الإعسار في غير القرض
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ويتعلّق به جملة من
الأحكام أيضاً نشير إليها إجمالًا.
يؤخذ
الكفن من أصل
تركة الميّت ،
فلو لم يكن للميّت
مال حتى بمقدار الكفن فلا يجب على أحد دفع كفنه أو
ثمنه ، بل يستحبّ ذلك، ويدفع من
بيت المال إن كان.
نعم، كفن
الزوجة الدائمة على زوجها إذا كان
موسراً ولو
بإرثه من تركتها،
أو كان معسراً لكنّه متمكّن منه،
فعليه أن يكفّنها وإن كانت موسرة ذات مال،
من غير فرق بين الصغيرة والكبيرة، المدخول بها وغيرها، ولا بين الدائمة
والمتمتّع بها، ولا المطيعة ولا
الناشزة .
وأمّا إذا كان الزوج معسراً لا يملك بعد مستثنيات
الدين أزيد من قوت يوم وليلة له
ولعياله حتى بملاحظة ما انتقل منها إليه فحينئذٍ يكون من تركتها،
ويسقط عن الزوج حتى لو أيسر بعد الدفن،
ولو أعسر عن البعض وجب ما تيسّر منه؛
لعدم سقوط المعسور بالميسور،
وإن لم يكن لها مال فمن بيت المال.
لو آجر دكّاناً أو داراً ثمّ أفلس ولزمته ديون لا يقدر على قضائها إلّا بثمن ما آجر لم تنفسخ
الإجارة ، بل لم يكن للمستأجر ولا للغرماء فسخها؛ لأنّ ذلك
عقد لازم عقده قبل
الحجر ، والمنافع المستحقّة للمستأجر متعلّقة بعين ذلك المال فيقدّم بها كما في حقّ
المرتهن .
خلافاً لجماعة من فقهاء
الجمهور حيث قالوا: إنّ الإجارة تفسخ بالإعسار، كمن آجر دكّاناً أو داراً ثمّ أفلس أو آجر شيئاً ثمّ لزمه دين ولا مال سواه، فإنّ
القاضي يفسخ العقد ويبعيه في الدين؛ لأنّه على تقدير عدم
الفسخ يلزمه ضرر زائد لم يستحقّ بالعقد، وهو
الحبس على الدين.
إذا أفلس المستأجر بالاجرة كان للموجر
الخيار بين الفسخ
واسترداد العين، وبين الضرب مع الغرماء، نظير ما إذا أفلس
المشتري بالثمن حيث إنّ
للبائع الخيار إذا وجد عين ماله، كما صرّح به جماعة من القدماء والمتأخّرين.
واستدلّ له بأنّ الخيار على أساس تخلّف شرط
تسليم العوض - ولو في وقته إذا كان مؤجّلًا- وهو
شرط ضمني في جميع المعاوضات ومنها الإجارة، فإذا لم يسلّم كان له حقّ الفسخ
والرجوع بالمعوّض.
وفصّل
العلّامة الحلّي في
التحرير بين ما إذا كان
إفلاسه قبل مضيّ المدّة، وبين ما إذا كان بعد مضيّ المدّة، حيث قال: «لو أفلس المستأجر بالاجرة بعد مضيّ المدّة ضرب بالاجرة مع الغرماء، وإن كان قبل مضيّ شيء من المدّة تخيّر المؤجر بين الرجوع فيها والضرب مع الغرماء».
النفقة تارةً تكون على الزوجة والأقارب واخرى على
المملوك وثالثة على
الحيوان ، فهنا حالات عديدة نذكرها كالتالي:
يشترط في
وجوب النفقة على المنفق
قدرته ، فلو لم يتمكّن إلّا من قدر
كفايته سقطت عنه نفقة الأقارب واقتصر على نفقة نفسه.
وأمّا نفقة الزوجة على الزوج فتبقى في
ذمّته ؛
لأنّ
الإنفاق عليها إنّما هو من حقوقها اللازمة على الزوج، وهو غير معلّق على عدم إعسارها.
نعم، يجب عليه
الوفاء بها مع
التمكّن ؛ أخذاً
بدلالة قوله سبحانه وتعالى: «لِيُنفِقْ ذُوسَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَايُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسرٍ يُسراً».
قال
السيد الخوئي : «يشترط في وجوب الإنفاق قدرة المنفق على الإنفاق، فإن عجز بقيت في ذمّته نفقة الزوجة وسقطت نفقة الأقارب».
