الإحصار (التحلل في الإحرام المطلق)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الإحصار (توضيح).
اشترط
الفقهاء لتحقّق التحلّل في
الإحرام المطلق اموراً
كبعث الهدي وذبحه ولزوم نيّة التحلّل عند
ذبح الهدي و
الحلق أو
التقصير ، وفيما يلي تفصيل ذلك:
يجب على
المحصر ذبح الهدي عند
إرادة التحلّل
بلا
خلاف فيه،
بل عليه
الإجماع من غير واحد من الفقهاء؛
لقوله تعالى: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ»،
فإنّه صريح في وجوب
الهدي عند الإحصار.
ولا إشكال في شمول الآية للإحصار
المصطلح ، فإنّه بناءً على إطلاقه في
الإحصار لغة- لوروده في صدّ
المشركين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه- يشمل كلّاً من الصدّ والإحصار.
هذا مضافاً إلى ما ورد في روايات متعدّدة: منها: صحيحة
معاوية بن عمّار ، قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل احصر فبعث بالهدي، فقال: «يواعد أصحابه
ميعاداً ، فإن كان في حج فمحلّ الهدي
يوم النحر ... وإن كان في عمرة فلينتظر مقدار دخول أصحابه مكّة»،
وغيرها ممّا سيأتي.
ثمّ إنّه لا فرق في
اشتراط التحلل بالهدي بين أنواع الحج والعمرة في هدي الإحصار كما يشهد له ما في صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة، وصرّح به بعض الفقهاء، ففي
الجواهر قال: «إذا تلبّس هذا بالإحرام لحج أو عمرة تمتّع أو مفردة، ثمّ احصر كان عليه أن يبعث ما ساقه إن كان قد ساق، ولو لم يسق بعث هدياً أو ثمنه، ولا يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه وهو
منى إن كان حاجّاً، ومكّة إن كان
معتمراً بلا خلاف أجده في تحلّله بالهدي، بل توقّته، بل
الإجماع بقسميه عليه،
مضافاً إلى
الكتاب والسنّة».
وستأتي الإشارة إلى سائر كلمات الفقهاء في مبحث مكان ذبح الهدي في إحرام الحج والعمرة. وكذا لا فرق في الهدي الذي يتحلّل به بين أن يكون
بدنة أو
بقرة أو
شاة »؛ لشمول الإطلاقات لها.
وهذا كلّه ممّا لا كلام فيه وإنّما الكلام والبحث لدى الفقهاء في تفاصيل مسائله كمكان الهدي وزمانه وما يكفي فيه وحكم العجز عنه وغير ذلك والتفصيل كالتالي:
•
الإحصار (مكان ذبح الهدي) ،بعد اتّفاق الفقهاء على لزوم الهدي للتحلّل اختلفت عباراتهم في مكان الذبح، وأنّه هل يجوز له ذبح الهدي في مكانه في أنواع الحج والعمرة، أو يجب بعث الهدي إلى محلّه، أو يفصّل فيه بين أنواع الحج والعمرة؟
ذهب الفقهاء
كالشيخ الطوسي و
القاضي و
ابن حمزة وغيرهم
إلى عدم زمان معيّن شرعاً لذبح الهدي في العمرة، فيجوز له ذبحه في كلّ زمان أراد تعيينه؛
للأصل و
إطلاق ما تقدّم من الروايات، بعد عدم
الدليل على تعيين زمان خاص. وإن كان الأحوط عند بعضهم
كون الذبح في إحرام
عمرة التمتّع يوم
الميعاد قبل خروج الحجّاج إلى
عرفات .
ولا يخفى
ابتناء ذلك على وجوب
إرسال الهدي إلى مكّة، وأمّا بناءً على جواز الذبح حيث احصر في مطلق العمرة أو في
العمرة المفردة فيجوز له ذبحه حيث احصر.
قال
الفاضل الهندي : «زمانه أي هدي التحلّل عن الحصر عن العمرة كلّ ما يعيّنه لمن يبعث معه الهدي إلّا عمرة التمتّع - على قول
الراوندي - فكالحجّ».
