الأسير (تصرفاته)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابه، انظر
الأسير (توضيح) .
من الطبيعي أن تكون للأسير أفعال يمارسها أو تصدر عنه، وهنا توجد عدّة أنواع لأفعاله، فبعضها عبادي، وبعضها مالي، وبعضها غير ذلك، ولابدّ من بحثها لمعرفة حكم الفقهاء فيها من حيث خصوصية
الأسير لا من حيث ما يشترك بينه وبين غيره.
تعرّض الفقهاء لمحورين عباديّين يتّصلان بالأسير، أحدهما: ما يرتبط
بالصلاة ، وثانيهما: ما يتّصل
بالصوم .
وفيها ثلاث مسائل:
تكره
إمامة الأسير لغيره كما صرّح بذلك
المحقّق النجفي ،
ولعلّ ذلك وأمثاله هو مراد من منع من إمامة المقيّد المطلقين.
ويدلّ عليه ما رواه
السكوني عن
الإمام الصادق عليه السلام قال: «قال
أمير المؤمنين عليه السلام: لا يؤمّ المقيّد المطلقين...».
وقد ربط
المحدّث البحراني بين هذه المسألة ومسألة إمامة القاعد للقائمين، وذكر أنّه إن استلزم ذلك نقصان صلاة الإمام بترك شيء من واجباتها فظاهرهم المنع من
الاقتداء كما صرّحوا به في غير موضع، وإلّا فالكراهة.
وعدّ
الشيخ جعفر كاشف الغطاء سلامة الإمام من التقييد من الأمور الكمالية.
إذا خاف الأسير
المسلم الذي في أيدي الكافرين من
إظهار الصلاة أمامهم
بالركوع والسجود صلّى
إيماءً؛
لمضمرة
سماعة ، قال: سألته عن الأسير يأسره المشركون فتحضره الصلاة فيمنعه الذي أسره منها، قال: «يومئ إيماءً».
لا يعتبر
الاستقلال في قصد المسافة، حتى تترتّب أحكام المسافر، بل يكفي ولو كان تبعاً كالأسير وغيره، فإنّه تابع لمن أسره
إذا كان عالماً بقصده، وإلّا بقي على
التمام .
وفي هذا
الإطار اختلفوا في ضرورة القصد التبعي من الأسير، بحيث لا يكتفى بقصد المتبوع حتى لو لم يقصد الأسير السفر تبعاً له، فمن جهة ذهب بعضهم إلى لزوم القصد التبعي مستدلّاً له بإطلاق
النصوص والفتاوى.
فيما ذهب
الشهيد الأوّل إلى عدم الحاجة إلى القصد التبعي، بل يكفي قصد المتبوع في ذلك.
واورد عليه بأنّ كلامه على ظاهره غير ظاهر الوجه؛
لعدم الدليل عليه بخصوصه، بل ظاهر الأدلّة على خلافه؛ لدلالتها على اعتبار القصد.
ومع ذلك فقد ذهب
العلّامة الحلّي في بعض كتبه
إلى وجوب
التقصير ولو عزم التابع على مخالفة المتبوع بالهرب منه مثلًا.واختار المحدّث البحراني جانب
الاحتياط ؛ لخلوّ المسألة من النصّ باعتقاده.
وينبغي أن يعلم أنّ هذه المسألة كما تتّصل بالصلاة تجري في الصوم أيضاً، كلّ بحسبه.
والبحث فيه يدور حول جهل الأسير بدخول شهر
رمضان وحكم صيامه في هذه الحالة، حيث ذكروا أنّه إن لم يتمكّن من تحصيل العلم بوقت الصيام فعليه أن يعمل بظنّه، فيصوم ما ظنّ أنّه من شهر رمضان، فإن استمرّ
الاشتباه فهو بريء، وإن تبيّن أنّه في شهر رمضان أو بعده أجزأه، وإن كان قبله قضاه،
وقد ادّعي عليه
الإجماع .
ويدلّ عليه صحيح
عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: قلت له:رجل أسرته الروم ولم يَصْحُ له شهر رمضان، ولم يدر أيّ شهر هو؟ قال:«يصوم شهراً يتوخّى ويحسب، فإن كان الشهر الذي صامه قبل شهر رمضان لم يجزه، وإن كان بعد شهر رمضان أجزأه».
ونحوه مرسل
المقنعة .
وأمّا احتمال وجوب صيامه سنة كاملة مقدّمة
لإحراز الواجب فهو يتنافى مع نفي الضرر
والعسر في
الشريعة .
ومع عدم التمكّن من تحصيل
الظنّ ، فالواجب اختيار شهر من كلّ سنة يجعل بينه وبين الشهر الآتي من
السنة الاخرى أحد عشر شهراً،
وقد ادّعى المحقّق النجفي عدم الخلاف فيه بينهم.
ونسبه
السيّد العاملي إلى قطع
الأصحاب .
وذلك لوجوه، منها: رواية عبد الرحمن المتقدّمة.واورد عليها بأنّ الظاهر من التوخّي الوارد فيها العمل بما هو أقرب إلى الواقع، فيختصّ بالظن.
