أحكام الخلل في الأذان والإقامة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
اختلف الفقهاء حينما أخل المصلي في الأذان أو الإقامة في الموارد التي يأتي أحكامها:
•
طروء النوم أثناء الأذان والإقامة، لو نام في خلال الأذان أو
الإقامة ثمّ استيقظ يجوز له البناء؛
لإطلاق الأدلّة الرافع لاحتمال قاطعيّة النوم.
إذا ارتدّ المؤذّن فقد يكون
الارتداد بعد الأذان أو في أثنائه.
إذا أذّن المؤذّن ثمّ ارتدّ عن
الإسلام جاز أن يعتدّ به من أراد الصلاة، كما يجوز لنفسه أن يعتدّ به إذا رجع إلى الإسلام بغير خلاف فيه، كما في
الجواهر .
واستدلّ له بالأصل،
واندراجه في الإطلاقات،
وبأنّ الأذان وقع صحيحاً؛
لاجتماع شرائط الصحّة فيه حال فعله فلا موجب لإعادته، فهو حينئذٍ كالأسباب التي لا تبطل بالردّة من
وضوء أو غسل أو
غسل نجاسة ونحوها.ولكن قد يشكل ذلك بناءً على اشتراط صحّة العبادة باستمرار
الإيمان ، فمتى ارتدّ انكشف
بطلان العبادة؛ لعدم حصول الشرط،
وما عن بعضهم من تقييد القول بالبطلان بما إذا مات
المرتد على ردّته لا يرفع الإشكال المذكور فيما لو فرض موته بعد ارتداده؛ ضرورة عدم الفرق فيما ذكروه من
الاعتداد به بين موته وحياته، بل صرّح بعضهم بعدم الفرق بينه لو عاد إلى الإسلام وبين غيره، وهو كذلك بناءً على الصحّة؛
ولذا قال
العلّامة في
نهاية الإحكام : «يستحبّ أن لا يصلّي بأذانه...بل يعيد غيره الأذان... لأنّ ردّته تورث شبهة في حاله»؛
للقول بأنّ المؤمن لا يرتدّ.
نعم، قد يفرق في ذلك بين الأذان الإعلامي وغيره؛ لعدم كون الإعلامي منه عبادة، ولو فرض أنّه قصد به التقرّب فبطلانه من حيث الثواب لا يمنع الاعتداد به الذي لم يقيّد به.
ولو ارتدّ المؤذن في أثناء الأذان ثمّ رجع ففي استئنافه أو جواز البناء عليه قولان:
القول الأوّل:
الاستئناف ، ذهب إليه
الشيخ والقاضي والعلّامة في بعض كتبه
والفاضل الاصفهاني ،
ونسب
أيضاً إلى
أبي العباس في
الموجز والصيمري ؛وفي دعوى الاشتهار في كشف
الالتباس نظر؛ لأنّ الناصّ على ذلك منحصر فيما ذكر لا غير.
لأنّه عبادة واحدة فتبطل بعروض الردّة كالصلاة وغيرها.
ونوقش فيه بعدم ظهور فرق بين النوم الذي ذهبوا فيه إلى جواز البناء في الأثناء وبين الارتداد.
القول الثاني: جواز البناء للمؤذّن مع عدم فوات
الموالاة، ذهب إليه العلّامة في
المنتهى والشهيدان
وغيرهم،
ونسب ذلك أيضاً إلى فوائد
الشرائع وحاشية الميسي،
كما أنّه الظاهر من كلمات
السيد اليزدي ،
بل هو مقتضى اعتراض المحقق في
المعتبر على الشيخ بأنّ دليل الاعتداد إذا ارتدّ بعده جارٍ فيه؛ ضرورة أنّ الأذان وإن كان عبادة واحدة مركّبة ذات أجزاء لكنّه ليس كالصلاة التي ليس فيها زمان فترة.
ودعوى الفرق بأنّ الأذان بعد
التمام من قبيل الأسباب التي لا تبطلها الردّة بخلاف طروّه في الأثناء، تحكّم يبطله صحّة الغسل لو ارتدّ في أثنائه، ثمّ رجع الذي هو أظهر في السببيّة.
وأمّا جواز البناء للغير فهو ظاهر إطلاق كلمات الفقهاء، كما صرّح به بعض آخر.
قال العلّامة في نهايته: «وكلّ موضع لا يحكم ببطلان الأذان فيه يجوز البناء على أذانه، ويجوز لغيره البناء عليه؛ لأنّه يجوز صلاة واحدة بإمامين ففي الأذان أولى».
