الإتلاف (إتلاف المغرور)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الإتلاف (توضيح).
من غرّ أحداً
بالإذن له بإتلاف ما ليس له مع جهل المتلِف يضمن
الغار سواء كان المتلِف هو
المالك له أو غيره، بلا
خلاف بين
فقهائنا في ذلك، وإنّما
الخلاف في أنّ الضمان يقع على الغارّ
ابتداء ولا ضمان على
المغرور ، أم على الاثنين معاً فيجوز للمالك الرجوع إلى أيٍّ منهما في غرم ماله، أم هو على المغرور ابتداء فإن بذل رجع به على الغارّ.
المشهور بين الفقهاء بل
المجمع عليه بينهم أنّ للمالك الرجوع على أيّ منهما، فإن رجع على المغرور رجع على الغارّ دون
العكس .
قال: «إذا غصب
طعاماً فأطعم رجلًا لم يخلُ الآكل من أحد أمرين، إمّا أن يكون مالكه أو غير مالكه، فإن كان غير مالكه
فالكلام في ثلاثة فصول: في الضمان، وقدر الضمان، وفي
الرجوع .
فأمّا الضمان فله أن يضمِّن من شاء منهما، فله أن يضمِّن
الغاصب ؛ لأنّه حال بينه وبين ماله، وله أن يطالب
الآكل ؛ لأنّه أكل مال غيره بغير حقّ، ولأنّه قبضه عن يد ضامنة.
وأمّا قدر
الضمان فله ...
وأمّا
الرجوع فلا يخلو الغاصب حين أطعمه من ثلاثة أحوال: إمّا أن يقول: كل فيطلق، أو يقول: كله فهو
طعام فلان غصبته إيّاه، أو يقول: كله فانّه ملكي. فإن قال: كُله
مطلقاً أو قال: وهبته لك فاندفع غير المالك على الآكل فهل يرجع الآكل على
الغاصب أم لا؟ قيل: فيه قولان، أحدهما: يرجع؛ لأنّه غرّه، والثاني: لا يرجع؛ لأنّ
التلف كان في يده، فاستقرّ الضمان عليه، والأوّل
أقوى . فإن رجع على الغاصب فهل يرجع الغاصب على الآكل أم لا؟ قيل: فيه قولان، أحدهما: إذا قيل: يرجع الآكل به على الغاصب لم يرجع الغاصب به على الآكل، وهو الأقوى. ومن قال: لا يرجع الآكل به على الغاصب، قال: يرجع الغاصب به على الآكل. وإذا قال: كله فهو طعام فلان غصبته إيّاه أو منه فأكل، استقرّ الضمان على الآكل؛ لأنّه دخل مع
العلم بالغصب، فإذا رجع به عليه لم يرجع هو على الغاصب، وإن رجع على الغاصب رجع الغاصب به على الآكل. وهكذا كلّ ما كان
قبضاً مضموناً ... لأنّه دخل على انّه مضمون عليه، فلم يكن مغروراً فيه.
وإن قال: هذا طعامي كُله فأكل نظر، فإن رجع
المالك على الغاصب لم يرجع الغاصب على الآكل؛ لأنّه يقول: أطعمتك ملكي، وإنّما ظلمني فأخذ ما لا يستحقه فلا أرجع به على أحد. وإن رجع على الآكل فهل يرجع الآكل على الغاصب أم لا؟ قيل: فيه قولان، أحدهما: يرجع؛ لأنّه غرّه. فأمّا إذا أطعمه مالكه فهل تبرأ
ذمة الغاصب بذلك أم لا؟ نظر فإن كان المالك عالماً بأنّه ملكه فأكل ملكه مع العلم بحاله برأت ذمته بذلك؛ لأنّه رضي بأكل مال نفسه فبرأت ذمّة الغاصب منه كما لو كان عبداً فأعتقه، وإن كان مع
الجهل بحاله فهل تبرأ ذمّته أم لا؟ قيل: فيه قولان، أحدهما: لا تبرأ، وهو
الصحيح ، والثاني: أنّه تبرأ».
قال: «ولو غصب
مأكولًا فأطعمه المالك أو
شاة فاستدعاه ذبحها مع جهل المالك ضمن الغاصب، وإن أطعمه غيره قيل: يغرم أيّهما شاء، لكن إن اغرم الغاصب لم يرجع إلى الآكل، وإن اغرم الآكل رجع الآكل على الغاصب لغروره، وقيل: بل يضمن الغاصب من رأس، ولا ضمان على الآكل؛ لأنّ فعل
المباشر ضعيف عن
التضمين بمظانّة
الاغترار ، وكان السبب أقوى».
قال: «لو غصب طعاماً فأطعمه غير المالك تخيّر المالك في تضمين من شاء، فإن رجع على الآكل لم يرجع على الغاصب مع علمه ويرجع مع الجهل. وإن رجع على الغاصب رجع الغاصب على الآكل مع علمه ولا يرجع مع الجهل. ولو أطعمه المالك فأكله عالماً بأنّه طعامه برئ الغاصب، وإن لم يعلم فالضمان على الغاصب».
