مسائل المفرد والقارن
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهنا مسائل، منها : جواز طواف القارن والمفرد قبل المضي إلى عرفات، تجديد التلبية عند كل طواف، ما يحل به المفرد والقارن، جواز عدول المفرد إلى المتعة بعد دخول مكة، عدم جواز عدول القارن إلى المتعة.
(ويجوز للقارن والمفرد
الطواف ) إذا دخلا مكة (قبل المضي إلى
عرفات ) واجباً ومندوباً، على الأشهر الأقوى في الأول، ويأتي الكلام فيه في أحكام الطواف مفصّلاً. ولا خلاف في الثاني على الظاهر، المصرَّح به في جملة من العبائر،
بل قيل : اتفاقاً كما في
الإيضاح .
وفي معناه الواجب بنذر وشبهه غير طواف الحج؛ للأصل، والعموم، السالمين عن المعارض.
(لكن يجدّد ان
التلبية عند كلّ طواف) عقيب صلاته (لئلاّ يحلاّ) كما يستفاد من الصحيح : إني أُريد الجوار بمكة فكيف أصنع؟ قال : «إذا رأيت
الهلال هلال ذي الحجة فاخرج إلى
الجَعرانة-الجَعرانة : هي بتسكين العين والتخفيف ، وقد تكسر وتشدد الراء : موضع بين مكة والطائف على سبعة أميال من مكة.-
فأحرم منها بالحج» فقلت له : كيف أصنع إذا دخلت مكة، أُقيم إلى
التروية ولا أطوف بالبيت؟ قال : «تقيم عشراً لا تأتي الكعبة، إنّ عشراً لكثير، إنّ البيت ليس بمهجور، ولكن إذا دخلت مكة فطف بالبيت واسع بين
الصفا والمروة » _ فقلت له :_ أليس كل من طاف وسعى فقد أحلّ؟ فقال : «إنك تعقد بالتلبية» ثم قال : «كلّما طفت طوافاً وصلّيت ركعتين فاعقد بالتلبية».
ونحوه آخر : عن المفرد للحج هل يطوف بالبيت بعد طواف الفريضة؟ قال : «نعم ما شاء ويجدّد التلبية بعد الركعتين، والقارن بتلك المنزلة، يعقدان ما أحلاّ من الطواف بالتلبية»
والظاهر ما ذكره الشيخ من الطواف مندوباً بعد طواف الفريضة مقدّماً على الوقوف.
ونحو منهما ثالث.
والموثق : «من طاف بالبيت وبالصفا والمروة أحلّ، أحبّ أو كره».
وأصرح منها ما رواه الفضل عن
مولانا الرضا عليه السلام في العلل : من أنّهم أُمروا بالتمتع إلى الحج لأنه تخفيف، إلى قوله : «وأن لا يكون الطواف محظوراً، لأن المحرم إذا طاف بالبيت أحلّ إلاّ لعلّة، فلولا
التمتع لم يكن للحاجّ أن يطوف، لأنه إن طاف أحلّ وأفسد إحرامه وخرج منه قبل
أداء الحج».
وعليه الشيخ في
المبسوط والنهاية والخلاف،
وعن الشهيد أنّ الفتوى به مشهورة، وبه صرّح في اللمعة وشيخنا في الشرح واختاراه فيهما وفي المسالك،
ونفى عنه البأس في
التنقيح وذهب إليه المحقّق الثاني.
(وقيل : إنما يحلّ المفرد) بذلك خاصة، القائل به الشيخ في
التهذيب ؛
للنصوص المستفيضة، منها زيادةً على ما قد عرفته ممّا دلّ على أن السائق لا يحلّ ما لم يبلغ الهدي محلّه خصوص جملة من المعتبرة :
منها الصحيح : إنّ رجلاً جاء إلى
أبي جعفر عليه السلام وهو خلف المقام قال : إني قرنت بين حج وعمرة، فقال له : «هل طفت بالبيت؟» فقال : نعم، قال : «هل سقت
الهدي ؟» فقال : لا، فأخذ عليه السلام بشعره، ثم قال : «أحللت والله».
ومنها الموثق : «من طاف بالبيت وبالصفا والمروة أحلّ، أحبّ أو كره، إلاّ من اعتمر في عامه ذلك أوساق الهدي وأشعره وقلّده».
