أهل السواد
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هم أهل
القرى و
البساتين ،وأهل
العراق الذين هم قاطنون في
أرضه التي يطلق عليها أرض
السواد ؛ لكثرة
الأشجار والبساتين و
المزارع فيها.
السواد: لون
معروف يضادّ
البياض ويسمّي العرب القرى والبساتين والأرياف ونحوها سواداً؛ لأنّها ترى كذلك لشدّة خضرتها.
وأهل
السواد يطلق على معنيين، أحدهما: أهل
القرى و
البساتين ، والثاني:
أهل
العراق الذين هم قاطنون في
أرضه التي يطلق عليها أرض السواد؛ لكثرة
الأشجار والبساتين و
المزارع فيها.
ولا يختلف
استعمال الفقهاء له عن
معناه اللغوي، فقد يراد منه أهل العراق،
وقد يراد منه أهل القرى ونحوها.
إلّاأنّه بالمعنى
الأخير قد يستعمل في مقابل
أهل البادية الذين يسكنون
الخيم ، وقد لا يستوطنون في مكان
ثابت .
ويستعمل كثيراً في مقابل
الحضري فيعم
القروي و
البدوي كما يظهر
بمراجعة كلماتهم و
الفروع المذكورة في أهل السواد.
وهم ساكنوا الخيم و
بيوت الشعر ونحوها في
البوادي و
الصحاري ، ومنهم من هو
مستوطن في
مكان ثابت، ومنهم غير ذلك.
وقد يستعمل ويراد به في كلمات
الفقهاء ما يشمل أهل القرى كما مرّ.
وعليه، فعلى
تفسير أهل السواد بأنّهم
خصوص أهل العراق تكون
النسبة هي
التباين مع
المعنى الأوّل
لأهل البادية، و
الأخصّية مع المعنى الثاني.
وأمّا لو فسّرنا أهل السواد بمعنى
مطلق أهل القرى فتكون النسبة هي التباين، على
تقدير تفسير أهل البادية بالمعنى الأوّل، و
الترادف على تقدير تفسير أهل البادية بالمعنى الثاني.
ويراد به ساكن
البادية ،
وربّما يكون هذا
اللفظ كناية عمّن بعد عن
الحضارة أو عن
معارف الدين، كما ورد في
الروايات .
والنسبة هي ما تقدّم آنفاً، لكن على المعنى الثاني هي
العموم والخصوص من وجه.
تعرّض الفقهاء
لأحكام أهل السواد- بمعنى أهل العراق- في كتاب
الجهاد و
التجارة و
إحياء الموات ونحوها عند
البحث عن أرض العراق التي فتحت
عنوة ، فالبحث فيه موكول إلى محلّه في مصطلح إحياء الموات، أرض، تجارة، جهاد.
ومن ثمّ يكون البحث هنا
مقصوراً على أحكام أهل السواد بالمعنى
الشامل لأهل القرى والبساتين مع أهل البادية، وأمّا أهل البادية
بعنوانهم بما لا يشمل أهل القرى فيراجع فيه
مصطلح أهل البادية.
نعم، يختص أهل السواد بهذا المعنى ببعض الأحكام، وهي كما يلي:
المعروف بين الفقهاء وجوب
الجمعة على أهل البادية والسواد إذا لم يكونوا
ظاعنين بحيث يلزمهم
القصر ،
فليس المصر ولا القرية شرطاً فيه.
واستدلّ له
بعموم الأمر بالجمعة من غير
تخصيص ، مضافاً إلى بعض الروايات كصحيحة
محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن
اناس في قرية هل يصلّون الجمعة
جماعة ؟ قال:
«نعم، ويصلّون أربعاً إذا لم يكن من يخطب».
والحكم
إجماعي بين فقهائنا،
خلافاً
للجمهور ، فقال
أبو حنيفة : إنّها لا تجب في حقّهم
مستنداً إلى بعض ما روي عن
طرقهم عن
علي عليه السلام قال: «لا جمعة ولا
تشريق ولا
صلاة فطر ولا
أضحى إلّا في مصر جامع».