وأمّا في الحج فقد ذهب كثير من الفقهاء كالشيخ الطوسي ومن تبعه والمحقق والعلّامة الحليّين والشهيد وغيرهم
إلى أنّ زمان الذبح في الحج
يوم النحر .
وظاهر
ابن زهرة الإجماع عليه؛
استناداً إلى ما تقدّم من رواية
معاوية بن عمّار ، قال: سألته عن رجل احصر فبعث بالهدي، قال: «يواعد أصحابه ميعاداً فإن كان في الحج فمحلّ الهدي يوم النحر، فإذا كان يوم النحر فليقصّر من رأسه ولا يجب عليه الحلق حتى يقضي
المناسك ، وإن كان في عمرة فلينتظر مقدار دخول أصحابه مكّة والساعة التي يعدهم فيها، فإذا كانت تلك الساعة قصّر وأحلّ».
كما أنّه ظاهر جماعة آخرين
أيضاً، حيث حكموا فيمن تحلّل ثمّ بان أنّ هديه لم يذبح، ببعث الهدي في العام القابل، وهذا ظاهر في فوات الوقت الخاص بالذبح في عام الحصر.
نعم، أضاف بعضهم
جواز الذبح في
أيّام التشريق أيضاً مستدلّاً عليه بأنّها أيّام النحر في الحجّ، ويمكن أن يراد بيوم النحر في صحيح معاوية الجنس الشامل لها أيضاً،
واختاره
العلّامة الحلّي في القواعد وقال: «وزمانه يوم النحر وأيّام التشريق».
وقال الفاضل الهندي: «وعن الحج يوم النحر وأيّام التشريق؛ فإنّها أيّام ذبح الهدي في الحج»،
مع
اعترافه باقتصار الفقهاء في مبحث الحصر على يوم النحر، ونسب الشهيد أيّام التشريق إلى القيل.
وفي قبال ذلك ذهب جماعة من المعاصرين
إلى عدم لزوم زمان معيّن لذبح الهدي في الحج، بل زمانه كلّ ما يعيّنه المحصر لمن يبعث معه الهدي كما في العمرة.
إذا ساق المحرم هدياً معه كما في
حج القران ، ثمّ احصر ولم يتمكّن من
الإتيان بالحج، فهل يكفيه ذبح ما ساقه للتحلّل عن الإحرام أو يجب عليه هدي آخر غير هدي السياق؟
۱- المحكي عن
عليّ بن بابويه و
ابن الجنيد عدم
الاجتزاء بهدي السياق، وهو الذي ذهب إليه
الشيخ الصدوق أيضاً، قال: «إذا قرن الرجل الحج والعمرة فأُحصر بعث هدياً مع هديه، ولا يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه»،
وهو قريب لما روي عن
فقه الرضا عليه السلام أيضاً.
وحمله
ابن إدريس على صورة
الإشعار و
التقليد فقال: «فمراده كلّ واحد منهما ( الحج والعمرة) على
الانفراد ، ويقرن إلى إحرامه بواحد من الحج أو من العمرة هدياً يشعره أو يقلّده، فيخرج من مكّة بذلك وإن لم يكن ذلك عليه واجباً
ابتداءً ... فأمّا قوله: بعث هدياً مع هديه إذا احصر، يريد أنّ هديه الأوّل الذي قرنه إلى إحرامه ما يجزيه في تحليله من إحرامه؛ لأنّ هذا كان واجباً عليه قبل حصره، فإذا أراد التحلّل من إحرامه بالمرض الذي هو الحصر عندنا... فيجب عليه هدي آخر لذلك... وما قاله قويّ معتمد».
وكذا العلّامة الحلّي في
المختلف فإنّه- بعد حكاية ما تقدّم عن ابن بابويه- قال: «وقال ابن الجنيد- ونِعم ما قال-: فإذا احصر ومعه هدي قد أوجبه اللَّه بعث بهدي آخر عن إحصاره، فإن لم يكن أوجبه بحال من إشعار ولا غيره أجزأه عن إحصاره».
