واجبات غسل الميت
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وفروضه اُمور، منها :
إزالة النجاسة عن جسده، غسله بماء السدر، غسله بماء الكافور، غسله بماء القراح، حكم
الارتماس في غسل الميت، وجوب الترتيب في غسل الميت، وجوب النية في غسل الميت، تعذر السدر والكافور، حكم توضئة الميت، تيمم الميت لو خيف
تناثر جلده.
(
إزالة النجاسة ) العارضية (عنه) أي الميت قبل تغسيله كما عن المعتبر،
بلا خلاف كما عن المنتهى
وإجماعاً كما عن
التذكرة ونهاية الإحكام.
وفيهما كالأول التعليل بأنه يجب إزالة النجاسة الحكمية عنه فالعينية أولى. وفيه : أنه لا يستلزم وجوب التقديم، بل مطلق
الإزالة ، ولا كلام فيه. وبصون ماء الغسل من التنجس. وفيه : لزومه على كل تقدير ولو اُزيلت النجاسة، إلّا أن يقال بالعفو عنه هنا للضرورة. إلّا أنه يتوجه منع لزوم الصون مطلقاً، بل المسلّم منه ليس إلّا المجمع عليه، وهو لزومه قبل الشروع في الغسل، وأما بعده فلا، كذا قيل.
وفيه نظر؛ لتوقيفية صحة
الغسل الذي هو عبادة على البيان، وليس إلّا فيما صين ماؤه عن النجاسة مطلقاً ولو بعد الشروع في
الاغتسال . وحيث لا يمكن
الصيانة عن نجاسة الموت اغتفر
بالإضافة إليها للضرورة. وإطلاقات الأوامر بالاغتسال لما ينجس ماؤه في الاغتسال فيما عدا الضرورة غير شاملة لعدم تبادر مثل تلك الصورة. فلا يمكن
الاجتزاء بالغسل الواحد عن الغسل وإزالة النجاسة العارضية. ومثله الكلام في
غسل الجنابة .
خلافاً للشيخ فاجتزأ به عنهما.
وهو كما ترى.
هذا مضافاً إلى الإجماعات المنقولة هنا، والنصوص المستفيضة فيه وفي الجنابة الآمرة بتقديم غسل الفرج على الغسل.
و
الأمر حقيقة في الوجوب، ولا صارف عنه سوى وروده فيها في سياق المستحبات، وهو بمجرّده سيّما مع الأمر فيها بكثير من الواجبات غير كافٍ في الصرف، عملاً بالأصل في
الاستعمال مع عدم تيقن الصارف. وكثير من المستفيضة وإن اختص بالجنابة، إلّا أن المستفاد من المعتبرة المستفيضة
اتحاد غسل الأموات مع غسل الجنابة، بل ربما أشعر بعضها أنه عينه.
وبالجملة : شغل الذمة بغسل الميت يقيني لا بد في رفعه من يقين، وليس إلّا مع تقديم الإزالة وعدم الاجتزاء عن الأمرين بالغسلة الواحدة. ومنه ينقدح ضعف التأمل في وجوب التقديم، كالتأمل في لزوم الغسلتين لإزالة الحدث والخبث، والأخير أضعف، بل مقطوع بفساده جزماً. والقول باختصاص المستفيضة من الجانبين بنجاسة مخصوصة مدفوع بعدم القائل بالفرق، ولعلّه لغلبتها، لا لتغاير حكمها مع حكم ما عداها. ومن الفروض : ستر عورته عن
الناظر المحترم بالإجماع والنصوص.
(وتغسيله بماء السدر) ويُلقى منه فيه ما يصدق معه ماء السدر على الأشهر الأظهر، كما عن
الخلاف والمصباح ومختصره والجمل والعقود وجمل العلم والعمل والفقيه والهداية والمقنع والوسيلة والغنية والإصباح و
الإشارة والكافي والإرشاد والتبصرة وظاهر التحرير ومحتمل
الشرائع ؛
لإطلاق النصوص بالغسل بالسدر أو بمائه أو بماء وسدر،
فلا يجزي القليل الذي لا يصدق معه ماء السدر. وكذا الورق غير مطحون ولا ممروس إذ ليس المتبادر منه إلّا ما ذكرنا. خلافاً لبعض، فمسمّى السدر.
وهو ضعيف. كاعتبار
الرطل كما عن المفيد.
وأضعف منه إضافة النصف إليه كما عن
ابن البراج ؛
لعدم الدليل. وأضعف منه
إيجاب سبع ورقات صحاح؛
للخبر : عن
غسل الميت ، فقال : «يطرح عليه خرقة، ثمَّ يغسل فرجه ويوضأ وضوء الصلاة، ثمَّ يغسل رأسه بالسدر و
الاُشنان ، ثمَّ بالماء والكافور، ثمَّ بالماء
القراح يطرح فيه سبع ورقات صحاح من ورق السدر في الماء».