ذكر الفقهاء أنّ من مرجّحات
التقديم في
إمامة الجماعة كون
الإمام أقدم هجرة، و
المراد بالأقدم
هجرة في
الأصل :
الأسبق من دار
الحرب إلى دار
الإسلام . وقيل: إنّ هذا
الحكم باقٍ إلى
اليوم إذ لم تنقطع
الهجرة بعد
الفتح ، وربّما جعلت الهجرة سكنى
الأمصار، فإنّ أهلها أقرب إلى
تحصيل شرائط الإمامة وكمال
النفس من أهل القرى والبادية؛ مستنداً إلى بعض الروايات.
وربّما يقال: إنّه لا
فائدة في هذا المرجّح في زماننا إلّافي بعض
الفروض النادرة.
على أنّ أصل مرجحيّته محلّ نظر. و
التفصيل في محلّه.
ذهب الفقهاء
إلى أنّ وقت
الاضحيّة لأهل السواد والبوادي ونحوهم يكون- كأهل
المصر - بعد طلوع
الشمس ومضيّ قدر صلاة
العيد و
الخطبتين ، خلافاً لبعض
الجمهور حيث قال بجواز الاضحيّة لهم عند طلوع
الفجر ، بدعوى أنّه لا عيد لغير أهل المصر؛
وذلك أنّ العيد عنواناً وحكماً يجري على جميع
المسلمين، ولا يختصّ ببعض دون بعض.
ورد في بعض
الأخبار أنّه يجوز
النظر إلى رؤوس
نساء أهل البوادي والسواد ونحوهم، مثل: ما رواه
عبّاد بن صهيب، قال: سمعت
أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول:
«لا بأس بالنظر إلى
شعور نساء
أهل تهامة و
الأعراب وأهل البوادي من أهل الذمّة و
العلوج ؛ لأنهنّ إذا نهين لا ينتهين...».
ولكن قال بعض
المحقّقين : إنّ الحكم مختص بما جرت
عادتهنّ على عدم
ستره ، وليس الحكم فيهنّ كالحكم في الذمّيات، فإنّ
منشأه في الذمّية عدم
الحرمة ، فلا يختصّ الحكم بما جرت عادتهنّ على عدم ستره، في حين أنّ منشأه في أهل البوادي هو هتك حرمتهنّ
بأيديهنّ؛ إذ لا ينتهين إذا نهين، فيختص الحكم بما جرت عادتهنّ على عدم ستره.
ومنه يعلم أنّ ما ورد في
الرواية في
تجويز النظر إلى شعورهنّ لا يختصّ بالشعر، بل يشمل غيره، بعد كون
التعليل مفيداً
للتعميم .
واستشكل بعض الفقهاء في هذا الحكم،
ولعلّ وجهه
دعوى ضعف الرواية،
مضافاً إلى عدم عمل
المشهور بها،
كما يستفاد من تعبير صاحب
الجواهر عنها بالخبر.
نعم، مع
العسر و
الحرج ترتفع الحرمة قطعاً.
واجيب عنه بأنّ
المحقّق النجفي لا يلتزم
بالاصطلاحات عند ذكر الأخبار؛ إذ يعبّر عن
الصحيحة بالخبر كثيراً، بل يصف الرواية الواحدة في مسألة بالخبر، وفي اخرى بالصحيحة، وإلّا فعبّاد بن صهيب
ثقة جزماً؛ لتوثيق
النجاشي له.
وأمّا عدم عمل المشهور بالرواية فهو لو تمّ صغروياً لا يحرز
إسقاطه لحجّية الرواية بعد
صحّتها السندية
واشتمالها على شرائط الحجّية
الصدورية .
كما أنّ
الظاهر عدم حرمة
التردّد في
الأسواق ونحوها مع
العلم بوقوع النظر عليهنّ، ولا يجب
غضّ البصر إذا لم يكن هناك خوف
افتتان .
والتفصيل في محلّه.
المشهور بين الفقهاء
أنّه يكره أن يبيع
الحاضر لبادٍ؛
لرواية
جابر ، قال:
قال
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم : «لا يبيع حاضر لباد، دعوا
الناس يرزق اللَّه بعضهم من بعض».
وهذا
لضعفه مع عدم
صراحته في
التحريم يمكن
إثبات الكراهة به.
وذهب بعض إلى تحريمه» لظاهر
النهي .