قال: «لو اجتمع المباشر والسبب
فالحوالة على المباشر إلّا مع ضعفه
بالإكراه أو الغرور كمن قدّم طعاماً إلى المغرور فأكله فقرار الضمان على الغارّ، فإن ضمن المباشر رجع عليه».
قال: «لو غصب شاة فأطعمها المالك جاهلًا بكونها شاته ضمنها الغاصب له؛ لضعف المباشر بالغرور، فيرجع على السبب و
تسليطه المالك على ماله، وصيرورته بيده على هذا الوجه لا يوجب البراءة؛ لأنّ التسليم غير تامّ، فإنّ التسليم التامّ تسليمه على أنّه ملكه يتصرّف فيه كتصرّف الملّاك، وهنا ليس كذلك، بل اعتقد أنّه للغاصب، وأنّه أباحه إتلافه بالضيافة. وقد يتصرّف بعض الناس فيها بما لا يتصرّفون في أموالهم كما لا يخفى.
وكذا الحكم في غير الشاة من
الأطعمة والأعيان
المنتفع بها كاللباس.ولو أطعمها غير صاحبها في حالة كون الآكل جاهلًا ضمّن المالك قيمتها من شاء من الآكل والغاصب لترتّب الأيدي...و
القرار أي قرار الضمان على الغاصب لغروره للآكل
بإباحته الطعام مجّاناً مع أنّ يده ظاهرة في
الملك وقد ظهر خلافه».
قال: «لو غصب مأكولًا مثلًا فأطعمه المالك بأن قال له: هذا ملكي وطعامي أو قدّمه إليه
ضيافة أو نحو ذلك مما يتحقّق به
الغرور منه أو شاة فاستدعاه ذبحها مع جهل المالك ضمن الغاصب، بلا خلاف ولا
إشكال ، وإن كان المالك
المباشر للإتلاف ولتسلُّم المال إلّا أنّه ليس
تسليماً تامّاً يتصرّف به المالك تصرّف الملّاك في أملاكهم على أنّه مال له، وكذا لو أودعه المالك أو آجره إيّاه أو أعاره إيّاه
عارية غير مضمونة أو أرهنه، فإنّ التسليم في ذلك كلّه غير تامّ وباقٍ على ضمان الغاصب ولو للشكّ في صدق
الأداء معه، بل قد يشكّ في صدقه مع تعميم
الانتفاع مع عدم
التمليك اللازم؛ لعدم كون يده حينئذٍ يد مالك كما كانت على
المغصوب ...
وعلى كلّ حال فلا إشكال في الضمان في مفروض المتن -أي
الإطعام للمالك- لأنّ المباشرة ضعيفة بالغرور
المانع عن
استتباع الضمان
المقتضي لعدم غرم الغاصب، وحينئذٍ فالسبب أقوى في الإتلاف الموجب للضمان، بل هو
المستقر عليه؛ لعدم تعقُّل ضمان المالك لماله، وإن قلنا بضمان المغرور في غير
المقام كما صرّح به من تعرّض له من
الأصحاب من غير نقل خلاف، بل عن
التذكرة : أنّه الذي يقتضيه مذهبنا... نعم، إن أطعمه أي الطعام غير المالك قيل والقائل غير واحد: إنّ المالك يغرّم أيّهما شاء للمباشرة والغصب، لكن إن أغرم الغاصب لم يرجع على الآكل الذي هو مغرور له، وإن أغرم الآكل رجع الآكل على الغاصب لغروره الذي صار به مباشرته ضعيفة بالنسبة للسبب، فيكون قرار الضمان عليه. وقيل:- وإن كنّا لم نتحقّق قائله منّا- بل يضمن الغاصب من رأس، ولا ضمان على الآكل
أصلًا ؛ لأنّ فعل المباشر ضعيف عن
التضمين بمظانة
الاغترار ، فكان السبب أقوى.
نعم، هو قول
الشافعي في
القديم وبعض كتب
الجديد . والمشهور عند
الشافعية الأوّل، وهو الأصحّ؛ لأنّ ضعف المباشرة لا يبلغ حدّاً ينتفي به
الرج وع عليه مع كونه متصرّفاً في مال الغير ومُتلفاً له على وجه يندرج في قاعدة (من أتلف مال غيره فهو له ضامن). ولكن ينجبر غروره برجوعه على الغارّ، بل لعلّ قوله عليه السلام: «المغرور يرجع على من غرّه»(لم نعثر على هذا
النص من أحد
المعصومين عليهم السلام في كتب الخاصة والعامة إلّا انّه قاعدة
فقهية مستفادة من عدّة روايات. )
ظاهر في ذلك».
هذا كلّه في صورة
الإذن في الإتلاف.
وأمّا لو أتلفه لا بإذن منه أو بإذن من
الشارع ضمن المتلِف خاصّة، وليس له الرجوع على من كان المال بيده إن غرّمه المالك
لانتفاء الغرور عنه.
