قواطع الصلاة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
اعلم أنه يقطع
الصلاة ويبطلها أمور، منها : ما يبطل الطهارة،
التفات المصلي عن
القبلة ، الكلام، القهقهة، الفعل الكثير في الصلاة، البكاء لأمور الدنيا، التكفير.
كل (ما يبطل الطهارة) وينقضها من الأحداث مطلقا (ولو كان) صدوره (سهوا) عن كونه في الصلاة، أو من غير
اختيار ، على الأظهر الأشهر، بل عن الناصرية و
نهج الحق والتذكرة و
أمالي الصدوق :
الإجماع عليه،
وكذا في
روض الجنان وشرح
الإرشاد للمقدس الأردبيلي
; لكن فيما إذا كانت الطهارة المنتقضة مائيّة، ونفي عنه الخلاف في التهذيب،
وعن
نهاية الإحكام الإجماع عليه فيما لو صدر من غير اختيار.
وهو الحجة، مضافا إلى شرطية الطهارة في الصلاة، وبطلانها بالفعل الكثير إجماعا، والنصوص المستفيضة القريبة من التواتر، بل المتواترة كما صرّح به بعض الأجلّة،
فلا يضر قصور أسانيد جملة منها أو ضعفها، سيّما مع
اعتبار أسانيد جملة منها، واعتضادها بالشهرة العظيمة الجابرة لما عداها، وهي قريبة من الإجماع بل إجماع حقيقة، كما عرفته من النقلة له. سيّما فيما إذا كانت الطهارة المنتقضة طهارة مائيّة، إذ المخالف فيها ليس إلاّ المرتضى في المصباح والشيخ في
المبسوط والخلاف،
حيث قالا بالتطهير والبناء، كما يفهم من عبارتهما حيث قالا : ومن سبقه الحدث من بول أو ريح أو غير ذلك فلأصحابنا فيه روايتان، إحداهما وهي الأحوط أنه تبطل الصلاة.
وفي لفظ
الاحتياط دلالة على ذلك، لكنه غير صريح فيه، بل ولا ظاهر، كما بيّنته في الشرح، ويعضده تصريح الخلاف بعد ذلك بأن الرواية الأولى التي احتاط بها أوّلا هي المعمول عليها عنده والمفتي بها،
فلعلّ السيد كان كذلك أيضا، سيّما مع دعواه كالشيخ الإجماع عليها. فعلى هذا لا مخالف في
الطهارة المائية، ويكون الحكم فيها مجمعا عليه، كما عرفته من شرحي الإرشاد وغيرهما. وأما ما في
الذخيرة : من أنّ دعوى الإجماع هنا وهم.
فلعلّه وهم، ولو سلّم ظهور خلاف الشيخ والمرتضى، لمعلومية نسبهما وعدم القدح في الإجماع بخروجهما وأمثالهما من معلومي النسب عندنا، بل عند العامة العمياء أيضا، كما قرّر مرارا.
وحيث كانت المسألة بهذه المثابة فلا حاجة بنا إلى نقل أدلّة قولهما وما أورد من المناقشات على أدلّتنا، مع ضعفها في حدّ ذاتها أجمع، وقوة
احتمال ورود أخبارهما ـ مع قصور سند بعضها وضعف دلالتها ـ مورد
التقية جدّا، كما صرّح به بعض الأجلّة،
فقد حكي القول بمضمونها في الناصرية والخلاف عن الشافعي في أحد قوليه، ومالك وابي حنيفة.
وبهذا يمكن الجواب عن الصحاح المستفيضة الدالّة جملة منها على التطهر والبناء في المتيمم خاصّة، كالصحيحين : قلت : رجل دخل في الصلاة وهو متيمّم، فصلّى ركعة ثمَّ أحدث فأصاب الماء، قال : «يخرج ويتوضّأ ثمَّ يبني على ما مضى من صلاته التي صلّى
بالتيمم ».
والدالة جملة أخرى منها عليهما في المحدث قبل التشهد مطلقا، كالصحيح : في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه من
السجدة الأخيرة وقبل أن يتشهّد، قال : «ينصرف ويتوضّأ، فإن شاء رجع إلى المسجد، وإن شاء ففي بيته، وإن شاء حيث شاء قعد فتشهّد ثمَّ يسلّم، وإن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته»
ونحوه الموثقان.
