الإرث
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو مايورث من الميت بسبب أو نسب.
الإرث- بالكسر- أصله الورث،
مصدرُ وَرِث، يَرِث وِرثاً ووِرثة ووِراثة ووُرّاثاً فأُبدلت الواو همزةً وتاءً فصار إرثاً
وتراثاً. وكذا الياء في الميراث.
ومن معانيه:
الأصل والبقيّة من الشيء،
والأمر القديم الذي توارثه الآخر عن الأوّل،
وأن يكون الشيء لقوم ثمّ يصير إلى آخرين بنسب أو سبب.
وقد يطلق (الإرث) و (الميراث)، و (التراث)، ويراد منها: الموروث، حيث قال: «الوراثة والإرث: انتقال قنية إليك عن غيرك من غير
عقد، ولا ما يجري مجرى العقد، وسمّي بذلك المنتقِل عن
الميّت، فيقال
للقنية الموروثة: ميراث وإرث».،
ويقاربه على هذا الإطلاق في المعنى
التركة.
لا يوجد لدى
الفقهاء لكلمة الإرث معنىً غير المعنى المعروف الذي هو أحد معانيها اللغوية، حيث قيل: «الظاهر أنّ الإرث غير منقول عن معناه اللغوي، بل الاستحقاق أحد معانيه».
وإنّما اختلفت كلماتهم في تحديد ما يكون ميراثاً
شرعاً ومن يستحقّه.
فعرّف
الشهيد الأوّل الميراث: ب «ما يستحقّه إنسان
بموت آخر بنسب أو سبب بالأصالة».
وقال
الشهيد الثاني: هذا إذا كان الميراث مأخوذاً من الموروث، وأمّا إذا كان مأخوذاً من الإرث فهو «استحقاق إنسان
بموت آخر بنسب أو سبب شيئاً بالأصالة».
فدخل بقيد: (ما يستحقه)
المال عيناً ومنفعةً، والحقوق المالية
كالخيار والشفعة، وغير المالية
كالقصاص وحدّ القذف، وخرج بقوله: (بسبب أو
نسب)
الوصية للغير، وبقيد (
بالأصالة) الوقف المترتّب على
الأولاد ثمّ على أولادهم؛ لأنّه ليس بأصل
الشرع بل بسبب عروض الوقف.
لكن اورد عليه بأنّه لم يشمل
المرتد عن
فطرةٍ؛ فإنّه يُورّث وإن كان حيّاً.
ولهذا عرّفه
الفاضل النراقي: بأنّه «حقّ منتقل من ميّت حقيقةً أو
حكماً إلى حيٍّ كذلك ابتداء، فدخل في الحدّ الحقّ المالي وغيره كالحدّ، ودخل بقولنا: (حكماً) في الموضعين
المرتدّ الفطري وإن لم
يقتل، والمفقود
والحمل والغريق ونحوه...».
وهي جمع
فريضة من الفرض بمعنى الحزّ والقطع والتوقيت
والتقدير والإيجاب والتحديد.
وفي
عرف الفقهاء بشكل عامّ مرادف
للواجب،
وقد تطلق ويراد منها ما ثبت
بالكتاب قبال ما ثبت
بالسنّة، حيث قال- في مقام الجمع بين الأخبار الدالّة على أنّ
غسل الجمعة فريضة والدالّة على أنّه سنّة-: «وأنت خبير بأنّ الجمع بينها بحمل السنة على ما ثبت بالسنّة، والفريضة على ما ثبت وجوبه بالكتاب غير بعيد... وهو اصطلاح
الصدوق، كما يشعر به قوله: (الغسل كلّه سنّة ما خلا
غسل الجنابة)، وهذا الذي اصطلح عليه قدّس اللَّه روحه ليس من مخترعاته، بل ورد في كثير من
الأخبار عن
أئمّتنا عليهم السلام، كما رواه الشيخ في
التهذيب عن
الرضا عليه السلام بطرق عديدة: «أنّ الغسل من الجنابة فريضة
وغسل الميّت سنّة»، قال الشيخ: يراد أنّ فرضه عرف من جهة السنّة؛ لأنّ
القرآن لا يدلّ على فرض غسل الميّت»..