واستدلّ على عدم الاجتزاء بأنّه: «مع
إيجاب الهدي، أنّه قد تعيّن نحر هذا الهدي أو ذبحه بسبب غير الإحصار، فلا يكون مجزئاً عن هدي الإحصار؛ لأنّ مع تعدّد السبب يتعدّد المسبّب. و(أمّا) مع عدم إيجابه ( الهدي) قوله تعالى: «فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ».
وتبعه عليه
الشهيد الثاني فقال: «
الأقوى عدم
التداخل إن كان
السياق واجباً بنذر وشبهه، أو بالإشعار وما في حكمه؛
لاقتضاء اختلاف الأسباب ذلك».
ولا يخفى أنّ الهدي لا يتعيّن في القران إلّا بعد الإشعار أو التقليد كما تقدّم من ابن إدريس
فلا يدخل قبلهما في حكم المسوق، أو يكون منذوراً بعينه، كما صرّح به الشهيد.
فحينئذٍ إن لم يتعيّن ذبحه لعدم الإشعار أو التقليد ولا غيرهما مما يقتضي وجوب ذبحه كالنذر وشبهه، بل ساقه المحرم بنيّة أنّه هدي حتى يذبح في محلّه، كفى في التحلّل.
ذهب المشهور
إلى
كفاية السياق عن هدي التحلّل مطلقاً وإن وجب عليه بإشعار أو غيره كما عليه الشيخ الطوسي و
الحلبي والقاضي والمحقق والعلّامة الحلّيان و
السيد العاملي وجماعة ممّن تأخر عنهم.
ونسبه الحلّي إلى ما عدا ابن بابويه من الفقهاء،
وظاهر ابن زهرة والعلّامة الحلّي الإجماع عليه.
ويدلّ عليه أنّه
هدي مستيسر فيجزي بنصّ الآية الشريفة،
وكذا الروايات الواردة في المقام كصحيحة
رفاعة بن موسى عن أبي عبد اللَّه عليه السلام في أنّه «خرج
الحسين عليه السلام معتمراً وقد ساق بدنة حتى انتهى إلى
السقيا فبرسم فحلق شعر رأسه ونحرها مكانه...».
وخبره الآخر عنه عليه السلام أيضاً، قال في حديث: سألته عن رجل ساق الهدي ثمّ احصر؟ قال: «يبعث بهديه».
والمتبادر من لفظ (هديه) الهدي الذي ساقه.
بل يمكن أن يقال: إنّ
الاكتفاء كان أمراً مرتكزاً عند الرواة كما في خبر معاوية بن عمّار أنّه سأل عن المحصور الذي لم يسق الهدي؟ قال عليه السلام: «ينسك ويرجع»، قيل:
فإن لم يجد هدياً؟ قال: «يصوم».
و
التقييد في السؤال بأنّه لم يسق الهدي إنّما هو لارتكازه بأنّه لو ساق لأجزأه هديه.
وكذا يدل عليه اكتفاء
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه في قضيّة
الحديبية بنحر ما ساقوا، وهذا وإن كان في الصدّ إلّا أنّ الفرق بين الصدّ والحصر في ذلك بعيد.
هذا، مضافاً إلى أنّ الصدّ والحصر يوجبان
الإحلال بالهدي لا وجوب هدي آخر وإن ساقوا الهدي في إحرامهم. ولا يقاس ذلك بلزوم
الكفّارة ولزوم الهدي في الإحلال به؛ فإنّ الكفارة على
الارتكاب واجب آخر،
فيتعدّد الهدي مع تعدّد الوجوب، بخلاف المقام؛ لأنّه لا دليل على تعدّد الوجوب هنا؛ لأنّه ممنوع من
إتيان أعمال الحج فلا موضوع لوجوب هدي الحج عليه، ولا دليل على
إرسال هدي آخر إلى المذبح.
