التحلل من الحج
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يتحلّل المحرم بأفعال ومناسك خاصّة من
العمرة أو الحجّ، فيحلّ له ما كان قد حرم عليه بالإحرام، كما أنّه قد يتحلّل باشتراط التحلّل، فالبحث هنا من
التحلل من الحج.
للتحلّل من الحجّ ثلاثة مراحل:
الاولى: بعد
الحلق أو
التقصير في منى.
الثانية: بعد
طواف الزيارة وسعيه.
الثالثة: بعد
طواف النساء .
هذا عند
المشهور ،
بل لا خلاف فيه، بل يمكن تحصيل
الإجماع عليه كما ادّعاه
المحقّق النجفي ،
إلّا ما يظهر من
السيد المرتضى وأبي الصلاح من أنّ للتحلّل في الحجّ مرحلتين:
أحدهما: بعد طواف الزيارة والسعي، فيحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلّا النساء.
ثانيهما: بعد طواف النساء.
لكن
المعروف والمشهور ما ذكر من المراحل الثلاث.
إذا فرغ الحاجّ من
الذبح فالمشهور أنّه مخيّر بين حلق رأسه أو تقصيره إن كان غير
صرورة وإلّا فيتعيّن عليه الحلق، وأمّا
المرأة فيتعيّن في حقّها التقصير،
بل ادّعي عدم الخلاف، بل الإجماع عليه.
فإذا حلق أو قصّر بمنى عقيب
الرمي والذبح حلّ له كلّ شيء عدا
الطيب والنساء على المشهور،
بل عليه الإجماع، كما في ظاهر
المنتهى .
ومستند المشهور في المسألة الأخبار الكثيرة الدالّة على ذلك
:
منها: صحيحة
معاوية بن عمّار عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام ، قال: «إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلّا النساء والطيب، فإذا زار البيت وطاف وسعى بين
الصفا والمروة فقد أحلّ منه إلّا النساء، وإذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلّا الصيد».
والمراد من الصيد هنا
الصيد الحرمي لا الإحرامي؛ لتحلّله منه قبل ذلك.
نعم، استشكل بعض المحقّقين في ذلك،
وسيأتي الكلام فيه.
ومنها: صحيحة
العلاء قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: إنّي حلقت رأسي وذبحت وأنا متمتّع، أطلي رأسي بالحنّاء؟ قال: «نعم، من غير أن تمسّ شيئاً من الطيب».
ومنها: ما رواه
منصور بن حازم ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل رمى وحلق أ يأكل شيئاً فيه صفرة؟ قال: «لا، حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة، ثمّ قد حلّ له كلّ شيء إلّا النساء حتى يطوف بالبيت طوافاً آخر، ثمّ قد حلّ له النساء».
ومنها: صحيحة جميل، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: المتمتّع ما يحلّ له إذا حلق رأسه؟ قال: «كلّ شيء إلّا النساء والطيب...».
ومنها: ما رواه
عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «واعلم أنّك إذا حلقت رأسك حلّ لك كلّ شيء إلّا النساء والطيب».
وهذه الروايات قد اتفقت على
التحليل بعد مناسك
منى من كلّ شيء عدا الطيب والنساء كما هو المشهور.
وفي مقابل هذه المجموعة طائفتان اخريان من الروايات:
الروايات التي تدلّ على أنّه يحلّ من كلّ شيء بعد رمي
جمرة العقبة إلّا النساء:
منها: ما رواه في
قرب الإسناد عن
الحسن بن علوان عن جعفر عن
أبيه عن
أمير المؤمنين عليهم السلام ، قال: «وإذا رميت جمرة العقبة فقد حلّ لك كلّ شيء حرم عليك إلّا النساء».
ومنها: ما يحكى عن
الفقه المنسوب إلى
الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: «واعلم أنّك إذا رميت جمرة العقبة حلّ لك كلّ شيء إلّا الطيب والنساء، وإذا طفت طواف الحجّ حلّ لك كلّ شيء إلّا النساء، فإذا طفت طواف النساء حلّ لك كلّ شيء إلّا الصيد، فإنّه حرام على المحلّ في الحرم، وعلى المحرم في
الحلّ والحرم».
ومنها:
معتبرة يونس بن يعقوب ، قال: قلت
لأبي الحسن موسى عليه السلام : جعلت فداك، رجل أكل
فالوذج فيه
زعفران بعد ما رمى الجمرة ولم يحلق؟ قال: «لا بأس».
