موارد سقوط الأذان والإقامة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ذكر الفقهاء موارد يسقط فيها الأذان والإقامة وهي كالتالي:
المشهور سقوط
الأذان والإقامة عمّن سمع أذان غيره وإقامته،
بل لا خلاف فيه في الجملة.
نعم، قيّد بعضهم الحكم بالسقوط في
الإقامة بعدم التكلّم بعد الإقامة أو خلالها؛
نظراً إلى رواية أبي مريم،
ولأنّ الكلام في الإقامة أو بعدها موجب
لإعادتها ، ففي السماع بطريق الأولى.وردّه بعض آخر؛ لرواية
عمرو بن خالد - الآتية- فإنّ قوله عليه السلام: «قوموا» بعد السماع وأنّ الإقامة القوليّة لا تبطل بالكلام بعدها يشهد بخلافه، والظاهر بدليّة السماع عنه، فحكمه حكم مبدله، مضافاً إلى
استصحاب السقوط.
واستدلّ لقول المشهور:
أ- بالروايات: منها: خبر عمرو بن خالد عن
أبي جعفر عليه السلام قال: كنّا معه فسمع إقامة جارٍ له بالصلاة فقال:«قوموا»، فقمنا فصلّينا معه بغير أذان ولا إقامة، قال: «ويجزيكم أذان جاركم».
ومنها: رواية
أبي مريم الأنصاري قال:صلّى بنا أبو جعفر عليه السلام في قميص بلا
إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة، إلى أن قال:فقال: «وإنّي مررت بجعفر وهو يؤذّن ويقيم فلم أتكلّم فأجزأني ذلك».
وربّما يستدل بصحيح
عبد اللَّه بن سنان عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إذا أذّن مؤذّن فنقص الأذان، وأنت تريد أن تصلّي بأذانه فأتمّ ما نقص هو من أذانه...».
بدعوى ظهور قوله عليه السلام: «تصلّي بأذانه» في
الاجتزاء بسماع أذان الغير.
لكن أشكل عليه
السيد الخوئي باحتمال حمله على صلاة الجماعة؛ لوروده في مقام
إتمام ما نقصه المؤذّن وسقوط الأذان بنفس صدوره، وإن لم يسمعه المأموم فلا إطلاق له حتى يشمل المنفرد، ولا يدلّ على السقوط بالسماع.
ب- وبسيرة
النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام.
ولا فرق في سقوط الأذان والإقامة بين السماع
والاستماع ؛
لأنّ القدر المتيقّن من الحكم وإن كان هو صورة الاستماع لكنّ الوارد في موثّقة ابن خالد عنوان السماع الذي هو أعمّ منه فتكون العبرة به.
كما لا فرق أيضاً بين أن يسمع الأذان والإقامة من واحد أو متعدّد على وجه التبعيض، كما صرّح به
الشيخ كاشف الغطاء .
ظاهر بعض الفقهاء
اختصاص الحكم بالإمام حيث إنّه المفروض في عباراتهم.قال
المحقق الحلّي : «إذا سمع
الإمام أذان مؤذّن جاز أن يجتزئ به في الجماعة».
وقال
العلّامة الحلّي : «إذا سمع الإمام أذان منفرد جاز أن يستغني به عن أذان الجماعة».
وهو المستفاد من كلمات
المحقق السبزوار ي
والوحيد البهبهاني والمحدّث البحراني ؛
لأنّه مورد الروايات،
والاقتصار على مورد
الاتّفاق - وهو الجماعة- أولى؛ لأنّ مقتضى الأدلّة ثبوت الأذان مطلقاً، إلّا ما قام الدليل الواضح على خروجه فيجب الحكم به ويبقى ما عداه، معتضداً بقاعدة
الاحتياط أيضاً.لكنّ المشهور بين الفقهاء
عدم اختصاص الحكم بالإمام، فيشمل المأموم بل يعمّ المنفرد أيضاً.
