الأمانة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الأمانة (توضيح).
هي ضدّ
الخيانة ، ومعناها
سكون القلب ، وقد استعملت في
الأعيان أيضاً، فيقال:
الوديعة - أي
الشيء المستودع - أمانة.
الأمانة:
ضدّ الخيانة ، ومعناها
سكون القلب ، وهي في
الأصل مصدر أمن بمعنى اطمأنّ، والأمانة بهذا المعنى تكون حالة للشخص أو
صفة له.
وقد استعملت في
الأعيان أيضاً، فيقال:
الوديعة - أي
الشيء المستودع- أمانة.
ليس للفقهاء
اصطلاح خاصّ للأمانة، بل استعملوا
لفظ الأمانة في
المعنى اللغوي ؛ أعني المعنيين المتقدّمين:
۱- فقد استعملوها في
الحالة أو
الصفة وذلك في مثل: اعتبار الأمانة في
المؤذّن و
الشاهد ، ويراد منها
الوثاقة و
العدالة ونحوهما، فأحكام الأمانة هي
أحكام الوثاقة والعدالة.
۲- واستعملوها أيضاً في
العين التي تكون عند
الأمين وذلك في مثل الوديعة ومال
المضاربة ، فيقال: الوديعة أمانة ومال المضاربة أمانة.
والأمانة بهذا المعنى تارةً تكون
بالعقد الذي تكون الأمانة فيه هي
المقصود الأصلي كما في الوديعة التي توضع عند شخص ليحفظها.
واخرى تكون بالعقد الذي تكون الأمانة فيه ضمناً وليست أصلًا، بل تبعاً
كالإجارة و
العارية والمضاربة و
الرهن ، وثالثة بدون عقد
كاللقطة وما ألقته
الريح من
دار الجار ونحو ذلك.
و هي - على وزن فعيلة، بمعنى مفعولة- واحدة الودائع، وهي
استنابة في
الحفظ ، يقال: أودعته مالًا: أي دفعته إليه يكون وديعة عنده.
وهي
مصداق من مصاديق الأمانة، فالأمانة
أعم منها.
وهي
الإذن في
الانتفاع بالعين تبرّعاً
أو عقد شرع
لإباحة الانتفاع بعين من الأعيان على جهة
التبرّع .
وهي كذلك من مصاديق الأمانة حيث تكون العين المستعارة أمانة بيد المستعير.
كلّ مال
إنسان وقع في يد الغير إذا كان
استيلاؤه عليه بإذن
المالك فهو أمانة مالكيّة، وإذا كان بإذن
الشارع فهو أمانة شرعيّة، وعلى هذا فالأمانة على قسمين:
•
الأمانة المالكية
•
الأمانة الشرعية
وجميع الأمانات
مشتركة في أمرين، هما: عدم
الضمان إلّا
بالتعدّي و
التفريط ، ووجوب
الردّ إلى المالك، وهناك أحكام اخرى تختص بها بعض الأمانات دون بعض.
ونقصد بالأحكام العامّة الأحكام التي تشترك فيها الأمانة المالكية والأمانة الشرعية، وهي ما يلي:
يجب على الأمين حفظ الأمانة حتى يوصلها إلى صاحبها؛
للإجماع ، بل
الضرورة الفقهيّة إن لم تكن دينيّة، و
سيرة المتشرّعة على ذلك.
مضافاً إلى
الأدلّة الدالّة على
وجوب أداء الأمانة، فهذه الأدلّة تدلّ على وجوب الحفظ
بالدلالة الالتزامية ، حيث إنّ الحفظ مقدّمة للأداء كما أنّه
ملازم له عرفاً وملازم لترك التفريط والخيانة.
و
كيفيّة الحفظ وتعيين خصوصيّاته
موكولة إلى نظر
العرف ، حيث إنّ حفظ كلّ شيء عنده بحسبه. ومن هنا لو تمكّن من دفع
الظالم بالوسائل الموجبة
لسلامة الأمانة وجب مقدّمة للحفظ الواجب عليه حتى لو توقّف دفعه على إنكارها كاذباً وكان
المنكر ممّن يحسن
التورية ، حيث إنّ حرمة
الكذب تزول بعروض عنوان خاصّ عليه يكون أرجح منها، ولا ريب في أنّ
انطباق عنوان حفظ الوديعة عليه يوجب
زوال حرمته؛ لكثرة ما ورد من
الاهتمام بحفظها، ونفس هذا يقتضي وجوبه، وكذلك يجب
الحلف كاذباً عند توقّف الحفظ عليه.
وتدلّ على ذلك
رواية علاء بيّاع السابري ، قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن
امرأة أودعت رجلًا مالًا فلمّا حضرها
الموت قالت له: إنّ المال الذي دفعته إليك لفلانة، وماتت المرأة، فأتى أولياؤها الرجلَ فقالوا: كان لصاحبتنا مال لا نراه إلّا عندكَ فاحلف لنا مالنا قبلك شيء، أَوَ يحلف لهم؟ قال: «إن كانت مأمونة عنده فليحلف، وإن كانت متّهمة عنده فلا يحلف، ويضع الأمر على ما كان، فإنّما لها من مالها ثلثه».