وعلى فرض التنزّل وقبول وجوب بعث الهدي وإرساله لكنّه لا يخفى أنّه ليس حكماً تكليفيّاً تعبّدياً، بل هو
أمر إرشادي إلى التحلّل فله أن يبقى على إحرامه ولا يذبح، وأمّا
الأمر بالذبح فلا يظهر من الآية ولا من الروايات أنّه واجب تعبّدي وأنّ الأمر به مولويّ، وإنّما أمر به للخروج من الإحرام والتحلّل منه فلا مورد لتعدّد الأسباب ولا للتداخل حتى يقال: إنّ التداخل خلاف
الأصل . فما ذكره المشهور من الاكتفاء بما ساقه هو الصحيح.
إذا وجب على المحرم الهدي للكفّارة أو للنذر وساقه لذبحه في محلّه ثمّ احصر، فهل يكفيه عن هدي التحلّل أم لا؟
في
الدروس قول بعدم التداخل؛
لأصالة تعدّد المسبّب بتعدّد السبب، وقال
ابن فهد : ب «وجوب هدي (
مستقل ) للإحصار إن كان المسوق واجباً بنذر وشبهه، و
إجزاؤه إن كان السياق ندباً، وهو قول العلّامة في
القواعد ».
وإليه ذهب الشهيد الثاني أيضاً.
لكن ناقش فيه
المحقق النجفي بأنّه لا مدخليّة للنذر ونحوه بعد صدق
اسم الهدي عليه الذي به يندرج تحت روايات الباب.
وفصّل
السيد الخوئي بين الكفارة والنذر، ففي الكفارة ذهب إلى عدم التداخل؛ لأنّ
الظاهر من الدليل وجوب الكفّارة عليه وجوباً مستقلّاً غير هدي التحلّل، وكلّ منهما أمر يباين الآخر، ولكلّ منهما حكم خاصّ، فإنّ الهدي يجوز
للناسك الأكل منه، بخلاف الكفّارة.
وأمّا في
النذر فإنّه تابع لقصد الناذر، فإن قصد تحقّق الذبح منه بأيّ نحو كان كفاه هدي واحد، نظير ما لو نذر صوم
يوم الخميس ، بمعنى أن يكون صائماً في يوم الخميس، فلا فرق حينئذٍ بين صيامه قضاءً عن نفسه أو عن غيره أو عن الكفّارة؛ لأنّ المقصود أن يكون صائماً في هذا اليوم، وحينئذٍ فلا مانع من التداخل. وإن كان قصد الناذر ذبح شاة
مستقلّاً في قبال ما وجب عليه بسبب آخر، وكان قصده متمحّضاً في النذر فلا بدّ من تعدّد الهدي.
لو عجز المحصر عن هدي التحلّل أو عن ثمنه فهل يبقى على الإحرام حتى يتمكّن من الهدي أو يتحلّل بالبدل منه كالصوم ونحوه أو غير ذلك؟ فيه وجوه وأقوال:
المشهور أنّه لا بدل لهدي التحلّل، فيبقى المحصر على إحرامه إلى أن يقدر عليه أو يتحقّق الفوات فيتحلّل حينئذٍ بعمرة مفردة كما عليه الشيخ الطوسي وغيره،
بل ادّعي عليه الإجماع
أيضاً.
قال الشيخ الطوسي: «إذا لم يجد المحصر الهدي أو لا يقدر على ثمنه لا يجوز له أن يتحلّل حتى يهدي، ولا يجوز له أن ينتقل إلى بدل من الصوم أو
الإطعام ؛ لأنّه لا دليل على ذلك، وأيضاً قوله: «فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ»،
فمنع من التحلّل إلى أن يهدي ويبلغ الهدي محلّه وهو يوم النحر ولم يذكر
البدل ».
وينبغي التنبيه على أنّ جماعة من الفقهاء لم يتعرّضوا للمسألة ضمن بحث الإحصار بل تعرّضوا لها في بحث الصدّ وحكموا بعدم البدل.
