الاقتناء (المحرم)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الاقتناء (توضيح) .
وقع بحث بين
الفقهاء في
حرمة اقتناء بعض الامور، ونظراً لوجود قول بالحرمة فيها نذكرها هنا، وهي:
ذكر بعض
الفقهاء أنّه يحرم اقتناء
آنية الذهب والفضة ،
ونسب ذلك إلى
المشهور ؛
نظراً إلى ظهور دليل
النهي عن الآنية في مطلق وجودها
وإبقائها ،
حيث إنّ الحرمة يمتنع تعلّقها بالأعيان كالأواني؛ لأنّها من أحكام فعل
المكلّف ، فيجب المصير إلى أقرب المجازات إلى الحقيقة، وهو الاقتناء، مضافاً إلى أنّه تعطيل
للمال ، فيكون سرفاً؛ لعدم
الانتفاع به.
ونوقش في أدلّة
المنع بقصور
سند ما دلّ على النهي من
الروايات وضعف
دلالته من حيث احتمال انصراف
إطلاق النهي فيه إلى أغلب
الاستعمالات منها في
العرف والعادة ، وهو
الأكل والشرب خاصّة.
إضافة إلى إمكان وجود
غرض عقلائي في الاقتناء فلا يكون تعطيلًا للمال، كما لا يكون
إسرافاً .
واجيب عن ذلك بانجبار
ضعف السند بالشهرة ونفي الخلاف،
وبطلان دعوى عدم ظهور الأدلّة في غير الاستعمال الخاص،
ولهذا قطع الأكثر- بل المشهور- بالحرمة، كما مرّ.
وفي مقابل القول بالحرمة ظهر في زمن
العلّامة الحلّي قولٌ آخر، فاختار بعض جواز اقتنائها؛ لأصالة
الإباحة وعدم الدليل على المنع،
لا سيما بعد المناقشة المتقدمة.
وصرّح آخر بأنّه وإن كان
جائزاً بالأصل، إلّا أنّه ربّما يصير محرّماً بالعرض؛ لما فيه من إرادة العلوّ في الأرض وطلب الرئاسة المهلكة.
ظاهر كلمات الفقهاء
الاختلاف في حكم اقتناء
الأعيان النجسة :
فقد ذهب جماعة إلى
حرمة اقتناء الأعيان النجسة-
كالكلب والخنزير والخمر والدم والعذرة وغيرها- إذا خلت من المنفعة المحلّلة ولم يكن اقتناؤها لغرض عقلائي،
وقد ادّعي عليه
الإجماع .
وفي بعض الكلمات
حرمة اقتناء
الكلب العقور والخنزير فيما إذا كان يؤدّي إلى
الخوف والإسراف
والسفه .
وقال بعضهم
: إنّه يجوز اقتناء
الأبوال والأرواث
والسرجين النجس ؛
لمنفعة محلّلة، ولغرض عقلائي كتربية
الزرع .
ويمكن أن يكون المدرك ما ذكره بعضهم- بعد أن قوّى التقييد بالمنفعة المحلّلة
والغرض العقلائي - من
الاستناد إلى
أصالة البراءة ،
إلى جانب حالات الاستثناء القادمة التي تفيد الرخصة في موارد المنفعة العقلائية، فتكون مسوقةً على نحو بيان بعض المصاديق.
وفي مقابل تقييد الحرمة بما تقدّم أطلق آخرون
حرمة اقتناء ذلك؛ ولعلّ المستند في إطلاق الحرمة هو ما استظهره بعض
من
الروايات حيث فهم منها حرمة
الانتفاع بالمائعات النجسة واقتنائها ولو في منفعة محلّلة.
ونوقش فيه بأنّ القول بحرمة الانتفاع بالنجس مطلقاً لا يقتضي حرمة اقتنائه وإن كان الاقتناء لغير الغرض العقلائي».
وبهذا تولّدت ثلاثة آراء هي: الحرمة مطلقاً، والجواز مطلقاً، والتفصيل بين وجود غرض عقلائي فيجوز وعدمه فلا يجوز.
نعم، حكم بعضهم بالكراهة لكن ليس في نفسه بل نظراً إلى ما فيه من مباشرة
النجاسة .
وبناءً على القول بحرمة اقتناء الأعيان النجسة ذكرت بعض الاستثناءات، وهي:
يجوز اقتناء
الخمر للتخليل وجعلها
خلّاً .
وقد استدلّ له
: تارةً ببعض الأخبار، كرواية
زرارة عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن الخمر العتيقة تجعل خلّاً؟ قال: «لا بأس».
ورواية
عبيد بن زرارة ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الرجل يأخذ الخمر فيجعلها خلّاً؟ قال: «لا بأس».
وغيرهما من روايات الباب.
واخرى بأنّ
العصير لا ينقلب إلى الحموضة إلّا بتوسّط الشدّة، فلو لم تحترم (أي الخمر) واريقت في تلك الحال
لتعذّر اتّخاذ الخلّ.