نسب إلى الأكثر
أنّه لا يشترط في الكفو تمكّن الزوج من النفقة، وقد استدلّ عليه بالعمومات،
وبقوله سبحانه وتعالى: «إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضلِهِ».
قال
المحقّق الحلّي - بعد نقل القول بعدم الاشتراط-: «وهو الأشبه».
وذهب بعض إلى اشتراط التمكّن من ذلك في الكفو.
قال
الشيخ الطوسي : الكفاءة معتبرة في
النكاح وهي عندنا شيئان:
الإيمان ، وإمكان
القيام بالنفقة، وحدّه ما يمكنه القيام
بمؤونة المرأة وكفايتها لا أكثر من ذلك.
وقال
ابن إدريس : «عندنا أنّ الكفاءة المعتبرة في النكاح أمران: الإيمان،
واليسار بقدر ما يقوم بأمرها والإنفاق عليها، ولا يراعى ما وراء ذلك من الأنساب والصنائع»، ثمّ قال: «والأولى أن يقال: إنّ اليسار ليس بشرط في
صحّة العقد، وإنّما للمرأة الخيار إذا لم يكن موسراً بنفقتها، ولا يكون العقد
باطلًا ، بل الخيار إليها».
واستوجه كلام
ابن إدريس
العلّامة الحلّي في
المختلف ثمّ قال: «وأمّا اعتبار اليسار فلو نكحت المرأة ابتداءً
بفقير عالمة بذلك صحّ نكاحها
إجماعاً ، ولو كانت الكفاءة شرطاً لم يصحّ، وإذا صحّ مع
العلم وجب أن يصحّ مع
الجهل ؛ لوجود المقتضي السالم عن
معارضة كون الفقر مانعاً. نعم، أثبتنا لها الخيار؛ دفعاً للضرر عنها، ودفعاً
للمشقّة اللاحقة بها بسبب احتياجها مع فقره إلى مؤونة يعجز عنها، ولا يمكنها
التزويج بغيره، فلو لم يجعل لها الخيار كان ذلك من أعظم الضرر عليها، وهو منفيّ إجماعاً».
واستضعف
المحقّق النجفي القول باعتبار اليسار في صحّة النكاح بعد أن ذكر الأدلّة على عدم الاشتراط وقال: «بل الظاهر
فساد دعوى الخيار أيضاً؛
لأصالة اللزوم ، وخصوصاً في النكاح الذي لم يقبل اشتراط الخيار»،
ثمّ قال: «وهو الأصحّ؛ لما عرفت، ونفي
الضرار لا يقتضي
التسلّط على الخيار مع عدم
الانجبار ، خصوصاً مع عدم
إحراز الراغب فيها من المؤسرين، وخصوصاً بعد قوله تعالى: «إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضلِهِ»،
و «إِنّ مَعَ العُسرِ يُسراً».
« وخصوصاً بعد أن شرع اللَّه ما يرتفع به الضرار المزبور؛ ضرورة وجوب
الإنفاق عليهما من
بيت المال أو من
المسلمين كفايةً مع فرض الإعسار».
وقد استقرب العلّامة الحلّي في
القواعد عدم اشتراط التمكّن من النفقة.
إذا أعسر الزوج بنفقة زوجته فلم يقدر عليها بوجه فالمشهور
أنّ الإعسار ليس بعيب يوجب الفسخ، فلا خيار للزوجة في الفسخ بالإعسار من النفقة، بل وجب عليها الصبر إلى أن يوسّع اللَّه تعالى عليه.
قال
السيد الخوئي : «الأشهر أنّ
القدرة على
النفقة ليست شرطاً في صحّة
النكاح ، فإذا تزوّجت المرأة الرجل العاجز أو طرأ
العجز بعد العقد لم يكن لها الخيار في الفسخ لا بنفسها ولا بواسطة
الحاكم ، ولكن يجوز لها أن ترجع أمرها إلى
الحاكم الشرعي فيأمر زوجها
بالطلاق ، فإن امتنع طلّقها الحاكم الشرعي، وإذا امتنع القادر على النفقة عن الإنفاق جاز لها أيضاً أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي، فيلزمه بأحد الأمرين من الإنفاق والطلاق، فإن امتنع عن الأمرين ولم يمكن الإنفاق عليها من ماله جاز للحاكم طلاقها، ولا فرق في ذلك بين
الحاضر والغائب ».
