الإصرار
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو شد
العزم علي امر و
المداومة عليه.
الإصرار لغة مداومة
الشيء وملازمته و
الثبوت عليه، وهو مصدر أصرّ على الشيء يصرّ إصراراً، إذا داومه ولازمه وثبت عليه.
وأكثر ما يستعمل في
الآثام ،
ومنه قوله تعالى: «وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا
اسْتِكْبَاراً ».
واستعمل عند
الفقهاء في معناه اللغوي، وغلب
البحث فيه عندهم على الإصرار على
المعاصي و
الذنوب ، كما سيظهر من المباحث الآتية.
الإصرار على
المعصية أو
الطاعة إنّما يتحقّق إذا كان
المكلّف عالماً
بالمخالفة أو
الموافقة فمع
الجهل بالحكم
الشرعي لا يتحقّق
عنوان (الإصرار على المعصية أو الطاعة) وإن تحقّق الإصرار على
الفعل .
وقد تحدّث الفقهاء عن ما يتحقّق به الإصرار بمناسبة بحثهم عن كون الإصرار على
الصغائر قادحاً في
العدالة ، وقد ذكروا هناك عدّة آراء ترجع إلى
قراءتهم لموضوع تحقّق الإصرار وهي:
۱- الإصرار على الصغائر: هو أن لا يندم على المعصية مع
العلم بها، أو
التمكّن من العلم بها و
الاستمرار على ذلك و
العزيمة على مثله في
القبح في
المستقبل . وهو مختار
الشريف المرتضى .
۲- ما اعتمده
المحقّق السبزواري من أنّ
المراد بالإصرار على
الصغيرة الإكثار منها، سواء كان من نوع واحد أو من أنواع مختلفة،
ونحوه غيره.
ودليله إمّا صدق المداومة و
اللزوم معالإكثار أو صدق الإصرار عرفاً.
۳- ما
أفاده بعض الفقهاء
من أنّ الإصرار إمّا فعلي-
كالمواظبة على نوع أو أنواع من الصغائر- أو حكمي، وهو العزم على فعلها ثانياً بعد
وقوعه وإن لم يفعل.
۴- المداومة على نوع واحد من الصغائر والعزم على
المعاودة إليها. اختاره في
المدارك » و
البحار والرياض،
وفي الأخيرين: أنّه الأنسب بمعناه اللغوي.
۵- الإصرار: هو فعل الصغيرة مع عدم
التوبة ، وهو منصوص عليه في رواية
جابر عن
أبي جعفر عليه السلام في تفسير قوله تعالى:
«وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا»
قال:
«الإصرار: أن يذنب
الذنب فلا يستغفر اللَّه ولا يحدّث نفسه بالتوبة، فذلك الإصرار».
ونسبه
المحدّث البحراني إلى جماعة من المفسّرين.
لكن ضعّفه جماعة من المحقّقين
بعدم مساعدة
اللغة و
العرف عليه، وعدم
دلالة الخبر على أنّه المراد من الإصرار مطلقاً، فلعلّه في تفسير
الآية بخصوصه. كلّ ذلك مع ضعف
السند .
۶- الإصرار: هو
الإقامة والمداومة و
الملازمة . استظهره
الشيخ الأنصاري والسيّد الحكيم، قال
الأخير : وهو مقتضى العرف واللغة، فلا يكفي في تحقّقه العزم على الفعل ثانياً فضلًا عن مجرّد ترك
الاستغفار .
۷- قال
المحقّق النجفي : «والأولى فيه الرجوع إلى العرف العام، فإن لم يكن فإلى ما ذكرنا عن أهل اللغة، والظاهر أنّه ليس منه فاعل الصغيرة مع العزم على عدم العود، بل ولا ما إذا لم يخطر
بباله عود وعدمه.
نعم، إذا كان
عازماً على
العود لا يبعد أن يكون منه عرفاً».
وفي موضع آخر من الجواهر
أرجع ما تقدّم في
رواية جابر وكلام أهل اللغة إلى كلام الشهيدين المتقدّم.
وعلى جميع
معانيه المتقدّمة لا يتحقّق الإصرار مع الاستغفار والتوبة، وقد اشير إليه في قوله عليه السلام: «ما أصرّ من استغفر»،
وما تقدّم في رواية جابر.
هذا كلّه في ما يتحقّق به الإصرار، ومنه ظهر ما يرتفع بموجبه الإصرار، مثل التوبة أو ترك
العزم على
الإتيان بالفعل ثانياً، أو ترك الفعل مع تحقّق ظروفه
بإعراضه أو ما شابه ذلك تبعاً للرأي
المختار فيما يتحقّق به الإصرار.
تارةً يكون الإصرار على عمل مع تحققه في
الخارج ، واخرى مع عدم
التحقق :
۱- فإن كان مع تحققه في الخارج فيستمدّ حكمه ممّا يقع عليه من
التصرّف ، فإن كان معصية فالإصرار محرّم، مثل:
الإصرار على
شرب الخمر و
شهادة الزور، والإصرار على الصغائر فضلًا عن
الكبائر .
وأمّا إذا كان الإصرار على غير معصية فإنّه قد يكون واجباً- كالإصرار على
القيام بالواجبات مثل: الصلوات المفروضة، وترك
المحرّمات - وقد يكون
مندوباً كالإكثار من الصلاة على النبي وآله،
وقد يكون
مكروهاً مثل: كراهية الإكثار من
اليمين وكراهية الإكثار من شرب
الماء .
هذا في الإصرار على عمل مع تحقّقه.