ولكنّ المحكي عن ابن الجنيد الحكم بالتحلّل حيث قال: «وإن لم يكن للهدي
مستطيعاً أحلّ؛ لأنّه ممّن لم يتيسّر له هدي».
وقال العلّامة الحلّي بعد نقل عبارة الشيخ وابن الجنيد: «كلا القولين محتمل».
وذهب الفاضل الهندي و
المحدث البحراني والمحقّق النجفي
وجماعة من الفقهاء المعاصرين
إلى
الانتقال إلى البدل؛ مستدلّين عليه- مضافاً إلى لزوم
العسر والحرج - بجملة من الروايات الواردة في باب الإحصار:
منها: خبر
زرارة عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إذا احصر الرجل فبعث بهديه فآذاه رأسه قبل أن ينحر هديه فإنّه يذبح شاة في المكان الذي احصر فيه أو يصوم أو يتصدّق على ستّة مساكين، والصوم ثلاثة أيّام، و
الصدقة نصف
صاع لكلّ
مسكين ».
ومنها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام في المحصور ولم يسق الهدي، قال: «ينسك ويرجع»، قيل: فإن لم يجد هدياً؟ قال: «يصوم».
وقريب منه روايته الاخرى.
ومنها: ما روي في
الجامع للشرائع عن كتاب
المشيخة لابن محبوب أنّه روى
صالح عن عامر بن
عبد اللَّه بن جذاعة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام في رجل خرج معتمراً فاعتلّ في بعض الطريق وهو محرم، قال: فقال: «ينحر
بدنة ويحلق رأسه ويرجع إلى رحله ولا يقرب النساء، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً، فإذا برئ من وجعه اعتمر إن كان لم يشترط على ربّه في إحرامه».
والظاهر منها أنّه ينتقل الأمر إلى
الصيام فيما إذا لم يجد الهدي ولا ثمنه، وأنّ الصيام المذكور إنّما هو الصوم الثابت لمن لم يجد هدي
الاضحية .
إلّا أنّ المحقق النجفي قال بعد ذكرها في باب الصدّ: «لا يخفى عليك
إعراض الأصحاب عنها، مضافاً إلى اختلافها وإلى عدم
اجتماع شرائط
الحجّية في أكثرها، بل في
المدارك دعوى
إجمال متن حسن معاوية، قال: ولا يبعد حمل الصوم الواقع فيه على الواجب في بدل الهدي؛ ولذا قال في
المسالك : وروي أنّ له بدلًا وهو صوم ثمانية عشر يوماً، لكن لم نعلمه على وجه يسوغ العمل به، وربّما قيل بأنّه عشرة كهدي التمتّع، لكن لا يجب فيها
المتابعة وكونها في أيّام الحج وغيرها؛
لانتفاء المقتضي، ولكن مع ذلك كلّه لا ينبغي ترك
الاحتياط خصوصاً في المحصور، وسيّما مع
احتمال عدم عثور الأصحاب على مجموع هذه الروايات كما يظهر من بعضهم فلم يتحقّق إعراض عنها حينئذٍ، وإن كان الأصحّ ما عرفت».
هذا، وقد ذهب السيد الخوئي إلى تماميّة دلالتها على وجوب الصوم ثلاثة أيّام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى بلده كما في الآية المباركة،
وعليه جماعة من الفقهاء المعاصرين أيضاً كما تقدّم.
وبذلك يظهر أنّ البدل على فرض ثبوته هو صوم عشرة أيّام.
قد وقع
البحث فيما سبق في وجوب أن يبعث المحصر هديه إلى منى أو مكّة حتى يذبح فيهما ويواعد أصحابه أن يذبحوه في وقت معيّن، فإذا جاء الوقت تحلّل في مكانه.
