لواحق الإرث
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وفيه بحوث منها: ميراث ولد الملاعنة، ميراث ولد الزنا، ميراث ولد الشبهة، ميراث الحمل، حكم تبرّي الرجل من جريرة ولده وميراثه، و... .
•
ميراث ولد الملاعنة ، وهو الذي نفى أبوه انتسابه إليه باللعان، وله أحكام تأتي في مصطلح (لعان)، وهنا يبحث عن ميراثه، والبحث في ذلك في موضعين: الأوّل- موروثيّة ولد الملاعنة، والثاني- وارثيّة ولد الملاعنة.
•
ميراث ولد الزنا ، ولد الزنا إنّما يرثه ولده وزوجه أو زوجته، ويرثهم هو؛ لإطلاق أدلّة الإرث الشامل للمقام.
ولد
الشبهة يرث ويورّث منه من غير خلاف فيه؛
لإقرار الشارع بنسبه، فتشمله عمومات
الإرث من غير معارض.
ولو كان شبهة من أحد
الأبوين وزناً من الطرف الآخر يرث ويورّث من جانب الشبهة دون الآخر، ولا يضرّ تبيّن أنّه ولد شبهة في صحّة
الانتساب ؛ لأنّ الاشتباه أيضاً أحد الأسباب المحلّلة حال
الاشتباه المثبتة للنسب شرعاً، فالنسب صحيح وإن ظهر فساد سببه.
•
ميراث الحمل ، الحمل وإن كان نطفة حال موت المورّث يرث ويورّث بشرطين: أحدهما: أن يولد حيّاً وإن لم يكن كاملًا، وثانيهما: أن يعلم بوجوده حال موت المورّث.
قال
الشيخ الطوسي : «من تبرّأ عند السلطان من
جريرة ولده ومن ميراثه، ثمّ مات الولد وله مال، كان ميراثه لعصبة أبيه دون أبيه»،
وتبعه عليه جماعة.
وقد عمل في فتواه هذه برواية
بريد بن خليل ، قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل تبرّأ عند السلطان من جريرة ابنه وميراثه، ثمّ مات
الابن وترك مالًا، من يرثه؟ قال: «ميراثه لأقرب الناس إلى أبيه».
ورواية
أبي بصير عنه عليه السلام أيضاً قال: سألته عن المخلوع يتبرّأ منه أبوه عند السلطان ومن ميراثه وجريرته، لمن ميراثه؟ فقال: «قال
علي عليه السلام : هو لأقرب الناس إليه».
وفي قباله ذهب أكثر الفقهاء إلى عدم تأثير هذا التبرّي،
بل ادّعي عليه
الإجماع ؛
لأنّ الحكم في هاتين الروايتين مخالف للُاصول والقواعد القطعيّة المستفادة من الكتاب والسنّة الدالّة بعمومها على إرث الوالد ولده، هذا مضافاً إلى
الطعن في سندهما؛
لجهالة يزيد الذي في طريق الاولى، وقطع الثانية فإنّه لم يسند الحكم إلى إمام، بل وفي
أصل دلالتهما وأنّهما ليستا صريحتين ولا ظاهرتين في الحكم ظهوراً تامّاً.
وممّا يؤيّد أو يدلّ على فساد هذا التبرّي، تعليل حرمان الزوجة من العقار واستحقاقها من قيمة البناء بجواز
انقطاع ما بين
المرأة والزوج من العصمة وجواز تغييرها وتبديلها، بخلاف الولد والوالد؛ لأنّه لا يمكن التفصّي منهما.
وهو كالنصّ في فساد التبرّي؛ إذ لو صحّ لأمكن به التفصّي عن الولد، وقد حكم عليه السلام باستحالته.
وهذا القول قوّاه السيدان الحكيم والخوئي.
ولذلك كلّه رموا قول الشيخ بالشذوذ،
بل حكي أنّه رجع عنه في
المسائل الحائريّات .
ولكن مع ذلك يبدو أنّ المسألة ليست واضحة كلّ الوضوح؛ لما يظهر من بعضهم التوقّف فيها.