وكذلك يجوز اقتناؤها
للتداوي بها في حال الضرورة والمحافظة على النفس إذا انحصر الدواء بذلك ولم تكن
مندوحة منه.
لكن اشترط بعضهم في ذلك
العلم بالضرورة أو
الظنّ المعتبر
شرعاً ، فلا يجوز اقتناؤها لمجرّد احتمال الحاجة إليها ما لم يبلغ درجة الظن أو العلم.
وأمّا اقتناؤها لفائدة اخرى محلّلة غير ذلك فقد يجوز.
استثني من حرمة اقتناء الكلاب أربعة أصناف، وهي:
۱-
كلب الصيد ، وهو المعلّم له.
۲-
كلب الماشية ، وهو الذي يحرس الأغنام والمواشي.
۳-
كلب الزرع ، وهو الذي يحرس الزرع.
۴-
كلب الحائط ، وهو الذي يحرس البيوت ونحوها.
فهذه يجوز اقتناؤها ولا يكون
حراماً ،
وقد ادّعي عدم الخلاف فيه،
بل ادّعي على بعضها
الإجماع .
وجوّز بعضهم اقتناء
الجرو للتعليم ، واقتناء
كلب الهراش إذا كان قابلًا للتعليم.
وقد استدلّ على أصل الجواز تارةً
بالأخبار ،
كرواية محمد بن قيس عن
أبي جعفر عليه السلام قال: «قال
أمير المؤمنين عليه السلام: لا خير في الكلاب إلّاكلب صيد أو كلب ماشية».
والمروي في
العوالي : «أنّ
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بقتل الكلاب في المدينة- إلى أن قال:- فجاء
الوحي باقتناء الكلاب التي ينتفع بها، فاستثنى كلاب الصيد وكلاب الماشية
وكلاب الحرث ، وأذن في اتّخاذها».
واخرى بثبوت
الدية لها
بالإجماع ، والأخبار،
على أساس أنّ الدية تفيد
احترام المال وملكيته.
وثالثة
بإثبات الصاحب لها الذي يثبت به
الملكية الموجبة
لجواز الاتّخاذ .
ورابعة بالأصل؛ لأنّ الأصل
الإباحة ، والمنع يحتاج إلى دليل.
ولا يشترط في جواز اقتناء هذه الكلاب وجود ما اضيفت إليه؛ بأن تكون الماشية باقية والزرع لم يحصد والحائط لم يخرب، فلو هلكت الماشية أو باعها أو حصد الزرع أو خرب الحائط أو ترك الصيد لم يزل ملكه عنها؛
نظراً إلى إطلاق الأخبار، ولأنّ الأصل الإباحة، والمنع يحتاج إلى دليل، ولأنّها من الأموال ولو باعتبار الانتفاع بها في وقت
الاصطياد والحراسة .
(انظر: كلب)
ذهب بعض
الفقهاء إلى أنّه لا يجوز اقتناء الحيّات والعقارب والسباع الضارية
والترياق ؛ لاشتماله على
الخمر ، ولحوم الأفاعي
والسموم الخاليتين من
المنفعة .
وقد استدلّ على ذلك
بالإجماع والأخبار وما دلّ على تحريم
الانتفاع بالمحرّمات مع ما فيها من ضروب
الفساد .
لكن نوقش فيه بأنّه لا
إطلاق في تلك الأدلّة على
حرمة الاقتناء مطلقاً، بل في حالات خاصة
كخوف الإضرار بالآخرين ونحوها.
وعلى تقدير الحرمة يجوز اقتناء الترياق للانتفاع به في حال الاضطرار؛ نظراً إلى أنّه في الضرورات تباح المحظورات، كما إذا انحصر التداوي به.
وبه يعلم أنّ القول بحرمة اقتناء هذه الأشياء خاص بحال عدم الحاجة إليها.
ذهب بعض الفقهاء إلى حرمة اقتناء
تماثيل ذوات الأرواح وصورها
وإبقائها في بعض الموارد دون بعض، فقد فصّلوا بين الصور غير المجسّمة التي تنقش على الورق والبسط والستر والحيطان فيجوز إبقاؤها، وبين الصور المجسّمة التي لها ظلّ والتي يحرم عملها بالإجماع فلا يجوز ذلك؛ جمعاً بين الروايات، ومع ذلك احتاط
بالاجتناب مطلقاً من
الإحداث والإبقاء في جميع أنواعه.
بل ذكروا أنّه قد يمكن الاستدلال على حرمة اقتناء ذلك
بالأخبار المستفيضة الدالّة على عدم نزول
الملائكة بيتاً يكون فيه تماثيل.
ولكن نوقش
فيه بأنّها محمولة على
الكراهة ؛ جمعاً بينها وبين ما دلّ بظاهره على
الجواز .
ويؤيّد الكراهة الجمع بين اقتناء الصور والتماثيل في البيت واقتناء
الكلب والإناء المجتمع فيه
البول في الأخبار،
وفي بعضها إضافة
الجنب .
إذ من المعلوم أنّ وجود الإناء المجتمع فيه البول والكلب والجنب في البيت مكروه وليس بمحرّم، فبوحدة السياق يكون المراد الكراهة في اقتناء الصور أيضاً.