وأمّا هنا ففي وظيفة من تحلّل في الوقت الموعود ثمّ بان أنّ هديه لم يذبح فهل يبطل تحلّله أم لا؟
ثمّ ما هي
وظيفته بعد العلم بذلك وهل يجب عليه
الإمساك عن محظورات الإحرام أم لا؟
المعروف بين الفقهاء عدم
بطلان التحلّل وعدم
الإثم والكفّارة بالنسبة إلى ما فعله من محظورات الإحرام، وأنّ عليه ذبح الهدي من السنة القادمة والإمساك عن النساء عند بعث الهدي ثانياً حتى يذبح- كما سيأتي- وذهب إليه الشيخ الطوسي والقاضي وابن إدريس والمحقق والعلّامة الحلّيان والشهيدان وغيرهم،
بل ادّعى غير واحد عدم الخلاف فيه،
إلّا في
العمرة المفردة فإنّه يذبح متى تيسّر على ما جزم به بعضهم.
والظاهر جريانه في كلّ ما لا زمان خاص لذبح هدي الإحصار فيه.
قال الشيخ الطوسي: «فإن ردّوا عليه
الثمن ولم يكونوا وجدوا الهدي وكان قد أحلّ لم يكن عليه شيء ويجب أن يبعث به في العام القابل».
وقال العلّامة الحلّي: «لو تحلّل يوم الميعاد، ثمّ ظهر أنّ أصحابه لم يذبحوا عنه لم يبطل تحلّله، ووجب عليه أن يبعث به في القابل ليذبح عنه في موضع الذبح؛ لأنّ تحلّله وقع مشروعاً».
وتدلّ عليه- مضافاً إلى ما ورد في أنّ المحرم لو ارتكب شيئاً من محظورات الإحرام جهلًا أو
نسياناً لا شيء عليه
- عدّة من الروايات الواردة في الإحصار:
منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام حيث قال: «فإن ردّوا الدراهم عليه ولم يجدوا هدياً ينحرونه وقد أحلّ، لم يكن عليه شيء ولكن يبعث من قابل ويمسك أيضاً».
ومنها: خبر زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام قال: «المحصور يبعث بهديه فيعدهم يوماً فإذا بلغ الهدي أحلّ هذا في مكانه»، قلت: أ رأيت إن ردّوا عليه دراهمه ولم يذبحوا عنه وقد أحلّ فأتى النساء؟ قال: «فليعد، وليس عليه شيء وليمسك الآن عن
النساء إذا بعث».
وكذا تدلّ عليه
موثقة زرعة .
وهذا المقدار لا خلاف فيه
لما عرفت وإنّما وقع الكلام في أنّه- بعد علمه بأنّ هديه لم يذبح- هل تحلّ له المحظورات أم يجب عليه الإمساك عنها، الأكثر على وجوب الإمساك على خلاف في مبدئه ومقداره،
كما ستعرف آنفاً.
إلّا أنّ بعض الفقهاء ذهب إلى عدم وجوبه، (مثل المحقق في
المختصر وشارحه في
التنقيح وغيرهما وسيأتي
التخريج عنهم) وبالغ ابن إدريس في
إنكاره للأصل، بناءً على أنّه ليس بمحرم فكيف يحرم عليه شيء؟ والنصوص الآمرة بالامساك أخبار آحاد، مضافاً إلى إمكان حمل الأمر بالامساك فيها على
الاستحباب ، وتبعه عليه المحقّق الحلّي وغيره.
ولكن نوقش فيه: بأنّ ما ذكر متّجه بناءً على ما اختاره الحلّي من عدم حجّية أخبار الآحاد، أمّا على مبنى المشهور فلا يصلح الأصل لمعارضة الروايات، مع احتمال كون الأصل هنا بالعكس؛
لظهور الآية في اعتبار بلوغ الهدي محلّه في حصول التحلّل في نفس الأمر، بلا فرق بين الحلق وغيره في ذلك، فلو تحلّل ولم يبلغ الهدي كان إحلاله
باطلًا . ولا يستفاد من النصوص إلّا عدم الضرر بالتحلّل يوم الوعد؛ ولعلّه من جهة الإثم والكفّارة؛ لكونه وقع
بإذن الشارع فلا يتعقّبه شيء من ذلك.