ونوقش فيها: بأنّ الخبر الثاني غير ثابت عندنا؛ إذ
الفقه الرضوي لم يعلم كونه رواية فضلًا عن
اعتباره وعدمه، وأمّا معتبرة يونس فغير ظاهرة في كونه متعمّداً، ولعلّه كان ناسياً فسأل عن حكمه، ومع
تسليم الظهور فهي كموثّقة
الحسين بن علوان معارضة للروايات المتقدّمة الدالّة على عدم التحلّل بعد الرمي ما لم يذبح ويحلق، وحيث إنّ تلك الروايات صريحة في أنّ الحلية تحصل بعد الرمي والحلق أو التقصير وهذه الروايات ظاهرة في كفاية الرمي فيحمل الظاهر على الصريح.
وإن شئت قلت: إنّهما أشبه بالمطلق والمقيد، ومع فرض
التعارض و
التساقط فالمرجع ما دلّ على حرمة
ارتكاب هذه الامور ما لم يثبت تحليله، وهو ما بعد الرمي والحلق أو التقصير معاً، فإنّ هذا مقتضى
إطلاق دليل
التحريم كما أنّه مقتضى
الاستصحاب بناءً على جريانه في
الشبهات الحكمية .
الروايات التي تنصّ على أنّه يحلّ الطيب للمتمتّع عقيب الحلق:
منها: صحيحة
سعيد بن يسار ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن المتمتّع إذا حلق رأسه قبل أن يزور البيت، يطليه بالحنّاء؟
قال: «نعم، الحنّاء والثياب والطيب وكلّ شيء إلّا النساء» ردّدها عليّ مرّتين أو ثلاثاً، قال: وسألت أبا الحسن عليه السلام عنها، فقال: «نعم،
الحنّاء والثياب والطيب،
وكلّ شيء إلّا النساء».
ومنها: موثّقة
إسحاق بن عمّار ، قال: سألت
أبا ابراهيم عليه السلام عن المتمتّع إذا حلق رأسه، ما يحلّ له؟ فقال: «كلّ شيء إلّا النساء»،
لكنّه قد اجيب عنه: بأنّه قابل للتخصيص بما عرفت.
ومنها: روايتا
أبي أيّوب الخزّاز ، قال: رأيت أبا الحسن بعد ما ذبح وحلق ثمّ ضمد رأسه بمسك، ثمّ زار البيت وعليه قميص، وكان متمتّعاً.
ومنها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «سئل ابن عباس، هل كان
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتطيّب قبل أن يزور البيت؟ قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يضمد رأسه بالمسك قبل أن يزور البيت».
ومنها: صحيحة
عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال: ولد لأبي الحسن عليه السلام مولود بمنى فأرسل إلينا يوم النحر بخبيص فيه زعفران وكنّا قد حلقنا، قال عبد الرحمن: فأكلت أنا وأبى الكاهلي و
مرازم أن يأكلا منه، وقالا: لم نزر البيت، فسمع أبو الحسن عليه السلام كلامنا، فقال لمصادف- وكان هو الرسول الذي جاءنا به-: «في أيّ شيء كانوا يتكلّمون؟» فقال: أكل عبد الرحمن، وأبى الآخران، فقالا: لم نزر بعد البيت، فقال: «أصاب عبد الرحمن»، ثمّ قال: «أما تذكر حين اتينا به في مثل هذا اليوم، فأكلت أنا منه، وأبى عبد اللَّه أخي أن يأكل منه، فلمّا جاء أبي حرّشه عليَّ، فقال: يا أبه إنّ موسى أكل خبيصاً فيه زعفران ولم يزر بعد، فقال أبي: هو أفقه منك، أ ليس قد حلقتم رءوسكم».
وقد ذكرت وجوه للجمع بين هذه الطائفة وبين الأخبار التي استند إليها المشهور:
حاول
الشيخ الطوسي حمل رواية
سعيد بن يسار على أنّ الحاج متى حلق وطاف طواف الحجّ وسعى فقد حلّت له هذه الأشياء وإن لم تتعرض الرواية لذلك؛ لعلمه عليه السلام بأنّ المخاطب عالم بذلك، أو تعويلًا على غيرها من الأخبار.
ونوقش في
المحاولة المذكورة: بأنّها بعيدة، سيّما والرواية المتقدّمة- على ما في
الكافي - قد اشتملت على حلق الرأس قبل
الزيارة ، فهي صريحة في
بطلان هذا الحمل وإن كان الشيخ لم يذكر هذه الزيادة،
ومن هنا أجاب الشهيد عن هذه الرواية بأنّها متروكة.
وأجاب الشيخ الطوسي وغيره
عن الروايتين الأخيرتين بالحمل على الحاج غير المتمتّع؛ نظراً إلى أنّه يحلّ له كلّ شيء إلّا النساء على ما ستأتي
الإشارة إليه.