ويستدلّ على ذلك بما رواه
السكوني عن
جعفر عن أبيه عن
علي عليهم السلام: «أنّ امرأة استعدَت على زوجها أنّه لا ينفق عليها وكان زوجها معسراً فأبى أن يحبسه، وقال: إنّ مع العسر يسراً».
وبصحيحة
أبي بصير قال: سمعت
أبا جعفر عليه السلام يقول: «من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقّاً على الإمام أن يفرّق بينهما».
وبما رواه
ربعي بن عبد اللَّه والفضيل بن يسار عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام: في قوله عزّوجلّ: «وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ»
قال: «إن أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة، وإلّا فرِّق بينهما».
مضافاً إلى العمومات
والاستصحاب .
نعم، ذهب
ابن إدريس إلى ثبوت
الخيار للمرأة مع إعسار الزوج قبل
العقد وعدم علمها به،
ولكن في موضع آخر
قال بعدم ثبوت الخيار كما نسب إليه في
المختلف وأثبت
ابن الجنيد الخيار لها في الفسخ مع تجدّد الإعسار أيضاً.
واستقربه
المحقق السبزواري .
وقوّى
الفاضل الهندي أنّ للحاكم الفسخ، فإن لم يكن الحاكم فسخت الزوجة؛
استناداً إلى قوله تعالى: «فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسرِيحُ بِإِحْسانٍ»،
والامساك بلا نفقة ليس بمعروف.
وقال
الشيخ الطوسي في موضع من
المبسوط : «إذا أعسر زوج المرأة بنفقتها كان لها
المطالبة بفسخ النكاح، فإن بذل لها أجنبيّ النفقة لم يجبر على قبولها وكان لها
الامتناع منه».
لا يشترط اليسار
بالمهر في النكاح عندنا، كما صرّح به بعض الفقهاء.
ولا كلام في أنّ للزوجة أن تمتنع قبل الدخول من
تسليم نفسها إلى الزوج حتى تقبض
الصداق إن كان المهر حالّاً، سواء كان المهر عيناً أو
منفعة متعيّناً أو في
الذمة ؛ وممّا علّلوا به ذلك أنّ في النكاح معنى المعاوضة.
وإنّما الكلام في أنّه هل يختلف ذلك بإعسار الزوج ويساره؟
فالمشهور
بين الفقهاء أنّ الزوج إذا كان معسراً كان حكمه كالموسر، فللزوجة الامتناع من تسليم نفسها بدون المهر؛ لأنّ عجز أحد المتعاوضين لا يسقط حقّ الآخر ممّا يثبت له.
ويظهر من كلام
ابن إدريس أنّه ليس لها الامتناع مع إعسار الزوج؛
واستحسنه السيد العاملي كما استقربه
المحقق السبزواري ؛
إذ لا يجب لها عليه مع إعساره شيء فيبقى وجوب حقّه عليها بغير معارض.
وقد يناقش فيه بأنّ منع المطالبة مع الإعسار لا يقتضي وجوب التسليم قبل
قبض العوض .
واجيب عنه بعموم ما دلّ على أنّه يجب على الزوجة طاعة الزوج، خرج من ذلك ما إذا امتنع من تسليم المهر إليها مع يساره، فيبقى ما عداه مندرجاً في العموم.
وإذا زوّج الرجل
إبنه الصغير على مهر معلوم فإن كان الولد موسراً تعلّق المهر بذمّة الولد ولزمه في ماله بلا خلاف، وإن كان معسراً تعلّق بذمّته أيضاً لكن يكون الأب
ضامناً .
ذكروا أنّه يجب على المالك الإنفاق على مملوكه مع القدرة عليه، أمّا لو عجز عن الإنفاق أجبره الحاكم على
بيعه أو
الكسب من رقيقه أو منه نفسه. ويستوي في ذلك القنّ والمدبّر
وامّ الولد ؛ لكونه أقلّ ضرراً من
الاحتباس عليه مع فقد النفقة، بل فيه حفظ النفس من
الهلاك .
وهذا الكلام شامل للإعسار.
قال
العلّامة الحلّي : «ولو عجز عن الإنفاق على امّ الولد امرت بالتكسّب، فإن عجزت انفق عليها من بيت المال، ولا يجب عتقها، ولو كانت الكفاية (تحصل) بالتزويج وجب، ولو تعذّر الجميع ففي البيع
إشكال ».
حكم الحيوان المملوك حكم الإنسان المملوك من حيث النفقة، فلو لم يوجد ما ينفق على الحيوان ووجد عند غيره وجب
الشراء منه، فإن امتنع من
البيع يجوز
غصب العلف منه؛
لإبقائها إذا لم يوجد غيره، كما يجوز غصبه كذلك لحفظ الإنسان، ويلزمه المثل أو القيمة.
