الأهلية (مراحل نمو الإنسان)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الأهلية (توضيح).
يمرّ الإنسان من مبدأ حياته في بطن امّه وإلى
اكتمال رشده بأدوار ومراحل خمسة، وهي:
تمتدّ هذه المرحلة التي يكون فيها الإنسان جنيناً، أي حملًا في رحم امّه منذ
العلوق وإلى
الولادة . وقد أثبتت الشريعة المقدّسة للإنسان في هذه المرحلة أهلية الوجوب الناقصة، فهو قابل للإلزام فقط دون الالتزام، فتثبت بعض الحقوق له، ولا يثبت شيء عليه، فليس له أهلية الوجوب الكاملة ولا أهلية الأداء الناقصة ولا الكاملة. والحقوق التي أثبتتها الشريعة المقدّسة للجنين هي:
لا خلاف ولا إشكال في أنّ للجنين حقّ
الانتساب إلى
أبيه وامّه ومن ينتسب إليهم
بواسطتهما، وذلك عند تحقّق شروط الانتساب، وعندئذٍ يلحق الولد بالشخص من حين كونه حملًا، بحيث لو سقط هذا
الحمل وجب على الشخص الملحق به هذا الحمل
مؤونة تجهيزه ، وتترتّب عليه سائر الأحكام المترتّبة على لحوقه به.
للجنين حقّ
الإرث ممّن يموت من مورّثيه، فلو مات مورِّثه يفرز سهمه من الإرث، فإن انفصل حيّاً ثبت له وورثه، وإلّا رجع إلى
أصل مال الميّت ويقسّم على سائر
الورثة .
تجوز الوصيّة للحمل بعد فرض وجوده جنيناً، فيستحقّ ما يوصى له، ولكن تكون ملكيته له ملكية متزلزلة غير مستقرّة، بل هي متوقّفة على
انفصاله حيّاً، فإن انفصل كذلك استقرّت ملكيته وإلّا انتفت.
والتفصيل في محلّه.
يستحقّ الحمل ما يقرّ له، نسباً كان أو إرثاً أو
وصية ، فيثبت نسبه
بالإقرار ويثبت له ما يقرّ له به من إرث أو وصيّة.
تبدأ هذه المرحلة من حين الولادة حتى بدء مرحلة البلوغ، غاية الأمر يكون في سنّ متقدّمة من هذه المرحلة مميّزاً، وهذا ما يأتي
الكلام عنه تحت عنوان مرحلة
التمييز . والطفل قبل مرحلة البلوغ ليس له أهلية التكليف، سواء كان مميزاً أو غير مميّز؛ بمعنى أنّ الالزام و
المسؤولية الاخروية لا تثبت له، فلو كذب أو ترك
الصلاة لا يعاقب؛ لأنّ من شروط التكليف البلوغ، لكن هذا لا ينفي مسؤولية الولي عن تصرّفه و
توجيهه و
تأديبه و
تهيئته لطاعة اللَّه بالوسائل المختلفة من
الترهيب و
الترغيب و
التعويد و
التثقيف ؛ عملًا بقوله تعالى: «قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَ
الْحِجَارَةُ ».
وكذلك هذا لا يعني عدم
استحسان الطاعة منه وعدم وقوع
العبادة صحيحة، ومن هنا ينبغي أن يعوّد على الصلاة إذا أكمل سبع سنين وعلى
الصيام إذا أكمل تسع سنين. ولا يعني أيضاً
إعفائه من التبعات التي قد تنجم عن بعض تصرّفاته
كتعويض الآخرين إذا تسبّب إلى
إتلاف أموالهم مثلًا.
ثمّ إنّه في هذه المرحلة إنسان له ذمّة كاملة وله أهلية الإلزام والالتزام، ففي هذه المرحلة تثبت له أهلية
استحقاق المال وأهلية الضمان وأهلية
الإنفاق وأهلية الواجبات المالية وغير ذلك، فالإنسان في هذه المرحلة ينتقل إلى طور تكون له أهلية أوسع وأكمل إلّاأنّها لا تتّسع إلى دائرة أهلية الأداء؛ لعدم وصوله إلى كمال العقل و
الجسد ، والتفصيل كالتالي:
أمّا أهلية الوجوب له فقد عرفت أنّ الشريعة المقدّسة تعامل الطفل بمجرّد انعقاده في بطن امّه
معاملة الإنسان المستقل وتعتبره أهلًا للوجوب له فتثبت له بعض الحقوق، فكيف بعد أن يولد صبياً ويخرج إلى الحياة وينفصل عن امّه. فهنا الشارع يجعل له ذمّة كاملة من حيث الوجوب له، فيثبت له استحقاق المال وتملّكه بأي طريق شرعي كالإرث والوصيّة و
الهبة و
أعواض أمواله كما لو اتّجر له الولي، وضمان إتلافها أو غير ذلك، فأهليته كاملة من هذه الجهة.