وهكذا رواية
سماعة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إذا حلف
الرجل تقيّة لم يضرّه إذا هو اكره واضطرّ إليه»، وقال: «ليس
شيء ممّا حرّم
اللَّه إلّاوقد أحلّه لمن اضطرّ إليه».
ومن المعلوم أنّ حفظ كلّ شيء بحسبه، فكما يحفظ العين بحسبه كذلك يحفظ أصل الماليّة بحسبها، لا بلحاظ خصوص العينيّة الخارجيّة، فيودع عنده مئة
دينار عراقي- مثلًا- أعمّ من أن يكون مورد وجوب الحفظ أربع من
ورقة خمس وعشرين دينار أو عشر من ورقة عشرة دنانير مع التحفّظ على أصل الماليّة، ويرجع ذلك إلى
الإذن في التصرّف و
التبديل مع حفظ أصل الماليّة.
يجب ردّ الأمانة بعد
انتهاء مدّة الأمانة، وانتهاء ذلك يختلف باختلاف الموارد على ما سيأتي.
وحقيقة الردّ والأداء
إيصال الشيء إلى محلّه، وهي تتحقّق
بالتخلية بينه وبين مالكه. والردّ أعمّ من ردّ العين وردّ
البدل عند
تعذّر ردّ العين. ويدلّ عليه قوله تعالى: «إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا»،
و
النصوص المستفيضة :
منها:
وصيّة أبي عبد اللَّه عليه السلام في
موثّق ابن سيابة : «عليك بصدق
الحديث وأداء الأمانة...».
ومنها: موثّقة
أبي كهمس : قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام:
عبد اللَّه بن أبي يعفور يقرؤك
السلام ، قال: «وعليك وعليه السلام، إذا أتيت عبد اللَّه فاقرأه السلام وقل له: إنّ جعفر بن محمّد يقول لك: انظر ما بلغ به
علي عليه السلام عند
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم فالزمه، فإنّ عليّاً عليه السلام إنّما بلغ ما بلغ به عند رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم بصدق الحديث وأداء الأمانة».
وغيرها من النصوص الدالّة على وجوب الردّ الواردة في الباب الثاني من أبواب أحكام الوديعة في
الوسائل .
وكذا الروايات المستفيضة الدالّة على
تحريم الخيانة:
منها: رواية
السكوني عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: ليس منّا من أخلف بالأمانة».
ومنها: ما ورد عن
الحسين بن زيد عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم- في حديث
المناهي - أنّه صلى الله عليه وآله وسلم «نهى عن الخيانة».
وغيرهما.
ولا يختصّ ذلك بمال
المسلم ، بل تحرم الخيانة حتى في مال
الكافر ؛
لإطلاق أدلّة
حرمة الخيانة، ووجوب ردّ الأمانة إلى مالكها، ولما دلّت عليه بعض الروايات الخاصّة:
منها: رواية
الحسين الشيباني عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: قلت له: إنّ رجلًا من مواليك يستحلّ مال
بني اميّة ودماءهم، وإنّه وقع لهم عنده وديعة، فقال: «أدّوا الأمانات إلى أهلها وإن كان
مجوساً ، فإنّ ذلك لا يكون حتى يقوم قائمنا فيحلّ ويحرّم».
ومنها: ما رواه
الحسين بن مصعب الهمداني ، قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «ثلاث لا
عذر لأحدٍ فيها: أداء الأمانة إلى
البرّ و
الفاجر ، و
الوفاء بالعهد للبرّ والفاجر، وبرّ
الوالدين برّين كانا أو فاجرين».
ومنها: رواية أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت
سيّد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام يقول لشيعته: «عليكم بأداء الأمانة، فوالذي بعث محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم بالحقّ نبيّاً، لو أنّ قاتل أبي
الحسين بن علي عليه السلام ائتمنني على
السيف الذي قتله به لأدّيته إليه».
نعم، ربّما يناقش في
إطلاق الحكم بالنسبة إلى
الكافر الحربي لو قلنا بجواز تملّك مال الكافر الحربي حيث تخرج
الوديعة بالتملّك عن عنوان الأمانة ويتعنون بعنوان آخر، فعليه لا يبعد أن يفصّل في هذا الحكم بين الحربي وغيره بجواز
التملّك في الأوّل وعدمه في الثاني.
هذا، ولكن الروايات و
الآيات الدالّة على وجوب الردّ ظاهرة في الإطلاق و
الشمول بحيث لا يتحمّلان
التخصيص بالنسبة إلى جواز تملّك مال الكافر الحربي إذا استأمن المسلم، وعلى هذا فأدلّة جواز تملّك ماله
ناظرة إلى ما لم يكن معنوناً بالأمانة المتسلّمة إلى الأمين المسلم؛ فالتفصيل لا وجه له.