لأن ظاهره كما ترى إلقاؤها في القراح، كخبر معاوية بن عمّار قال : أمرني أبو عبد اللّه أن أعصر بطنه، ثمَّ أوضّئه، ثمَّ أغسله بالأشنان، ثمَّ أغسل رأسه بالسدر ولحيته، ثمَّ اُفيض على جسده منه، ثمَّ أدلك به جسده، ثمَّ أفيض عليه ثلاثاً، ثمَّ أغسله بالماء القراح، ثمَّ اُفيض عليه الماء بالكافور وبالماء القراح وأطرح فيه سبع ورقات.
ولكن يشترط عدم خروج الماء عن
الإطلاق ، فلا يجزي الخارج وفاقاً لجماعة
للشك في
الامتثال معه، مع
إشعار الصحيحين به، ففي أحدهما : عن غسل الميت، كيف يغسل؟ قال : «بماء وسدر، واغسل جسده كلّه، واغسله اخرى بماء وكافور، ثمَّ اغسله اُخرى بماء» الحديث.
وفي الثاني نحوه،
ونحوهما الرضوي؛
لظهورها في بقاء الإطلاق. والتأيد بالمستفيضة في أن غسل الميت كغسل الجنابة.
وليس فيما دلّ على ترغية السدر كالمرسل : «واعمد إلى السدر، فصيّره في طست وصبّ عليه الماء، واضرب بيدك حتى ترتفع رغوته، واعزل
الرغوة في شيء، فصب الآخر في
الإجّانة التي فيها الماء، ثمَّ اغسل يديه ثلاث مرات كما يغسل
الإنسان من الجنابة إلى نصف الذراع، ثمَّ اغسل فرجه ونقّه، ثمَّ اغسل رأسه بالرغوة» إلى آخره
دلالة عليه.
لعدم
استلزام الإرغاء إضافة الماء الذي تحت الرغوة، وخصوصاً مع صبه في
الماء المطلق الذي في الإجّانة الاُخرى كما في الخبر، وليس فيه مع ذلك
إيماء إلى غسله بالرغوة، بل مصرّح بغسله بماء تحتها مع الماء المطلق الذي في الإجّانة الاُخرى، وأن الرغوة إنما يغسل بها الرأس خاصة، وفي الخبر حينئذ إشعار بل دلالة بما ذكرناه لا ما ذكر. ونحو الخبر في عدم الدلالة على جواز المضاف كلام المفيد وابن البراج؛
لذكرهما بعد غسل الرأس واللحية بالرغوة تغسيله بماء السدر على
الترتيب ، من غير نص على أن ماء السدر هو الباقي تحت الرغوة، فيجوز كونه غيره أو إياه إذا صب عليه الماء حتى صار مطلقاً، مع ما عرفت من عدم استلزام الإرغاء إضافة الماء الذي تحت الرغوة. وخصوصاً أفاد المفيد أنه يغسل رأسه ولحيته بعد الغسل بالرغوة بتسعة أرطال من ماء السدر ثمَّ ميامنه بمثل ذلك ثمَّ مياسره بمثل ذلك، وهو ماء كثير لعلّه لا يخرج عن الإطلاق برطل من
السدر كما قاله. فتأمل. مضافاً إلى ظهور كون مستندهما
المرسل المزبور، لمشابهة عبارتيهما مع عبارته، وقد عرفت الكلام في دلالته، فكذا الكلام في دلالة كلامهما، فافهم.
(ثمَّ) يجب بعد ذلك تغسيله (بماء) طرح فيه من (الكافور) ما يقع عليه
الاسم من دون خروج عن الإطلاق لعين ما مرّ، مضافا إلى الموثق المقدّر للكافور بنصف حبة،
وفي آخر
إلقاء حبّات،
وفي آخر تغسيل
الأمير عليه السلام للنبي صلي الله عليه و آله وسلم بثلاثة مثاقيل.
وليسا نصاً في الوجوب، فيحتمل الاستحباب.
وكيف كان : فلا يقيّد بهما إطلاق المستفيضة كالصحيح : «ويجعل في الماء شيء من السدر وشيء من
الكافور ».
خلافاً للمفيد و
سلّار وابن سعيد، فنصف مثقال؛
وهو مع عدم الدليل عليه ليس نصاً في وجوبه.