أمّا أهلية الوجوب عليه فتختلف
باختلاف الموارد، فإنّ الحقوق والواجبات تارة تكون حقّاً
للَّه تعالى، واخرى للعباد، وكلّ منهما قد يكون قابلًا
للنيابة والأداء وقد لا يكون كذلك.
حقوق العباد التي يمكن أداؤها عن
الصبي تجب عليه وتؤدّى عنه كالحقوق المقصود منها
المال كالغرامات، كما لو أتلف مال غيره أو جنى عليه
جناية توجب الدية، والأعواض كثمن ما يشترى له أو يستأجر، و
النفقة الواجبة عليه كنفقة
الوالدين أو الزوجة أو
المملوك أو الحيوان ونحو ذلك، غاية الأمر يكون
المخاطب بالأداء وليّه؛ لأنّ الشارع لم يجعل للصبي
استقلالية في أفعاله وأقواله؛ لقصور قدرته العقلية والجسدية في هذه المرحلة وإن كانت ذمّته كاملة.
وأمّا حقوق الناس التي لا يمكن أداؤها عنه ولا تجب عليه فهي مثل
القصاص ، فإنّه لا يثبت عليه ولا يؤدّى عنه.
حقوق اللَّه سبحانه على نوعين: بدنية ومالية، فأمّا الحقوق البدنية- كالصلاة و
الصوم و
الحج و
الجهاد وغيرها من العبادات- فلا تجب عليه؛ لعجزه العقلي والبدني، فهو غير مكلّف؛ لأنّ من شروط التكليف البلوغ، وأمّا المالية-
كالخمس و
الزكاة - فقد وقع الخلاف في تعلّقها في أموال الصبي، فقيل بتعلّقها، وقيل
بالاستحباب .
وكيف كان، يكلّف الولي
بإخراجها من مال الطفل؛ لأنّ الطفل ممنوع من
التصرّف في ماله، والولي هو الذي له
ولاية التصرّف في مال الصبي، وليس للطفل الإخراج إلّا
بإذن الولي.
وقد ذكر جملة من الفقهاء استحباب الزكاة في
غلّات الطفل ،
ووجوب الخمس في
الكنز و
المعادن و
الغوص ، غاية الأمر يكلّف بإخراجه الولي.
قال: «يستحبّ الزكاة في غلّات الطفل ومواشيه، وقيل: تجب، وكيف قلنا فالتكليف بالإخراج يتناول
الوالي عليه».
وقال في
موضع آخر أيضاً: «الخمس يجب في الكنز، سواء كان الواجد له حرّاً أو عبداً، صغيراً أو كبيراً، وكذا المعادن والغوص»؛
نظراً إلى
إطلاق الأدلّة وأنّ ظاهرها أنّ الحكم المذكور من الوضعيات الشاملة للمكلّفين وغيرهم.
•
الأهلية (مرحلة التمييز)، تبدأ مرحلة التمييز من حين القدرة على التمييز إلى
ظهور علامات البلوغ.
البلوغ أهم المراحل الطبيعية التي تمرّ بها
حياة الإنسان؛ فهو ينتقل فيها من مرحلة
الصغر إلى مرحلة
الكبر، ويصبح من مبدئها مكلّفاً يُلقى على عاتقه ما يحمله سائر الكبار من
تكاليف شرعية . ذلك أنّ البلوغ في الحالات العادية
السليمة يصل فيه نمو
الجسم وقدرته إلى الحدّ
الكافي لتحمّل التكاليف الشرعية
البدنية ، كما يصل فيه نمو
العقل و
الإدراك إلى الحدّ الكافي من
معرفة الخير والشر، و
النافع و
الضار ، وعواقب
الأعمال . وإنّما يتفاوت الأشخاص بعد ذلك- فيما وراء هذا
النصاب الكافي من قدرتي الجسم والعقل- تفاوتاً
طبيعياً بدرجات
الذكاء و
المواهب الفطرية التي لا يتساوى فيها اثنان من
الناس . وهذا
التفاوت في الزيادة عن الحدّ الكافي لا
عبرة به، ولا يمنع
تساوي الجميع في
القدرة على فهم التكاليف وتحمّل
المسؤوليّات بعد توفّر النصاب اللازم من مؤهّلاتها لديهم.