ومنه إطلاق الفرائض على السهام الستّة التي بيّنها اللَّه تعالى في
الكتاب المجيد على سبيل التفصيل «ويظهر ذلك لمن لحظ أخبار بطلان العول حيث يقول
أبو جعفر عليه السلام: «إنّ الفرائض لا تعول على أكثر من ستّة»..
نعم، فرّقوا بين الفريضة والفرائض، فأطلقوا
الفريضة على مطلق السهام ولو الحاصلة من
السنّة وآية
اولي الأرحام،
وأطلقوا الفرائض على خصوص السهام المفروضة في الكتاب على التفصيل.
فالإرث أعمّ من الفريضة إن اريد بها المفروض بالتفصيل، أمّا إن اريد بها ما يعمّ المفروض
بالإجمال كإرث اولي الأرحام فهو بمعناه،
لكن مع ذلك يبقى هو أعمّ من جهة شموله للحقوق المالية وغيرها واختصاصها بالاولى، ولاعتبار التقدير في الفريضة وعدم اعتباره في الإرث، والقول بتساويهما
بإرادة ما يشمل غير المقدّر من الفرائض ولو بالتغليب إنّما يفيد لو اريد منها ما يشمل غير الماليّة أيضاً،
وإطلاقها عليه غير متعارف،
ومن ثمّ كان التعبير بالمواريث أولى من التعبير بالفرائض.
ولكنّ الكثير من
الفقهاء عنونوا كتاب الإرث ب (
كتاب الفرائض)، إمّا تغليباً لكون السهام المخصوصة هي الأصل في الباب، أو تبعاً للنص ففي
النبوي: «تعلّموا الفرائض وعلّموها الناس...».
تركة الميّت ميراثه وتراثه المتروك،
ومنه قوله تعالى: «وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ».
وهي أعمّ من الإرث؛ لشمولها لما يورث وما لا يورث من
الأعيان التي تعلّق حقّ الغير بها
والأموال التي يحتاج إليها في
التجهيز،
وقضاء الديون وما بقي
للموصى لهم والورثة.
إنّ لأصل الوراثة والتوارث في نظر
الشارع نوع امتياز ومزيد تشرّف
حيث وصف سبحانه وتعالى
ذاته المقدّسة بالوارث، في قوله تعالى: «إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَ مَنْ عَلَيْهَا وَ إِلَيْنَا يُرْجَعُونَ».،
وجميع ما في السماوات والأرض بالميراث، في قوله تعالى: «وَ لِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ».؛
لبقائه بعد
فناء كلّ شيء، فيرجع جميع
ملك العباد إليه وحده لا شريك له.
ثمّ أخبر عن نعمة الوراثة
لأنبيائه عليهم السلام، وطلبهم من اللَّه تعالى ذلك، في قوله تعالى: «رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَ أَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ».،
وإعطائه سبحانه كرامة لهم؛ لقوله تعالى إخباراً على لسان زكريّا عليه السلام: «فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا• يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا»،
وقوله تعالى: «وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ».
وجعل اللَّه تعالى التوارث
قانوناً عاماً لكلّ الناس، في قوله تعالى: «وَ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَ الْأَقْرَبُونَ».،
ولم
يحرم منه إلّا من ليس له عزّة
الإسلام والولاية وحرمة
النفس وطيب
الولادة.
ثمّ اعتنى جلّ شأنه فضل اعتناء في تفصيل مسائله وبيان مقاديره بقدر لا يحتمل الزيادة والنقصان دون غيره
كالصلاة والزكاة وغيرهما من
العبادات التي ذكرها مجملة، وتولّى سبحانه بنفسه بيان نصب الورثة وأوصى بها حتى لا تسول
للإنسان نفسه أن يزيد أو ينقص فيها في قوله تعالى: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ»،
وقوله تعالى: «يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ»،
وغيرهما من آيات المواريث.