وإن أخّر الردّ، فإن كان
التأخير لعذرٍ فلا يجب عليه الردّ حتى يزول
العذر ؛ لأنّ وجوب الردّ حسب ما جرت به
العادة ، فلا وجوب معه كما لا ضمان عليه في حال العذر لو تلف المال؛ لأنّ الأمانة لا تقتضي الضمان إلّامع التفريط ولا تفريط في حاله. نعم، لو زال العذر يجب عليه الردّ كما عليه الضمان لو تلف المال، وإن لم يكن التأخير لعذرٍ فهو ممتدّ مع
ترك الردّ مع
الإمكان ، ولو تلف كان ضامناً؛ لأنّه لا عذر له بالنسبة إلى وجوب الردّ كما أنّه لا
مانع من الحكم بالضمان.
وكما يجب الردّ
بمطالبة المالك أو انتهاء المدّة، كذلك يجب الردّ عند
خوف التلف أو
العجز عن الحفظ ونحو ذلك؛ إذ عدم الردّ حينئذٍ يكون تعدّياً، فلو تلف فهو ضامن. وعلى هذا إن أمكن إيصالها إلى المالك أو وكيله الخاصّ أو العامّ تعيّن وإلّا فليوصلها إلى الحاكم إن أمكن الردّ إليه وإن لم يمكن فعليه أن يودعها عند
ثقة أمين متمكّن من حفظها؛ إذ مع عدم إمكان ردّها إلى المالك أو وكيله تنفسخ الأمانة المالكيّة وتصير الأمانة شرعيّة، وهي ترد إلى الحاكم مع الإمكان ومع عدمه فالى الثقة الأمين؛ لإذن الشارع لهم في الحفظ.
وهكذا يجب الردّ عند ظهور
إمارة الموت بسبب عروض
المرض الذي يخاف منه الموت- مثلًا- وإذا لم يمكن الردّ إلى المالك أو وكيله فعليه أن يردّ إلى الحاكم، ومع فقده يوصي بها ويشهد، فلو أهمل عن ذلك ضمن؛ لتحقّق التفريط حينئذٍ عرفاً وشرعاً فيتحقّق الضمان
قهراً .
لا يضمن الأمين تلف الأمانة إذا كان بغير تعدّ أو تفريط في الحفظ ولم يكن شرط عليه الضمان. وهذا من الامور المسلّمة عند الفقهاء
من غير فرق بين الأمانة المالكيّة أو الشرعيّة.
ووجهه واضح، فإنّ موجب الضمان وسببه ينحصر في أمرين: أحدهما ضمان اليد، والآخر ضمان الإتلاف وكلاهما منتفٍ في
المقام لكون وضع اليد هنا مأذوناً به من قبل المالك- في الأمانة المالكيّة- أو الشارع- في الأمانة الشرعيّة- كما أنّه لم يتحقّق إتلاف بحسب الفرض، بل تلف من غير
استناد إلى من وضع تحت يده، كما أنّ هناك روايات دلّت على أنّ الأمين ليس عليه ضمان.
نعم، يضمن مع اشتراط الضمان عليه ولو كان التلف بغير التعدّي والتفريط في الحفظ.
وهناك بحث في صحّة
الاشتراط المذكور سيأتي الحديث عنه.
إذا اختلف في كون التلف كان بتعدّ أو تفريط أو إتلاف أو كان من نفسه فالقول قول الأمين مع
يمينه ، سواء كانت الأمانة شرعيّة أو مالكيّة، وعلى المالك إقامة البيّنة على التعدّي. ووجهه واضح، فإنّ اليد بعد أن لم تكن موجبة للضمان فالسبب الباقي له هو الإتلاف والتعدّي، وهو منفي بالأصل. نعم، وردت بعض الروايات،
من الإجارة تدلّ على أنّ على الأمين
البيّنة إذا كان أجيراً، أو إذا كان
متّهماً ، وقد أفتى بمضمونها بعض الفقهاء في تلك الموارد، وتفصيله في مصطلح (
إجارة ).
هذا إذا كان أصل تلف المال وانعدامه مسلّماً، وأمّا إذا كان
الاختلاف و
التنازع في بقائه أو تلفه فيختلف الحال عندئذٍ؛ لأنّ مقتضى الأصل بقاء المال. وتفصيل ذلك أيضاً في محلّه.
وكذا يختلف الحال فيما إذا كان الاختلاف والتنازع بينهما في الأداء وردّ المال إلى صاحبه، فإنّ القول قول المالك في عدم الردّ مع يمينه وعلى الأمين البيّنة على الردّ؛ لأنّ مقتضى الأصل عدمه بعد إقرار الطرفين بوقوع المال تحت يد الغير. واستثنى من ذلك الوديعة حيث ادّعي فيها الإجماع على قبول قول الودعي بالردّ.
وقد يعمّم ذلك إلى مطلق من جعله الشارع أو المالك أميناً على ماله وسمّي بالأمانة بالمعنى الأخصّ لما دلّ من الروايات.
والمقصود بالأحكام هنا كلّ ما يتعلّق بكل قسم من أقسام الأمانة- أي المالكية والشرعية- من أقسام وأركان وأحكام، وليس المراد الأحكام بالمعنى الأخصّ.
راجع إلى عنوان
الأمانة المالكية و
الأمانة الشرعية .
الموسوعة الفقهية، ج۱۷، ص۴۷-۵۹.