.
وقد انفتح علم الاصول لدى فقهائنا على بحوث جليلة وهامّة حول العلم الإجمالي وفرقه عن العلم التفصيلي ومعنى الإجمال والإبهام فيه وانّه هل يتعلّق بالواقع أو بالجامع وعن مدى منجّزيته و حرمة مخالفته القطعية ووجوب موافقته القطعية وأقسام العلم الإجمالي بالتكليف وأنواعها ومدى جريان الاصول العملية الترخيصية الشرعية أو العقلية في أطرافها و التعارض بين أدلّة الاصول فيها وانحلال العلم الإجمالي الحقيقي أو الحكمي. إلى غير ذلك من امّهات مباحث العلم الإجمالي في علم الاصول، ويطلب تفصيلها من محالّها
.
۳- العناوين المبهمة: يقسّم علماء الاصول العناوين إلى ذاتية منطبعة في الذهن عن الواقع الخارجي كعنوان الإنسان و الحيوان وعناوين مبهمة يخترعها الذهن لمجرّد الإشارة بها إلى ما في خارج الذهن كعنوان أحدهما أو الفرد المردّد أو هذا أو ذاك، وقد سمّيت بالعناوين الانتزاعية أو الاختراعية للذهن
.
وقد بحث الاصوليون مواطن الحاجة إلى استخدام هذه العناوين كما في باب الوضع العام و الموضوع له الخاص وباب الواجبات التخييرية ومتعلّق العلم الإجمالي والدوران بين التعيين والتخيير، كما بحثوا عن حقيقة هذه العناوين وتحليلها وإمكان الفرد المردّد مفهوماً أو مصداقاً و استحالته، في مواطن متفرّقة من بحوث الوضع والواجب التخييري والعلم الإجمالي وغيرها في علم الاصول، فراجع.
۴- الإبهام في عالم الثبوت: بحث علماء الاصول أيضاً بمناسبة البحث عن الاطلاق ومقدّمات الحكمة عن قاعدة سمّوها باستحالة الإبهام في عالم الثبوت، قاصدين بذلك انّ مراد المتكلّم ثبوتاً لا يمكن أن يكون مبهماً بل إمّا مطلق أو مقيّد. وتفصيله في مصطلح الإطلاق و التقييد من علم الاصول.
۵- الإبهام في متعلّق العقود أو الايقاعات: يشترط الفقهاء عادة في العقود والإيقاعات تعيين متعلّقاتها وأركانها وعدم الابهام فيها وإلّا كانت باطلة، فلو باع أحد الدارين أو تزوّج أو طلّق إحدى المرأتين من دون تعيين بطل العقد والايقاع
.
و مانعية الإبهام عن صحّة العقد أو الايقاع قد تكون على أساس محذور ثبوتي وهو استحالة تحقّق العنوان المبهم عقلًا، وقد تكون على أساس محذور إثباتي وهو ما دلّ على اشتراط العلم ومانعية الجهل و الغرر فيها شرعاً. كما في بيع اللبن في الضرع، وتفصيل ذلك يطلب في محالّها من عناوين المعاملات
.
۶- الإبهام في العبادات: يشترط في العبادة النيّة وقصد العبادة وقصد أمرها و التقرّب بها إلى اللَّه عزّ وجلّ.
وقد وقع البحث في أبواب العبادات عن كيفيّة القصد والنيّة في موارد الإبهام وعدم العلم بأصل العبادة وكيفيتها أو أمرها أو صفتها من حيث الوجوب و الاستحباب أو غير ذلك من أنحاء الإبهام وعدم التمييز للعبادة المأمور بها.
ودارت بحوث اصولية وفقهية متنوعة حول ذلك كالبحث الاصولي عن كفاية الامتثال والقصد الإجمالي في العبادة مطلقاً أو في صورة عدم التمكن من الامتثال التفصيلي، كما بحث فقهياً في أصل لزوم قصد الوجه والتمييز في العبادة في مقام الامتثال، كما بحثوا عن مانعية قصد الوجوب أو الجزئية عند الإبهام وعدم العلم بهما عن صحّة العبادة. إلى غير ذلك من الأبحاث المرتبطة بموارد الإبهام والإجمال في أبواب العبادات تطلب في عناوينها.
۷- استخراج المبهم بالقرعة: ورد في الفقه انّ القرعة لكلّ أمر مبهم أو مشكل، فيرفع الإبهام و التحيّر فيه بالقرعة
، وقد وقع البحث عن مدى حجّية القرعة في موارد الإبهام و الاشتباه وحدوده.
۸- رؤية المرأة دماً مبهماً: ومن البحوث الفقهية المرتبطة بالإبهام ما يتعرّض له الفقهاء في الدماء الثلاثة الحيض و الاستحاضة و النفاس من حكم الدم المبهم الذي تراه المرأة وحكمها من حيث كونه حيضاً أو استحاضة، وقد اشتهرت قاعدة فقهية في هذه المسألة سمّيت الإمكان مؤدّاها: أن كلّ دم تراه المرأة بالصفات وأمكن أن يكون حيضاً فهو حيض»
والابهام بهذا المعنى الآخر أيضاً يقع موضوعاً لأحكام فقهية في أبواب متعدّدة، نشير فيما يلي إلى أهمّها:
۱- الاستبراء بالإبهام.
۲- دلك الأسنان بالإبهام- إدارة الإبهام في الفم- عند الوضوء
.
۹- المشهور بين الفقهاء التسوية بين الإبهام وسائر الأصابع وبين أنامل الاصبع الواحدة في الديات، لكن بعض الروايات فرّقت بين الإبهام وسائر الأصابع في ذلك، و أفتى بعض الفقهاء بموجبها أو نقل ذلك في كتابه.
وفيما يلي الإشارة إجمالًا إلى بعض موارد الخلاف تاركين التفصيل إلى محله.
۱- دية فك أنملة الإبهام قيل: إنّ مقدارها عشرة دنانير، وفي فك المفصل الثاني منها نصف دية فك الكف.
۲- دية كسر أنملة الإبهام قيل: إنّ فيها ثلث دية كسر الكف وفي كسر الأنملة الثانية منها نصف دية كسرها
، ونقل عن كتاب ظريف: في كسر قصبة الإبهام خُمس دية الإبهام إن جبرت من غير عثم ولا عيب، وفي كسر المفصل الأعلى منها ستة عشر ديناراً وثلثا دينار إن انجبرت كذلك
.
۳- دية ظفر إبهام اليد إذا لم ينبت أو نبت أسود معيباً عشرة دنانير وفي أظفار الأصابع الباقية منها خمسة، ودية ظفر إبهام الرجل ثلاثون ديناراً وفي أظفار باقي أصابعها في كل منها عشرة، وأمّا إذا نبت غير معيب فالنصف من ذلك
.
۴- دية قطع الإبهام عشر الدية الكاملة عند المشهور، وخالف بعض الفقهاء فذهب
إلى أنّ فيه ثلث دية اليد الواحدة وفي الأربعة الباقية الثلثان، وذهب بعض آخر إلى التفصيل بين دية إبهام الرجل فكالمشهور ودية إبهام اليد فثلث الدية