ثمّ إنّه بناءً على جواز البناء هل يستحبّ الاستئناف أم لا؟ظاهر كلام الشهيد بل صريحه،حيث قال: «ولو نام في خلالهما أو أغمي عليه ثمّ زالا استحبّ له الاستئناف ويجوز البناء، إلّا مع الخروج عن الموالاة، ولو ارتدّ في أثنائه فكذلك».
استحبابه، وهو المحتمل من عبارة السيد في
العروة .
ولكن كلام الأكثر يأبى عن ذلك، حيث أطلقوا جواز البناء وعدم الاستئناف مع حكمهم باستحباب
الإعادة في غير الارتداد كالنوم
والإغماء والجنون ، كما سبق.وهل يختصّ جواز البناء بالمرتدّ الملّي أو يعمّه؟
أطلق الفقهاء القول بجواز البناء، إلّا أنّ السيد اليزدي خصّ الجواز بالملّي،
فيفهم من ذلك البطلان في الفطري، والوجه فيه ما نطقت به جملة من الآيات الشريفة من حبط أعماله السابقة، ويعضده ما ورد من أنّه يقتل وتبين منه زوجته وتقسّم أمواله الكاشف عن أنّه يعتبر
كالميّت ، فإذا تاب فكأنّه إنسان جديد وكلّ ما أتى به كأنّه لم يكن، فلا مناص من الإعادة بعد
التوبة لو قلنا بقبول توبته.وهذا بخلاف الملّي بعد التوبة فإنّه كمن أذنب ثمّ استغفر وذلك لا يستوجب
القطع حتى يوجب الإعادة.
وردّه السيد الحكيم بأنّه لا يظهر وجه التخصيص بالارتداد الملّي، والتقييد به خالٍ عنه كلام النافي والمثبت.
وكذا
السيد الخوئي حيث قال: «الظاهر أنّ الارتداد لا يوجب البطلان مطلقاً، سواء أ كان عن فطرة أو ملّة؛ فإنّ الآيات الواردة في الحبط بالكفر مقيّدة بأجمعها بمن استمرّ على كفره حتى مات بمقتضى قوله تعالى: «وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ»
».
ثمّ إنّه لم يتعرّض الفقهاء لحكم ارتداد المقيم في خلال
الإقامة أو بعدها، بل اقتصروا على بيان ارتداد المؤذّن؛ ولعلّه لوحدة المناط، وشمول الإطلاقات.إلّا أنّ العلّامة الحلّي قال في نهايته:«يستحب أن لا يصلّي بأذانه وإقامته، بل يعيد غيره
الأذان والإقامة ».
•
الحدث أثناء الأذان والإقامة،ذهب جماعة من الفقهاء إلى أنّه لو أحدث في أثناء الأذان أو
الإقامة تطهّر وبنى عليه إذا لم تفت
الموالاة ؛ وإلّا تعيّن
الاستئناف .
•
النقص في فصول الأذان،ذكر بعض الفقهاء أنّه لو أخلّ
المؤذّن بشيء من فصول الأذان استحبّ للسامع والحاكي
إتمام ما نقص من
الأذان.
لو شكّ في
الإتيان بالأذان بعد الدخول في الإقامة أو شكّ في الإقامة بعد ما دخل في الصلاة لم يعتن به ويمضي.
واستدلّ له بالأخبار، كصحيحة
زرارة قال: قلت
لأبي عبد اللَّه عليه السلام: رجل
شكّ في الأذان وقد دخل في الإقامة، قال:«يمضي»، قلت: رجل شكّ في الأذان والإقامة وقد كبّر، قال: «يمضي»... ثمّ قال: «يا زرارة إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء».
وغير ذلك من الروايات.
وبقاعدة
التجاوز بالنطاق العام، المستفاد من ذيل الصحيحة المزبورة وغيرها.
وكذلك لو شكّ في فصل من فصولهما بعد الدخول في الفصل اللاحق فلا يعتن به ويمضي.
ولكن حكي عن
المحقق النائيني أنّه خصّ قاعدة التجاوز بالأجزاء المستقلّة، جموداً على الأمثلة المذكورة في الصحيحة، فلا تشمل فصول الأذان والإقامة، بل المرجع فيه قاعدة
الاشتغال ؛ لكونه من الشكّ في المحلّ.
ونوقش بأنّه لا موجب للتخصيص؛ لأنّ العبرة بإطلاق كلام الإمام عليه السلام الذي لا قصور في شموله للجميع.
هذا، وأمّا لو شكّ قبل تجاوز المحلّ أتى بما شكّ فيه؛
لمفهوم صحيح زرارة، المستفاد منه قاعدة الشكّ في المحلّ، المطابقة لقاعدة الاشتغال،
واستصحاب بقاء
الأمر ، وأصالة عدم الإتيان بالمأمور به.