وفي مقابل هذا القول المدّعى عدم الخلاف فيه، كان هناك موقفان للفقهاء:
فقد مال الشيخ جعفر كاشف الغطاء إلى سقوط
الأداء ووجوب القضاء وإن احتاط بعد ذلك بصيام شهرٍ رجاء أن يكون من رمضان.
كما اختار بعض آخر الاحتياط بتكرار الصيام إلى حين حصول العلم بأدائه في وقته، نافياً في الوقت نفسه استلزامه للعسر
والحرج .
•
الأسير (تصرفاته المالية)،يتنوّع الحديث حول الوضع المالي للأسير وتصرّفاته المالية تبعاً له، فتارةً يكون أسيراً مسلماً في يد الأعداء، واخرى
أسيراً كافراً في يد المسلمين ؛ من هنا لزم الحديث عن كلا الصورتين من هذه الناحية.
•
الأسير (علاقاته الزوجية)،هناك يأتي موارد متعددة من علافاته الزوجية وبقاءها بين الأسير المسلم والكافر و...
•
الأسير (أحكامه الجزائية وعقوباته)، هناك يأتي أحكام الجزائية وعقوبات للأسير الكافر والمسلم.
وفيه ثلاثة أبحاث:
إذا كان المسلم أسيراً في أيدي
المشركين وطلبوا منه
الأمان فأمّنهم جاز أمانه؛ لعموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّه يجير على المسلمين أدناهم»،
وروي أيضاً: «ذمّةالمسلمين واحدة يسعى بها أدناهم».
لكنّه مشروط
بالاختيار ، فلا يجوز مع
الإكراه والإجبار .
أجمع الفقهاء على جواز
إعطاء الأمان للأسير الكافر قبل أسره، وأمّا بعده فلا يجوز ذلك للمسلمين؛ لأنّه قد ثبت لهم حقّ
استرقاقه ، فلا يجوز
إبطاله ، ولأنّ المشرك إذا وقع في الأسر يتخيّر الإمام فيه بين المنّ والفداء والاسترقاق، ومع الأمن يبطل
التخيير ، ولا يجوز إبطال ذلك على الإمام.
ويجوز للإمام إعطاء الأمان للأسير بعد الأسر
والاستيلاء عليه؛
لأنّ
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أجاز أمان
زينب لزوجها
أبي العاص بن الربيع بعد الأسر،
ولأنّ للإمام أن يمنّ عليه فيطلقه، وهو أعلى مرتبة من الأمان.
لو أسر المشركون مسلماً ثمّ أطلقوا سراحه بأمان وشرطوا عليه الإقامة في
دار الحرب مع الأمن منه، لم تجب عليه الإقامة، بل تحرم مع التمكّن من
الهجرة.
ويتّبع في ذلك نظر
الفقيه في حكم التوطّن في بلاد الكفر مع عدم الخوف على
الدين ، حيث يجيز العديد من الفقهاء ذلك عندما يتمكّن من القيام بوظائفه الدينية.
وأمّا أموالهم فقد قيل: إنّه تحرم عليه أموالهم إن شرطوا عليه ترك الخيانة.واورد عليه بأنّه شرط لا يجب
الوفاء به، بل العقد الذي تضمّنه غير مشروع.
هذا فيما لو أمّنوه، وأمّا لو لم يؤمّنوه بل استرقّوه واستخدموه كان له الهرب وأخذ ما أمكنه من مالهم؛ لأنّهم قهروه على نفسه ولم يملّكوه بذلك، فجاز له قهرهم.
إذا نزل الكفّار على حكم أسير مسلم معهم جاز الأخذ بحكمه
إذا كان جامعاً لشرائط الحاكميّة،
كالحرّية والبلوغ والعلم
والعقل وغيرها، إلّاأنّ هناك من ذهب إلى كراهة جعله حكماً،
وقيّد بعضهم
الكراهة بما إذا كانت نظرته إلى من كان أسيراً عندهم حسنة.
ومنع
ابن الجنيد من ذلك؛ لأنّ الأسير المسلم بين أيدي الأعداء مغلوب مقهور على أمره، فلا يجوز جعله حكماً.
وتردّد العلّامة الحلّي في ذلك،
لاحتمال الجواز على كراهة؛ لأنّه جامع لصفات الحاكم، ولاحتمال الحرمة؛ لكونه متّهماً بالتحيّز إلى الأعداء؛ لنظرته الحسنة إليهم.
والذي يبدو من طريقة تعاطي الفقهاء مع هذا الموضوع أنّه لا يوجد نصّ خاص، وإنّما يُعملون القواعدَ العامة الراجعة إلى مثل المصلحة أو عنصر الاختيار وحسن النظر في الحكم، وهي عناوين متحرّكة تختلف باختلاف الزمان والمكان والظرف والحال وما يراه الإمام في ذلك.
الموسوعة الفقهية، ج۱۳، ص۱۴۲-۱۵۹.