ثمّ إنّه احتمل بعض الفقهاء- على تقدير العمل بمضمون الروايتين- التعدّي إلى غير
الأب المتبرّي والابن فيجيء في العكس وغيرهما من الأقارب، وأن لا يكون الحكم مخصوصاً بصورة التبرّي عند السلطان وأنّ الحكم مخصوص بالمتبرّي، وأمّا الطرف الآخر فيرث المتبرّي، لكنّه قال بعد ذلك: «وينبغي
الاقتصار على موضع النصّ على تقدير كونه معمولًا، ولا يتعدّى عنه إلّا مع دليل شرعي».
الحميل: هو الذي يُجلب من بلاد الكفر ويُسترق، فإذا تعارف منهم اثنان أو جماعة بنسب يوجب بينهم الموارثة في شرع
الإسلام سواء كان النسب نسب الوالدين والولد أو من يتقرّب بهما، فإنّه يقبل قولهم في ذلك ويورّثون على نسبهم ولا يطالبون بالبيّنة في ذلك على حال، إلّا أن يكونوا معروفين بغير ذلك النسب،
أو قامت البيّنة بخلافه فيبطل حكم إقرارهم.
نعم، لا يتعدّى ذلك منهم إلى غيرهم من ذوي أنسابهم ولا يقبل إقرارهم به إلّا بالتصادق؛ لأنّ النسب هنا إنّما ثبت بالإقرار، وحكمه لا يتعدّى إلى غير المقرّ
بلا خلاف؛ للأصل.
وقد دلّ على هذا الحكم- مضافاً إلى شمول عموم «
إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»،
و
انحصار الحقّ بينهما،
وإلى كونه إجماعيّاً
- رواية
عبد الرحمن بن الحجاج ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الحميل؟ فقال: «وأيّ شيء
الحميل ؟» قال: قلت: المرأة تسبى من
أرضها ، ومعها الولد الصغير، فتقول: هو ابني، والرجل يسبى، فيلقي أخاه، فيقول: هو
أخي ، وليس لهم بيّنة إلّا قولهم، قال: فقال: «ما يقول الناس فيهم عندكم؟» قلت: لا يورّثونهم؛ لأنّه لم يكن لهم على ولادتهم بيّنة، وإنّما هي ولادة الشرك، فقال: «سبحان اللَّه، إذا جاءت بابنها أو بابنتها، ولم تزل مقرّة به، وإذا عرف أخاه، وكان ذلك في صحّة منهما، ولم يزالا مقرَّين بذلك، ورث بعضهم من بعض»،
ونحوها غيرها.
•
الميراث بالإقرار ، اتّفق الفقهاء على أنّ النسب يثبت بالإقرار، وكلّ موضع ثبت فيه النسب ثبت الميراث.
المفقود خبره والمجهول حاله يتربّص بماله، وفي مدّة التربّص أقوال تقدّم تفصيلها في لواحق الموانع، واختار المعاصرون، كالسيدين الحكيم والخوئي و
الشهيد الصدر أنّ مدّة التربّص أربع سنين يفحص فيها عن حاله، وعشر سنين من غير فحص،
فإذا جهل خبره قسّم ماله بين ورثته الذين يرثونه لو مات حين
انتهاء التربّص،
ولا يرثه الذين يرثونه لو مات بعد انتهاء مدّة التربّص، فيرث هو مورّثه إذا مات قبل ذلك، ولا يرثه إذا مات بعد ذلك.
الأسير في بلاد الشرك إذا لم يعلم موته فإنّه يورّث ويوقف نصيبه إلى أن يجيء أو يحرز موته، فإن لم يعلم موته ولا حياته فهو بمنزلة المفقود.
اللقيط إذا توالى مع شخص ليضمن جريرته وحدثه كان ميراثه له وحدثه عليه، وإن لم يكن له مولى فميراثه لبيت المال، وليس لمن التقطه شيء من ميراثه.
•
ميراث الخنثى ، يطلق الخنثى على من له آلة الرجولة وآلة الانوثة جميعاً، فهو آدمي اجتمع فيه العلامتان، وقد حاول الفقهاء- تبعاً للنصوص الواردة فيه- أن يتعرّفوا عليه لمعرفة إرثه عن طريق ما ذكر في النصوص من علامات وطرق.