ولذا ذهب أكثر الفقهاء إلى وجوب الإمساك، لكنّهم اختلفوا في مبدأه وهل هو من حين
الانكشاف أو من حين بعث الهدي أو من حين إحرام من بعث الهدي معه؟ على أقوال:
۱- المشهور
وجوب الإمساك من حين بعث الهدي ثانياً، كما هو ظاهر الشيخ الطوسي والقاضي والشهيد الثاني وغيرهم؛
استناداً إلى ما تقدّم عن
الإمام الصادق عليه السلام في صحيحة ابن عمّار: «ولكن يبعث من قابل ويمسك أيضاً».
وكذا ما روي عن أبي جعفر عليه السلام في خبر زرارة حيث قال: «فليعد وليس عليه شيء، وليمسك الآن عن النساء إذا بعث»،
وهو ظاهر في كون الإمساك عن النساء حين البعث لا من حين الانكشاف، كما أنّه ظاهر في تحقّق الإحلال في الواقع، وأنّ الأمر بالإمساك ليس للإحرام السابق.
ويعضده ما تقدّم من دعوى جماعة عدم الخلاف في أنّه لا يبطل الإحلال؛ لأنّ المراد به ظاهراً
انتفاء الإحرام السابق، فيعمل فيه على طبق النصوص الواردة كما عساه يشهد له عبارة الشرائع وغيره، فالمتّجه حينئذٍ وجوب الإمساك مقيّداً من حين البعث.
قال الشيخ الطوسي: «فإن ردّوا عليه الثمن ولم يكونوا وجدوا الهدي وكان قد أحلّ لم يكن عليه شيء، ويجب أن يبعث به في العام القابل ويمسك ما يمسك عنه المحرم إلى أن يذبح عنه».
وقال
الشهيد الأوّل : «لو ظهر أنّ هديه لم يذبح لم يبطل تحلّله وبعث به في القابل، وهل يمسك عن المحرّمات إذا بعث؟ المشهور ذلك؛ لصحيحة معاوية بن عمّار».
۲- وذهب السيد العاملي إلى أنّه من حين إحرام المبعوث معه الهدي، وقال: «إنّه ليس في الرواية ولا في كلام من وقفت على كلامه من الأصحاب،
تعيين وقت الإمساك صريحاً، وإن ظهر من بعضها أنّها من حين البعث، وهو مشكل، ولعلّ المراد أنّه يمسك من حين إحرام المبعوث معه الهدي»،
وتبعه عليه
الفيض الكاشاني أيضاً.
إلّا أنّه تقدّمت كلمات الفقهاء ومستندهم في ذلك؛ ولذا أورد عليه المحقّق النجفي بأنّه يمكن تحصيل
الإجماع على خلافه.
۳- وذهب بعضهم- كظاهر
ابن سعيد الحلّي وصريح
المحقّق الأردبيلي وغيرهما
- إلى وجوب الإمساك من حين انكشاف عدم الذبح؛ نظراً إلى عدم حصول التحلّل في نفس الأمر، وأنّه لا يكفي ما زعم بعد العلم بفساد زعمه؛ لأنّه لا يستفاد من النصوص التحلّل واقعاً ولو مع الانكشاف.
إلّا أنّ هذا القول خلاف ظاهر الروايات
خصوصاً خبر زرارة المتقدّم؛ فإنّه ظاهر في
فتوى المشهور.
•
الإحصار (نية التحلل) ، الثاني من الشروط التي ذكرها الفقهاء في حصول التحلّل بعد الإحصار نيّة التحلّل، بمعنى أنّه يجب عليه مضافاً إلى الهدي ونيّة القربة ، نيّة التحلّل من الإحرام عند ذبح الهدي.
•
الإحصار (الحلق والتقصير) ، اشترط جماعة من الفقهاء لتحلّل المحصر التقصير أيضاً، فإذا بلغ الهدي محلّه وحضر الوقت الذي واعد أصحابه- بناءً على لزوم البعث- يقصّر ويحلّ من كلّ شيء إلّا النساء كما سيأتي.
الموسوعة الفقهية، ج۷، ص۶۶-۸۹.