الاحتشام
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو من
الحشمة بمعنى الحياء و في باب
الافتعال بمعنى
الاستحياء و
الانقباض ويأتي أيضا بمعنى الغضب.
الاحتشام في اللغة بمعنى
الاستحياء و
الانقباض ، و
الاسم منه الحشمة- بالكسر- بمعنى الحياء. قال في القاموس: «إنّي لأحتشم منه تحشّماً: أتذمّم منه واستحيي، والحُشُم بضمّتين ذو الحياء التام».
وقال في
المعجم الوسيط : «احتشم: استحيا وسلك في حياته مسلكاً محموداً وسطاً... و
الحشمة الحياء والمسلك الوسط».
ومنه قول
الصادق عليه السلام : «لا تذهب الحشمة فيما بينك وبين أخيك، فإنّ ذهاب الحشمة ذهاب الحياء» الحديث.
ومن معانيه أيضاً الغضب كما صرّح به في المصباح، بل عن
الأصمعي : أنّه الغضب فقط.
وفي
المُغرِّب : «وقيل: هي (أي هذه اللفظة) عاميّة؛ لأنّ الحشمة عند العرب هي الغضب لا غير».
ومنه قول
الإمام علي عليه السلام : «إذا احتشم المؤمن
أخاه فقد فارقه».
أي إذا أغضبه.
والمرسوم عند الفقهاء
الاستعمال في المعنى الأوّل، وليس لهم فيه
اصطلاح جديد.
وهي في اللّغة بمعنى الانقباض، فيرادف الاحتشام في معناه الأوّل، يقال: حيي من القبيح حياءً إذا انقبضت نفسه، وحيي من الرجل احتشم.
وهي- على ما فسّره بعض الفقهاء- هيئة نفسانيّة تحمل
الإنسان على الوقوف عند
محاسن الأخلاق وجميل الأفعال والعادات وترك ما يدلّ على عدم الحياء وقلّة
المبالاة ،
وفي الخبر: أنّ بقاء الحشمة بقاء
المروءة .
وهي الشرف و
ارتفاع المنزلة،
يقال: ترفّع عن الشيء إذا تنزّه عنه، وصاحب الحياء والحشمة يترفّع ويتنزّه عن فعل بعض الامور.
قد ورد في الشريعة أحكام روعي فيها جانب الحفاظ على حشمة الإنسان، بينما لوحظ في بعضها الآخر جانب نفي الحشمة. فهي على قسمين:
وهي كما يلي:
ما ذكروه في
آداب التخلّي من
استحباب التستّر بجميع البدن كما صرّح به جمع من الفقهاء،
معلّلين له بأنّه أوفق وأنسب بالاحتشام كما في
نهاية الإحكام و
كشف اللّثام والجواهر،
وكذلك
الأمر في خلوة الزوج بزوجته.
اختصاص أهل الاحتشام بجواز الخروج من مكان
الاعتكاف إلى المنزل لبعض الامور، بينما لا يجوز ذلك لغيرهم.
قال العلّامة في
المنتهى : «لو كان إلى جنب المسجد- الذي يعتكف فيه المعتكف- سقاية خرج إليها، إلّا أن يجد به غضاضة؛ بأن يكون من أهل الاحتشام فيجد المشقّة بدخولها لأجل الناس فيعدل عنها حينئذٍ إلى منزله وإن كان أبعد، ولو بذل له صديق منزله وهو قريب من المسجد لقضاء حاجته لم يلزمه
الإجابة ؛ لما فيه من المشقّة بالاحتشام، بل يمضي إلى منزله».
ونحوه ذكر في
التحرير والتذكرة،
ونفى عنه البأس في
المسالك ،
وإن استشكل فيه بعض.
قد أفتى جمع من الفقهاء بأنّ من كان من أهل الاحتشام والشرف والرفعة الذين جرت عادتهم بالبيوت الواسعة والخدم والخيل وثياب التجمّل ونحو ذلك، فإنّ واجديّتهم لهذه الامور لا يمنع من
إعطائهم الزكاة ولا من أخذهم إياها؛ لأنّها من مئونتهم، فلا يكلّفون ببيعها و
الاقتصار على الأقل المجزئ.
وقد استظهر
المحدّث البحراني ذلك من فحوى الأخبار قائلًا أنّ الحكم فيها مرتّب على أحوال الناس وما هم عليه من الرفعة والضعة.
وكذلك الكلام في سائر موارد
احتساب المئونة.
قال في
الحدائق : «قد صرّح الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- من غير خلاف يعرف بأنّه لو كان الفقير ممّن يستحيي من قبول
الزكاة جاز دفعها إليه على وجه الصلة...».