ويشهد لهذا التأويل ما رواه
محمّد بن حمران ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الحاج
يوم النحر ما يحلّ له؟ قال: «كلّ شيء إلّا النساء»، وعن المتمتّع ما يحلّ له يوم النحر؟ قال: «كلّ شيء إلّا النساء والطيب».
وبذلك أجاب بعضهم عن خبر أبي أيّوب الخزاز أيضاً.
وأورد
المحقّق الأردبيلي على هذه المحاولة بأنّ الفرق غير ظاهر، ورواية محمّد بن حمران غير ظاهرة الصحّة والدلالة على المطلوب، مع عدم ظهور القائل بالفرق عدا الشيخ الطوسي.
الأخذ بالطائفة الأخيرة وترجيحها على الاولى كما قال
المحقّق الأردبيلي : «والذي يقتضيه الأخبار الصحيحة أنّه يحلّ بالحلق من كلّ شيء إلّا من النساء»، ثمّ أجاب عن روايتي
عمر ابن يزيد ومنصور بن حازم وغيرهما- ممّا ذكر في مستند المشهور- بأنّها غير ظاهرة الصحّة، ويمكن حملها على
الاستحباب ، كما حمل خبر محمّد بن حمران على شدّة الاستحباب في حقّ المتمتع، إلّا أنّه استشكل في المسألة بعد ملاحظة دلالة صحيحتي العلاء والحلبي على عدم التحلّل من الطيب بالحلق.
وبناءً على هذا الوجه قال
السيد العاملي أيضاً: «لو قيل يحلّ الطيب للمتمتّع وغيره بالحلق على كراهة لم يكن بعيداً من
الصواب إن لم ينعقد الإجماع على خلافه».
واورد على هذه المحاولة: بأنّ الطائفتين من الأخبار متعارضتان، وأنّ حمل
الإحلال على الكراهة ليس من الجمع العرفي؛ لأنّ الإحلال وعدمه من المتناقضات التي لا يمكن الجمع بينهما لو كانا في كلام واحد. نعم، لو اجتمع النهي و
الترخيص أمكن حمل النهي على الكراهة.
قد يقال: إنّ
الأقرب حمل هذه الأخبار على
التقيّة ؛ لما صرّح به العلّامة في المنتهى.
وظاهره أنّ قائلون بتحليل الطيب بعد الحلق.
فإن ثبت ذلك واستقرّ التعارض ولم يمكن
الجمع العرفي بين الطائفتين من الروايات تعين ترجيح
الطائفة الاولى بمخالفتها للجمهور، وإلّا فتتساقط الطائفتان، والمرجع حينئذٍ إطلاق أدلّة حرمة
استعمال الطيب إلى أن يطوف طواف الحجّ وكذلك
استصحاب الحرمة كما تقدّم.
ثمّ إنّه أطلق بعض الفقهاء
تحريم الطيب على الحاج ما لم يطف، من غير فرق بين المتمتّع والقارن والمفرد.
بينما صرّح جماعة بأنّ تحريم الطيب بعد
التحليل الأوّل إنّما هو بالنسبة إلى المتمتّع، وأمّا
القارن والمفرد فيحلّ لهما الطيب بعد الحلق، أو رمي جمرة العقبة، بل قيل: إنّه المعروف بين الفقهاء.
وقال ابن أبي عقيل: «إذا رمى يوم النحر جمرة العقبة وحلق حلّ له لبس الثياب والطيب، إلّا المتمتّع فإنّه يكره له الطيب إلى أن يطوف طواف الزيارة ويسعى، فأمّا القارن والمفرد فلا بأس له بالطيب، فإذا طاف وسعى حلّ له النساء والطيب»وحكى عن
ابن الجنيد نحوه .
واستدلّ عليه
بخبر محمّد بن حمران، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الحاج غير المتمتّع يوم النحر ما يحلّ له؟ قال: «كلّ شيء إلّا النساء»، وعن المتمتّع ما يحلّ له يوم النحر؟ قال: «كلّ شيء إلّا النساء والطيب».
ونحوه خبر جميل.
وبالجمع بين الروايات المتعارضة بذلك كما تقدّم عن الشيخ قدس سره. ولكن تقدّم
الإشكال فيه والإشكال في
الاستدلال بخبر حمران، فيكون مقتضى أدلّة تحريم الطيب على المحرم ما لم يطف بالبيت والاستصحاب بقاء الحرمة في حجّ
الإفراد والقران أيضاً حتى يطوف ويسعى.
ثمّ إنّه صرّح بعض الفقهاء بكراهة لبس المخيط أو استحباب تركه على المحرم حتى يفرغ من طواف الزيارة.
قال الشيخ الطوسي: «يستحب أن لا يلبس الثياب إلّا بعد
الفراغ من طواف الزيارة، وليس ذلك بمحظور».
