إبداء الزينة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ومعناه إبداء نفس
الزينة للمرأة أو إبداء مواضع الزينة من
أعضاء بدن المرأة.
إبداء الزينة لفظ مركّب.
فالإبداء- وزان إفْعال-:
الإظهار، من بدا الشيء يبدو إذا ظهر، فهو بادٍ.
قال
ابن فارس: «
الباء والدال والواو أصل واحد، وهو ظهور الشيء».
وأبدى الأمر: أظهره،
وكل شيء أظهرته فقد أبديته وبدّيته.
والبداء بمعنى الظهور
كما في قوله تعالى: «فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما».
والزينة: ما يتزيّن به،
من زان الشيء
صاحبه زَيناً من باب سار.
والاسم الزينة.
۱-
والفقهاء استعملوا الإبداء في
المعنى اللغوي نفسه، إلّا أنّ بعضهم حاول
التدقيق في معنى الإبداء بأكثر ممّا هو مذكور في كتب
اللغة؛ إذ أفاد: إنّ الإبداء وإن كان بمعنى الإظهار إلّا أن الإبداء تارة يستعمل متعلّقاً بشيء ولم يكن
متعدّياً لمفعول ثانٍ باللام، فيكون في مقابل
الستر، أي الإبداء بمعنى تركِ الشيء مكشوفاً. واخرى يستعمل متعدّياً لمفعول ثانٍ باللام، فيكون في مقابل
الإخفاء بمعنى
الإعلام والإراءة،
أي يكون الإبداء في الحالة الثانية من العناوين
القصدية؛ لاشتماله على قصد الإراءة للغير.
من هنا فرّق هذا المحقّق بين
الفقرة الاولى في قوله تعالى: «وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها»،
وبين قوله تعالى في الفقرة الثانية: «وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ»،
فأفاد بأنّ
المراد بالاولى
النهي عن الإظهار بمعنى لزوم التستّر، والمراد بالثانية النهي عن الإظهار بمعنى الإراءة.
۲- وقد اطلق {إبداء الزينة} في
القرآن الكريم على معنى أخصّ من المعنى اللغوي؛ فقد قصد به إبداء مواضع الزينة من أعضاء بدن المرأة لا إبداء الزينة ذاتها، سواء وضعت عليها ما يتزيّن به من
الخضاب والحليّ أو خلت من ذلك، قال تعالى: «وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ».
وتبرير هذا
الإطلاق إمّا من باب إطلاق الحالّ وإرادة المحلّ، وإمّا لكونها زينة حقيقةً؛ وذلك بلحاظ ما تمتاز به المرأة من طبيعة
جمالية، أي إنّها
خلقة وتكويناً تمتلك زينة وجمالًا طبيعياً دون
الرجل، وهذه الزينة الطبيعية تشمل أغلب بدن المرأة، أو قل: كلّ بدن المرأة إلّا ما استثني
كالعورة؛ فإنّها ليست زينة، بل هي ممّا يستقبح، ولذا اطلق عليها
السوأة.
۳- ثمّ إنّ إرادة مواضع الزينة {/ الزينة الحقيقية} من لفظ {الزينة} هل يكون بملاحظة
الآية في حدّ نفسها ومع قطع النظر عن
الروايات الواردة في
تفسيرها؟
أو بملاحظتها بضميمة تلك الروايات؟
المعروف بينهم هو الأوّل،
إلّا أنّه ذهب البعض إلى الثاني حيث قال:
«الظاهر من الآية الكريمة إرادة نفس ما تتزيّن به المرأة، ويؤيّد ذلك قوله عزّ وجلّ في ذيل الآية: «وَ لا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ»؛ فإنّ من الواضح أنّ ضرب الرجل على الأرض لا يوجب
العلم بموضع الزينة، وإنّما الذي يوجبه هو العلم بنفس الزينة من
الخلخال وغيره، فإنّ ضرب الرجل يوجب حركتها وإيجاد
الصوت، فيعلم بها لا محالة».
۴- والزينة الطبيعية قد تكون ظاهرة
كالوجه والكفّين، وقد تكون
باطنة كالفخذين والساقين. كما أنّ الزينة العارضة قد تكون ظاهرة
كالخاتم والكحل، وقد تكون باطنة كالخلخال.
وهو ضدّ
الصون، فالمرأة المتبذّلة هي التي لا تحفظ نفسها أمام
الأجنبي، ولا تبالي بما ينافي
عفّتها وصونها.
إظهار المرأة زينتها
ومحاسنها للأجانب.
ونسب
التبرج للمرأة؛ إمّا لتشبّهها
بالثوب المبرَّج، وهو الذي صوِّرت عليه البروج. وإمّا لظهورها من بُرجها، أي من قصرها.
وهو ضدّ إبداء الزينة أو إبداء محلّها من بدن المرأة ويكون النهي عن إبداء الزينة مساوقاً
لوجوب سترها
وحجبها عن الناظر الأجنبي.