وبعد أن بيّن تعالى شأنه نصيب كلّ وارث حذّر من يتعدّى حدوده سبحانه فقال: «تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ• وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَ لَهُ عَذابٌ مُهِينٌ».
وكذا جاء
الحثّ والتحذير على لسان
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حيث حذّر
أصحابه من ظهور الفتنة المقبلة والاختلاف الهادم
لدينهم بعد قبضه صلى الله عليه وآله وسلم بإهمالهم الفرائض وتعدّيهم الحدود، فقد روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «تعلّموا
القرآن وعلّموه الناس وتعلّموا
الفرائض وعلّموها الناس، فإنّي امرؤٌ مقبوضٌ وسيقبض العلم وتظهر الفتن حتى يختلف الرجلان في فريضة ولا يجدان من يفصل بينهما».
وفي رواية اخرى: «تعلّموا الفرائض وعلّموها الناس، فإنّها نصف العلم، وهو يُنسى، وهو أوّل شيء ينتزع من امّتي».
وما روي عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال:
«قال
أمير المؤمنين عليه السلام:... يا أيّتها الامّة المتحيّرة بعد نبيّها لو كنتم قدّمتم من قدّم اللَّه، وأخّرتم من أخّر اللَّه، وجعلتم
الولاية والوراثة حيث جعلها اللَّه ما عال
وليّ اللَّه ولا عال سهم من فرائض اللَّه...».
فتراه صلى الله عليه وآله وسلم كيف قرنه
بالكتاب المجيد محذّراً بذهابه ليحرّك
النفوس عليه ويبعث الهمم إليه، ثمّ لم يرض حتى جعله نصف
العلم وإنّما هو باب من أبوابه وشعبة من شعبه؛ إعلاناً لشأنه وتنويهاً بمكانه ليحتفل به ويهتمّ بحفظه لشدّة غموضه وكثرة تشعّبه، مع مسيس الحاجة وقوّة
الداعي فإنّه
المال الذي
يتهالكون فيه ويتنافسون في جمعه.
الإرث من الامور
الفطرية التي تدعو إليها طبيعة البشر لتنظيم حياتهم، فلذا عرفته
الإنسانية منذ القدم، وتعرّضت له
الشرائع السماوية والأعراف الإنسانية قديماً وحديثاً.
كلّ ذلك لتلبية النزعات الفطرية عند الإنسان من حبّه
التملّك، وحبّه أن يصل ما يملكه بعد
موته إلى أولى الناس به.
وقد مرّت عليه أطوار كان يختلف مصداق (أولى الناس به) برهة بعد برهة حتى وصل إلى الحالة العادلة التي نراها في
الإسلام، فلا تخلو امّة من الامم من نظام إرث يتماشى مع
اصولها الفكرية والاجتماعية وظروفها المعيشية:
عثر على وثائق قانونية مكتوبة
بالخطوط المسمارية من أقدم حضارات العالم في
العراق (
السومريون والآشوريون والبابليون) تمثل
قانون (اور- نموّ) وقانون (لبت- عشتار) و (آشنونا) وقانون (حمورابي) يتعرض فيه لنظام الإرث عندهم.
فكانوا يهتمّون
بالاسرة ويحافظون عليها، فإذا مات أحد أفراد الاسرة غير
ربّ الاسرة كان ربّ الاسرة أولى به ويرثه ويتصرّف بماله حسب ما يراه من المصلحة.
فإذا مات ربّ الاسرة فله أن يفضّل أحد أبنائه على الباقين بنصيب إضافي يثبته قبل موته بوثيقة قانونية ويشاركهم في بقية التركة بالتساوي.