قال
السيّد العاملي : «الظاهر أنّه لا فرق في هذا الحكم بين الإمام والمنفرد وإن كان المفروض في عبارات الأصحاب اجتزاء الإمام».
وقال المحقّق النجفي: إنّ «المفروض في عبارة الأكثر(اجتزاء) الإمام، إلّا أنّ الظاهر كون ذلك منهم تبعاً للنص، لا
لإرادة عدم اجتزاء غيره».
واستدلّ لذلك:
۱- بظهور خبري عمرو بن خالد وأبي مريم الأنصاري- المتقدّمين- حيث إنّ العبرة فيهما سماع الأذان والإقامة من دون الخصوصيّة لشخص دون آخر، فيشمل الإمام والمأموم والمنفرد بمناط واحد.
۲- وبالأولويّة، بتقريب أنّه إذا ثبت الاجتزاء بالسماع في الجماعة، ففي المنفرد أولى؛
ولذا ذكر الشهيد
والميرزا القمّي أنّه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى».واورد على ذلك- مضافاً إلى ضعف خبر عمرو بن خالد- بمنع العموم والأولويّة؛ لأنّه متى اعترف بكون مورد النصوص إنّما هو الإمام، فحمل المنفرد عليه قياس محض، ولا يمكن الخروج منه حتى لو ثبتت الأولويّة.
لكن
إثبات الأولويّة ومنعها أمر استظهاري يختلف من فقيه لآخر، وعدّها من صغريات
القياس المنهيّ عنه مرفوض أيضاً، بل ربّما جعلت من صغريات كبرى حجّية الظهور؛ ولهذا السبب تمسّك غير واحد من الفقهاء بدليل الأولويّة حتى بعد
الإشكال عليها.
ثمّ إنّه لا يكفي سماع المأموم عن الإمام؛ لعدم الدليل على الاجتزاء به.
صرّح بعض الفقهاء بعدم الفرق في المؤذّن الذي يكتفى بسماع أذانه بين كونه منفرداً أو جامعاً، وكذا بين كونه مؤذّن
مصر أو مسجد؛
استناداً إلى إطلاق النصوص المذكورة.
وذهب
الشهيد الثاني إلى اختصاص الحكم بالثاني، ومنع من الاجتزاء بأذان المنفرد حيث قال: «المراد به المنفرد بصلاته لا بأذانه، بمعنى أنّه مؤذّن لجماعة أو للبلد، فلو أذّن لنفسه لا غير لم يعتدّ به».
واورد عليه بأنّ الحمل على ذلك بعيد جدّاً؛ لعدم وضوح وجهه وخروجه عن إطلاق النصوص
والفتاوى ، بل لو ادّعي العكس لكان أظهر؛ لظهور خبري أبي مريم وعمرو بن خالد- المتقدّمين- في المنفرد.
صرّح المحقّق النراقي بأنّ الكلام فيما يسقط بالسماع إنّما هو في الأذان للصلاة دون الأذان المستحبّ
للإعلام وإعلاء شعائر
الإسلام ، فلا يسقط أحدهما بسماع غيره؛
للأصل واختصاص الأخباربالأوّل.
لكن من جاء بعده من الفقهاء أنكر الفرق في السقوط بالسماع بين أذان الصلاة والإعلام، إمّا صريحاً في ذلك كما عليه عبارة المحقّق الهمداني،
أو ظاهراً كما عليه عبارات آخرين، بل قال في
الجواهر :«لم أعثر على من توقّف فيه»؛
استناداً إلى إطلاق قوله عليه السلام في خبر عمرو بن خالد المتقدّم: «يجزئكم أذان جاركم».
نعم، لا يكفي غيرهما من أنواع الأذان، فلو سمع الأذان الذي يقال في اذن المولود أو وراء المسافر عند خروجه لم يجزؤه؛
ووافقه الفقهاء في ذلك في الهامش. لأنّ المنسبق من النصوص هو الأذان الصلاتي معتضداً بذكر الإقامة معه فيها على أنّها حكاية فعل، لا
إطلاق له ليشمل غيره.