قال: «وتدلّ عليه حسنة
أبي بصير المرويّة في الفقيه، قال: قلت
لأبي جعفر عليه السلام : الرجل من أصحابنا يستحيي أن يأخذ من الزكاة فأعطيه من الزكاة ولا اسمّي له أنّها من الزكاة، فقال: «أعطه ولا تُسمِّ له ولا تذلّ
المؤمن »».
ورد في بعض النصوص
الإرفاق بالأسير بشكل عام، واختصاص أهل الشرف والحشمة منه بنحو من
الإكرام ، فقد ورد في النص: أنّ
أمير المؤمنين عليه السلام منع
عمر بن الخطّاب عن بيع بنات
يزدجرد ملك الفرس؛ معلّلًا بأنّ بنات الملوك لا يبعن في الأسواق، ثمّ خيّرهنّ في
التزويج بمن شئن.
ففي
البحار عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما قدمت ابنة
يزدجرد بن شهريار آخر ملوك الفرس وخاتمتهم على عمر، وادخلت
المدينة استشرفت لها عذارى المدينة وأشرق المجلس بضوء وجهها ورأت عمر فقالت: آه بيروز باد هرمز، فغضب عمر وقال: شتمتني هذه العلجة وهمّ بها، فقال له علي عليه السلام: «ليس لك
إنكار على ما لا تعلمه» فأمر أن ينادى عليها، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: «لا يجوز بيع بنات الملوك وإن كنّ كافرات، ولكن أعرض عليها أن تختار رجلًا من
المسلمين حتى تتزوّج منه وتحسب صداقها عليه من عطائه من بيت المال يقوم مقام الثمن» فقال عمر: أفعل... الحديث.
ونحو ذلك منقول في العدد القويّة لأخ
العلّامة الحلّي عن
محمّد بن جرير قال: لمّا ورد سبي الفرس إلى المدينة أراد عمر بن الخطّاب بيع النساء إلى أن ذكر منع أمير المؤمنين عليه السلام عن بيعهن، قال: فرغب جماعة من قريش أن يستنكحوا النساء، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: «هؤلاء لا يكرهون على ذلك ولكن يخيّرن، فما اخترنه عمل به...» الحديث.
لمّا كانت نفقة الزوجة واجبة على زوجها فيجب على الزوج
الإخدام لها لو كانت من ذوات الحشمة والشرف، وقد نصّ على ذلك في الشرائع
والتحرير
والمسالك
والجواهر
وغيرها؛
لكون ذلك من المعاشرة بالمعروف فتشمله الأدلّة.
نعم، لا يلزم الزوج أكثر من خادم واحد هنا، وعلّله في الشرائع بأنّ
الاكتفاء يحصل به.
خلافاً لما احتمله
الشهيد الثاني من وجوبه.
قال في المسالك: «ويحتمل
اعتبار عادتها في بيت أبيها، فإن كانت ممّن تخدم بخادمين وأكثر وجب إخدامها بذلك العدد؛ لأنّه من
المعاشرة بالمعروف».
ونفى عنه البعد
الإمام الخميني قدس سره، قال في
تحرير الوسيلة : «ولو بلغت حشمتها بحيث يتعارف من مثلها تعدّد الخادم فلا يبعد الوجوب، والأولى
إيكال الأمر إلى العرف والعادة».
قد عدّ في
التذكرة والقواعد
و
الروضة من القرائن الدالّة على
الإذن في توكيل الوكيل غيره صورة ترفّع الوكيل عن مباشرة ما وكّل فيه كالأعمال الرديئة في حقّ أشراف الناس المترفّعين عن فعل أمثالها في العادة فإنّ للوكيل هنا أن يوكّل غيره عن موكّله، وقد ادّعى عليه
الإجماع في التذكرة.
ووجّهه في
جامع المقاصد بأنّ هذا الإذن وإن لم يكن مستفاداً من اللفظ لكن شاهد الحال دالّ عليه وقاضٍ به، فإنّ توكيل الشريف الذي لا يليق بمثله دخول السوق أصلًا في بيع ما لا يقع بيعه غالباً إلّا في السوق لا يكاد يستفاد منه إلّا توكيل غيره فيه.
يكره لذوي المروءات وأهل الشرف والرفعة والمناصب الجليلة تولّي الخصومات والمنازعات بأنفسهم، بل يستحب لهم
التوكيل فيها، وقد صرّح به جماعة من الفقهاء
واستدل له بتضمّن الخصومة للامتهان والوقوع فيما يُكره، وبتوكيل علي عليه السلام عقيلًا في خصومة، وقوله: «إنّ للخصومة قحماً، وإنّ
الشيطان ليحضرها وإنّي لأكره أن أحضرها»، وفي رواية اخرى أنّه عليه السلام وكّل
عبد الله ابن جعفر في الخصومة فقال: «إنّ للخصومة قحماً».