قال
المحقق الاصفهاني : «ولو لم يجد ما ينفق على مملوكه أو على الحيوان ووجد ذلك مع غيره وجب الشراء منه- إن أبقى ملكه عليهما- ولو في الذمة إن لم يحضره الثمن، فإن امتنع الغير من البيع كان له قهره عليه وأخذه منه غصباً إذا لم يجد غيره ولم تشتدّ حاجته إليه لنفسه أو مملوكه من إنسان أو غيره وإن لم يحضره الثمن وأمكنه بيع مملوكه منه أو من غيره- إلى أن قال:- وكذا يجوز غصب الخيط لجراحته كما يجبر على الطعام لنفسه؛
للاشتراك في
حرمة الروح ونفي الضرار،
والأحوط التوصّل إلى الحاكم مع الإمكان، وأنّه إن أمكن البيع منه باع إن لم يحتج إليه ولو للشرف».
لكن قال المحقّق النجفي: «فإن لم يكن له ملك أو كان بيع الدابة أنفع له بيعت عليه كلًاّ، أو كلّ يوم بقدر ما يفي بنفقتها إن أمكن ولم يكن بيع الكلّ أنفع للمالك، وإن أمكن
إجارتها بما يفي بعلفها وكانت أنفع له اوجرت».
لو أعسر الأب عن اجرة
الحضانة والإرضاع تسقط عنه
ووجبت على آبائه، وإن علوا الأقرب فالأقرب، ومع فقدهم أو إعسارهم يؤخذ من مال الصغير إن كان له مال، وإلّا فعلى الامّ؛ لوجوب حفظ النفس المحترمة عن
الهلاك على تقدير ذلك؛ وذلك لقوله تعالى: «وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ في كِتَابِ اللَّهِ»،
والمراد به الأقرب فالأقرب.
قال
المحقق السبزواري : «وإن فقد الأب أو كان معسراً قام أحد من آبائه مقامه مقدّماً على الامّ، الأقرب فالأقرب، لا أعرف في ذلك خلافاً بينهم، وفي
إقامة الحجّة عليه عسر، ولا يعمّ هذا الحكم لآباء الامهات وإن كنّ لأب، وإن فقد الجميع أو كانوا معسرين وجبت على الامّ بالشرط».
يشترط في الضامن
الملاءة أو العلم بعدم الإعسار حال الضمان.
وعليه فهنا حالات ثلاث:
أن يكون الضامن معسراً حال الضمان مع عدم علم المضمون له، فلو ضمن ثمّ بان إعساره كان للمضمون له
فسخ الضمان والعود على المضمون عنه،
بلا خلاف عندنا،
بل الإجماع عليه؛
استناداً إلى
قاعدة نفي الضرر ، وبناء الضمان على
الارتفاق وإرادة
الأداء .
قال
ابن إدريس : «وأصحابنا يعتبرون في صحّة الضمان أن يكون الضامن مليّاً بما ضمن وقت الضمان أو غير مليّ مع علم المضمون له بذلك، فمتى كان غير مليّ وقت الضمان ولم يعلم المضمون له حاله فله
الرجوع على المضمون عنه».
أن يكون الضامن موسراً حال الضمان لكن تجدّد إعساره بعده، وهنا لا خيار؛
لأصالة اللزوم .
قال
السيد اليزدي : «الضمان لازم من طرف الضامن والمضمون له، فلا يجوز للضامن فسخه حتى لو كان
بإذن المضمون عنه وتبيّن إعساره، وكذا لا يجوز للمضمون له فسخه والرجوع على المضمون عنه، لكن بشرط ملاءة الضامن حين الضمان أو علم المضمون له بإعساره، بخلاف ما لو كان معسراً حين
الضمان وكان
جاهلًا بإعساره ففي هذه الصورة يجوز له الفسخ على المشهور، بل الظاهر عدم الخلاف فيه».
أن يكون الضامن معسراً حال الضمان ولم يعلم به المضمون له لكنّه أيسر بعد ذلك، فهنا اختلفوا في ثبوت الخيار أو بقاء الضمان.
قال
المحقق النجفي : «قد يقوى عدم الخيار أيضاً لو كان معسراً حال الضمان ولم يعلم به حتى تجدّد يساره؛ للأصل أيضاً».