لكن مع ذلك ذهب بعض إلى أنّ الأحوط اختصاص الحكم بالإعظامي منه دون الإعلامي.
هذا في الأذان، وأمّا في الإقامة فقد استشكل
الفاضل النراقي في سقوط الإقامة عن المنفرد؛ استناداً إلى أنّ صحيحة
ابن سنان ،
وقوله عليه السلام في رواية ابن خالد: «يجزئكم أذان جاركم»
مخصوصان بالأذان، فالتعدّي من المنفرد إلى الإقامة مشكل، وأمّا الاستدلال بالأولويّة من الجامع- كما ذكره بعض- ففاسد؛ لمنعها سيّما مع عدم معلوميّة العلّة باعتبار تعدّد الحكم السماويّة.واجيب
عنه بأنّ المناقشة في الأولويّة المذكورة باعتبار تعدّد الحكم السماويّة مندفع؛ لأنّ
الفقيه الممارس لأقوالهم عليهم السلام يقطع هنا بمساواة المنفرد للإمام في الاجتزاء بالسماع ولو للمنفرد أو أولويّته بذلك.
تعرّض بعض الفقهاء لعدم الفرق في السقوط بين أذان الرجل والمرأة وإقامتهما، فسماع المرأة أذان مثلها أو أذان الرجل وإقامتهما، وكذا سماع الرجل أذانها أو إقامتها على وجه يحلّ موجب للسقوط.
واستشكل فيه:
أوّلًا: بعدم إطلاق في النصوص يشمل المرأة، وأمّا ما في خبر ابن خالد المتقدّم فهو حكاية فعل يراد به شخص معهود ولا إطلاق له.
وثانياً: بانصراف النصوص إلى أذان الرجل، لا سيّما ولم يعهد أذان المرأة جهراً بحيث يسمعها السامع.
وأمّا الاجتزاء بسماع أذان
الصبي وإقامته فمحلّ إشكال على حذو الاستشكال في الاجتزاء بسماع أذان المرأة وإقامتها من عدم الإطلاق، وانصراف الأدلّة إلى الغالب المتعارف وهو أذان الرجل.
الظاهر من عبارات أكثر الفقهاء أنّه رخصة، حيث عبّروا عنه بالاجتزاء مع
استحباب تكراره للسامع،
وهو صريح بعض آخر،
بل قال المحقق الهمداني:«لا يبعد أن تكون إعادته أفضل».
وذهب الفاضل النراقي إلى كونه عزيمة ونسبه أيضاً إلى
الشيخ في
المبسوط ،
ومال إليه
السيد الحكيم .
واستدلّ لكونه
رخصة :
أ- بعموم ما دلّ على مشروعيّة الأذان
ورجحانه ، وقصور النصوص عن المنع.
ب- وبصحيحة ابن سنان عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إذا أذّن مؤذّن فنقص الأذان وأنت تريد أن تصلّي بأذانه فأتمّ ما نقص هو من أذانه»،
حيث إنّ ظاهرها ومقتضاها
تخيير السامع بين الاجتزاء بما سمع وإتمام ما نقص أو عدم
الاعتداد به وأذانه لنفسه.
واورد على الأوّل بتخصيص العمومات بما دلّ كروايتي عمرو بن خالد وأبي مريم الأنصاري المتقدّمتين، على الاجتزاء بأذان الغير، وإلّا لم يبق للإجزاء وجه، فمقتضى قوله عليه السلام في موثّقة عمرو بن خالد: «يجزئكم أذان جاركم»
سقوط الأمر بالأذان ومعه يكون
الإتيان به تشريعاً محرّماً وهو مساوق للعزيمة.وعلى الصحيحة بأنّ مقتضاها التخيير بين الصلاة مكتفياً بأذان الغير وعدم الصلاة لا الصلاة مع إعادة الأذان، ولو سلّم اختصّ الجواز بمورده، أعني خصوص الناقص ولا يشمل التام.