ومنها الموثق : رجل يفرد بالحج فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة، ثم يبدو له أن يجعلها عمرة، فقال : «إن كان لبّى بعد ما سعى قبل أن يقصّر فلا متعة له».
ومنها المرسل : «ما طاف بين هذين الحجرين الصفا والمروة أحد إلاّ أحلّ، إلاّ سائق الهدي».
وبهذه النصوص يقيد ما أطلق من الأخبار المتقدمة. وأمّا ما صرّح فيه بتحلّل القارن كالمفرد فيمكن حمله على القارن بغير معنى السائق، -وهو القارن بين الحج والعمرة في النية.- كما وقع التصريح به في الصحيح من هذه المستفيضة. ومع ذلك فهو قاصر عن المكافأة لها؛ لكثرتها، و
اعتضادها بغيرها، دونه : ومع ذلك فهي أوفق بمقتضى
الأصل الدالّ على بقاء عدم التحلل من
الاستصحاب . فهذا القول لا يخلو عن قوة، واستظهره أيضاً في
الذخيرة .
(وقيل : لا يحلّ أحدهما إلاّ بالنية، ولكن الأولى تجديد التلبية) القائل الحلّي،
وتبعه الفاضل وولده؛
للأصل، و
الاتفاق على أن القارن لا يمكنه العدول إلى التمتع و
الإحلال ما لم يبلغ الهدي محلّه، وتظافر الأخبار به كما مرّ إليها الإشارة. ولأن
الإحرام عبادة لا تنفسخ إلاّ بعد
الإتيان بأفعال ما أُحرم له أو ما عدل إليه وإن نوى
الانفساخ ، كالمعتمر لا يحلّ ما لم يأت بطواف العمرة وسعيه، والحاجّ ما لم يأت بالوقوفين والطوافين للحج، وإنما الأعمال بالنيات، فلا ينصرف الطواف المندوب إلى طواف الحج، ولا ينقلب الحج عمرة بلا نية، بل حج القارن لا ينقلب عمرة مع النية أيضاً.
وفي الجميع نظر؛ لوجوب تخصيص الأصل بما مرّ. والثاني نقول بموجَبه. والثالث
اجتهاد في مقابلة النص، وتخصيصه بالمفروض من الطوافين في العمرة أو في الحج بعد الوقوفين غير ظاهر الوجه، مع أني أجد بين الأصحاب قائلاً بالفرق بينه وبين الندب، بل صريح التهذيب ثبوت الإحلال بالطواف من غير تلبية في الفرض.
وهنا قول آخر بالتفصيل بين المفرد والقارن، عكس الأول، حكاه في التنقيح عن المرتضى والمفيد.
ولكن الموجود في غيره
عنهما أنهما وكذا
الديلمي والقاضي
أوجبوا تجديد التلبية على القارن دون المفرد، ولم يصرّحوا بالتحلل بدونها. ومستندهم غير واضح، وبه صرّح في التنقيح.
قيل : وكأنهم استندوا إلى أن
انقلاب حج المفرد إلى العمرة جائز، دون حج القارن؛ وأن الطواف المندوب قبل الموقفين يوجب الإحلال إن لم يجدّد
التلبية بعده، فالمفرد لا بأس عليه إن لم يجدّدها، فإنّ غاية أمره انقلاب حجته عمرة، وهو جائز، خلاف القارن، فإنه إن لم يجدّدها لزم انقلاب حجه عمرة ولا يجوز.
انتهى. وهو مبني على القول الأول من تحلل
القارن والمفرد بترك التلبية، وأما على المختار من عدم تحلّل القارن بذلك فينبغي أن لا يجب عليه التلبية، ولا على المفرد أيضاً حيث لا يتعيّن عليه
الإفراد . وما يحكى عن الشيخ وغيره
من وجوب التلبية لعلّه مخصوص بالصورة الأُولى، وإلاّ فلم أعرف للوجوب وجهاً.