وصرّح ابنا حمزة وإدريس بمثله أيضاً.
وقال
المحقّق الحلّي : «يكره لبس المخيط حتى يفرغ من طواف الزيارة».
وذكر
العلّامة الحلّي نحوه في المنتهى والشهيد في
الدروس .
وأضاف بعضهم إلى ذلك
تغطية الرأس ، وقالوا ببقاء كراهتهما بعد الطواف إلى أن يسعى.
والمستند في المسألة هو الأخبار
:
منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن
إدريس القمّي ، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: إنّ مولى لنا تمتّع، فلمّا حلق لبس الثياب قبل أن يزور البيت، فقال: «بئس ما صنع»، فقلت: أ عليه شيء؟ قال: «لا»، قلت: فإنّي رأيت ابن أبي سماك يسعى بين الصفا والمروة وعليه خفّان وقباء ومنطقة، فقال: «بئس ما صنع»، قلت: أ عليه شيء؟ قال: «لا».
ومنها: صحيحة
محمّد بن مسلم ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل تمتّع بالعمرة فوقف بعرفة ووقف بالمشعر ورمى الجمرة وذبح وحلق، أ يغطّي رأسه؟ قال عليه السلام: «لا، حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة»، قيل له: فإن كان فعل، قال: «ما أرى عليه شيئاً».
وهذه الرواية صريحة في النهي عن التغطية قبل السعي.
وقد حمل النهي في هاتين الروايتين على الكراهة جمعاً بينهما وبين ما تقدّم من الأخبار المتضمّنة
لإباحة ذلك بعد الحلق،
فإنّ بعض الأخبار صريح في ذلك كصحيح علاء، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: إنّي حلقت رأسي وذبحت وأنا متمتّع أطلي رأسي بالحناء؟ قال: «نعم، ومن غير أن يمسّ شيئاً من الطيب»، قلت: وألبس القميص وأتقنّع؟ قال: «نعم»، قلت: قبل أن أطوف بالبيت؟ قال: «نعم».
ونحوه ما رواه الشيخ الطوسي في الصحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: في رجل كان متمتّعاً فوقف بعرفات وبالمشعر وذبح وحلق، فقال: «لا يغطّي رأسه حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة، فإنّ أبي عليه السلام كان يكره ذلك ونهى عنه»، فقلنا: وإن كان فعل، قال: «ما أرى عليه شيئاً، وإن لم يفعل كان أحبّ إليّ».
نعم، مورد جميع الأخبار هو المتمتّع خاصّة، وفي بعضها
التصريح بعدم المنع في حقّ المفرد، ففي صحيح
سعيد الأعرج عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن رجل رمى الجمار وذبح وحلق رأسه أ يلبس قميصاً وقلنسوة قبل أن يزور البيت؟ فقال: «إن كان متمتّعاً فلا، وإن كان مفرداً للحجّ فنعم».
لكن ظاهر أكثر الفقهاء
الإطلاق ،
ولعلّ بعض الأخبار محمول على ضعف الكراهة في حقّ المفرد، لكنّ ذلك متوقّف على ثبوت
الكراهة على الإطلاق.
ثمّ إنّ ظاهر غير واحد من الفقهاء حلّية
أكل الصيد مطلقاً بعد الحلق أو التقصير، و
الاصطياد خارج الحرم، وذلك لأنّهم ذكروا بأنّ المحرم يحلّ بالحلق والتقصير من كلّ شيء إلّا الطيب والنساء، بل صرّح الشيخ الطوسي في الخلاف بجواز أكله.
بينما أطلق آخرون بقاء حرمة الصيد بعد الإحرام، ولم يذكروا للتحلّل منه موطناً خاصّاً، بل نسبه في
المدارك إلى أكثر الأصحاب.
وقال ابن الجنيد: «لا بأس بما ذبحه المحلّ من الصيد خارج الحرم أن يأكله المحلّ داخل الحرم، إلّا الحاج بقية الأيّام بمنى».
واستدلّوا عليه بإطلاق
الآية الكريمة، وبخبر معاوية بن عمّار عنه عليه السلام: «إذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلّا الصيد».
ولكن أجاب المحقّق النجفي عن الاستدلال بالآية: بأنّ المتيقّن منها ما إذا كان المحرم باقياً على إحرامه أو كان في الحرم، ولا يشمل ما إذا تحلّل وخرج إلى الحلّ قبل الطواف، كما هو ظاهر الآية.