واجيب عن ذلك:
أوّلًا: بأنّ الإجزاء معناه
الاكتفاء لا السقوط، وهو ظاهر في الترخيص.وثانياً: بأنّ الإطلاقات على ضربين:
منها: ما هو ظاهر في الوجوب كقوله عليه السلام:«لا صلاة إلّا بأذان».
ومنها: ما هو ظاهر في الاستحباب كقوله عليه السلام: «فإن تركته فلا تتركه في
المغرب ».
ونصوص المقام تخصيص بالنسبة إلى القسم الأوّل؛ لامتناع
اجتماع الوجوب ونفي حقيقة الصلاة عن الفاقدة للأذان مع الترخيص في الترك والاجتزاء بالفاقدة، بخلاف القسم الأخير فإنّه لا مقتضى لارتكاب التخصيص المستلزم لسقوط الأمر؛ لجواز بقائه في المرتبة الضعيفة، فيكون استحباب الأذان مع عدم سماعه من الغير آكد.
هذا كلّه في غير أذان الجماعة للإمام والمأموم،
أمّا أذان الجماعة لهما فقد ادّعى بعض الفقهاء عدم الخلاف في كون السقوط عزيمة وعدم استحباب الإعادة له،
بل في
الغنائم : أنّه إجماعي بملاحظة عمل المسلمين في جميع الأعصار والأمصار،
وعن صاحبي
المدارك والذخيرة
إطباق المسلمين على تركه، ولو كان مستحبّاً لما أطبقوا على الإعراض عنه.
يعتبر في السماع الموجب لسقوط الأذان والإقامة امور:
فلا يكفي سماع بعض الفصول منهما.
واستدلّ على اعتبارهما بظهور دليل الاجتزاء في ذلك، فالنقص في السماع أو في المسموع خارج عن منصرف النصوص،
وأنّ الأصل عدم السقوط فيقتصر فيما خالفه على موضع اليقين.
نعم، إذا لم يسمع الأذان أو الإقامة أجمع أو كان ناقصاً يجوز أن يأتي بالبقيّة من الفصول أو يتمّ ما نقصه المؤذّن ويكتفي به بشرط رعاية
الترتيب ؛
لصحيحة ابن سنان المتقدّمة،
بل
القطع بالمناط، وأنّ الإتيان بالباقي قولًا ليس بأدون من سماعه، مع أنّ الملفّق من السماع والقول في مثل الفرض أولى بالصحّة ممّا دلّت على صحّته صحيحة ابن سنان.
وخالف السيد الخوئي في اعتبار سماع جميع الفصول وكفاية الجمع مع التتميم، أمّا الأوّل فبما ملخّصه: أنّه لا وجه لاختصاص السماع بتمام الفصول؛ لأنّ أكثر ما يستفاد من الأدلّة هو مسقطيّة السماع في الجملة، بل معتبرة أبي مريم ظاهرة في كفاية سماع البعض؛
لأنّ سماع تمام فصول الأذان حال المرور في غاية البعد خصوصاً مع
انضمام الإقامة.ونتيجة ذلك كفاية سماع بعض الفصول في السقوط؛ لعدم الدليل على اعتبار سماع الجميع، ومعه فلا موجب للتتميم لدى سماع البعض؛ لجواز الاكتفاء بالناقص.
وأمّا الثاني فقد ناقش في اعتبار الناقص مع
التتميم ؛ بأنّ مورد صحيحة ابن سنان
الاجتزاء بنفس الأذان لا بسماعه فيختصّ بصلاة الجماعة، حيث يكفي صدور الأذان واقعاً من أحدهم عن الباقين فيصلّون بأذانه وإن لم يسمعوه.فيكون تتميم النقص الذي تضمّنته الصحيحة ناظراً إلى هذه الصورة، دون صورة السماع الذي هو محلّ الكلام فلا دليل فيه على جواز التتميم، بل لو نقص البعض استأنف الأذان من الأصل.