وفي مقابل القول بالحرمة ذكر بعض الفقهاء أنّه يجوز اقتناء
صور ذوات الأرواح وإن حرم صنعها؛
نظراً إلى الأصل والإطلاقات مع عدم الدليل على الحرمة.
بلا فرق في ذلك بين المجسّمة وغيرها.
واستدلّ أيضاً على الجواز
بالروايات الدالّة على
استحباب تغطية التماثيل الواقعة تجاه
القبلة ، ونفي البأس عن الواقعة يميناً وشمالًا والمكرِّهة عن مصاحبتها في
الصلاة ،
فإنّ هذا معناه أنّه يجوز اقتناؤها وإلّا كان المفترض الأمر
بإخراجها .
لكن قد يقال بعدم دلالتها على جواز الاقتناء لكونها في مقام البيان من ناحية
حكم الصلاة لا غير.
ذهب بعض الفقهاء إلى حرمة اقتناء
كتب الضلال ؛ لكونه مشمولًا لما حكموا به من حرمة
حفظها إلّا بقصد
الانتفاع بها في الامور العلمية.
واستدلّ على ذلك بأنّه يجب
إتلافها باعتبار دخولها تحت عنوان ما وضع
للحرام ، وما من شأنه ترتّب
الفساد عليه،
وحينئذٍ فيحرم اقتناؤها، إذ يشمله عموم قوله عليه السلام في
رواية تحف العقول : «وكلّ منهي عنه ممّا يتقرّب به لغير اللَّه، أو يقوى به
الكفر والشرك من جميع وجوه
المعاصي ، أو باب من الأبواب يقوى به باب من أبواب
الضلالة ، أو باب من أبواب
الباطل ، أو باب يوهن به الحقّ، فهو حرام محرّم، حرام
بيعه وشراؤه وإمساكه وملكه وهبته وعاريته وجميع التقلّب فيه».
وقد يستفاد ذلك أيضاً
ممّا دلّ على
وجوب اجتناب قول الزور ولهو الحديث والكذب والافتراء على اللَّه سبحانه وتعالى،
وأنّه من
كتابة الكتاب باليد على أنّه من اللَّه ليشتروا به
ثمناً قليلًا.
إلّا أنّ بعض الفقهاء المتأخرين ناقشوا في هذه الأدلّة كلّها بضعف
السند تارةً مثل خبر
تحف العقول أو ضعف
الدلالة اخرى، لهذا حكموا بالحرمة في حال واحدة وهي ما إذا ترتب على حفظها
الإضلال خارجاً لا غير.
هذا، وبناءً على حرمة الحفظ والاقتناء فقد استثني من ذلك حفظها واقتناؤها لغرض النقض، أو
الحجة على أهل الباطل،
ونسب ذلك إلى
المشهور .
وأضاف بعضهم استثناء كلّ ما يترتّب عليه مقصد صحيح، كتحصيل
البصيرة بالاطّلاع على الآراء والمذاهب، وتمييز الصحيح من الفاسد،
والاستعانة على البحث
والتحقيق وتحصيل ملكة
الاجتهاد والنظر، وغير ذلك.
ذكر بعض الفقهاء أنّه يحرم اقتناء
هياكل العبادة كالصليب والصنم وآلات القمار كالنرد والشطرنج وآلات اللهو ،
والمتيقّن من آلات اللهو ما كان من جنس
المزامير وآلات
الأغاني ومن جنس
الطبول .
وقد ادّعي على ذلك
الإجماع .
واستدلّ عليه بالنصوص، ففي خبر
تحف العقول عن
الصادق عليه السلام: «إنّما حرّم اللَّه الصناعة التي هي
حرام كلّها التي يجيء منها
الفساد محضاً، نظير
البرابط والمزامير والشطرنج وكلّ ملهو به والصلبان والأصنام وما أشبه ذلك- إلى أن قال:- فحرام
تعليمه والعمل به وأخذ
الاجرة عليه وجميع التقلّب فيه من جميع وجوه الحركات».
وقال بعضهم: إنّ ظاهر الإجماع
والأخبار عدم
جواز عمل كلّ ما من شأنه أن يكون المقصود منه حراماً، ولا
استعماله ولا
الانتفاع به، ولا
إبقاؤه ، ولا
الاكتساب به بجميع وجوهه.
وذكر بعض في تأييد حكم حرمة
بيع هياكل العبادة وجوب
إتلافها ؛ حسماً لمادّة الفساد، كما ذكروا بالنسبة إلى
آلات القمار : أنّه قد ورد في جملة من
أحاديث الجمهور الأمر
بكسر النرد وإحراقها ، وبالنسبة إلى
آلات اللهو أنّ من الوظائف اللازمة كسرها وإتلافها؛ حسماً لمادّة الفساد، وهذا ما يستفاد منه حرمة اقتنائها عندهم.
لكن ناقش بعض
الفقهاء في ذلك كلّه
واحتاط وجوباً فيه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۵، ص۴۳۵-۴۴۳.