وربما يظهر من عبارة القيل عدم خلاف بينهم في أن بالتحلل ينقلب الحج عمرة، كما نقل التصريح به عن المبسوط والنهاية،
وفي المسالك عن جماعة،
وفي
المدارك إنه ليس في الروايات عليه دلالة،
وهو كذلك. نعم، في الموثق السابق : «إن كان لبّى بعد ما سعى قبل أن يقصّر فلا متعة له» ومفهومه أنه إن لم يكن لبّى له متعة. وهو نصّ في أن له المتعة مع النية، أما بدونها بحيث يحصل الانقلاب إلى العمرة قهراً كما هو ظاهر الجماعة فغير مفهوم من الرواية.
(ويجوز للمفرد إذا دخل مكة العدول بالحج إلى المتعة) إذا لم يتعيّن عليه، بلا خلاف بيننا أجده، بل عليه إجماعنا في ظاهر عبائر جماعة،
وصريح الخلاف والمعتبر و
المنتهى ؛
للمعتبرة المستفيضة : منها الصحيح : عن رجل لبّى بالحج مفرداً ثم دخل مكة وطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، قال : «فليحلّ وليجعلها متعة، إلاّ أن يكون ساق الهدي فلا يستطيع أن يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه».
وإطلاقه كغيره يقتضي عدم الفرق بين ما لو كان في نيته العدول حين الإحرام وعدمه، والثاني ظاهر الصحيح وغيره، والأول صريح الموثق والصحيح المروي في الكشّي عن
عبد الله بن زرارة ، وفيه : «وعليك بالحج أن تهلّ بالإفراد وتنوي الفسخ إذا قدمت مكة وطفت وسعيت فسخت ما أهللت به، وقلّبت الحج عمرة، وأحللت إلى يوم التروية، ثم استأنف
الإهلال بالحج مفرداً إلى منى» إلى أن قال : «فكذلك حجّ
رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم وهكذا أمر أصحابه أن يفعلوا أن يفسخوا ما أهلّوا به ويقلّبوا الحج عمرة» الحديث.
ومنه يظهر فساد ما عن
الإسكافي من
اشتراط العدول بالجهل بوجوب العمرة.
وقريب منه ما في المدارك من تخصيص الحكم بما إذا لم يكن في نيّته العدول حين الإحرام.
ويستفاد من قوله عليه السلام: «وكذلك حجّ رسول صلي الله عليه و آله وسلم» جواز
الاستناد لإثبات هذا الحكم بالأخبار المتظافرة بأمر
النبي صلي الله عليه و آله وسلم أصحابه بالعدول، كما فعله جماعة.
ولكن أُورد عليه بأنها ليست من محل البحث في شيء؛ فإن الظاهر منها أن هذا العدول على سبيل الوجوب، حيث أنه نزل
جبرئيل عليه السلام بوجوب التمتع على
أهل الآفاق، ومبدأ النزول كان فراغه من السعي، ونزلت الآية في ذلك المقام بذلك، فأمرهم بجعل ما طافوا وسعوا عمرة حيث إن جملة من كان معه من أهل
الآفاق وأن يحلّوا ويتمتعوا بها إلى الحج، فهو ليس ممّا نحن فيه من جواز العدول وعدمه في شيء.
ويمكن الجواب عنه بأن أمره صلي الله عليه و آله وسلم جميع أصحابه بذلك أوضح دليل على ذلك؛ للقطع بأن منهم من أدّى الواجب عليه من فريضة حج
الإسلام قبل ذلك العام، فيكون حجّه فيه مندوباً، فعدوله المأمور به من محل البحث وإن كان فيهم أيضاً من وجب عليه الحج في ذلك العام؛ فإنّ دخوله فيها غير قادح بعد شمولها لما هو من محل البحث. وحيث قد عرفت شمولها لمن وجب عليه حجّ الإفراد اتّضح وجه ما ذكره شيخنا
الشهيد الثاني من أن تخصيص الحكم بمن لم يتعيّن عليه الإفراد بعيد عن ظاهر النص،
وذلك فإنّ ممن صحبه عليه السلام ذلك العام كان قد وجب عليه
حج الإفراد فأحرم له، كما هو الفرض، وقد أُمر بالعدول، ولا يكاد يظهر فرق بينه وبين سائر من وجب عليه من أهل مكة وغيرهم،
لاشتراكهم قبل نزول التمتع في كون الواجب عليهم حج الإفراد.