ثمّ إنّ سماع الأذان الناقص لسفر أو عجلة يجزئ عن مثله، وفي غيره إشكال على ما صرّح به الشيخ كاشف الغطاء.
عدم الفصل الطويل بين سماع الأذان والإقامة وبين الصلاة
لعدم إطلاق في أدلّة كفاية السماع يشمل صورة الفصل، فما دلّ على اعتبار عدم الفصل بين الأذان والإقامة وبين الصلاة محكّم.
فلو لم يكن قاصداً وبنى بعد السماع على
الصلاة لم يكف في السقوط. واستوجهه
السادة اليزدي والحكيم والخوئي ؛ لأنّه لا إطلاق للأدلّة يعوّل عليه، والقدر المتيقّن منها إرادة الصلاة من الأوّل،
ولأنّ اعتبار التعيين في الأذان- كما ثبت في محلّه- يقتضي اعتباره في السماع المنزّل منزلته، بل يلزمه اعتبار تعيين الصلاة المقصودة أيضاً، لا مجرد قصد الصلاة في الجملة.
وخالف
الشيخ كاشف الغطاء وذهب إلى كفاية ذلك في السقوط، قال: «إن سمع غير عازم على الصلاة ثمّ أرادها لم يعدهما».
أن يكون ما يسمعه مفهوماً لدى
السامع فلا يجتزئ بسماع
الهمهمة غير المفهمة،
ولا يوجب السقوط سماع لوك
الأخرس لسانه.
نعم، لا يشترط في السماع المجزي حكاية السامع قطعاً؛ لإطلاق النصّ والفتوى،
فما ذكره الشهيد في
النفلية من اعتبار الحكاية أيضاً
نوقش فيه بأنّه شبه
الاجتهاد في مقابلة النص.
صرّح بعض الفقهاء بسقوط الأذان والإقامة عمّن حكى أذان الغير أو
إقامته إماماً كان أو مأموماً.
ومنعه بعضهم؛ مدّعياً بعدم ورود نص يدلّ عليه ولو رواية ضعيفة. نعم، يشمله ما دلّ على الاكتفاء بالسماع، لكن لا بمعنى أن يكون ذلك قسماً برأسه.
وقد يوجّه السقوط بأنّ الحكاية هي أذان وإقامة أيضاً بقصد المتابعة نظير صلاة المأموم، فلو لم يدلّ على الاكتفاء بالسماع دليل أمكن الاكتفاء بها؛ لأنّها مصداق حقيقيّ للأذان والإقامة.ودعوى أنّ الحاكي يقصد لفظ الفصول لا معناها، ففيها: أنّ التعبير بالحكاية إنّما كان في كلمات الفقهاء، وأمّا النصوص فإنّها اشتملت على أن يقول مثل ما يقول
المؤذّن والمقيم، وفسّرت بذلك، وظاهر تعبير الفقهاء بالحكاية هو إرادة قصد معنى الفصول؛
ولذلك فرّق بعض آخر بين حكاية مجرّد اللفظ فلا تكفي قطعاً، وبين حكاية المعنى إمّا قاصداً مجرّد ذكر اللَّه فيسقط الأذان من حيث السماع المتقدّم على
الحكاية لا بها، وأمّا قاصداً أذان الصلاة فيسقط من حيث الحكاية التي هي نفس الإتيان بالأذان والإقامة، إلّا أنّه لا يصحّ التعبير بالسقوط حينئذٍ.
ثمّ إنّ ظاهر التعبير بالاجتزاء والاكتفاء يدلّ على أنّ السقوط رخصة.
من الموارد التي يسقط فيها الأذان والإقامة ما لو ضاق وقت
الفريضة بحيث يلزم من فعله خروج وقت الصلاة أو بعضها، فيسقط الأذان والإقامة حينئذٍ وجوباً، صرّح بذلك
الشهيد والشيخ كاشف الغطاء؛
وذلك لأنّهما مندوبان، والندب لا يعارض الفرض.