۲- أمّا الإصرار على عمل من دون تحقّقه في الخارج فإن كان
طاعة فقد صرّح بعضهم أنّ نيّة الطاعة والإصرار عليها طاعة يثاب عليها، وإن لم يترتّب عليها عمل لحصول مانع، فإن كان المكلّف من نيّته
المداومة على فعل الأعمال
الصالحة ، فمتى حيل بينه وبينها بالمرض أو
الكبر فإنّ اللَّه تعالى يكتب له
ثواب ذلك.
وإن كان معصية ففيه رأيان:
الأوّل: أنّ
نيّة المعصية ونيّة المداومة عليها تجرٍّ على المولى، فتكون
قبيحة عقلًا ومحرّمة شرعاً، والمكلّف معاقب عليها.
الثاني: عدم
المؤاخذة عليها إلّابعد فعل المعصية. قال في
كشف الغطاء : «الذي يظهر من الأدلّة أنّه لا يعاقب
الناوي إلّابعد فعل المعصية».
يترتّب على الإصرار على المعصية والذنب أحكام فقهيّة، نشير إليها
إجمالًا :
۱- الإصرار على الصغيرة كبيرة:
لا ريب في أنّ الإصرار على الصغائر معصية كبيرة قادحة في
العدالة ، بل هو
مجمع عليه بين الفقهاء.
ويدلّ عليه بعض النصوص، كخبر
الأعمش المروي في
الخصال حيث عدّ من جملة الذنوب الكبائر الإصرار على الصغائر.
والمعروف بين الفقهاء
أنّ فعل الصغيرة غير قادح في العدالة بناءً على
القول بتقسيم الذنوب إلى صغيرة و
كبيرة كما هو
المشهور بينهم،
خلافاً لمن أنكر
التقسيم وجعل كلّ معصية كبيرة.
۲- وجوب
الأمر و
النهي مع الإصرار:
ذكر الفقهاء
للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شروطاً،
والمشهور منها أربعة:
أحدها: اشتراط إصرار
المأمور والمنهي على الذنب وعدم ظهور أمارة
الإقلاع .
قال المحقّق النجفي في بيان الشروط المذكورة في
المقام : «والثالث: أن يكون الفاعل له- أي المنكر ولو ترك
الواجب - مصرّاً على
الاستمرار ، فلو لاح منه أمارة
الامتناع عن ذلك سقط
الإنكار بلا خلاف مع فرض
استفادة القطع من
الأمارة، بل ولا إشكال، كما أنّه لا إشكال في عدم
السقوط بعد العلم بإصراره، إنّما
الإشكال في السقوط بالأمارة الظنّية».
وفي بعض الكلمات
سقوط الوجوب لو لاحت منه وظهرت أمارة
الندم ، قال
الأردبيلي : «ولكن قول
المنتهى و
الدروس ... صريح في السقوط بمجرّد ظهور الأمارة».
۳- إصرار
الزوجة على
الفجور :
ذهب
الشيخ المفيد وتلميذه سلّار
إلى أنّ الزوجة تحرم على زوجها بإصرارها على الفجور. خلافاً للمشهور
من عدم
تحريمها، فيجوز
إمساكها وإن كانت مصرّة على الفجور، ولا يجب
طلاقها وإن حكم بعضهم
برجحان ذلك.
وقد احتجّ للقول بالحرمة
بأنّ أعظم فوائد
النكاح التناسل ، ولا يؤمن
امتزاج الأنساب مع
الزنا ، وهو محذور شرعاً.
وضعّف
ذلك بأنّ النسب لاحق
للفراش ، والزاني لا نسب له ولا حرمة لمائه.
فيما احتجّ للقول المشهور
مضافاً إلى
الأصل بما ورد صحيحاً من «أنّ
الحرام لا يحرّم
الحلال ».
وبصحيح
عبّاد بن صهيب عن
جعفر بن محمّد عليه السلام قال: «لا بأس أن يمسك
الرجل امرأته إن رآها تزني إذا كانت تزني وإن لم يقم عليها الحدّ، فليس عليه من
إثمها شيء».
۴- إصرار
الزانية على الفجور:
إذا فجر بامرأة غير ذات بعلٍ فقد ذهب
جماعة من الفقهاء إلى حرمة
العقد عليها ما دامت مصرّة على ذلك الفعل إلّاأن يظهر له
التوبة والإقلاع عن الفعل؛ لقوله تعالى: «وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ...».
وبمفهوم رواية
أبي بصير، قال: سألته عن رجل فجر بامرأة ثمّ أراد بعد ذلك أن يتزوّجها، فقال: «إذا تابت حلّ له
نكاحها »،
وفي معناها رواية
عمّار .
وضعّف ذلك جماعة
بأنّ
المراد من
الآية الإخبار على قياس قوله تعالى: «
الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ»،
وبأنّ الأخبار قاصرة عن
إفادة الحرمة بالشهرة على خلافها.
وذهب
المشهور إلى جواز
العقد عليها وعدم
تحريم ذلك، بل ادّعي عليه
الإجماع ؛
للأصل ولبعض النصوص، وإن صرّح بعضهم
بكراهة ذلك.
۵-
تغليظ العقوبة مع الإصرار:
قال
الشيخ المفيد : «فإن قامت
البيّنة عليهما
بالسحق جلدت كلّ واحدة منهما مئة جلدة حدّ الزانية والزاني... فإن قامت البيّنة عليهما بتكرّر هذا
الفعال منهما ولم يكن منهما توبة منه وكانتا فيه على الإصرار كان
للإمام عليه السلام قتلهما، كما أنّ له ذلك في حدّ
اللواط ».
ولم يذكر حدّ
التكرار ، وقد جعل
ابن إدريس الحلّي أنّ
الصحيح قتلهما في الثالثة،
و
الخلاف معروف بين الفقهاء
في أنّ أصحاب
الكبائر يقتلون في الثالثة أم في الرابعة.
الموسوعة الفقهية، ج۱۳، ص۳۱۴-۳۱۹.