البصر (الفقهي)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو قوة الإبصار و
الإدراك.ويأتي بمعنى
الرؤية والنظر.
البصر- لغة-: هو حاسّة
الرؤية، يقال:أبصرت الشيء، إذا رأيته، وأيضاً: البصر حسّ
العين ، والجمع أبصار.
قال
الفيّومي : إنّه «النور الذي تدرك به
الجارحة المبصرات، والجمع أبصار...يقال: أبصرته برؤية العين إبصاراً».
والبصير خلاف
الضرير .
وقد يطلق على العلم
والإدراكات ، يقال: بَصُرْتُ بالشيء- بالضم والكسر- بصراً: علمت، فأنا بصير به، وهو ذو بصر وبصيرة، أي علم وخبرة.
كما يطلق على العين نفسها التي هي آلة النظر، لا نفس النظر.
ويستعمله
الفقهاء أيضاً في نفس هذه
المعاني اللغوية .
تعرّض الفقهاء للبصر في مواضع من الفقه نذكرها إجمالًا فيما يلي :
اخذ البصر بما هو فعل إرادي في كلمات الفقهاء في باب
الصلاة والدعاء وغيرهما، وذلك كما يلي:
للبصر حال الصلاة بعض
الأحكام ، وهي:
أ- رفعه إلى السماء:
يكره للمصلّي أن يرفع بصره إلى
السماء ؛
لصحيحة
زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا استقبلت
القبلة بوجهك فلا تقلّب وجهك- إلى أن قال-:واخشع ببصرك ولا ترفعه إلى السماء، وليكن حذاء وجهك في موضع
سجودك ».
وفي روايته الاخرى عنه عليه السلام أيضاً، قال: «اجمع بصرك ولا ترفعه إلى السماء»،
بحمل
النهي في كلتا الروايتين على
الكراهة .
ب- تغميضه وإطلاقه:
يكره للمصلّي
تغميض البصر
وإطلاقه في الصلاة،
بل ينبغي أن يلزم فيها
الخشوع والخضوع والوقار ، ويطرح الأفكار، وأن يخشع ببصره شبه المغمّض
(حجرية).
واستدلّ على كراهة التغميض بما رواه مسمع عن
أبي عبد الله عن
أمير المؤمنين عليهما السلام: «أنّ
النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يغمّض الرجل عينيه في الصلاة»،
بحمل النهي فيه على الكراهة؛ جمعاً وقد قام بهذا الجمع
الشيخ الحر العاملي في
الوسائل،
بينه وبين خبر
عليّ بن جعفر عن أخيه
موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل، هل يصلح له أن يغمّض عينيه في الصلاة متعمّداً؟ قال: «لا بأس».
نعم، صرّح بعض الفقهاء
باستحباب غضّ البصر في حال
الطواف .
المستفاد من الروايات
الترغيب في رفع البصر إلى السماء حال الدعاء فقد روى
أنس بن عياض الليثي عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما السلام: «أنّ
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا استسقى ينظر إلى السماء، ويحوّل رداءه عن يمينه إلى يساره...».
قال
الشيخ المفيد : «روي أنّ
الإمام يمشي
يوم العيد ولا يقصد المصلّى راكباً... وإذا مشى رمى
ببصره إلى السماء».
هذا، مضافاً إلى ما جرت به
سيرة الناس حيث يرفعون أبصارهم إلى السماء عند الدعاء،
وذلك لشرف الجهة.
وإن كانت السيرة غير حجّة هنا؛ لعدم دلالتها سوى على الجواز؛ إذ لا توجد مركوزية للاستحباب في الذهن المتشرّعي، وشرف الجهة أمرٌ لا دليل على
إيجابه حكماً شرعياً هنا.
ورد في
الآيات والروايات الحثّ على غضّ البصر عن كلّ ما يوجب الوقوع في
الفتنة، بل الأمر به عن كلّ ما يحرم.
قال اللَّه تعالى: «قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ• وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ».
وما روي عن
الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «ما اغتنم أحد بمثل ما اغتنم بغضّ البصر، فإنّ البصر لا يغضّ عن محارم اللَّه إلّا وقد سبق إلى قلبه مشاهدة العظمة والجلال... قال
النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: غضّوا أبصاركم ترون العجائب... وقال
عيسى بن مريم للحواريين: إيّاكم والنظر إلى المحذورات؛ فإنّه بذر الشهوات، ونبات
الفسق، وقال
يحيى بن زكريا:
الموت أحبّ إليّ من نظرة لغير واجب...».
وعنه عليه السلام أيضاً قال: «من نظر إلى امرأة فرفع بصره إلى السماء أو غمّض بصره لم يرتدّ إليه بصره حتى يزوّجه اللَّه من
الحور العين».
فالمتحصّل من الآية والروايات استحباب غضّ البصر عمّا يكون النظر إليه مظنّة الوقوع في
الافتتان، وعمّا يصدّ عن ذكر اللَّه تعالى ونحو ذلك.