ويستفاد ذلك من عبارات الفقهاء حيث صرّحت بأنّه يجب في ضيق الوقت
الاقتصار على أقلّ الواجب إذا استلزم الإتيان بالمستحبات وقوع بعض الصلاة خارج الوقت،
وأنّه إذا أدرك من الوقت ركعة أو أزيد يجب ترك المستحبات التي منها
الأذان والإقامة ؛ محافظة على الوقت بقدر
الإمكان .
يسقط الأذان والإقامة رخصةً في السفر،
ولانتظار منتظرين أو لبعض حوائج المؤمنين.
وقال في : «يُكره فعله كراهةَ عبادة».
تمّ الكلام في موارد سقوط الأذان والإقامة، وعرفت اختلاف الفقهاء في بعض مواضعه في أنّ السقوط هل هو عزيمة أو رخصة، ومرجع الرخصة على القول بوجوب الأذان والإقامة إلى
الاستحباب .وأمّا على القول باستحبابهما فقد يظهر من الأخبار الدالّة على السقوط تخفيف الاستحباب، بمعنى عدم التأكيد في استحبابهما، كما في غيرهما تسهيلًا وتخفيفاً على المصلّي، لا أنّهما
مكروهان أو
مباحان .
وتأويل ذلك إلى أنّ الصلاة بدونهما في هذه المواضع كالصلاة معهما في غيرها فضيلة وثواباً أو غير ذلك ممّا لا دليل عليه.
قال
المحقق النجفي : «والمراد بالرخصة في ترك المستحبّ المعلوم جواز تركه خصوص ما نصّ
الشارع على تركه على وجه يظهر منه أنّ ذلك ليس من حيث كونه مستحبّاً يجوز تركه، بل لعدم كون الاستحباب في محلّها كما في غير محلّها، ومن هنا ينقدح إشكال في الاستدلال على أفضلية الأذان هنا في الجميع بالاستصحاب أو ببعض العمومات، مثل قول [[|الصادق]] عليه السلام في موثّق عمّار:«لا صلاة إلّا بأذان وإقامة».
.. ضرورة كون هذا الحال غير الحال الأوّل، فلا يستصحب الحال السابق».
وأمّا الكراهة- في عبارة من قال بأنّ السقوط بمعنى الكراهة- فالمعروف بين الفقهاء أنّها بمعنى قلّة
الثواب ، ولكن لا بالنسبة إلى غيره من الأذان كما احتمله
المحقق الأردبيلي في موضع.
لكنّه قال في موضع آخر: «قيل: المراد بالكراهة في العبادات مطلقاً قلّة الثواب، لا المعنى المشهور الاصولي الذي هو أحد الأقسام الخمسة؛ لأنّ
العبادة على تقدير وقوعها موجبة للثواب قطعاً، فلا يكون تركها أولى.ويمكن أن يقال بجواز كون تركها أولى مثل كون فعلها موجباً للعقاب، ولا بعد في قول الشارع: لو فعلت هذه العبادة في وقت كذا أو مكان كذا على هذا الوجه فلا ثواب ولا عقاب، ولو لم تفعل لكان أحبّ إليّ...».
في حين ذهب المحقق الهمداني إلى أنّ الكراهة هنا بمعنى أنّ فعله مرجوح بالقياس إلى تركه إلى فعل غيره لا مطلقاً أو إلى غيره من أفراد الأذان حيث قال:«(معنى)الكراهة(في المقام هو)لذي التزمنا به في مبحث المواقيت للتطوّع في وقت الفريضة ممّا لا ينافي استحبابه في حدّ ذاته ووقوعه عبادةً... فيكون التطوّع في ذلك الوقت مرجوحاً
بالإضافة إلى تركه المجامع لفعل الفريضة، لا مطلقاً كي ينافي كونه عبادة، ففي المقام أيضاً كذلك».
الموسوعة الفقهية، ج۸، ص۲۱۲-۲۲۴.