•
قطع الصلاة لتدارك الأذان والإقامة،إذا أخلّ
بالأذان والإقامة معاً فقد أجمع الفقهاء على عدم جواز قطع الصلاة لتداركهما إن كان قد ركع؛ للأخبار الواردة في المقام، وعمومات المنع عن
إبطال العمل على فرض دلالتها على حرمة قطع العمل.
إذا أخلّ المصلّي بالأذان وحده أو الإقامة وحدها فهل يجوز له الرجوع لتدارك ذلك أم لا؟ اختلف الفقهاء فيه على أقوال:
جواز الرجوع فيما إذا نسي الإقامة دون الأذان، وهو
اختيار الأكثر،
بل ظاهر
النفلية أنّه المشهور؛
استناداً إلى الأمر بها خاصّة في جواب السؤال عن نسيانهما
في صحيحي
ابن مسلم والشحّام عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: في الرجل ينسى الأذان والإقامة حتى يدخل في الصلاة، قال: «إن كان ذكر قبل أن يقرأ فليصلّ على
النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليقم، وإن كان قد قرأ فليتمّ صلاته». ومثله خبر زيد الشحام عنه عليه السلام.،
وهو ظاهر بكمال مزيّة للإقامة.والصحيحتان وإن دلّتا على جواز الرجوع قبل
القراءة دون ما بعدها لكن لا قائل بالفصل في الرجوع بين الموضعين.قال المحقّق النجفي: «متى ثبت جواز الرجوع قبل القراءة ثبت جوازه إلى ما قبل الركوع؛ لعدم القول بالفصل بينهما».
كما أنّهما وإن وردتا في السؤال عمّا إذا كان المنسي الأذان والإقامة معاً، لكن احتمال
اختصاص الحكم بذلك لا يعتدّ به.قال
السيد الحكيم : «احتمال اختصاص ذلك بصورة نسيانهما معاً ممّا لا يعتدّ به العرف؛ لأنّ
النسيان إنّما يذكر في الأسئلة توطئة لفرض التدارك، فتمام الموضوع هو تدارك المنسي، فإذا كان المصحّح للقطع هو تدارك الإقامة لم يكن فرق بين نسيان الأذان معها وعدمه».
كما استدلّ له
أيضاً بصحيحة
حسين ابن أبي العلاء قال: سألته عن الرجل يستفتح صلاته المكتوبة ثمّ يذكر أنّه لم يقم؟ قال: «فإن ذكر أنّه لم يقم قبل أن يقرأ فليسلّم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ يقيم ويصلّي...»،
ولكن نوقش فيه
بأنّ رفع اليد عمّا دلّ على حرمة
الإبطال - للأخبار المتروك ظاهرها- مخالف لُاصول المذهب، خصوصاً مع ما يلي من دعوى
الشهرة على عدم الرجوع لها.غير أنّ هذه المناقشة لا ترد على من لا يرى حرمة إبطال العمل العبادي بسبب مناقشته في الأدلّة الدالّة عليها،
ولذلك أفتى بعض الفقهاء بجواز القطع.
نعم يظهر من السيد الحكيم
المناقشة في عدم القول بالفصل المدّعى من قبل صاحب الجواهر حيث قال: «فإن تمّ عدم الفصل بين أفراد الذكر قبل الركوع يتعيّن حمله على الرخصة... وإن لم يتمّ عدم الفصل يتعيّن القول بجواز القطع قبل القراءة دون ما بعدها».
كما يظهر من السيد الخوئي حيث قال أيضاً: «إن لم نعمل بصحيحة
علي بن يقطين المتقدّمة لإعراض المشهور عنها لم يكن بدّ من التفصيل بين ناسي الإقامة خاصّة وبين ناسيهما معاً، ففي الأوّل يختصّ الرجوع بما قبل القراءة، وفي الثاني بما قبل
الركوع عملًا بالنص الوارد في كلّ منهما. وإن عملنا بها- كما هو
الصواب - كان مقتضاها جواز الرجوع في ناسي الإقامة خاصة- الذي هو مورد الصحيحة- في أيّ موضع تذكّر ما لم يفرغ من الصلاة، ويتعدّى من موردها إلى ناسيهما معاً بمقتضى
الإطلاق الناشئ من ترك
الاستفصال . ونتيجة ذلك جواز الرجوع في كليهما متى تذكّر ما لم يفرغ غايته مع
الاختلاف في مراتب الفضل».
