الأمن (استهداف الشريعة)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الأمن (توضيح).
الإنسان اجتماعي بالطبع والذات، و
المجتمع الإنساني لم يوجد حين وجد تامّاً كاملًا، بل هو كسائر الامور لم يزل يتكامل بتكامل الإنسان في كمالاته المادّية والمعنوية. وبما أنّ
الاختلاف من
طبيعة الإنسان، والاختلاف و
التشتّت في الآراء ممّا ينجرّ غالباً إلى
الحرب و
التنازع ، لذا كان أوّل وأهمّ ما اريد في الاجتماع توفّر الأمن في
الحياة البشرية؛ إذ مع وجود الأمن يتمكّن الفرد والمجتمع من
الوصول إلى
السعادة و
تهذيب الأفراد و
طهارتهم من
الرذائل . ويطمئنّ الناس في
التفكير باتّباع الحقّ في
النظر و
العمل ، و
بواسطته يتوصّل إلى
معرفة اللَّه عن طريق العبوديّة، وفيه تتحقّق سعادة الإنسان بسعادة جميع قواه.
وقد اتّفقت كلمة عقلاء
البشر و
المهتمّين بالدراسات الإنسانية على أنّ الأمن يمثّل أحد الركائز الرئيسة للتنمية
السياسية و
الثقافية والفكرية و
الاقتصادية في المجتمعات البشرية. وقد وضعت
الشريعة إطاراً عامّاً لبناء الأمن في حياة الإنسان يقوم على
مجموعة عناصر مادية ومعنوية تمثّل أسباباً للأمن لو اعتصم بها البشر سادهم
الاستقرار والأمان، وهي كالتالي:
قال اللَّه سبحانه وتعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا
إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم
مُهْتَدُونَ »،
فإنّ من عرف اللَّه تعالى وصدّق به وبما أوجب عليه ولم يخلط ذلك بظلم فهو
المحكوم بالاهتداء، وله الأمن من اللَّه بحصول
الثواب والأمان من
العقاب .
ولا يختصّ الأمن الناتج عن هداية
الإسلام والإيمان، بالأمن من
العذاب الاخروي، بل يشمل الأمن و
السكينة في الدنيا؛ فإنّ الإيمان يمنح صاحبه
طمأنينة لا تهتزّ حتى في
العواصف الشديدة. وفيما يرى الكثير من
الناس بعض الامور فقداناً لأمنهم يظلّ
المؤمن ببركة الإيمان شاعراً بالأمن في
روحه وأعماقه، قال سبحانه وتعالى: «أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ
الْقُلُوبُ ».
وهذا ما يحصل عليه الإنسان بدرجة أعلى عندما يبلغ مرحلة
الرضا التام بالقضاء الإلهي و
التسليم لوحدانية اللَّه تعالى في الفعل و
التأثير .
الإمامة موضوعة لنظام
المسلمين و
صلاح الدين وعزّ المؤمنين، فهي اسّ الإسلام النامي وفرعه السامي، وبوجود
الأئمّة عليهم السلام ثبتت
الأرض و
السماء ، وبهم يثبت الأمن في المجتمع الإسلامي.
فقد جاء ذلك في الروايات الواردة عن
المعصومين عليهم السلام: منها:
حديث الثقلين الذي أناط الأمن من
الضلال بالتمسّك بالكتاب و
العترة ، وجعل العترة عدل
الكتاب في
المرجعية في
أمر الدين.
وقد ورد في
مرفوعة عبد العزيز بن مسلم إلى
الإمام الرضا عليه السلام : «... الإمام يحلّ
حلال اللَّه، ويحرّم
حرام اللَّه، ويقيم حدود اللَّه، ويذبّ عن دين اللَّه، ويدعو إلى سبيل ربّه
بالحكمة و
الموعظة الحسنة، و
الحجّة البالغة ... الإمام
أمين اللَّه في خلقه، وحجّته على عباده، وخليفته في بلاده، و
الداعي إلى اللَّه، و
الذابّ عن حرم اللَّه...».
ومن أهمّ الامور الضرورية للبشر وجود
النظام الاجتماعي و
الدولة الحافظة لحقوق المجتمع، ومن أهمّ وظائف الدولة- خصوصاً الصالحة اللائقة الحافظة لحقوق الامّة، الآخذة بيدها،
المدافعة عن
منافعها و
مصالحها - حفظ الأمن للناس بحيث يقوم بسببه كيان المجتمع وتتحقّق
التنمية الثقافية والاقتصادية وغيرها.