قال
السيد اليزدي بعد ذكر الحكم المزبور: «وأمّا مخاصمة
النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع صاحب النّاقة إلى رجل من
قريش ومخاصمة علي عليه السلام في درع
طلحة إلى
شريح ومخاصمة
عليّ بن الحسين عليه السلام مع زوجته الشيبانيّة لمّا طلقها وادّعت عليه المهر إلى قاضي المدينة فلعلّها كانت لخصوصيّة ارتفعت معها
الكراهة ».
وفي قبال القسم الأوّل ورد في بعض المقامات أحكام لوحظ فيها جانب رفع الاحتشام والاستحياء بالنسبة إلى الشخص المقابل، وهي كما يلي:
۱- استحباب
الأكل مع الضيف لرفع الاحتشام نصّ عليه في
الدروس وغيره،
ويدلّ عليه رواية جميل عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سمعته يقول: «إنّ الزائر إذا زار المزور فأكل معه ألقى عنه الحشمة، وإذا لم يأكل معه ينقبض قليلًا».
۲- أن يبتدأ صاحب البيت بغسل يده في الأوّل ويغسل هو أخيراً في الغسل الثاني،
روي ذلك عن الإمام الصادق عليه السلام؛ معلّلًا
ابتدائه بأن لا يحتشم الضيف.
ففي
الكافي عن عدّة من أصحابنا عن
أحمد بن محمّد بن خالد عن
عثمان بن عيسى عن
محمّد بن عجلان عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «
الوضوء قبل الطعام يبدأ صاحب البيت لئلّا يحتشم أحد، فإذا فرغ من الطعام بدأ بمن على يمين الباب حرّاً كان أو عبداً».
۳- استحباب كون صاحب البيت أوّل من يضع يده على الطعام وآخر من يرفع عنه.
ففي رواية
القدّاح عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «كان
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - إذا أكل مع القوم- أوّل من يضع يده مع القوم وآخر من يرفعها إلى أن يأكل القوم».
وفي رواية
علي بن جعفر عن أخيه
موسى بن جعفر عليه السلام : «أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أتاه الضيف أكل معه ولم يرفع يده من الخوان حتى يرفع الضيف يده».
ما ذكره الفقهاء في باب
النكاح من اختصاص الزوجة الجديدة بزيادة المبيت عند
الزفاف بسبع ليال إن كانت بكراً، وبثلاث إن كانت ثيّباً.
قال في المسالك: «والمقصود منه أن ترتفع الحشمة وتحصل الالفة والانس، وخُصّت البكر بزيادة لأنّ حياءها أكثر، و
الأصل فيه ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «للبكر سبعة أيّام، وللثيّب ثلاث ثمّ يعود إلى نسائه».
ورواية
محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام: في رجل تزوّج
امرأة وعنده امرأة، فقال: «إذا كانت بكراً فليبت عندها سبعاً، وإن كانت ثيّباً فثلاثاً»».
ومن هذا الباب ما ورد في
آداب الزوجة مع زوجها، وقد امرت أن تكون- ضمن كونها عفيفة في نفسها عزيزة في أهلها- متبرّجة ذليلة مع زوجها، فيكون الاستحياء والترفّع مذموماً مع الزوج، مطلوباً مع الغير.
فمنها: ما رواه
الكليني بإسناده عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنّ خير نسائكم الولود الودود العفيفة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها، المتبرّجة مع زوجها، الحصان على غيره، التي تسمع قوله وتطيع أمره، وإذا خلا بها بذلت له ما يريد منها، ولم تبذل كتبذّل الرجل».
وبهذا
الإسناد عنه صلى الله عليه وآله وسلم: «أ لا اخبركم بشرار نسائكم؟ الذليلة في أهلها، العزيزة مع بعلها، العقيم الحقود التي لا تورّع من قبيح، المتبرّجة إذا غاب عنها بعلها، الحصان معه إذا حضر»
الحديث.
ومنها: رواية أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «خير نسائكم التي إذا خلت مع زوجها خلعت له درع الحياء، وإذا لبست لبست معه درع الحياء».
ما ذكروه في
آداب القاضي من استحباب أمره- بنفسه أو من يأمره-، المتداعيين أن يتكلّما إن أحسّ منهما الاحتشام.
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۶۵-۷۲.