ويبدو منهم أنّهم يفضّلون
الأولاد الذكور بحظّ أوفر على
الإناث،
والزوجة تشارك الأولاد ولها حظّ مساوي معهم. وإذا كان أحد أولاد
الميّت لم يتزوّج بعد يضاف إلى حصّته ما يقابل المهر ليساوي بقيّة إخوته، وكذا إذا لم تتزوّج إحدى بناته فعلى إخوتها أن يقدّموا لها ما يعادل حصّتها ويزوّجوها حتى تتساوى مع بقية أخواتها.
وإذا اقترف الابن اثماً بحقّ والديه يقيم عليه الأب دعوى في
القضاء ويطلب اعفاءه من
حرمان الإرث، فإذا تكرّر منه ذلك ثانية حرم من الإرث.
وأمّا قدماء
الرومان فكانوا يرون للُاسرة استقلالًا مدنيّاً فكانت تستقلّ في
الأمر والنهي والجزاء والسياسة ونحو ذلك، وكلّ اسرة لها ممثل قوي في كيان الدولة يحتلّه ربّ الاسرة.
ولربّ الاسرة ولاية مطلقة على أفراد وأموال الاسرة فلا يملك غيره من أفراد الاسرة إلّا بإذنه وإرادته.
وجاء نظام الإرث عندهم قائماً على دعامتين:
حفظ سلطة ربّ الاسرة فكان هو وارث الجميع، فإذا مات بعض أبناء البيت عمّا ملكه بإذنه فإنّ أولى الناس به ربّ الاسرة؛ لأنّه مقتضى ربوبيّته المطلقة وملكه
المطلق للبيت وأهله.
وإذا مات ربّ الاسرة يرثه أحد
أبنائه أو
اخوانه ممّن كان وارثاً لربوبيته، وأمّا غيره فإن أسّسوا بيوتاً جديدة كانوا أربابها، وإن بقوا في بيتهم القديم كانوا تحت
قيمومة الربّ الجديد
وولايته المطلقة.
حفظ ثروة الاسرة، وعليه تراهم يورثون أولاد الظهور دون أولاد البطون، ولا إرث لمن يستقل عن الاسرة من الأولاد أو
عبد تحرّر عن
سيّده، بينما يرث الابن غير المستقل والعبد الموصى إليه، والابن
بالتبني؛ لأنّه لا زال تحت
سلطة ربّ الاسرة.
وأمّا
النساء كالزوجة
والبنت والاخت والام فلم يكن يرثن لئلّا ينتقل
مال الاسرة بانتقالهنّ إلى اسرة اخرى
بالزواج، فكانت المرأة لا ترث
والدها ولا ولدها ولا أخاها ولا بعلها ولا غيرهم.
وطرأت إصلاحات على هذا النظام باتّخاذ القرابة قاعدة للميراث، فحصر الميراث في طبقات ثلاث لا يرث المتأخّر منها مع المتقدّم وهي الفروع والاصول ثمّ الحواشي.
والفروع كلّهم يرثون مع اختلاف درجاتهم، وأمّا الاصول والحواشي فالأقرب منهم يحجب الأبعد، ومن كان أقوى قرابة يحجب الأضعف، فإذا لم توجد قرابة قريبة فالبعيدة ترث، وكلّ طبقة أو درجة يرث
ذكورها وإناثها بالتساوي، فإن انعدمت كلّ القرابات كانت تركته
للإمام أو
لبيت المال. وبقيت
آثار هذا النظام واضحة في الدول الغربيّة الحديثة على الرغم من إجراء إصلاحات عليه.
.الميزان (مقدمة تفسير سورة النساء).
أمّا قدماء
اليونان فلاشتغالهم المستمر في الحروب واهتمامهم بمن يخلف
الميّت ويسدّ مسدّه في الحروب
والغزوات كانوا يعتبرون أموال الاسرة كجزء من الثروة العامة ورب العائلة المتصرّف بهذه الأموال
كوكيل عن الحكومة في إدارة الأموال، وهو مع ذلك لا ينافي أن يملك كلّ فرد من المجتمع شيئاً من هذا
الملك العام اختصاصاً.