وأمّا الاستدلال بالرواية فأجاب عنه:
بأنّ المراد بالصيد الصيد الحرمي لا الإحرامي لتحلّله منه بالحلق قبل طواف النساء،
فالمتّجه حينئذٍ العمل بالنصوص الدالّة على حصول التحلّل من
الصيد الإحرامي بالحلق، ثمّ قال في نهاية البحث على سبيل الاستحباب: «لا ينبغي ترك
الاحتياط »، بأن لا يتصرّف في الصيد حتى يطوف طواف النساء، حذراً من مخالفة الإجماع المستظهر من كلام العلّامة الحلّي، وإن ذكر بأنّه لم يتحقّقه.
والظاهر من أكثر الفقهاء المعاصرين، بل صريح بعضهم لزوم
الاجتناب عن الصيد من حيث الحرم لا من حيث
الإحرام ، قال السيد اليزدي: «ثمّ يحلق أو يقصّر فيحلّ من كلّ شيء إلّا النساء والطيب، والأحوط اجتناب الصيد أيضاً، وإن كان
الأقوى عدم حرمته عليه من حيث الإحرام»،
والظاهر موافقة أكثر المعلّقين له.
وذهب بعض المحقّقين إلى بقاء حرمة الصيد الإحرامي حتى بعد طواف النساء إلى اليوم الثالث عشر، قال
السيد الخوئي : «مقتضى بعض النصوص المعتبرة بقاء حرمة الصيد الإحرامي حتى بعد طواف النساء كصحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة، فإنّ الظاهر بقاء حرمة الصيد الذي حرّمه الإحرام ونشأ من الإحرام.
ومن الواضح أنّ الصيد الحرمي ليس ممّا حرّمه الإحرام، فحمل قوله: «إلّا الصيد» على الصيد الحرمي- كما صنعه صاحب الجواهر- ليكون
الاستثناء من
الاستثناء المنقطع بعيد جداً، بل الظاهر أنّ الاستثناء متصل والمراد بالصيد هو الصيد الإحرامي وممّا يدلّ على حرمة الصيد الإحرامي حتى بعد طواف النساء صحيح آخر لمعاوية بن عمّار، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: من نفر في النفر الأوّل متى يحلّ له الصيد؟ قال: «إذا زالت الشمس من اليوم الثالث».
ومعلوم أنّ المراد به الصيد الإحرامي؛ لأنّ الصيد الحرمي لم يحدّد باليوم الثالث عشر، بل هو محرّم ما دام كان في الحرم.
وفي صحيحة حمّاد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إذا أصاب المحرم الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأوّل، ومن نفر في النفر الأوّل فليس له أن يصيب الصيد حتى ينفر الناس، وهو قول اللَّه عزّ وجل: «فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ... لِمَنِ اتَّقى»،
فقال: اتّقى الصيد»،
فإنّ النفر الثاني للناس هو اليوم الثالث عشر.
فتحصّل: أنّه بملاحظة هذه الروايات تبقى حرمة الصيد الإحرامي إلى
زوال الشمس من اليوم الثالث عشر، ولكن حيث لا قائل بمضمون هذه الروايات- حتى أنّ صاحب الجواهر قال: لم نجد أحداً أفتى بذلك من أصحابنا، بل ولا من ذكر كراهته أو استحباب تركه أو غير ذلك
- فيكون الحكم بالحرمة وعدم التحلّل منه إلى الظهر من اليوم الثالث عشر يكون مبنيّاً على
الاحتياط اللزومي »،
وهذا هو مختار بعض المعاصرين أيضاً.
وقد يقال: إنّ هذه الروايات معارضة للكتاب وهو قوله تعالى: «وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا»،
فإنّه يدلّ على أنّ المحرم إذا صار محلّاً جاز له الصيد، والمفروض أنّه صار محلّاً بعد طواف النساء.
والجواب: أنّ الآية الشريفة إنّما هي في مقام بيان الكبرى الكلّية، وهي أنّ المحرم إذا صار محلّاً جاز له الاصطياد، ولا نظر فيها إلى وقت تحقّق الصغرى وأنّه بما ذا صار محلّاً، وهذه الروايات بعد تقييد بعضها بالآخر تنصّ على أنّه قد أحلّ منه بعد زوال الشمس من اليوم الثالث عشر، فإذن لا تنافي بين هذه الروايات والآية الشريفة.
ثمّ إنّ ظاهر كلمات بعض الفقهاء وصريح بعض آخر،
اعتبار فعل
المناسك الثلاثة بمنى، وهي: رمي جمرة العقبة والذبح والحلق في تحقّق التحلّل الأوّل، فلو حلق قبلهما أو بينهما لا يتحلّل إلّا بكمال الثلاثة.
وتعليق
التحلّل في الروايات على الحلق إنّما هو باعتبار وقوع الحلق أو التقصير آخر المناسك الثلاثة بحسب المرتكز المتشرعي.