•
ميراث فاقد الفرجين ، من ليس له فرج الرجال ولا فرج النساء ولا غيرهما ممّا يتشخّص به كلّ منهما يعمل في إرثه بالقرعة .
(الحقو- بفتح الحاء وسكون القاف-: موضع شدّ الإزار وهو الخاصرة)
وطريق التعرّف على أنّه شخص واحد أو شخصان هو أن يوقظ أحدهما، فإن انتبها معاً فهما واحد، وإن انتبه أحدهما فهما اثنان.
قال
الإمام الصادق عليه السلام في خبر
حريز : «ولد على عهد
أمير المؤمنين عليه السلام مولود له رأسان وصدران على حقوٍ واحد، فسئل أمير المؤمنين عليه السلام يورّث ميراث اثنين أو واحداً؟ فقال: يترك حتى ينام ثمّ يصاح به، فإن انتبها جميعاً معاً كان له ميراث واحد، وإن انتبه واحد وبقي الآخر نائماً فإنّما يورّث ميراث اثنين».
وقد عمل الفقهاء بهذا النص من غير خلاف، فلا يضرّ ضعف سنده،
إلّا أنّه مع ذلك أشكل
المحقّق الأردبيلي في الحكم؛ لضعف سند الحديث.
وقال
الشهيد الثاني : «الحقو- بفتح الحاء وسكون القاف- معقد
الإزار عند الخصر، وعلى هذا فيكون لهما فرج ذكر أو انثى، وإنّما يحصل الاشتباه في اتّحادهما وتعدّدهما بالشخص، مع اتّحادهما في الذكوريّة والانوثيّة، فيرثان مع التعدّد إرث ذي الفرج الموجود، ولو لم يكن لهما فرج أو كانا معاً حكم لهما بما سبق من حكم الخنثى وما في معناه».
ثمّ إنّه يقع الإشكال فيما إذا تولّد كذلك حيّاً، ثمّ مات قبل
الاستعلام وانتقل ميراثه إلى امّه. ويرى
المحقّق النراقي أنّه في مقام تعيين الوظيفة العمليّة يمكن
الاستعانة بأصالة (عدم تولّد الاثنين)، و
أصالة (عدم
انتقال إرث الاثنين إلى
الامّ ) و
الاكتفاء بإرث واحد.
•
الميراث بالنسب والسبب الفاسدين ، المجوسي قد ينكح المحرّمات عند المسلمين بشبهة اعتقاده في دينه، وقد ينكح المحلّلات له في دين
الإسلام ، فيحصل له بذلك النسب الصحيح والفاسد والسبب الصحيح والفاسد، و
أصل توارث المجوس بعضهم من بعض ممّا لا إشكال ولا خلاف فيه، لكن اختلفوا في أنّهم هل يرثون بالنسب الصحيح والسبب الصحيح عند المسلمين، أو بمطلق النسب والسبب ولو لم يكن صحيحاً عندنا؟
•
ميراث الغرقى والمهدوم عليهم، ذهب الفقهاء إلى أنّ من شروط إرث شخص من آخر العلم بحياة الوارث عند موت المورّث؛ لأنّ معنى الإرث
انتقال مال المورّث بموته إلى الوارث، ولا يتمّ ذلك إلّا ببقائه بعد المورّث ولو بزمان قصير، فإذا حصل
الاشتباه ولم يحرز ذلك بأن شكّ في المتقدّم والمتأخّر بعد
إحراز أصل التقدّم، أو شكّ في أصل التقدّم انتفى العلم بالشرط، فلا يمكن الحكم بالإرث الذي هو مشروط بالعلم بحياة الوارث؛
لامتناع العلم بالمشروط مع الجهل بالشرط ، وبناءً على هذا ينتفي الإرث فيما علم تقارن موت المتوارثين، أو حصل الاشتباه في تقدّم موت أحدهما على الآخر، إلّا أنّهم استثنوا من ذلك بعض الحالات وقالوا فيها بتوريث كلّ من المشتبهين من الآخر- بشروط تأتي- ولو لم يحرز الشرط.
الموسوعة الفقهية، ج۹، ص۳۳۶- ۳۹۱.