وكان
للرجل حقّ اختيار من
يخلفه في ماله ويقوم مقامه في
رئاسة اسرته وأولاده، ولا بدّ أن يتماشى هذا الاستخلاف مع مصلحة
الوطن وتوافقه
القبيلة وترضى عنه، ولذلك إذا مات ربّ الاسرة يعيّن
القضاء خلفه وفق
وصيّة يوصي بها، بشرط أن يكون الوصي قادراً على تدبير شئون
الاسرة وإدارة الأموال ودفع
العدوان. وعلى أساس ذلك فلا مجال لتوريث المرأة والضعاف والصغار عندهم.
وأمّا الأب عندهم فلم يكن له حقّ التصرّف في أمواله إلّا بعد مراعاة مصلحة الاسرة والوطن، وله أن يؤثر بعض
أبنائه على بعض في الميراث وليس له أن يحرم أحداً منهم حرماناً تامّاً.
وإذا لم يكن له وصيّة فإنّ القانون يقضي بمساواة جميع أبنائه في الميراث، وإن لم يكن له أبناء فله أن يوصي بماله لمن يشاء حسب الضوابط العامّة.
وإذا مات ولم يوص ورثه إخوته، ثمّ أبناؤهم ثمّ
أبناء أبنائهم ثمّ
أعمامه ثمّ
أخواله، فإن لم يكن من هؤلاء أحد بحثوا عن أرشد الذكور من أقرباء
ربّ الاسرة لتوريثه، فإن لم يوجد فأحد الذكور من اسرة زوجة ربّ الاسرة فيعطونه الميراث، فيكون له كلّ ما لربّ الاسرة من وظائف وحقوق.
وأمّا قدماء الفرس فكانوا يعتمدون نظام الاسرة وصيانة شرف
النسب وحفظ
أملاك الاسرة والمحافظة على التمسّك
بديانة الآباء والأجداد ونظام
الاقطاع وتعدّد الزوجات
ونكاح المحارم وسيادة الزوجة الممتازة في البيت، فراعوا في نظام الإرث هذه الاسس.
فإذا مات ربّ الاسرة أخذ مكانه
أرشد الأبناء، فإن لم يكن له ولد له هذه القدرة فالزوجة الممتازة فتتصرّف في
التركة بما يناسب إدارة الاسرة والمحافظة عليها.
كما أنّهم يساوون بين الابن
والبنت ما لم تتزوّج، فإذا تزوّجت لا ترث، فيحرمون بقيّة الزوجات والبنت المزوّجة، ويورثون الزوجة الكبيرة، والابن
والدعي والبنت غير المزوّجة.
ومن موانع الإرث عندهم خروج ربّ الاسرة عن
دين آبائه،
وعدم برّ الولد أباه كما يجب.
وأمّا قدماء المصريّين فقد غلب على مجتمعهم المشاركة الاجتماعية في حراثة وزراعة وجني المحاصيل، فكانوا يعيشون شركاء في منافع
الأرض، وليس لهم حقّ في تلك الأراضي، والمالك الوحيد للأراضي هم الفراعنة.
فإذا مات عندهم ربّ الاسرة حلّ محلّه أكبر الذكور في الاسرة في
إدارة زراعة الأرض والانتفاع بها، وأمّا بقيّة
الأموال ممّا تركه ربّ الاسرة فجميع الأولاد ذكوراً
وإناثاً فيها سواء عندهم، وكذا
الزوج والزوجة يرث بعضهم بعضاً.
ولا يقف الميراث عندهم عند هذا الحدّ، بل تشترك في ذلك الاصول والحواشي من الإخوة والأخوات
والأعمام والعمّات والأخوال والخالات. نعم، كانوا لا يورثون
الأبناء غير
الشرعيّين.