هذا مضافاً إلى ورود التصريح بذلك في بعض الروايات، كما في صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة أنّه قال: «إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحلّ من كلّ شيء...».
ونحوها صحيحة العلاء.
مضافاً إلى أنّه مقتضى الاستصحاب.
مشهور فقهاؤنا بل لعلّه لا خلاف فيه أنّ المحرم بالحجّ يتحلّل من الطيب بالسعي الواقع بعد الطواف،
بل قيل: إنّه المشهور.
بل قال
السيد المرتضى في
الجمل : «فإذا طاف طواف الزيارة وسعى بين الصفا والمروة فقد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلّا النساء».
وقال الشيخ الطوسي: «ثمّ يطوف بالبيت اسبوعاً- كما قدّمنا وصفه- ويصلّي عند المقام ركعتين... ثمّ يأتي المروة ويطوف بينهما سبعة أشواط، يبدأ بالصفا ويختم بالمروة، فإذا فعل ذلك حلّ له كلّ شيء أحرم منه إلّا النساء، ثمّ ليرجع إلى البيت فيطوف به طواف النساء اسبوعاً، يصلّي عند المقام ركعتين، وقد حلّ له النساء».
واستدلّ له- مضافاً إلى إطلاق دليل التحريم وكذلك استصحاب تحريم الطيب- ببعض الروايات
:
منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «... فإذا زار البيت وطاف وسعى بين الصفا والمروة فقد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلّا النساء...».
ونحوها صحيحته الاخرى.
ومنها: رواية منصور بن حازم، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الرجل رمى وحلق أ يأكل شيئاً فيه صفرة؟ قال: «لا، حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة، ثمّ قد حلّ له كلّ شيء إلّا النساء حتى يطوف بالبيت طوافاً آخر، ثمّ قد حلّ له النساء».
وبهذه الروايات يقيّد أو يفسّر ما قد يكون ظاهره تعليق الاحلال من الطيب على زيارة البيت أو طوافه
كما في رواية منصور بن حازم و
مفضل بن عمر .
ثمّ إنّ المعروف بين المتقدّمين والمتأخّرين توقّف التحلّل من الطيب على
صلاة الطواف بعد طواف الزيارة ثمّ السعي،
وهذا هو الظاهر ممّن قال: إنّ التحلّل الثاني يحصل بالطواف والسعي، إذ من البعيد عدم توقّف ذلك على صلاة الطواف.
والدليل عليه هو الأخبار:
منها: ما في صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «... ثمّ طف بالبيت سبعة أشواط كما وصفت لك يوم قدمت مكّة، ثمّ صلّ عند
مقام إبراهيم ركعتين، تقرأ فيهما ب «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» و «قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ»، ثمّ ارجع إلى
الحجر الأسود فقبّله إن استطعت واستقبله وكبّر، ثمّ اخرج إلى الصفا فاصعد عليه واصنع كما صنعت يوم دخلت مكّة، ثمّ ائتِ المروة فاصعد عليها وطف بينها سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شيء أحرمت منه إلّا النساء، ثمّ ارجع إلى البيت وطف به اسبوعاً آخر، ثمّ تصلّي ركعتين عند مقام
إبراهيم عليه السلام ، ثمّ قد أحللت من كلّ شيء، وفرغت من حجّك كلّه، وكلّ شيء أحرمت منه»،
إلّا أنّ
الشهيد الثاني قال: «لا يتوقّف التحلّل بالطوافين على صلاتهما، أمّا طواف النساء فظاهر؛ إذ لا مدخل لصلاته في مفهومه، وأمّا طواف الزيارة فإن أوقفنا التحلّل على السعي توقّف على الصلاة أيضاً؛ لأنّها متقدّمة عليه، وإلّا لم يتوقّف عليها، ويمكن أن يقال بعدم التوقّف عليها وإن حكم بوجوب تقديمها على السعي؛ لأنّ ذلك وجب من حيث ترتيب الأفعال لا من حيث الشرطية في الحلّ. وتظهر الفائدة فيما لو نسيهما إلى أن سعى، فعلى كونهما جزءاً من الشرط يتوقّف الحلّ عليهما، وعلى العدم لا، وهو الأجود».
وقال
الفاضل الهندي في التحلّل الثاني: «لا يتوقّف على صلاة الطواف؛ لإطلاق النص والفتوى».
وقال في التحلّل الثالث: «فإذا طاف طوافاً للنساء حللن له اتفاقاً، صلّى أم لا؛ لإطلاق النصوص والفتاوى، إلّا فتوى
الهداية و
الاقتصاد ».