مضافا إلى ضعف دلالة الأخبار الأوّلة باحتمال أن يكون المراد بالصلاة في قوله : «يبني على ما مضى من صلاته» هي الصلاة التي صلاّها بالتيمم تامة قبل هذه الصلاة التي أحدث فيها، ومرجعه إلى أنّ هذه الصلاة قد بطلت بالحدث، وأنه يخرج ويتوضّأ من هذا الماء الموجود، ولا يعيد ما صلاّها بهذا التيمم وإن كان في الوقت، ويكون قوله عليه السلام في آخر الكلام : «التي صلّى بالتيمم» قرينة على هذا المعنى.
ومن هنا ظهر ضعف القول بها كما عن الشيخين وغيرهما.
وأضعف منه القول بالأخيرة، لندرته وعدم
اشتهاره بين الفقهاء، وإن كان ظاهر الصدوق في
الفقيه ،
وبعض متأخّري المتأخّرين،
مقوّيا لعموم الحكم فيها لصورتي العمد والنسيان بعد أن ادّعى ظهوره من عبارة الفقيه والروايات. وهو غريب، فإنّ الحكم
بالبطلان في الصورة الأولى كاد أن يكون ضروري المذهب، بل الدين جدّا، وقد استفاض بل تواتر نقل الإجماع عليه أيضا.
•
التفات المصلي عن القبلة، و من قواطع الصلاة
الالتفات عن القبلة دبرا وإلى الخلف.
(و) منها (الكلام) أي التكلم (بحرفين فصاعدا عمدا) مما ليس بدعاء ولا ذكر ولا قرآن مطلقا ولو كان مهملا، لعمومه له لغة، كما عن
شمس العلوم و
نجم الأئمة ،
والخبرين : «من أنّ في صلاته فقد تكلم».
إجماعا على الظاهر، المصرح به في عبائر جماعة
حدّ
الاستفاضة ، وللصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة تقدم إلى بعضها
الإشارة .
وإطلاقه كغيره وإن شمل صورتي السهو والنسيان عن كونه في الصلاة وظنّ الخروج منها، إلاّ أنهما خرجتا عنه بالصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة، منها : في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم، قال : «يتمّ ما بقي من صلاته تكلّم أو لم يتكلم، ولا شيء عليه»
ونحوه آخر
وغيره.
ومنها : في رجل صلّى ركعتين من
المكتوبة فسلّم وهو يرى أنه قد أتمّ الصلاة، وقد تكلّم، ثمَّ ذكر أنه لم يصلّ غير ركعتين، فقال : «يتمّ ما بقي من الصلاة ولا شيء عليه».
وفي كلام جماعة الإجماع عليه في الصورة الاولى،
وهو حجة أخرى فيها، مؤيّدة ـ بعد الأصل والنصوص ـ بعدم الخلاف فيها ولا في الثانية إلاّ من الشيخ في
النهاية وبعض من تبعه كالحلبي وغيره،
فأبطل الصلاة فيها، ولعلّه للإطلاق المقيد بما عرفته إن سلّم شموله لمثلها. وإن ادّعي تبادر العمد منه ـ كما قيل
ـ ارتفع الإشكال من أصله، ولا
احتياج إلى التقييد به بالكلية.
وفي الحرف الواحد المفهم ك : «ق» وإن كان بدون هاء السكت لحنا، والحرف بعده مدّة، أي مدّ صوت لا يؤدّي إلى حرف آخر، وكلام المكره عليه نظر :
فمن الخلاف في دخوله في الكلام لغة كما عن شمس العلوم،
واختار دخوله نجم
الأئمة كما قيل.
وعن نهاية الإحكام أنه من اشتماله على مقصود الكلام و
الإعراض به عن الصلاة، ومن أنه لا يعدّ كلاما إلاّ ما انتظم من حرفين، والحرف الواحد ينبغي أن يسكت عليه بالهاء.
وعن التذكرة أنه من حصول
الإفهام فأشبه الكلام، ومن دلالة مفهوم النطق بحرفين على عدم
الإبطال به.
وعنهما القطع بخروجه عن الكلام. وفي المنتهى أن الوجه الإبطال، لوجود مسمى الكلام فيه، وفيه الإجماع على عدم إبطال غير المفهوم من الحرف الواحد، كما هو الظاهر، لأنه لا يسمّى كلاما.
وعن التذكرة نفى الخلاف عنه.
فمن التردّد في أنّ الحركات المشبعة إنما يكون ألفا أو واوا أو ياء، ولعلّه المراد بما عن
التذكرة ونهاية الإحكام من أنه ينشأ من تولّد المدّ من
إشباع الحركة ولا يعدّ حرفا، ومن أنه إما ألف أو واو أو ياء.