لكن قال السيد اليزدي
ببقاء الخيار؛ إذ جعل المدار في الإعسار
واليسار على حال الضمان، فلو كان موسراً ثمّ اعسر لايجوز له الفسخ، كما أنّه لو كان معسراً ثمّ أيسر يبقى الخيار.
يشترط في
الحوالة ملاءة المحال عليه أو العلم بإعساره وقت الحوالة.
أمّا لو كان وقت الحوالة مليّاً ثمّ تجدّد له الإعسار فلا خيار،
وقد نفي عنه الخلاف.
قال المحقّق الحلّي: «وإذا أحاله على الملي لم يجب
القبول ، لكن لو قبل لزم، وليس له الرجوع ولو افتقر».
خلافاً
لسلّار فجوّز الرجوع مع عدم الأخذ؛
لعدم تماميّة القبول بدونه.
ونوقش فيه بأنّه شاذّ نادر واضح الضعف.
وقال العلّامة الحلّي- بعد نقل قول سلّار: «ولم يعتبر باقي علمائنا ذلك، وهو الحقّ؛ لأنّ
الأصل لزوم العقد وعدم اشتراط
القبض ، فلا يرجع عن الأصلين إلّا بدليل».
وقد استدلّ
عليه أيضاً
برواية عقبة ابن جعفر عن
أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن الرجل يحيل الرجل بالمال على الصيرفي ثمّ يتغيّر حال الصيرفي أيرجع على صاحبه إذا احتال ورضى؟ قال: «لا».
وأمّا لو قبل الحوالة جاهلًا بحاله ثمّ بان إعساره وقت الحوالة كان له فسخها والرجوع على المحيل،
ولا فرق في ذلك بين اشتراطه في متن العقد يسارَه وعدمه.
وقد استدلّ
عليه برواية
منصور بن حازم قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الرجل يحيل على الرجل بالدراهم أيرجع عليه؟ قال: «لا يرجع عليه أبداً إلّا أن يكون قد أفلس قبل ذلك».
والمراد من الإعسار هنا أن لا يكون له ما يوفي
دينه زائداً على مستثنيات الدين،
وهو المراد من
الفقر في كلمات بعضهم،
كما أنّه هو المراد من
الإفلاس في النص.
من المعروف أنّ
تجهيز المقاتل في الأزمنة السابقة كان يتمّ من قبل نفسه على خلاف الحال اليوم حيث تقوم الدولة بتجهيز
الجيش والقوات المسلّحة، وقد بحث الفقهاء- وفقاً للوضع السابق الذي يمكن تصوّره اليوم مع
عجز الدولة أيضاً- عن حالة الإعسار الفردي كما تعرّضوا لحالة الإعسار في بيت المال عن تجهيز الجيش مع فرض عجز الأفراد، فهنا حالتان:
لو عجز
المجاهد المعسر عن
نفقة الطريق وعياله وثمن سلاحه، ذهب علماؤنا إلى
وجوب الجهاد عليه لو كان تعيينيّاً؛
استناداً إلى عمومات الجهاد.
لكن فصّل بعضهم بين قرب موضع
الحرب وبعده،
قال
القاضي ابن البرّاج : «إن كان الجهاد وموضع الحرب قريباً من البلد الذي هو فيه وحوله، فالجهاد واجب عليه، ولا معتبر في سقوط ذلك عنه باعتباره، وإن كان موضع ذلك بعيداً فينبغي النظر في حال هذه المسافة، فإن كانت ممّا لا توجب
قصر الصلاة فالجهاد واجب عليه، وإن كانت توجب القصر لم يجب عليه جهاده؛ لأنّ من شرط ذلك الزاد ونفقة الطريق ونفقة من تجب عليه نفقته إلى حين رجوعه
وثمن سلاحه، فإن لم يجد ذلك لم يجب الجهاد عليه؛ لقوله سبحانه وتعالى: «وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَايَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ»،
فإن كانت المسافة أكثر من ذلك فليس يجب الجهاد عليه أيضاً؛ لأنّه يحتاج في ذلك إلى ما ليس بقادر عليه، من زيادة على ما ذكرناه من النفقة والراحلة من الواجد؛ لقوله سبحانه: «وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَاأَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ»
.
وهل يكون لصاحب الدين منع المديون عن الجهاد أم لا؟
ذهب أكثر علمائنا إلى أنّه إذا كان عليه دين وهو معسر فليس لصاحبه منعه، سواء كان الدين حالّاً أو مؤجّلًا؛
وذلك لأنّه حتى مع الإعسار عن الدين؛ للعموم، فيجب عليه عملًا بالمقتضي السالم عن معارضة منع صاحب الدين.