ولا يراد هنا
التعرض إلى
حكم نفس التزيّن، فإنّه يرجع فيه إلى محلّه، وإنّما يراد بيان حكم إبداء الزينة، ولا شكّ بأنّ الحكم هو
حرمة ذلك على المرأة في الجملة، وقد دلّت
النصوص على ذلك؛ قال تعالى: «وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ». وتفصيل ذلك:
يحرم على المرأة إبداء شيء من أعضاء بدنها للأجنبي إلّا ما يظهر بحسب
العادة، وهو
الوجه والكفّان، بمعنى يجب عليها ستر بدنها عدا الوجه والكفّين؛ لقوله تعالى: «إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها»،
دون العنق والصدر وسائر بدنها، قال تعالى:
«وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ».
.
هناك عدّة موارد لا يحرم على المرأة إبداء زينتها، وهي:
۱- يجوز إبداء الزينة
للزوج؛ لقوله تعالى: «إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ» فلا يجب على
الزوجة التستّر عنه في شيء.
۲-
والمحارم كالآباء والأبناء حيث لا يجب عليهنّ ستر ما عدا العورتين، قال تعالى: «أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ».
والمراد بالآباء الأب وإن علا، وبالأبناء الابن وإن سفل.
والأخ أعم من أن يكون من الطرفين {/ الأب والامّ} أو أحدهما، وبني الإخوة
والأخوات وإن سفلوا. واستظهر بعضهم كون المراد الأعم من
النسب والرضاع؛ للصدق.
وأمّا
العم والخال فإنّهما وإن لم يُذكرا في الآية إلّا أنّ الحكم لهما ثابت
إجماعاً، ولعلّ عدم ذكرهما إنّما هو لوحدة النسبة بين العمّ وابن الأخ، وبين الخال وابن الاخت؛ فكما يجوز للمرأة إبداء زينتها لابن أخيها وابن اختها نظراً إلى كونها
عمّة أو
خالة لهما يجوز لها إبداء زينتها لعمّها وخالها؛ لوحدة النسبة.
۳- النساء سواء كنّ
حرائر أم
إماء، سواء كنّ
مسلمات أم
كافرات كما هو
المشهور لقوله تعالى: «أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ».
نعم، صرّح بعض الفقهاء بعدم
استثناء المرأة
اليهودية والنصرانية أو مطلق الكافرة فحكم بالحرمة،
واختار بعضهم
الكراهة؛
لما ورد في الرواية من أنّهنّ يصفن ذلك لأزواجهنّ.
في حين حمل بعض الفقهاء هذه الرواية على
الإرشاد إلى الأمر
الأخلاقي والأدبي وهو شدّة التحفّظ عن الكفّار حتى في هذا المقدار.
۴-
الحمقى والأطفال غير
المميّزين؛ لقوله تعالى: «أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ»
دون الطفل المميّز.
۵- القواعد من النساء لا يحرم عليهنّ إبداء ما هو المعتاد من بدنهنّ من كشف بعض
الشعروالذراع ونحو ذلك، لا مثل
الثدي والبطن ونحوهما ممّا يعتاد سترهنّ له؛ لقوله تعالى: «وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَ أَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ».
۶- وكذلك ترتفع حرمة إبداء الزينة للأجنبي في حالات
الضرورة،
كالعلاج وتحمّل الشهادة
والاستنقاذ، فلا يحرم بذلك على المرأة إبداء شيء من بدنها للأجنبي.
۱- وأمّا حكم إبداء المرأة زينتها للأجنبي فهو الحرمة أيضاً، بمعنى وجوب سترها إلّا
للزوج وسائر من ذكرتهم الآية.
ومنه يُعرف حكم إراءتها للغير.
۲- وهل يفرَّق في الزينة بين ما كان على الوجه والكفّين
كالكحلوخضاب اليد وبين غيرهما
كالقرط والخلخال أم لا؟.
۳- وهل يفرّق في حكم الزينة بين ما كانت بوضع شيء على البدن أو
لبسه، وبين ما كان برفع شيء من البدن
كإزالة الشعر الزائد عن
الحاجبين وتعديلهما؟.
۴- ورد الحثّ
للمرأة على التزيّن لزوجها، بمعنى إبداء الزينة لزوجها، سيّما في بعض الموارد كالمرأة المعتدّة حيث صرّح بعض
باستحباب ذلك لها.
۵- وتجدر
الإشارة إلى أنّ هذه الأحكام المذكورة مع قطع النظر عن الحالات الطارئة، فمثلًا استثناء الزوج من حرمة إبداء الزينة له إنّما هو بالنظر إلى الإبداء في نفسه ومع قطع النظر عن
العناوين الاخرى
كالإحرام، فإنّ المرأة المحرمة لا يجوز لها التزيّن حتى لزوجها.
الموسوعة الفقهية ج۲، ص۳۰۱-۳۰۵.