(ثمَّ) بعد ذلك (ب) ماء (القراح) الخالص عن الخليط مطلقاً حتى التراب كما عن بعض،
أو الخليطين خاصة كما هو ظاهر الأخبار، نعم يعتبر الإطلاق مع خليط غيرهما. ويعتبر في القراح أن لا يسمى بماء السدر أو الكافور أو غيرهما، ولا يسمى الغسل به غسلاً بهما أو بغيرهما وإن اشتمل على شيء منهما أو من غيرهما. والأمر في المرسل
بغسل الآنية عن ماء السدر والكافور قبل صب القراح فيها ليس نصاً في الوجوب، فيحتمل
الاستحباب ، سيّما مع اشتماله لكثير من المستحبات، مضافاً إلى الأمر بإلقاء سبع ورقات من السدر في القراح فيما تقدّم من الخبرين.
ثمَّ إن وجوب الأغسال مشهور بين الأصحاب بحيث كاد أن يكون إجماعا للصحاح المستفيضة، أظهرها دلالة الصحيحان المتقدمان قريباً.
ونحوهما الخبر الضعيف في المشهور بسهل والصحيح على قول : «يغسل الميت ثلاث غسلات : مرة بالسدر، ومرة بالماء يطرح فيه الكافور، ومرة أخرى بالماء القراح».
وضعفه لو كان ـ كغيره ـ منجبر بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً، بل إجماع في الحقيقة، مضافاً إلى التأسي اللازم
الاتباع في أمثاله.
ولا يعارض شيئاً من ذلك
الأصل ، والتشبيه بغسل الجنابة في المعتبرة،
وتغسيل الميت الجنب غسلاً واحداً. مضافاً إلى ضعف الأول في أمثال المقام. و
احتمال التشبيه فيما عدا الوحدة، بل صرّح في الرضوي : «وغسل الميت مثل غسل الحي من الجنابة، إلّا أن غسل الحي مرة بتلك الصفات، وغسل الميت ثلاث مرات بتلك الصفات» إلى آخره.
والتداخل في الغسل الواحد كما فهمه الأصحاب. فالاكتفاء بالقراح ـ كما عن سلّار
ـ ضعيف.
وفي جواز
الارتماس هنا كما في الجنابة نظر : من ظاهر الأوامر بالترتيب. ومن ظاهر المستفيضة المسوّية بينه وبين الجنابة، منها الرضوي المتقدم، والحسن : «غسل الميت مثل غسل الجنب».
وهو الأظهر، إلّا أن المصير إلى الأول أحوط.
ويجب أن يكون في كل غسل من الأغسال (مرتباً) للأعضاء بتقديم الرأس على اليمين، وهو على اليسار (كغسل الجنابة) إجماعاً هنا، كما عن
الانتصار والخلاف والمعتبر والتذكرة.
للنصوص المستفيضة المصرحة هنا بالأمر بالترتيب بين الأعضاء الثلاثة. وبها تقيّد الأخبار المطلقة. والمناقشة باشتمالها على كثير من المستحبات غير قادحة في الدلالة بعد الأصل والشهرة العظيمة التي هي إجماع في الحقيقة، مع اشتمالها على كثير من الاُمور الواجبة.
وتعتبر النية في الأغسال على أصح الأقوال؛ لعموم ما دلّ على اعتبارها في الأعمال، خرج المجمع عليه وبقي الباقي بلا إشكال. وهو المشهور بين الأصحاب، بل عليه
الإجماع عن الخلاف،
مضافاً إلى المستفيضة المسوّية بينها وبين غسل الجنابة. فالقول بعدم
الاعتبار مطلقاً ـ كما عن مصريات المرتضى والمنتهى ـ
ضعيف. كالاكتفاء بها في أوّلها، كما في ظاهر
اللمعة وعن جماعة.
ثمَّ إن اتحد الغاسل تولّى هو النية ولا تجزي من غيره. وإن تعدد واشتركوا في الصبّ نووا جميعاً. ولو كان البعض يصبّ والآخر يقلب نوى الأول، لأنه الغاسل حقيقة، واستحبت من الآخر. وعن التذكرة
الاكتفاء بها منه أيضاً.
ولو ترتبوا بأن غسل كل واحد منهم بعضا اعتبرت من كل واحد عند
ابتداء فعله.
(ولو تعذّر السدر والكافور كفت المرّة بالقراح) عند المصنف وجماعة؛
لفقد المأمور به بفقد جزئه. وهو ـ بعد تسليمه ـ كذلك إذا دلّت الأخبار على الأمر بالمركب. وليس كذلك؛ لدلالة أكثرها ـ وفيها الصحيح وغيره ـ على الأمر بتغسيله بماء وسدر، فالمأمور به شيئان متمايزان وإن امتزجا في الخارج، وليس
الاعتماد في إيجاب الخليطين على ما دلّ على الأمر بتغسيله بماء السدر خاصة حتى يرتفع الأمر بارتفاع المضاف إليه.