فمن عموم النصوص والفتاوى، وهو الأقوى، كما عن التذكرة ونهاية الإحكام،
وهو فتوى التحرير.
ومن
الأصل ، ورفع ما استكرهوا عليه، وحصر وجوب
الإعادة في الخمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود، وتبادر
الاختيار من
الإطلاق . وفي
الإيضاح : المراد حصول
الإكراه مع اتساع الوقت.
قيل : لأنّه مع الضيق مضطر إلى فعله مؤد لما عليه. وفيه : أنه مع السعة أيضا كذلك، خصوصا إذا طرأ الإكراه في الصلاة، ولا دليل على أن الضيق شرط في
الاضطرار ، ولا على إعادة المضطر إذا بقي الوقت.
(وكذا القهقهة) تبطلها عمدا لا سهوا، إجماعا على الظاهر، المصرح به فيهما في كلام جماعة
حدّ الاستفاضة. والمعتبرة بالأوّل مع ذلك مستفيضة، منها الصحيح : «القهقهة لا تنقض
الوضوء ، وتنقض الصلاة»
ونحوه الموثق وغيره، بزيادة «إن التبسّم لا يقطع الصلاة»
وهو إجماعي أيضا على الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر.
وبذلك يقيّد النص المطلق، كما يقيّد هو وغيره من النصوص
بالإضافة إلى القهقهة سهوا بما مرّ من الإجماع المنقول.
وهل المراد بالقهقهة مطلق الضحك المقابل للتبسّم؟ كما هو ظاهر مقابلتها له في النصوص، ويقتضيه ما عن المفصل والمصادر للزوزني والبيهقي : من أنها الضحك بصوت.
أو الضحك المشتمل على المدّ و
الترجيع ؟ كما عن العين و
ابن المظفّر،
وقريب منهما ما عن المجمل والمقاييس من أنها
الإغراب في الضحك،
وعن شمس العلوم من أنها المبالغة فيه،
وعن
الديوان والصحاح من أنها أن يقول : قه قه،
وعن الأساس : قهّ الضاحك إذا قال في ضحكه : قه، فإذا كرّره قيل : قهقه، كذا في القاموس.
إشكال، والعرف يساعد الثاني، والمقابلة تقتضي التجوّز
بإدخال ما لا مدّ فيه من الضحك في القهقهة أو التبسم، ولا يتعين الأول، وكلام بعض
أهل اللغة وإن اقتضاه، إلاّ أنه معارض بكلام الأكثر منهم المعتضد بما عرفت من العرف، فلعلّه الأرجح، لكن ظاهر روض الجنان كون الأوّل مراد الأصحاب،
فالاحتياط لا يترك. وإن غلب الضحك فقهقه اضطرارا بطلت الصلاة، كما عن نهاية الإحكام و
الذكرى والتذكرة،
وظاهره ـ كما قيل
ـ الإجماع عليه، لعموم النصوص. قيل : خلافا للشافعية وجمل العلم والعمل على
احتمال .
•
الفعل الكثير في الصلاة، الفعل الكثير الخارج عن الصلاة يبطل الصلاة عمدا لا سهوا.
(والبكاء لأمور الدنيا) يبطلها عمدا، بلا خلاف يعتدّ به، بل ظاهرهم الإجماع عليه كما عن ظاهر التذكرة،
للخبر : «إن بكى لذكر جنة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة، وإن كان ذكر ميّتا له فصلاته فاسدة».
وضعفه سندا وقصوره عن
إفادة تمام المدّعى مجبور بالشهرة، وعدم القائل بالفرق بين الطائفة، المؤيّدة بقرينة المقابلة الظاهرة في أن ذكر خصوص البكاء على الميت إنما هو لمجرّد التمثيل، وإلاّ لجعل مقابله مطلق البكاء على غيره، لا البكاء على خصوص ذكر الجنة والنار. وفي السهو قولان، من إطلاق النص، واحتمال اختصاصه بحكم التبادر بصورة العمد كما في نظائره، مضافا إلى
الأصل ، وحديث رفع القلم، وحصر وجوب الإعادة في الخمسة، وهذا خيرة الحلبيين وابن حمزة
وظاهر العبارة. خلافا للمحكي عن المبسوط والمهذب و
الإصباح ،
فالأول، وهو أحوط.