اللهم إلاّ أن يقال : إن الأخبار الدالة على أن فرض أهل مكة الإفراد تعمّ محل النزاع، فيشكل الخروج عنها بمجرّد أخبار المسألة : أمّا المعتبرة المستفيضة منها فلأنها أيضاً عامة، والتعارض بينها وبين تلك الأخبار تعارض العموم والخصوص من وجه، يمكن تخصيص كلّ منهما بالأُخرى، وحيث لا ترجيح فالأخذ بالمتيقن واجب. وأما الأخبار بأمر النبي صلي الله عليه و آله وسلم فلأنها لا عموم لها تشمل محل البحث صريحاً؛ لأنها قضية في واقعة، فيجب الأخذ بالمتيقن منها، وليس إلاّ من وجب عليه الحج وهو ناءٍ، وهو غير من وجب عليه وهو حاضر، وعدم ظهور الفرق غير ظهور عدم الفرق، وهو المعتبر دون الأول.
فإذاً الأولى والأحوط
الاقتصار في العدول على من لم يتعيّن عليه الإفراد بنذر وشبهه، كما عليه جماعة. ثم إن
إطلاق الأخبار بجواز العدول يشمل ما لو كان لبّى بعد طوافه وسعيه أم لا (لكن) الأحوط والأولى أن (لا يلبّي بعد طوافه وسعيه، و) ذلك لتصريح جماعة كالتهذيب والنهاية والمبسوط والوسيلة والمهذّب والجامع و
الشرائع والقواعد
وغيرهم
بأنه (لو لبّى بعد أحدهما بطلت متعته وبقي على حجه) اعتماداً (على رواية) موثقة تقدّم ذكرها قبيل المسألة متصلة بها،
مؤيدة بالأمر بالتلبية إذا طاف قبل عرفات لعقد
الإحرام كما قيل.
خلافاً للمحكي عن الحلّي فقال : إنما
الاعتبار بالقصد والنية، لا التلبية؛
لحديث «الأعمال بالنيات»
مع ضعف الخبر ووحدته. وإليه ميل الماتن هنا؛ لنسبة الأول إلى رواية، وبه أفتى
فخر الإسلام مع حكمه بصحة الخبر، وقال : وهو
اختيار والدي.
والأقرب الأول؛ لاعتبار سند الخبر، وعدم ضير في وحدته على الأظهر الأشهر، سيّما مع اعتضاده بعمل جمع، فيخصَّص به عموم الحديث السابق، مع أخصّيته من المدّعى، فإنه إنما يتمّ في العدول قبل الطواف، فإنّ العبرة بالنية في الأعمال، فإذا عدل فطاف وسعى ناوياً بهما عمرة التمتع لم يضرّ التلبية بعدهما شيئاً، والمدّعى أعم منه ومن العدول بعدهما. بل قيل : إن كلامهم فيه، ولا يعمل حينئذ عملاً يقرنه هذه النية، ولا دليل على اعتبار هذه النية بلا عمل، إلاّ أن يتمسكوا بأمر النبي صلي الله عليه و آله وسلم الصحابة بالعدول بعد الفراغ من
السعي من غير تفصيل.
وهو حسن لولا الخبر المفصِّل المعتبر.
واعلم أن التلبية بعد الطواف والسعي إنما تمنع من العدول إذا كان بعدهما. إلا إذا كان قبلهما فالظاهر أنه متمتع لبّى في غير وقتها، ولا يضرّ ذلك بعدوله، ولا تقلب عمرته المعدول إليها حجة مفردة؛ اقتصاراً فيما خالف العمومات الدالة على جواز العدول من غير تقييد بعدم التلبية على مورد الرواية التي هي الأصل في تقييدها به، وعزاه بعض الأصحاب إلى الأكثر، قال : خلافاً لظاهر
التحرير والمنتهى.
وتردّد الشهيد.
(ولا يجوز العدول للقارن) بالنص والإجماع الظاهر، المصرَّح به في جملة من العبائر،
ولا فرق فيه بين من تعيّن القرآن عليه قبل الإحرام أم لا؛ لتعيّنه عليه بالسياق. وإذا عطب هديه قبل مكة لم يجب عليه
الإبدال . فهل يصير كالمفرد في جواز العدول؟ احتمال؛ لتعليل المنع عنه في الأخبار بأنه لا يُحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه.
رياض المسائل، ج۶، ص۱۳۲- ۱۴۲.