وبعد تسليمه لا نسلّم فوات الكل بفوات الجزء بعد قيام المعتبرة بإتيان الميسور وعدم سقوطه بالمعسور،
وضعفها بعمل الأصحاب طرّاً مجبور. فإذن الأقوى وجوب الثلاث بالقراح وفاقا لجماعة.
ولو وجد الخليطان قبل الدفن ففي وجوب
الإعادة وجهان، والأحوط الأول. وأما بعد الدفن فلا؛ لاستلزامه النبش الحرام. وقيل : للإجماع. مضافاً إلى عدم المقتضي له
لانصراف إطلاقات الأخبار إلى غير المقام.
(وفي وجوب الوضوء) هنا (قولان) أظهرهما وهو الأشهر العدم؛ للأصل، وخلو المعتبرة المستفيضة الواردة في البيان عنه، مع تضمن كثير منها المستحبات. وفيه إشعار بعدم الاستحباب أيضاً، كالصحيح : عن غسل الميت، أفيه وضوء الصلاة أم لا؟ فقال عليه السلام: «يبدأ بمرافقه فيغسل بالحُرُض، ثمَّ يغسل وجهه ورأسه بسدر، ثمَّ يفاض عليه الماء ثلاث مرّات» الخبر.
وهو ـ كما ترى ـ ظاهر في عدم الاستحباب؛ لعدم الأمر به مع وقوع السؤال عنه، بل أمر بغيره من المستحبات. ويؤيد عدم الاستحباب تشبيه غسل الميت بغسل الجنابة في المستفيضة، بل مصرح بعضها بالعينية.
وحينئذ فعدم (الاستحباب) أيضاً (أشبه) كما عن الخلاف وظاهر
السرائر ،
ومحتمل كلام سلّار،
وإن كان الاستحباب أشهر. وعن التذكرة و
نهاية الإحكام التردد في المشروعية. وعن
المبسوط دعوى الإجماع على ترك العمل بما دل على الوضوء.
وليس في أمر
مولانا الصادق عليه السلام معاوية بن عمّار بأن يعصر بطنه ثمَّ يوضئه
ـ مع قصور سنده ومخالفته لاُصول المذهب ـ منافاة لذلك؛ لاحتمال التوضؤ فيه التطهير، بل ربما أشعر سياقه به، ويحتمل
التقية .
نعم : في الخبر عن الصادق عليه السلام: «إنّ أبي أمرني أن اغسّله إذا توفّي، وقال لي : اكتب يا بني، ثمَّ قال : إنهم يأمرونك بخلاف ما تصنع، فقل لهم : هذا كتاب أبي، ولست أعدو قوله. ثمَّ قال : تبدأ فتغسل يديه ثمَّ توضئه وضوء
الصلاة » الحديث.
وهو ـ كما ترى ـ لا يقبل الحمل المتقدم. إلّا أنه ضعيف جداً
بالإرسال وغيره، نعم : ربما كانت الشهرة جابرة، إلّا أن الظن الحاصل منها أضعف من الظن الحاصل من الاُمور المتقدمة. وكيف كان : الأحوط الترك؛ لأن احتمال الضرر في الترك أقل منه في
الإتيان ، لضعف القول بالوجوب ـ كما عن جماعة
ـ جدّاً، لعدم معلومية شمول ما دلّ على أن كل غسل معه وضوء
لما نحن فيه، لتعقبه
باستثناء غسل الجنابة المحتمل كون المقام منه، لما عرفت من المستفيضة، وبعد التسليم فيخصّص بما قدّمناه من الأدلة.
(ولو خيف من تغسيله تناثر جلده) أو غير ذلك (ييمّم) كالحي العاجز، إجماعاً كما في
التهذيب وعن الخلاف
للنصوص المعتبرة بعموم البدلية، وخصوص الخبر المنجبر ضعفه بالوفاق : «إنّ قوماً أتوا
رسول اللّه صلي الله عليه وآله وسلم فقالوا : مات صاحب لنا وهو مجدور، فإن غسّلناه انسلخ، فقال يمّموه».
وبجميع ما ذكر يرفع اليد عن
الأصل ، والصحيح في الجنب والمحدث والميت، الآمر باغتسال الأول، وتيمم الثاني، ودفن الثالث . المشعر بالعدم. وظاهر إطلاق النص والفتاوي
الاكتفاء بالمرة، والأحوط التعدد
بدل كل غسل.
رياض المسائل، ج۱، ص۳۵۷- ۳۶۷.