ثمَّ إن إطلاق النص يقتضي عدم الفرق في البكاء بين أنواعه، حتى ما خلا عن صوت ونحيب. وربما خصّ بما اشتمل عليهما،
اقتصارا على المتفق عليه. وهو حسن إن انحصر الدليل في
الاتفاق ، مع أن النص دليل آخر، إلاّ أن يضعّف دلالته باشتماله على لفظ
البكاء ولا يدرى أممدود فيه فيختص أم مقصور فيعمّ. وفيه : أن لفظ البكاء المحتمل للأمرين إنما هو في كلام الراوي، وأما لفظ
الإمام الذي هو المعتبر فإنما هو «بكى» بصيغة الفعل المطلق الشامل للأمرين، فتأمل. هذا مع أن الفرق بين الأمرين أمر لغوي لا أظن العرف يعتبره، وهو مقدم على اللغة حيثما حصل بينهما معارضة، كما قرّر في محله.
(و) في بطلان الصلاة بالتكفير المفسّر عند الأصحاب ب(وضع اليمين على الشمال) مطلقا، وبالعكس أيضا على ما ذكره جماعة منهم،
ويظهر من بعض الروايات، وإن كان ظاهر الصحيح أنه الأول خاصة. أو كراهته (قولان). إلاّ أنّ (أظهرهما) وأشهرهما (الإبطال) بل عليه عامّة المتأخّرين، وفي
الانتصار والخلاف وعن
الأمالي والغنية
الإجماع عليه، والنصوص به مع ذلك مستفيضة، منها الصحيح : قلت : الرجل يضع يده في الصلاة اليمنى على اليسرى؟ قال : «ذلك
التكفير فلا تفعل».
وفي الصحيح وغيره : «لا تكفّر فإنما يفعل ذلك المجوس».
وفي جملة من النصوص المتقدم بعضها المروية عن
قرب الإسناد وغيره أن : «وضع الرجل إحدى يديه على الأخرى في الصلاة عمل، وليس في الصلاة عمل».
وفي المروي عن
دعائم الإسلام ، عن
جعفر بن محمد بن علي عليهم السلام : أنه قال : «إذا كنت قائما في الصلاة فلا تضع يدك اليمنى على اليسرى، ولا اليسرى على اليمنى، فإن ذلك تكفير
أهل الكتاب ، ولكن أرسلهما
إرسالا ، فإنه أحرى أن لا تشغل نفسك عن الصلاة».
وهو صريح فيما ذكره الجماعة من انسحاب الحكم في وضع الشمال على اليمين أيضا، وظاهر الشيخ في الخلاف دعوى الإجماع عليه،
وهو ظاهر كل من استدل على المنع بكونه فعل كثير ونحوه كالمرتضى وغيره.
ولا بأس به، وإن تردّد فيه في المنتهى،
لضعفه بدعوى الإجماع على خلافه، المعتضدة بصريح الرواية، وظاهر ما تقدمها، بل صريحها من حيث التعليل المشترك بينه وبين الملحق به.
وهذه النصوص كبعض الإجماعات المنقولة وإن لم يصرّح فيها بالإبطال، لكن بعد ثبوت
التحريم منها بمقتضى النهي الذي هو حقيقة فيه يثبت هو أيضا بالقاعدة المتقدمة في بحث
التأمين في الصلاة ،
وبالإجماع المركب المصرّح به في كلام جماعة كالمحقق الثاني وشيخنا
الشهيد الثاني .
فالقول بالتحريم دون
البطلان كما في المدارك
ضعيف. والقول الثاني للحلبي و
الإسكافي ،
ولا دليل عليه سوى
الأصل ، و إشعار بعض الأخبار المعتبرة
به، من حيث عدّ النهي عنه فيها في جملة من المكروهات المتفق عليها.
ويضعفان بما مر، فإن الأصل يجب الخروج عنه بالدليل، و
الإشعار لا يعارض الظاهر فضلا عن الصريح. نعم، في المروي عن تفسير العياشي : قلت له : أيضع الرجل يده على ذراعه في الصلاة؟ قال عليه السلام : «لا بأس»
الخبر. لكنه قاصر عن المقاومة، لما مرّ من وجوه عديدة، مع انه محتمل للورود مورد التقية. وهل يختص الحكم بحالة المد، أم يعمّها وغيرها؟ وجهان، ومضيا في نظائر المسألة، وظاهر الأكثر هنا الأوّل، وبه صرّح جماعة.
ثمَّ إن الحكم تحريما أو كراهة يختص بحال
الاختيار ، فلو اضطرّ إليه لتقية وشبهها جاز، بل وربما وجب قولا واحدا.
•
حرمة قطع الصلاة، يحرم قطع الصلاة بلا خلاف على الظاهر.
رياض المسائل، ج۳، ص۲۷۳- ۲۹۸.