وأمّا قول
الإمام الصادق عليه السلام في صحيحة معاوية: «ثمّ ارجع إلى البيت وطف به اسبوعاً آخر، ثمّ تصلّي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام، ثمّ قد أحللت من كلّ شيء وفرغت من حجّك كلّه، وكلّ شيء أحرمت منه»،
فيجوز أن يكون لتوقّف الفراغ عليها.
وخالفه في ذلك أكثر من تأخّر عنه؛ بل المعروف بين الفقهاء في الأزمنة المتأخّرة توقّف حلّ الطيب على الامور الثلاثة، وهي: طواف الزيارة وصلاته والسعي، ولم يوجد فيه مخالف.
وأجابوا عمّا ذكر من إطلاق النصّ والفتوى بأنّ الإطلاق غير ظاهر؛ لشيوع تقدّم الصلاة على السعي المتأخّر عنه التحليل؛ إذ لا يجوز تقدّم السعي على الصلاة، بل يمكن دعوى
انسياق اندراج صلاة الطواف فيه؛ إذ الصلاة من توابعه فيصلح ذلك
للاعتماد عليه في البيان، هذا مضافاً إلى خبر المروزي المتقدّم فإنّه كالصريح في توقّف حلّ الطيب على الصلاة أيضاً، ولا يمكن حمل ذلك على أنّ لزوم الصلاة لتوقّف الفراغ عليها.
ثمّ إنّه يستحبّ ترك التطيّب حتى يفرغ من طواف النساء
لئلّا يشتغل به عن
أداء المناسك؛ ولأنّه من دواعي شهوة النساء، ولصحيحة
محمّد بن إسماعيل ، قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام: هل يجوز للمحرم المتمتّع أن يمسّ الطيب قبل أن يطوف طواف النساء؟ قال: «لا»،
وهي محمولة على الكراهة جمعاً بين الأخبار.
يجب على المحرم طواف النساء في غير
عمرة التمتّع بعد السعي، والمشهور
بينهم أنّ المحرم إذا طاف طواف النساء فقد حلّت له النساء، وأنهنّ لا يحللن له قبل ذلك، بل عليه دعوى
الإجماع من غير واحد،
وهو منصوص عليه في عدّة روايات قد تقدّم بعضها
نحو رواية منصور بن حازم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «... ثمّ قد حلّ له كلّ شيء إلّا النساء حتى يطوف بالبيت طوافاً آخر، ثمّ قد حلّ له النساء»،
ومنها: صحيحة معاوية بن عمّار: «وعليه طواف بالبيت- إلى أن قال:- وطواف بعد الحجّ وهو طواف النساء».
وإن خالف في ذلك
ابن أبي عقيل ، فإنّه قال: «فإذا فرغ من الذبح والحلق زار البيت، فيطوف به سبعة أشواط ويسعى، فإذا فعل ذلك أحلّ من إحرامه، وقد قيل في رواية شاذة عنهم: إنّه «إذا طاف طواف الزيارة أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلّا النساء حتى يرجع إلى البيت فيطوف به سبعاً اخر، ويصلّي ركعتي الطواف، ثمّ يحلّ من كلّ شيء»».
والكلام في توقّف التحلّل من النساء على صلاة طواف النساء هو الكلام في صلاة طواف الزيارة، فالمشهور هو التوقّف على ذلك؛ لأنّه جزء من الطواف حقيقة، مضافاً إلى صراحة بعض النصوص في ذلك.
ثمّ إنّ الوارد في كلمات بعضهم- كما في
القواعد وغيره
- أنّ المحرّم في فرض ترك طواف النساء هو الوطء وما في حكمه من التقبيل والنظر واللّمس بشهوة دون العقد وإن كان قد حرم بالإحرام؛ لإطلاق الأخبار والفتاوى بإحلاله
بإتيان سائر المناسك قبل طواف النساء من كلّ شيء أحرم منه إلّا النساء، والمفهوم منه بقاء حرمة
الاستمتاع بهن لا العقد عليهن.
ولكن الشهيد قطع بحرمة العقد؛
للأصل،
وتبعه عليه
المحقّق الكركي والنجفي،
واختاره بعض المعاصرين، فقالوا بعدم حلّ النساء وما يرتبط بهنّ من
العقد و
الشهادة عليه، بل والخطبة أيضاً.
واختار السيد الخوئي الأوّل، فقال: «الظاهر جواز العقد له بعد طوافه (أي طواف الزيارة) وسعيه ولكن لا يجوز له شيء من الاستمتاعات المتقدّمة على الأحوط وإن كان الأظهر
اختصاص التحريم بالجماع»،
وتبعه على ذلك بعض الفقهاء.
