وقع الكلام بينهم في انفعال ماء البئر بوقوع الحيوان ذي النفس السائلة و موته فيه وعدمه، وفي مقدار ما ينزح لكلّ من الحيوانات وجوباً أو استحباباً .
و الدليل في المقام إنّما هو النصوص، ولا نصّ في خصوص الإوزّ، وإنّما النصوص واردة بلفظ الطير،
وقال المحقّق الحلي : «فتستبرئ البطّة وما أشبهها بخمسة أيّام، والدجاجة وما أشبهها بثلاثة أيّام، وما خرج عن ذلك يستبرئ بما يزول عنه حكم الجلل ؛ إذ ليس فيه شيء موظّف ».
وقد ضعّفها جميعاً الشهيد الثاني قائلًا: « ومستند هذه التقديرات كلّها ضعيف...
وينبغي القول بوجوب الأكثر؛ للإجماع على عدم اعتبار أزيد منه فلا تجب الزيادة، و الشكّ فيما دونه فلا يتيقّن زوال التحريم ، مع أصالة بقائه من حيث ضعف المستند، فيكون ما ذكرناه طريقاً للحكم».
وأورد عليه المحقّق النجفي : ب «أنّ المتّجه حينئذٍ الرجوع إلى ما يزول به صدق اسم الجلل... والرجوع إلى أكثر الأمرين إنّما يتّجه إذا لم يكن هناك قاعدة يرجع إليها، وهي ما عرفت».
و الكلام هنا في أنّ البطّ أو الإوزّ الذي يعيش في البرّ والبحر معاً، هل هو من صيد البرّ ليحرم صيدُه على المحرم، أم لا؟
و الميزان في كون ما يعيش فيهما من صيد البرّ أو البحر، هو: أن يبيض في الماء ويُفرخ فيه.
قال المحقّق الحلّي: « الصيد قسمان: فالأوّل: ما لا يتعلّق به كفّارة ، كصيد البحر، وهو ما يبيض ويُفرخ في الماء...».
وقال العلّامة الحلّي: «أجمع أهل العلم كافّة على أنّ صيد البحر مباح للمحرم اصطياده و أكله و بيعه و شراؤه ، إذا ثبت هذا فإنّ صيد البحر هو ما يعيش في الماء ويبيض ويفرخ فيه كالسمك ... فإن كان ممّا يعيش في البرّ والبحر معاً اعتبر بالبيض و الفرخ ... وأمّا طير الماء كالبطّ ونحوه، فإنّه صيد البرّ في قول عامّة أهل العلم، وفيه الجزاء ؛ لأنّه يبيض ويفرخ في البرّ، فكان من صيده كسائر طيوره. وعن عطاء أنّه قال: حيث يكون أكثر فهو صيده. وليس بجيّد؛ لما تقدّم، وإقامته في البحر؛ لطلب الرزق و المعيشة منه كالصيّاد».
لم يرد في النصوص تقدير في جزاء صيد الإوزّ والبطّ بالخصوص، إلّاأنّ بعض الفقهاء خصّه بالذكر وحكم بلزوم فداء شاة بصيده.
قال الشيخ الطوسي : «البطّ والإوزّ والكركي يجب فيه شاة، وهو الأحوط ، وإن قلنا فيه القيمة - لأنّه لا نصّ فيه- كان جائزاً ».
- أيضاً ذلك.
وأورد المحقّق الحلّي على ما ذكره الشيخ الطوسي بأنّ هذا الحكم- بعد عدم ورود النصّ به- تحكّم، قال: «وكلّ ما لا تقدير لفديته ففي قتله قيمته، وكذا القول في البيوض، وقيل:
في البطّة والإوزّة والكركي شاة. وهو تحكّم».
واجيب عنه بأنّ خصوص الإوزّة وإن كان لا تقدير فيها، إلّاأنّ إطلاق رواية عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه عليه السلام- أنّه قال في محرم ذبح طيراً: «إنّ عليه دم شاة يهريقه...»
وقال المحدّث البحراني: «وبه يندفع عن الشيخ ما أورده عليه المحقّق، إلّاأنّ تخصيصه بهذه الثلاثة البطّة والإوزّة والكركي لا يظهر له وجهٌ، ولعلّ التحكّمباعتبار ذلك».
الإوزّ والبطّ من طيور الماء، ولا نصّ فيهما بالنسبة لحلّية لحمهما وعدمه، فلابدّ من ملاحظة ما يعتبر في الطير المجهول الحكم من صفات .
قال المحقّق الحلّي: «يعتبر في طير الماء ما يعتبر في الطير المجهول، من غلبة الدفيف أو مساواته للصفيف، أو حصول أحد الامور الثلاثة: القانصة أو الحوصلة أو الصيصية ، فيؤكل مع هذه العلامات وإن كان يأكل السمك »،
واستدلّ الشهيد الثاني له- مضافاً إلى إطلاق نصوص الطير المشتملة على هذا الملاك - بخصوص رواية نجيّة ابن الحارث، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن طير الماء، ما يأكل السمك منه يحلّ؟ قال: «لا بأس به، كُله»،