وأمّا
اليهود فكانوا غالباً يعيشون في المجتمع كمجموعات متماسكة ويتّخذون من
رءوس أموالهم الضخمة سلاحاً لتحقيق مصالحهم، فلذا كانوا
يحرصون على جمع
المال والمحافظة عليه من التشتّت، فنظام الإرث تحكّم للمالك عندهم، فإنّ الشخص له كامل الحرّية في ماله يتصرّف فيه كيف يشاء بطريق
الهبة أو
الوصية، فله أن يحرم ذرّيته وأقاربه من الميراث، وله أن يوصي بماله كلّه لمن يشاء حتى لو كان
أجنبيّاً.
ولا ترث عندهم الإناث سواء كانت بنتاً أو زوجة أو اختاً، ولكنّهم يوجبون
النفقة عليهنّ،
فالزوج يرث الزوجة ولا عكس، ويوفّرون حصّة
الولد الأكبر، فله حصّة اثنين من إخوته، ولا يفرّقون بين الأولاد من
النكاح الصحيح وغير الصحيح.
واليهودي يرث
الوثنيّين وهم لا يرثونه، ويحرم من الإرث إذا
ارتدّ عن
دينه، وكذا من يضرب أباه أو امّه ضرباً دامياً لا يرثهما.
وأمّا الامم الشرقيّة القديمة
كالطورانيّين والكلدانيّين والآراميّين
والسريانيّين والشاميّين والفينقيّين والعرب، فكانوا متقاربين في الطبائع
والأخلاق، وطرق المعيشة، وكانوا
رعاةً وبدويين، كثيري التنقل والارتحال، وكان مجتمعهم قبليّاً، كلّ
قبيلة مستقلّة عن بقيّة القبائل، لها رئيسها الذي له صلاحيّات كبرى وإرادة محترمة ومقدّسة، ويكون تصرّفه تصرّفاً
مطلقاً، يميلون إلى
الغزو والغلبة.
وكان نظام الإرث عندهم تابعاً لهذه المظاهر، فلا يرون
للأطفال والنساء حقّاً في الميراث؛
لعدم قدرتهم على حمل السلاح والدفاع عن الحرمة، فأحقّ أفراد العائلة بالإرث
ربّ الاسرة ثمّ
الابن الأكبر إذا كان
بالغاً قادراً على حمل السلاح، وإن لم يوجد فأحد
الإخوة وإلّا فأحد
الأعمام وهكذا حتى يصل أمر الميراث أحياناً إلى
الأصهار أو أحد أبناء
العشيرة.
واقتفى
العرب قبل الإسلام أثر هذه الامم في أغلب العادات
والمعاملات والميراث.
الميراث عند العرب والامم البدوية عبارة عن ثلاثة أسباب هي: القرابة أو
النسب،
والولاء أو
المحالفة،
والتبنّي، وقيّدوا هذه الأسباب
بالذكورة والبلوغ والقدرة على حمل السلاح
والدفاع عن الديار والحمى.
وأمّا الصغار والنساء والضعاف وإن كانوا أولاداً فليس لهم حقّ في الميراث.
ويعامل الابن بالتبنّي معاملة
الابن النسبي، فلو كان
للميت ابن نسبي غير بالغ وابن بالتبنّي بالغ قادر على حمل السلاح وحيازة الغنيمة وحماية العشيرة فهو يرث الميّت دون الابن النسبي، فإن لم يكن له ابن
فالأخ أو
العم أو
ابن العم يرثون بشرط كونهم بالغين قادرين على حمل السلاح، وإن لم يكونوا مستوفين للشروط كان الميراث للحليف الحي فيرث حليفه الميّت.
والحاصل: أنّ السنّة قد استقرّت عندئذٍ على حرمان
النساء والصغار
والأيتام إلّا في بعض الموارد. وكان ملاك الاستحقاق القوّة
والسلطة والذكورة أو مشيئة المورّث وأهواؤه بإعطاء أمواله من يحبّ ويشاء.
الموسوعة الفقهية، ج۹، ص۹-۱۹