قال: «لو أكله المالك بغير أمر الغاصب بأن دخل داره وأكله على
اعتقاد أنّه طعام الغاصب فكان طعامه
المغصوب برئ الغاصب؛ لأنّه لم يغرّه. ويشكل
الأمر لو كان أكل المالك له سائغاً؛ بأن كان في بيت من أذن له بالأكل منه شرعاً. والوجه
استواؤهما في
البراءة منه؛
لانتفاء الغرور على
التقديرين الذي هو مناط الرجوع».
لكنّه خروج عن الفرض. نعم، لا بدّ من
تقييد الحكم بما إذا كان للغرور
تأثير في قيام المغرور بإتلاف المال، فلو كان لديه داعٍ آخر دفعه إلى إتلافه لم يضمن الغارّ أصلًا، ولو تسبّب الغرور في زيادة على الإتلاف الذي يسبّبه
الداعي الموجود عند المتلف ضمن بقدرها.
قال: «إنّ الظاهر من نحو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «المغرور يرجع إلى من غرّه» وكذا سائر الروايات أنّ
الحكم بالرجوع ثابت فيما إذا كان الغرور و
الخديعة دخيلًا بنحو من
الدخالة في
إقدام المغرور... وأمّا لو كان للفاعل داع إلى الإقدام بحيث لم تؤثر دعوته ولا
إغراؤه فيه، وكان ممّن يرتكب حتى مع علمه بالواقعة فهو خارج عن
القاعدة . كما أنّ الظاهر أنّ الرجوع إنّما هو في
الخسارات الواردة عليه لأجل غروره، فلو لم تحصل له خسارة فلا رجوع، فحينئذٍ لو كان الرجل عازماً على
اشتراء الطعام لأكله و
أكل عائلته فقدّم إليه طعام الغير أو طعام نفسه فأكله وكانت قيمته مساوية لما عزم على اشترائه أو أقل منه لم يقع في خسارة وضرر عرفاً، أو أراد
استئجار محل لسكناه بقيمة فسلّم إليه داراً ليسكنها فاتّضح أنّها لنفسه أو لغيره لم يكن واقعاً في خسارة عرفاً. وفي
المنافع المستوفاة أيضاً كذلك إذا كان محتاجاً إليها بحيث لو لم تكن حاصلة له لحصّلها بطريق آخر. ففي جميع تلك الموارد لم يقع في خسارة، وهو
خارج عن مفاد القاعدة. فما هو
المعروف من الضمان ليس على
إطلاقه متّجهاً».
وكما شكّك
الإمام الخميني في إطلاق الحكم بالضمان على الغارّ شكّك
السيد الخوئي في إطلاقه من جهة اخرى حيث ذكر فيما لو قام صاحب
الثوب بتفصيله بإذن من
الخيّاط مع علم الخيّاط بعدم
كفاية ما قطعه له أن لا إطلاق للقاعدة تعمّ جميع الموارد، قال: «إذا كان الخيّاط عالماً بعدم الكفاية وهو
جاهل بحيث صدق معه الغرور في إذنه
المطلق يحتمل الضمان لقاعدة الغرور. ولكن هذه القاعدة غير ثابتة على إطلاقها بحيث إنّ في كلّ مورد صدق الغرور تحقّق معه
الضمان والرجوع إلى الغارّ؛ لعدم
الدليل عليه، لا من بناء العقلاء ولا بحسب الروايات الخاصّة كما بحثنا حوله في مباحث
المكاسب مشبعاً وبنطاق واسع. وممّا يؤكّده في
المقام أنّا لو فرضنا أنّ صاحب الثوب بنفسه تصدّى للقطع
اعتماداً على إخبار الخيّاط بالكفاية لا أنّه أمر بالقطع أو أنّه أعطاه لخياط آخر فقطعه اعتماداً على
إخبار الخيّاط الأوّل فانّه لا يظنّ وقتئذٍ أن يلتزم فقيه بالضمان مع
اشتراك هذه الفروض في صدق الغرور.
ونظيره ما لو أخبره بأنّ قيمة
البضاعة الكذائية في البلد الفلاني راقية فحمل متاعه إلى ذلك
البلد ليبيع ويستفيد فرأى أنّه على خلاف الواقع، فهل يحتمل رجوعه إلى المخبر الغارّ وتضمينه مصارف الحمل؟ وعلى الجملة فالضمان لا بدّ في تحقّقه من أحد أمرين: إمّا
الإتلاف أو التلف الموجب للضمان من يد أو شرط، وإلّا
فالتغرير بمجرده لا يستوجب الضمان، وقاعدة الغرور مما لا
أساس لها بقول مطلق».
بل قد أنكر السيّد الخوئي
القاعدة أصلًا حيث قال في كتاب المضاربة: «إنّ هذه القاعدة وإن اشتهرت في ألسن
الأصحاب في كلماتهم إلّا أنّها مما لا أساس لها بالمرّة، فإنّ أسباب الضمان معدودة محدودة وليس منها الغرور، وكلمة «المغرور يرجع على من غرّه» لم ترد حتى في رواية
ضعيفة فضلًا عن
المعتبرة ».
الموسوعة الفقهية، ج۳، ص۲۹۰-۲۹۶.