والمراد بالبادي
الغريب الجالب للبلد أعم من كونه من أهل البادية أو قروياً.
وفي تفسير
البيع المنهي عنه قولان:
أحدهما: أن يحمل البدوي أو القروي
متاعه إلى
البلد ويريد بيعه بسعر اليوم، فيأتيه البلدي ويقول له: ضع متاعك عندي وارجع لأبيعه لك على
التدريج بأغلى من هذا
السعر .
ثانيهما: أن يخرج الحضري إلى البدوي وقد جلب
سلعة فيعرّفه السعر ويقول: أنا أبيع لك وأكون
سمساراً .
ثمّ إنّهم قد شرطوا في
كراهيته أو تحريمه شروطاً:
الأوّل: أن يكون عالماً بورود النهي.
الثاني: أن يظهر من ذلك
المتاع سعة في البلد.
الثالث: أن يكون المتاع
المجلوب ممّا تعمّ
الحاجة إليه.
الرابع: أن يعرض الحضري ذلك على البدوي ويدعوه إليه، فإن التمس البدوي منه بيعه له تدريجاً فلا بأس.
الخامس: أن يكون الغريب
جاهلًا بسعر البلد.
هذا، ولكن ربّما يكون بعض هذه
الشروط أو أكثرها محلّ خلاف و
إنكار ؛
لعموم
التعليل المذكور في الخبر.
هذا حكم البيع، وأمّا
الشراء للبادي فقال بعض: إنّه لا بأس فيه؛ للأصل و
اختصاص النصوص بالبيع.
وضعّفه آخر بعموم التعليل في الخبر.
وبناءً عليه احتمل بعضهم
إمكان التعدّي إلى سائر
العقود أيضاً.
ثمّ لو قلنا بالحرمة هل يبطل به البيع أم لا؟ صرّح بعضهم
بالثاني؛ نظراً إلى تعلّق النهي بالخارج عن ذات البيع.
واستشكل فيه بعض آخر بأنّ النهي متعلّق بنفس
البيع .
وتفصيل البحث موكول إلى محلّه.
ذكر بعض الفقهاء أنّ من
مرجّحات أحد
الملتقطين على الآخر كونه من أهل
الحضر ، ثمّ من أهل القرى.
قال
الشيخ الطوسي : «وإن وجده قروي وبدوي نظرت، فإن وجداه في حضر و
قرية فإنّه يسلّم إلى القروي، وإن وجداه في البادية فلا يخلو البدوي إمّا أن يكون له
حِلَّة مرتّبة أو ممّن ينتقل، فإن كان له حلّة مرتّبة فإنّه يقرع بينهما، وإن كان
منتقلًا فمبنيّ على الوجهين، فمن قال:
ينزع من يده إذا انفرد فههنا مثله، ومن قال: لا ينزع فههنا يقرع».
وقال
العلّامة الحلّي : «و
الصفات المرجّحة أربعة» - وجعل الثانية منها-: «أن يكون أحدهما
بلدياً والآخر قروياً أو كان أحدهما بلدياً أو قروياً والآخر بدوياً... لما فيه من حفظ نسبه وإمكان
وصول قريبه إليه».
ويستفاد من
كلامه في موضع آخر أنّ
ترجيح البلدي على القروي والقروي على البدوي إنّما هو فيما إذا وجد
اللقيط في
المصر أو في غير مكان
سكونة القروي أو البدوي، وإلّا فمن كان
مقيماً في تلك القرية أو البادية أولى باللقيط.
هذا، ولكنّه تنظّر في
القواعد وغيره في ترجيح البلدي على القروي والقروي على البدوي.
وأنكر بعض الفقهاء كون ذلك من المرجّحات
بعد خلوّ النصوص عن
اعتباره، واحتمال الاشتراك في
الحضانة حينئذٍ
.
وأمّا ما ذكره العلّامة الحلّي من أنّ في ذلك
حفظ نسبه وإمكان وصول قريبه إليه فليس بمرجّح قطعي، ولعلّه لذلك تنظّر في القواعد وعدل عمّا ذكره في
التذكرة .
وتفصيل الكلام في محلّه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۹، ص۹۹-۱۰۵.