جواز الرجوع لإعادة الأذان وحده دون الاقامة، وهو اختيار
المحقّق الحلّي ظاهراً، حيث خصّ الأذان بالذكر فقال: «ولو صلّى منفرداً ولم يؤذّن ساهياً رجع إلى الأذان...»،
بل ظاهر
الشهيد الثاني في
المسالك أنّ جواز القطع في ناسي الأذان وحده وفاقي حيث قال:«وكما يرجع ناسي الأذان يرجع ناسيهما بطريق أولى، دون ناسي الإقامة لا غير على المشهور،
اقتصاراً في إبطال الصلاة على موضع الوفاق»،
مع أنّه ذهب في
الروضة إلى عدم جواز الرجوع للأذان وحده.
لكن نوقش فيه بأنّه لا دليل على جواز القطع في نسيان الأذان فقط وعدم ورود الرجوع حتى في رواية ضعيفة، ومعه كان المتّبع عموم ما دلّ على حرمة إبطال الفريضة،
كما تقدّم، مضافاً إلى دعوى
الإجماع على عدم الرجوع للأذان؛نقله عن
الشيخ نجيب الدين في
مفتاح الكرامة،
ولذلك يحتمل أن يكون المراد من الأذان في كلام المحقّق الأذان والإقامة بقرينة معروفيّة موضوع المسألة بين الفقهاء،
أو أنّ حصول السقط في عبارته من سهو القلم.
عدم جواز الرجوع سواء كان المنسيّ هو الأذان أو الإقامة، كما ذهب إليه
المحقق الكركي والفاضل النراقي
والسيد اليزدي؛
للاقتصار في إبطال الصلاة على موضع الوفاق،
أي صورة تركهما معاً، ولأنّ غاية الرجوع الاستحباب المعارض لاحتمال التحريم.
جواز الرجوع عند ترك كلّ منهما وحده، وهو المنسوب إلى
ابن أبي عقيل ، إلّا أنّ الأذان خاصّة يقيّد بصلاتي الصبح والمغرب.
ثمّ إنّ الحكم مختصّ بصورة النسيان لا غير؛ لأنّ مورد النصوص النسيان، فعلى هذا لو دخل الإمام المسجد فتخيّل أنّ بعض المأمومين أتى بالأذان والإقامة فعقد الجماعة ثمّ تبيّن الخلاف أو أنّ المأمومين اعتقدوا أنّ الإمام أذّن وأقام فانكشف الخلاف فلا يشرع من مثله
الانصراف والرجوع، بل يحرم على القول بحرمة قطع الفريضة.
ولا فرق في الحكم بين المنفرد وغيره،
كما يقتضيه إطلاق النصوص والفتاوى،
فتقييده بالمنفرد- كما فعله الشيخ
والمحقق
والعلّامة
-لا وجه له؛ لمخالفته لما ذكر،
ولمقتضى تأكّد الأذان والإقامة في الجماعة؛
ولذا احتمل بعض أن يكون المراد بذلك التنبيه بالأدنى على الأعلى،
أو يكون لندرة تحقّق النسيان في الجماعة.
لكن ذهب
الميرزا القمّي إلى أنّ التأمّل في الروايات يشهد بأنّ كلّها ظاهرة في المنفرد، ولا يفهم منها إطلاق يشمل غيره، ولا يفهم من إطلاق كلماتهم أيضاً
التعميم .
ثمّ إنّه لا بدّ في استحباب الرجوع لتدارك الأذان والإقامة أو أحدهما خاصّة- بناءً على القول به- من توفّر شرائط، وهي كما يلي:
أ- عدم ضيق الوقت ولو عن الإتيان بجزء كالتسليم.
ب- عدم فوات شرط في الصلاة، كما لو صلّى بتيمّم ووجد الماء بعد
التكبير ثمّ عدم هو والتراب فإنّه لا يجوز له الرجوع.
ج- اختصاص جواز
الرجوع بحال الذكر، لا ما إذا عزم على الترك زماناً معتدّاً به ثمّ أراد الرجوع، بل وكذا لو بقي على
التردد كذلك؛ لأنّ المتيقّن من النصوص والفتاوى هو حال الذكر، فلا يشمل العازم على
الترك ولا المتردّد، اقتصاراً في حرمة الإبطال على المتيقّن.
ونوقش فيه بأنّه مخالف لإطلاق النصّ والفتوى، وكون غيره المتيقّن منهما غير كافٍ في رفع اليد عن الإطلاق.