ويجب عمّا يحرم النظر إليه كالأجنبية وعورة الغير وغير ذلك؛ ولعلّه لذلك فسّر الآية الشريفة بلزوم الغضّ عمّا لا يحلّ لهم النظر إليه.
قال
السيّد الجزائري- في بحث آداب
الاعتكاف-: «وأن يغضّ بصره فيه وفي كلّ
صوم زيادة على
سائر الأوقات، ولو عبّر عنه وعن الأفعال المعطوفة عليه بصيغ المصدر لكان أجود عن
الاتّساع في النظر إلى كلّ ما يذمّ
عقلًا ويكره شرعاً، وإلى كلّ ما يشغل
القلب ويلهي عن ذكر اللَّه ممّا متّع اللَّه به أزواجاً زهرة الحياة
الدنيا»».
اعتبر الفقهاء البصر شرطاً في موارد متعدّدة من الفقه أهمّها:
ذكر غير واحد من الفقهاء أنّه يشترط البصر في وجوب
الحضور في
صلاة الجمعة والجهاد، فلا تجب الجمعة
والجهاد
على
المسلم الأعمى.
ذهب جماعة من الفقهاء إلى اشتراط البصر في
القاضي،
فلا يجوز للأعمى التصدّي للقضاء؛ وذلك للأصل، ولتوقّف
القضاء على تمييز الخصوم والشهود، وهو متعذّر في
الأعمى.
وناقش فيه بعضهم بأنّ الأصل مورود بالإطلاقات، ودعوى
انصرافها إلى غير الأعمى ممنوعة،
ثمّ قال: لا يبعد أن يكون مراد القائلين باشتراط البصر اشتراطه في تولية الشخص ولاية عامّة في صقع من الأصقاع، بحيث نعلم أن فقدانه موجب لاختلال قضائه في بعض الوقائع- كما هو كذلك بمقتضى
الإنصاف- فهو من شروط تولية
الإمام له، وليس شرطاً في صحّة كلّ فرد فرد من أقضيته.
ولعلّ هذا المقدار أيضاً يمكن
المناقشة فيه مع إمكان
الاستعانة بلجان من المستشارين والمعاونين والخبراء.
ذكروا في تحمّل
الشهادة فيما لا تتحقّق الشهادة فيه إلّابالبصر أنّه لابدّ منه، فلا تقبل شهادة الأعمى فيه،
وهذا من القضايا التي
قياساتها معها.نعم، إذا تحمّل شهادة وهو مبصر ثمّ عمي، فإن عرف نسب المشهود به فله أن يشهد بعد ما عمي؛ لحصول العلم بالمشهود له والمشهود عليه.
هذا، وأمّا فيما لا يفتقر إلى
الرؤية فتقبل شهادة الأعمى فيه متحمّلًا ومؤدّياً؛
للعموم والإطلاق، وخصوص خبر
محمّد ابن قيس عن
أبي جعفر عليه السلام
قال: سألته عن شهادة الأعمى، فقال: «نعم، إذا أثبت».
صرّح بعض الفقهاء بأنّ الميزان في ثبوت
الهلال بالرؤية بالعين غير المسلّحة، فلا اعتبار برؤية الهلال بالآلات المستحدثة.
وخالف فيه آخرون، فذهبوا إلى كفاية العين المسلّحة، بل ذهب بعض الفقهاء إلى كفاية اليقين بتولّد الهلال فلكياً مع إمكان الرؤية بالعين.وكذا
الحكم في
الخسوف والكسوف، فلو لم يتّضح الكسوف إلّابالآلات لم يترتّب عليه أثره.
ذكر الفقهاء في خفاء جدران
البلد في مسألة حدّ الترخّص
لصلاة القصر، أنّ المدار في الرؤية على البصر المتعارف، فلا اعتبار في البصر بما خرج عن المتعارف في القوّة والضعف.
لا خلاف بين الفقهاء
في ثبوت القصاص على الجاني عمداً لو أدّت
جنايته إلى
إذهاب الضوء دون الحدقة، فللمجني عليه
الاقتصاص بمثل ذلك.ويدلّ عليه إطلاق قوله سبحانه وتعالى:«فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ».
هذا لو أمكن
القصاص بالمثل، وأمّا لو استلزم
القصاص هنا تغريراً بعضو آخر أو بنفس أو بزيادة لم يجز، وانتقل الأمر إلى
الدية؛ لأنّ في كلّ مورد لا يمكن الاقتصاص ينتقل الأمر إلى الدية؛ لأنّ حقّ امرئ مسلم لا يذهب
هدراً.
نعم، لا دية
لإزالة البصر مضافاً إلى دية قلع الحدقة- لو اتّفق ذلك في جناية واحدة- لأنّ المنفعة تابعة للعين فيه.
لكن لو انفكّ أمكن أخذ الدية.
ولو عاد البصر بعد الجناية عليه ففيه
الأرش عوض الجناية التي أذهبته مدّة.
الموسوعة الفقهية، ج۲۰، ص۳۳۷-۳۴۲.