إن لم يكن بيد الدولة وفي
بيت المال ما يكفي للجهاد فلا بأس أن يفرض
الإمام على أرباب الأموال ما يسدّ الحاجة، كما أفتى به
الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، حيث أعطى
الإذن للسلطان فتح علي شاه في أخذ ما يتوقّف عليه
تدبير المملكة من الحقوق
الشرعيّة ، والأخذ من الأموال لدفع
العدوّ عن بلاد
الإسلام ، وأمر بوجوب طاعته وعدم مخالفته في الجهاد لأعداء الرحمن، وأذن له في الأخذ من
الزكاة والخراج في تدبير جنوده وعساكره، وإن لم تف أخذ من أموالهم بقدر ما يدفع به العدوّ عن
أعراضهم ودمائهم.
قال: «أذنت- إن كنت من أهل
الاجتهاد ومن القابلين
للنيابة عن سادات الزمان- للسلطان
ابن السلطان ... فتح علي شاه... في أخذ ما يتوقّف عليه تدبير العساكر والجنود، وردّ أهل
الكفر والطغيان
والجحود من خراج أرض مفتوحة بغلبة الإسلام وما يجري مجراها كما سيجيء، وزكاة متعلّقة بالنقدين أو
الشعير أو
الحنطة من
الطعام أو
التمر أو
الزبيب أو الأنواع الثلاثة من
الأنعام ، فإن ضاقت عن
الوفاء ولم يكن عنده ما يدفع به هؤلاء
الأشقياء جاز له
التعرّض لأهل الحدود بالأخذ من أموالهم إذا توقّف عليه الدفع عن أعراضهم ودمائهم، فإن لم يف أخذ من البعيد بقدر ما يدفع به العدوّ المريد، ويجب على من اتّصف بالإسلام، وعزم على طاعة
النبي والإمام عليهما السلام أن يمتثلوا أمر السلطان، ولا يخالفوه في جهاد أعداء الرحمن، ويتّبعوا أمر من نصبه عليهم وجعله دافعاً عمّا يصل من
البلاء إليهم، ومن خالفه في ذلك فقد خالف اللَّه واستحقّ
الغضب من اللَّه».
لو كان
الذمّي معسراً ولم يكن قادراً على دفع
الجزية انتظر إلى ميسرة، كما هو صريح جماعة،
وظاهر آخرين؛
لشمول
آية الجزية
للغني والفقير بإطلاقها،
فتثبت الجزية على المعسر وينتظر يساره.
قال
الشيخ كاشف الغطاء : «ويستوي الغني والفقير،
والرشيد والسفيه ، وإن كان معسراً انتظر إلى ميسرة».
وللشيخ الطوسي هنا قولان:
أحدهما:
الوجوب ، قال في
المبسوط : «والفقير الذي لا شيء معه تجب عليه الجزية؛ لأنّه لا دليل على
إسقاطها عنه، وعموم الآية يقتضيه، ثمّ ينظر فإن لم يقدر على الأداء كانت في ذمّته، فإذا استغنى اخذت منه الجزية من يوم ضمنها وعقد العقد له بعد أن يحول عليه الحول».
ثانيهما: عدم الوجوب، قال في
الخلاف : «من لا كسب له ولا مال لا يجب عليه الجزية... ودليلنا
إجماع الفرقة، وأيضاً الأصل
برائة الذمة ، وأيضاً قوله تعالى: «لَايُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسعَهَا»،
وأيضاً قوله تعالى: «لَايُكلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا»،
وإذا لم يكن له قدرة على المال ولا الكسب فلا يجوز أن تجب عليه الجزية».
وقوّى
ابن إدريس الوجوب، ثمّ تردّد بعد ذلك، وقال عقيب ما نقل عن الشيخ الطوسي في الخلاف: «وما ذكره في مبسوطه أقوى وأظهر، ولي في ذلك نظر».
متى دعي الإنسان لإقامة
شهادة لم يجز له
الامتناع منها على حال، إلّا أن يعلم أنّه إن أقامها أضرّ ذلك
بمؤمن ضرراً غير مستحق؛ بأن يكون ذلك عليه دين وهو معسر، ويعلم أنّه إن شهد عليه حبسه الحاكم فاستضرّ به هو وعياله لم يجز له إقامتها.
الموسوعة الفقهية، ج۱۵، ص۹۳-۱۰۶.