟ حيث إنّ المطلوب في هذه الامور هي المعرفة وهي مفقودة بالنسبة إلى الظان بها، فيه خلاف.
يبدو من جماعة من الفقهاء- ومنهم السيّد الخوئي- الحكم بكفرهم لإطلاق الأدلّة الدالّة على ترتّب تلك الأحكام، فإن قلنا بنجاسة أهل الكتاب - مثلًا-فلا فرق بين أن يكون جهلهم عن تقصير أو قصور.
ولكن الشيخ الأنصاري استشكل في الحكم بكفر الظان بالحقّ لتقيّد كفر الشاكّ في غير واحد من الأخبار بالجحود، والمفروض أنّ الظان غير جاحد.
وأمّا بالنسبة إلى الظان بالباطل ونفي رسالة نبيّنا صلى الله عليه و آله وسلم والمعاد، فقد استظهر من الأخبار كفرهم، وعندئذٍ يتعامل معهم معاملة الكفّار.
وهناك جهة اخرى للبحث ذكرها بعض الفقهاء، وهي أنّه لو لم يتوفّر له العلم بما يجب الاعتقاد به وعمل بالظن، هل يستحقّ العقاب حينئذٍ أم لا؟ المعروف لدى العلماء أنّ الجاهل القاصر لا يستحقّ العقاب؛ إذ العقل مستقلّ بقبح العقاب على أمر غير مقدور، فلو عوقب في هذه الحالة يكون من أوضح مصاديق الظلم، فالجاهل القاصر معذور غير معاقب على عدم معرفة الحقّ بحكم العقل.

۶.۲ - القسم الثاني


وهو الانسداد في الامور التي يكون المطلوب فيها الانقياد والتسليم له إذا أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم به فلا يكون الظن حجّة فيها؛ بمعنى أنّه لا يجوز الانقياد له وعقد القلب بمتعلّقه؛ لعدم تمامية مقدّمات الانسداد في المقام؛ لأنّ من مقدّماته عدم وجوب الاحتياط لاختلال النظام أو لزوم العسر والحرج، وهذه المقدّمة غير جارية في المقام؛ إذ الاحتياط بمعنى الالتزام بما هو الواقع على إجماله متيسّر من دون لزوم الاختلال أو العسر والحرج. ومنه الظن المتعلّق بالامور التاريخية والتكوينية، فإنّ الظن إذا لم يقم على حجّيته دليل خاص فلا حجّية له في هذه الامور.


 
۱. عوائد الأيّام، ج۱، ص۱۲۳.    
۲. عوائد الأيّام، ج۱، ص۱۲۳.    
۳. فرائد الاصول (تراث الشيخ الأعظم)، ج۱، ص۳۹۰- ۳۹۱.    
۴. عوائد الأيّام، ج۱، ص۱۲۳.    
۵. هداية المسترشدين، ج۳، ص۳۲۹.
۶. هداية المسترشدين، ج۳، ص۳۳۰.
۷. هداية المسترشدين، ج۳، ص۳۳۰.
۸. مصباح الاصول، ج۲، ص۲۱۹.    
۹. فرائد الاصول (تراث الشيخ الأعظم)، ج۱، ص۳۸۴.    
۱۰. فرائد الاصول (تراث الشيخ الأعظم)، ج۱، ص۳۸۴.    
۱۱. كفاية الاصول، ج۱، ص۳۱۱.    
۱۲. مصباح الاصول، ج۲، ص۲۱۹.    
۱۳. المباحث الاصولية، ج۸، ص۴۸۴.
۱۴. مباحث الاصول (الجزء الثاني من القسم الثاني)، ج۲، ص۶۳۴- ۶۳۵.    
۱۵. عوائد الأيّام، ج۱، ص۱۲۳.    
۱۶. الذريعة (الشريف المرتضى)، ج۲، ص۶۸۲.    
۱۷. المعارج، ج۱، ص۱۸۸.    
۱۸. عوائد الأيّام، ج۱، ص۱۲۳.    
۱۹. فرائد الاصول (تراث الشيخ الأعظم)، ج۳، ص۳۸۴.    
۲۰. الفصول الغروية، ج۱، ص۲۹۸- ۲۹۹.    
۲۱. تنقيح المقال، ج۱، ص۱۷۹.
۲۲. بحوث في علم الرجال، ج۱، ص۳۹- ۴۰.
۲۳. بحوث في علم الرجال، ج۱، ص۴۰- ۴۱.
۲۴. معجم رجال الحديث، ج۱، ص۴۱.    
۲۵. عدّة الاصول، ج۱، ص۱۴۱- ۱۴۲.    
۲۶. فرائد الاصول (تراث الشيخ الأعظم)، ج۱، ص۳۱۹.    
۲۷. معجم رجال الحديث، ج۱، ص۴۱- ۴۲.    
۲۸. تنقيح المقال، ج۱، ص۱۷۰.
۲۹. كلّيات في علم الرجال، ج۱، ص۲۷.    
۳۰. المحكم في اصول الفقه، ج۳، ص۲۷۱- ۲۷۲.    
۳۱. بحوث في علم الرجال، ج۱، ص۴۰- ۴۱.
۳۲. المباحث الاصولية، ج۸، ص۴۹۹.
۳۳. المباحث الاصولية، ج۸، ص۵۰۴- ۵۰۵.
۳۴. كفاية الاصول، ج۱، ص۳۱۱.    
۳۵. كفاية الاصول، ج۱، ص۳۱۶.    
۳۶. مصباح الاصول، ج۲، ص۲۲۰.    
۳۷. مصباح الاصول، ج۲، ص۲۲۰.    
۳۸. مصباح الاصول، ج۲، ص۲۲۱.    
۳۹. مصباح الاصول، ج۲، ص۲۲۱.    
۴۰. كفاية الاصول، ج۱، ص۳۲۲- ۳۲۳.    
۴۱. مصباح الاصول، ج۲، ص۲۲۲.    
۴۲. مصباح الاصول، ج۲، ص۲۲۳.    
۴۳. مصباح الاصول، ج۲، ص۲۳۶.    
۴۴. مصباح الاصول، ج۲، ص۲۳۷.    
۴۵. مصباح الاصول، ج۲، ص۲۳۷.    
۴۶. فرائد الاصول (تراث الشيخ الأعظم)، ج۱، ص۵۷۱- ۵۷۲.    
۴۷. فرائد الاصول (تراث الشيخ الأعظم)، ج۱، ص۵۷۲.    
۴۸. مصباح الاصول، ج۲، ص۲۳۷- ۲۳۸.    
۴۹. مصباح الاصول، ج۲، ص۲۳۸.    




الموسوعة الفقهية، ج۱۸، ص۲۰۹-۲۲۰.    



جعبه ابزار