وبناءً على ذلك اتّفق
فقهاء الشريعة على أنّ
الإنسان بالبلوغ يتوجّه إليه
خطاب التكليف الموجّه من
الشارع المقدّس إلى الناس، فيصبح
البالغ مشمولًا
بالخطاب التشريعي ، ومكلّفاً بما يفرضه ذلك الخطاب على الناس من واجبات عامة بشرائطها الشرعية؛ من
الإيمان باللَّه تعالى وكتبه ورسله وسائر شعب الإيمان، ومن العبادات المفروضة، و
تحصيل القدر الضروري من العلم
لإقامة الدين
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، و
الجهاد و
المساهمة بالمال والعمل في كلّ ما تتوقّف عليه مصالح
المجتمع الإسلامي إلى سائر التكاليف والواجبات، كلّ ذلك بقدر
الاستطاعة .
وكذلك يصبح البالغ مسؤولًا عن طاعة
النظام الشرعي الذي يفرض
الأمن الداخلي، و
اجتناب العدوان و
الثأر الشخصي، و
إطاعة الحكّام في حدود سلطاتهم المشروعة، والرجوع إليهم في حلّ الخصومات، فيصير الإنسان بالبلوغ خاضعاً للنظام القضائي فيما يرتكبه من
جرائم ومخالفات.
حدّد الفقهاء البلوغ بأحد امور ثلاثة:
۱- بلوغ مرحلة معيّنة من العمر وهي خمسة عشر عاماً في
الذكور وتسعة أعوام في
الإناث على
المشهور .
۲- خروج
المني الذي يكون منه الولد من الموضع
المعتاد .
۳-
إنبات الشعر الخشن على
العانة التي هي حول الذكر والقبل، سواء كان
مسلماً أو
مشركاً .
هذه هي علامات البلوغ إجمالًا، وهناك بعض التفاصيل موكولة إلى محلّها. وفي هذه المرحلة يكون الإنسان مكلّفاً وله أهلية
الالزام الالتزام و
الأداء ويؤاخذ على جميع أعماله وتصرّفاته دنيوياً واخروياً.
الهداية و
الصلاح و
إصابة الصواب، وهو خلاف الغي.
واستعمله الفقهاء بنفس معناه اللغوي، إلّا أنّهم خصّوه بباب المعاملات. قال
العلّامة الحلّي : «وأمّا الرشد فهو كيفية نفسانية تمنع من
إفساد المال وصرفه في غير الوجوه اللائقة بأفعال العقلاء».
إنّ
وصول الإنسان إلى مرحلة البلوغ، لا يعني كمال أهلية الأداء في المعاملات فيه، و
نفاذ تصرّفاته المالية، بل إنّ كمال هذه
الأهلية في الشخص يتوقّف على صفة اخرى فوق البلوغ، هي صفة
الرشد .
وقد يتحقّق
تقارن البلوغ مع الرشد، وحينئذٍ يرتفع عنه
الحجر وتصحّ منه جميع التصرّفات والعقود و
الإيقاعات مستقلّاً من دون حاجة إلى
إذن الولي، وقد يتأخّر الرشد عن البلوغ فيصير
الطفل بالغاً من دون أن يتحقّق فيه الرشد؛ بمعنى أنّه يبلغ جسمياً ولكنه غير رشيد عقلياً بعد، وحينئذٍ لا تجوز تصرّفاته الناقلة في ماله- كبيع ماله أو
إيجاره أو نحوه ذلك- وتجوز تصرّفاته المالية التي لا تستلزم النقل منه إلى غيره
كالاحتطاب وحيازة المباحات و
إحياء الموات وقبول
الصدقة و
الوصية و
الهبة ، ولكنّه لا يجوز له بعد حصوله على ذاك المال التصرّف الناقل فيه إلّا بإذن وليّه.
وكذا لا ينفذ عليه
إقراره بما يستلزم
انتقال المال عنه إلى غيره، ويجوز إقراره بغير ذلك كالإقرار بالنسب إذا لم يستلزم دفع نفقة من ماله. وهناك من اشترط الرشد في أهلية الصبي لغير التصرّفات المالية أيضاً
كالنكاح و
الطلاق ، وفي
العقوبات وغير ذلك. و
تفصيل ذلك متروك إلى محلّه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۹، ص۱۵۶-۱۸۷.