د- اختصاص الرجوع بما إذا نسى كلّاً من الأذان والإقامة بتمامه؛ لأنّه هو المتيقّن بل ظاهر الأدلّة، وأمّا لو ترك بعض الفصول أو بعض شرائطهما فلا يرجع؛ لخروجهما عن مدلول النصوص، فالمرجع فيه عموم المنع من قطع
الفريضة وحرمة الإبطال.
نعم، استوجه بعض الفقهاء التدارك مع فرض النسيان الذي يكون بسببه
الفساد ؛ لما علم من
الشارع من تنزيل الفاسد منزلة العدم في كلّ ما كان من هذا القبيل.
وتبعهم بعض آخر ممّن يقول بجواز الرجوع بخصوص
الإمامة وحدها، وذلك فيما إذا كان المنسي بعض شرائطها
كالطهارة والقيام دون نسيان الجزء ودون الأذان؛
لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه، فيصدق أنّه كان موظّفاً بالإقامة فنسيها. وأمّا في نسيان الجزء فلا يرجع؛ لأنّه لا يصدق أنّه كان موظّفاً بالإقامة بل موظّفاً ببعض أجزائها ولكنّه نساه، ومثله غير مشمول لنصوص ناسي
الإقامة فيبقى عموم المنع عن قطع
الفريضة على حاله.
لو أذّن منفرداً ثمّ بدا له الإمامة فهل يكتفي بأذانه السابق أم لا؟ فيه خلاف.فالمشهور بين الفقهاء
أنّه يعيد الأذان؛
لموثّق
عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام- في حديث- قال: سئل عن الرجل يؤذّن ويقيم ليصلّي وحده فيجيء رجل آخر فيقول له: نصلّي جماعة هل يجوز أن يصلّيا بذلك الأذان والإقامة؟قال: «لا، ولكن يؤذّن ويقيم».
ولا يناقش فيه بضعف السند؛ لأنّه معتضد بالأصل، والعمومات، ومنجبر بفتوى الأصحاب بناءً على كبرى
الانجبار .
واستقرب المحقّق والعلّامة في بعض كتبهما
الاجتزاء بالأذان السابق،
واستوجهه ثاني الشهيدين،
وهو المعتمدعند صاحب
المدارك أيضاً.ويؤيّده خبر
صالح بن عقبة عن
أبي مريم الأنصاري قال: صلّى بنا
أبو جعفر عليه السلام في قميص بلا
إزار ولا
رداء ولا أذان ولا إقامة- إلى أن قال:- فقال عليه السلام:«وإني مررت بجعفر عليه السلام وهو يؤذّن ويقيم فلم أتكلّم فأجزأني ذلك».
وإذا اجتزأ بأذان غيره مع الانفراد فبأذانه أولى.
ونوقش فيه:
أوّلًا: بأنّ خبر أبي مريم في غاية الضعف؛ لمعروفيّة صالح بن عقبة بالكذب.وثانياً: بمنع الأولويّة المذكورة؛ بأنّ الظاهر منه أنّ الإمام- وهو الباقر عليه السلام- كان مريداً للجماعة حين السماع، فيختلف موردها عمّا نحن فيه، إذاً، فالعمل بالموثّق متعيّن.
وأمّا لو أذّن بقصد الجماعة ثمّ أراد الانفراد فهل يجتزأ بالأذان الأوّل أم لا؟ لم يتعرّض الفقهاء لذلك سوى المحقّق النجفي
والهمداني .
قال
المحقق النجفي : «ولو أذّن بقصد الجماعة ثمّ اريد الانفراد فالظاهر الاجتزاء بالأذان الأوّل».
وقال الهمداني: «لو أذّن بنيّة الجماعة فأراد أن يصلّي وحده بنى على أذانه؛ إذ لم يثبت لأذان المنفرد خصوصيّة معتبرة في ذاته زائدة على طبيعة الأذان المأتيّ به بقصد القربة متوقّفة على قصد عنوانه، كما ثبت ذلك في أذان الجماعة، ومجرّد احتماله لا يجدي في
إثبات بقاء
التكليف به ولو بالاستصحاب... لأنّ المرجع عند الشكّ في
اعتبار شيء من مثل هذه الامور في متعلّق التكاليف
البراءة ، وأنّ مقتضى الأصل في التكاليف كونها توصّلية لا يُرفع اليد عنه إلّا بالدليل، وغاية ما ثبت في المقام إنّما هو أن يأتي بالأذان والإقامة لصلاته بقصد التقرّب وقد حصل بهذا القصد، وأمّا اعتبار أمر وراء ذلك- أي كونه أذان المنفرد- فمنفيّ بالأصل».
الموسوعة الفقهية، ج۸، ص۲۵۱-۲۷۱.