بل إنّ الحكومة الجائرة مع ما فيها من الشرّ و
الفساد خير من
الفتنة والهرج.
كما ورد عن
أمير المؤمنين عليه السلام: «والٍ
ظلوم غشوم خير من فتنة تدوم».
وقوله عليه السلام أيضاً: «... إنّه لابدّ للناس من أميرٍ، برّ أو فاجر، يعمل في إمرته
المؤمن ويستمتع فيها
الكافر ...».
فلو تصدّى شخص صالح لذلك بحيث يعلم رضا الشارع
بتصدّيه - كما إذا كان
فقيهاً عادلًا بصيراً، أو شخصاً
صالحاً كذلك مأذوناً- فلا يجوز للغير
تضعيفه والتصدّي
لإسقاطه عن
القدرة ؛ لأنّ تضعيفه
إضرار بالمؤمنين ونقض للغرض
المطلوب للشارع، بل يجب على الآخرين بأيّ نحو مساعدته لحفظ
النظام و
تمكينه في
تحصيل مهمّته.
قال: «إنّ حفظ النظام من الواجبات الأكيدة، و
اختلال امور
المسلمين من الامور المبغوضة».
ومن الاسس التي يقوم عليها الأمن في الإسلام وجود القوانين الناظمة للحياة الاجتماعية والسياسية وغيرها للناس؛ لهذا وضع الإسلام نظاماً شاملًا
مستوعباً يشرع من القضايا الفردية وينتهي بالقضايا السياسية العامّة. فوضع الدساتير والقوانين و
توجيه الناس
للالتزام بها ووضع الثواب والعقاب على
التعاطي الإيجابي والسلبي معها على
المستويين الدنيوي والاخروي. وذلك كلّه يساعد على
تنظيم حياة البشر واستقرار أمنهم العام.
فوجود القانون من أهمّ عناصر الأمن، وذلك أنّ الإنسان قد جبل في طبعه وكيانه على
شهوات وميولٍ مختلفة، من حبّ الذات وحبّ المال والجاه والحرّية
المطلقة في كلّ ما يريده ويهواه، وكثيراً مّا يستلزم ذلك كلّه
التزاحم و
التضارب في الأفكار والأهواء، ويستعقب
الجدال و
الصراع ، فلا محالة تكون هناك حاجة ماسّة إلى قوانين ومقرّرات، وإلى قوّة
منفّذة لها مانعة من التعدّي و
الكفاح .
وهذه الأحكام والقوانين تستوحى وتستمدّ في جميع مجالاتها من
القانون الإلهي، وليس لأحد من الولاة في تصويب القوانين
الاستبداد برأيه، بل جميع ما يجري في الحكومة وشؤونها ولوازمها لابدّ وأن يكون على طبق القانون الإلهي حتى
الإطاعة لولاة
الأمر .
ومن أهمّ القوانين التي وضعتها الشريعة الإسلامية
القوانين الجزائية و
الجنائية التي وضعت فيها عقوبات تواجه
الجريمة بكلّ أنواعها وتحقّق الأمن في الحياة الإنسانية.
لا يستهدف
الجهاد في الإسلام ما تستهدفه الحروب في المجتمعات الجاهليّة، من تسلّط و
احتلال وغيره، بل يستهدف رفع الفتنة و
تحرير الناس من عبوديّة ما سوى اللَّه، وكسب رضا اللَّه، وإقامة العدل وتحقّق الأمن ودفع كيد
المعتدين وردّ ظلمهم والحدّ من نزعة
التسلّط العدوانية عند الإنسان.
قال اللَّه تعالى: «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَاتَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ».
وقال سبحانه: «وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ
صَوَامِعُ وَ
بِيَعٌ وَ
صَلَوَاتٌ وَ
مَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا
اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً».
وهذا معناه أنّ
تشريع القتال إنّما هو لحفظ المجتمع الديني من شرّ أعداء الدين وفتنهم، المهتمّين
بإطفاء نور اللَّه، فلولا ذلك لانهدمت المعابد الدينية و
المشاعر الإلهية، ونسخت العبادات و
المناسك .
من هنا شرّع الإسلام وجوب
إعداد القوّة
لترهيب العدوّ؛ لأنّ ذلك يحقّق
توازن القوّة والرعب فيحول دون
اعتداء المعتدين ويحقّق الأمن في بلاد المسلمين. وهذا الأمر لا يختصّ بالجهاد، بل يشمل
الدفاع الشخصي أيضاً، حيث أجازه الإسلام على تفصيل يراجع في محلّه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۷، ص۲۷۹-۲۸۳.