واستدلّ لذلك بقوله: «أمّا بالنسبة إلى العقد و
الإشهاد فلا ينبغي الريب في الجواز؛ لأنّ المتفاهم من النساء هو الاستمتاعات منهن، فالظاهر جواز العقد له بعد الحلق. ودعوى أنّ مقتضى الاستصحاب حرمة العقد أيضاً... مدفوعة أوّلًا بأنّه من الاستصحاب في الأحكام الكلّية، ولا نقول به... وثانياً بأنّه يكفي في
رفع اليد عن ذلك صحيحة
الفضلاء ؛ لقوله عليه السلام: «ثمّ طافت طوافاً للحجّ، ثمّ خرجت فسعت، فإذا فعلت ذلك فقد أحلّت من كلّ شيء يحلّ منه المحرم إلّا فراش زوجها»،
فإنّه يدلّ على أنّه لو طاف طواف الحجّ وسعى فقد حلّ له كلّ شيء إلّا فراش زوجها المراد به الوطء خاصة، ولا شك في أنّ فراش زوجها لا يشمل العقد ولا الإشهاد عليه قطعاً».
وقال أيضاً: «إنّ المستفاد من النصوص أنّه لو لم يأت بطواف النساء حرم عليه من النساء خصوص
الجماع ، وأمّا بقية الاستمتاعات فتحلّ له، وأمّا بالنسبة إلى ما بعد الحلق أو التقصير فمقتضى إطلاق النساء حرمة بقية الاستمتاعات، ولكن مقتضى صحيح الحلبي جواز الاستمتاعات بعد الحلق، وبقاء حرمة الجماع خاصة، فقد روي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح، فقال: «ربما أخّرته حتى تذهب أيّام التشريق، ولكن لا تقربوا النساء والطيب»،
فإنّ الظاهر من قرب النساء هو الجماع، كما في قوله تعالى: «وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ»،
فيعلم أنّ الممنوع بعد الحلق إنّما هو الجماع والطيب، وأمّا بقية المحرمات فتحلّ بعد الحلق حتى العقد عليهن والاستمتاعات بهنّ.
بقي هنا شيء: وهو أنّه قد ورد في صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام وجوب
الكفّارة على من قبّل
امرأته قبل طواف النساء، فيعلم من ذلك حرمة بقية الاستمتاعات قبل طواف النساء، وإلّا لو كانت جائزة لم تثبت فيها الكفّارة. قال: سألته عن رجل قبّل امرأته وقد طاف طواف النساء ولم تطف هي، قال: «عليه دم يهريقه من عنده».
والجواب عن ذلك: أنّه لا عامل بهذه الرواية
أصلًا ، ولم يقل أحد من الفقهاء بلزوم الكفّارة على المحلّ وإن كانت المرأة بعد لم تطف طواف النساء. وقال الشيخ صاحب
الجواهر في ذيل هذه الصحيحة:
ولم يحضرني أحد عمل به على جهة الوجوب، فلا بأس بحمله على ضرب من الندب؛ لأنّ الفرض كونه قد أحلّ، فلا شيء عليه إلّا
الإثم إن كان... فالخبر لا عامل به أصلًا، على أنّ دلالتها بالإطلاق؛ لأنّه لم يرد فيها أنّها طافت طواف الحجّ أو قصّرت، بل ورد فيها أنّها لم تطف طواف النساء، وذلك مطلق من حيث إنّها قصّرت أم لا، أو طافت طواف الحجّ أم لا؟».
وفصّل بعضهم بين الاستمتاعات وبين العقد والشهادة، فقال: «الظاهر أنّ ما يحرم عليه من النساء بعد الحلق أو التقصير لا يختصّ بالجماع بل يعمّ سائر الاستمتاعات التي حرمت عليه بالإحرام.
نعم، يجوز له بعده العقد على النساء والشهادة عليه على الأقوى».
ثمّ إنّه صرّح بعض الفقهاء-
كالشهيد الأوّل - بأنّه متى طاف الطوافين، أي طواف الزيارة وطواف النساء، وسعى قبل الموقفين في موضع الجواز فليس له إلّا تحلل واحد، وهو عقيب الحلق أو التقصير بمنى، ولو كان المتقدّم طواف الزيارة وسعيه خاصة كان له تحلّلان: أحدهما:
عقيب الحلق ممّا عدا النساء. والثاني: بعد طواف النساء لهن، وهو مختار بعض آخر،
لكن تقدّم من ثاني الشهيدين أنّه يتحلّل من الطيب بمجرّد طواف الزيارة وسعيه حتى لو تقدّم. وبناءً على ذلك فلو قدّم طواف النساء فقد تحلّل به من النساء، إلّا أنّه يلزم على ذلك أن تكون المحلّلات ثلاثة، سواء قدّم الطوافين أو أخّرهما، أو قدّم أحدهما.
الموسوعة الفقهية، ج۶،ص۶۴۴-۶۷۵.