، وقد أكّدت الروايات على برّ الوالدين سيما الام.
فقد روى هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول اللَّه من أبرّ؟ قال: امّك، قال: ثمّ من؟ قال: امّك، قال: ثمّ من؟ قال: امّك، قال: ثمّ مَن؟ قال: أباك»
لا ينبغي الريب في أنّه لا يجب على الولد طاعة الأبوين لو أمراه بارتكاب معصية أو ترك واجب؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا يعتبر في أداء الواجبات الاستئذان من الأبوين كأداء صلاة واجبة أو حج واجب أو جهاد متعيّن عليه، وذلك لعدم الدليل على ذلك، فإنّ أدلّة الأحكام مطلقة غير مقيّدة بإذن الأبوين ولا غيرهما، و سلطنة الغير علىالشخص- حتى الأبوين على الولد- خلاف الأصل، وتحتاج إلى دليل، ولا دليل
.
قال العلّامة الحلّي: «لو تعيّن الجهاد عليه لم يعتبر إذن الأبوين ولا غيرهما...وكذلك كلّ الفرائض لا طاعة لهما في تركها، كالصلاة والحجّ؛ لأنّه عبادة تعيّنت عليه، فلا يعتبر إذن الأبوين فيها، وقال تعالى: «وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ»
.
وأمّا في غير فعل المحرّم وترك الواجب من الامور التي لا إلزام فيها شرعاً فهل تجب إطاعتهما أو لا؟ وهنا تارة يفترض كون الاتيان بالفعل أو تركه مستلزماً لإيذائهما وعقوقهما فيحرم، واخرى لا يستلزم إيذاءهما وعقوقهما، كما لو صدر ذلك من دون علمهما و اطلاعهما أو لم ينهيا عنه أو لم يأذنا به لكن لم يستلزم ايذاءهما فهنا لا تجب إطاعتهما؛ بل لو صدر منهما الأمر و النهي لم تجب اطاعتهما فيما لا أذية فيه عليهما لعدم الدليل؛ إذ لا دليل يمكن أن يستفاد منه لزوم الاطاعة على سبيل الإطلاق على حدّ إطاعة العبد لسيّده
.
قال المحقق النجفي: «قد يشكل عموم وجوب الطاعة في جميع ما يقترحانه في غير فعل محرّم وترك واجب ممّا لا أذية عليهما فيه في الفعل و الترك على وجه يكون كالسيد والعبد، بعدم دليل معتدّ به على ذلك»
.
وقال السيد الخوئي- في باب الجهاد-: «إذا منع الأبوان ولدهما عن الخروج إلى الجهاد فإن كان عينياً وجب عليه الخروج ولا أثر لمنعهما، وإن لم يكن عينياً- لوجود من به الكفاية- لم يجز له الخروج إليه إذا كان موجباً لإيذائهما، لا مطلقاً»
، و الرواية صريحة الدلالة على توقّف هذه العبادات على إذن الأبوين معاً، ومن هنا أفتى بعض الفقهاء باشتراط العبادة المندوبة كالحج المندوب بإذن الأبوين أو الأب
.
إلّا أنّه لا مناص من حمل هذه الرواية على الإشارة إلى أمر أخلاقي و أدبي، أي شدّة الاهتمام بأمر الوالدين وتحصيل رضاهما وطاعتهما حتّى في مثل الصلاة والصوم ونحوهما من العبادات الالهية المندوبة شرعاً، وليست الرواية في مقام بيان الحكم الشرعي
.
وممّا يؤيّد ذلك قول الشيخ الصدوق- بعد ما أورد الرواية-: «ولكن ليس للوالدين على الولد طاعة في ترك الحجّ تطوّعاً كان أو فريضة، ولا في ترك الصلاة، ولا في ترك الصوم تطوّعاً كان أو فريضة، ولا في شيء من ترك الطاعات»
الامّ المسلمة أحقّ بالولد من الأب مدّة الرضاع- وهي حولان- ذكراً كان أو انثى سواء رضعته هي بنفسها أو بغيرها. فاذا فصل و انقضت مدّة الرضاعة فالوالد أحق بالذكر والام أحق بالانثى حتى تبلغ سبع سنين من حين الولادة على الأشهر، بل المشهور، ثمّ يكون الأب أحق بها حينئذٍ.
ولو تزوّجت الام سقطت حضانتها عن الذكر والانثى، وكان الأب أحق بهما، نعم، ينبغي أن لا يمنع الولد من زيارتها و الاجتماع معها، كما لا تمنع هي من زيارته والاجتماع معه؛ لما في ذلك من قطع الرحم والمضارّة بها. ولو مات الأب كانت الام أحق بهما من الوصي
الأبوان يرثان الولد ويقعان في الطبقة الاولى من طبقات الإرث، وتختلف حصتهما بحسب الحالات فيما لو انفردا أو انضمّا إلى غيرهما من الورثة، كما أنّ الولد يكون في الطبقة الاولى فيرث أبويه أيضاً