الاشتراك (القاعدة الفقهية)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الاشتراك (توضيح).
وهي من
القواعد المعروفة في
الفقه ، وقد تعرّض لها بعض الفقهاء
المتأخرين فيما صنّفوه من كتب القواعد الفقهية، و
المراد بها: أنّ
الأصل في
الأحكام الشرعية اشتراكها و
عدم اختصاصها بزمان دون زمان أو مكان دون آخر أو صنف من
الناس دون صنف ما لم يثبت
الاختصاص بدليل، و
مرجع ذلك إلى
استظهار الشمولية و
الاستمرارية من
طبيعة التشريع الالهي بلحاظ الأزمنة والعصور والأمكنة والأفراد ما لم يثبت خلافه بدليل.
ويمكن
الحديث عن هذه القاعدة ضمن محاور:
استدلّ لقاعدة
الاشتراك بعدّة وجوه:
كقوله تعالى: «وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ».
فالآية الكريمة تدلّ على أنّ
وحي القرآن إنّما هو بهدف
إنذار الموجودين
المشافهين بالقرآن آنذاك ومن بلغه بعد ذلك، فيكون
الغائب و
المعدوم آنذاك
كالحاضر في
شمول الإنذار له.
إلّاأنّ هذا
الدليل لا يدلّ على
أكثر من أنّ القرآن الكريم ينذر من بلغه أي يتنجز عليه دون غيره ممن لم يبلغه، كما أنّه لا دلالة فيها على أنّ
الأحكام المشرّعة فيها هل تكون عامّة أو خاصّة كما هو واضح.
بعض
الأخبار الواردة في أبواب متفرقة من الفقه ادعي دلالتها على اشتراك أحكام
اللّه تعالى بين الكلّ، وعدم اختصاصها بالأزمنة أو الأشخاص،
وهي كثيرة:
ما دلّ على لزوم
التأسّي بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم و
الأئمّة عليهم السلام مثل الخبر الوارد عن
الحلبي عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام في سواك النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال في آخره: «... لقد كان لكم في رسول اللَّه اسوة حسنة...».
وما دلّ على
حجّية فعلهم عليهم السلام؛ إذ ليس ذلك إلّالمشاركة
الرعيّة معهم في ذلك.
وهذا
الاستدلال أيضاً واضح
الضعف ؛ إذ ليس
المقصود منها نفي
اختصاصات النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو
المعصومين ، وإنّما المقصود بالأوّل التأسي بأعمال
الصالحين و
الاقتداء بهداهم في
تربية النفوس وتزكيتها فيما يكون راجعاً للجميع من
التكاليف و
المقامات الروحية وأي ارتباط لذلك بقاعدة الاشتراك في الأحكام، والمقصود بالثاني ظهور أفعال المعصومين كأقوالهم وسكوتهم في
الدلالة و
الكاشفية على
الحكم الشرعي باعتبار عصمتهم وعدم
الخطأ أو
الغفلة في حقهم.
الخبر المعروف من
زرارة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «
حلال محمّد حلال أبداً إلى
يوم القيامة ، وحرامه
حرام أبداً إلى يوم القيامة».
وقد استدل بهذا الحديث على اتّحاد الغائبين عن زمان
التشريع وإن كانوا في
آخر الزمان مع الحاضرين، وأنّ الناس في جميع الأزمنة سواء في أنّ حلاله صلى الله عليه وآله وسلم على أهل الزمان
المتقدّم حلال على أهل الزمان
المتأخّر ، وكذلك حرامه.
ويلاحظ عليه أيضاً: بأنّ مفاد الحديث
خاتمية الشريعة
الإسلامية وأنّها ثابتة إلى يوم القيامة ولا تنسخ بشريعة اخرى كما في الشرائع
السابقة ، أمّا أنّ الأحكام المشرّعة فيها هل تكون
مقيدة موضوعاً ببعض الأزمنة دون بعض في نفس
التشريع الإسلامي فلا دلالة في الحديث على نفيها بوجه أصلًا.
النبويّ المشهور : «حكمي على
الواحد حكمي على
الجماعة ».
و
المتفاهم العرفي من هذا الحديث أنّ الحكم على البعض حكم على الكلّ، وأنّه صلى الله عليه وآله وسلم لا يخصّ أحداً بالحكم، بل الكلّ في الحكم سواء.
ويلاحظ عليه: مضافاً إلى ضعف
سند الحديث وقوّة احتمال نظر الحديث إلى باب
الأحكام القضائية أو
الولائية و
السلطانية الصادرة من
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّ الحديث ينفي وجود أحكام شخصية في الشريعة، وهذا لا ينفي احتمال أخذ قيود فيها وبالتالي اختصاصها بأصناف أو أمكنة أو أزمنة خاصة، وهذا واضح.
الإجماع ،
وقد استفاض نقله فىموارد متعدّدة، قال
السيّد الحكيم : «إنّ
العمدة في قاعدة الاشتراك الإجماع».
وقال
السيّد الخوئي : «... فيثبت الحكم في غيره
[۱۷] بقاعدة الاشتراك الثابتة بالإجماع».
إلّاأنّ ثبوت إجماع تعبّدي في مثل هذه المسألة محلّ إشكال واضح.
سيرة المسلمين و
ارتكازهم ، حيث قامت على اشتراك
المكلّفين في الأحكام، إلّاما ثبت بالدليل على اختصاص شخصٍ أو طائفة معيّنة منهم.
ولذلك كان دأبهم أنّه لو سأل أحدهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمام عليه السلام أو مقلّده مسألة وأخذ جوابها، فإنّه لا يتردّد في نقله إلى سائر المكلّفين ليعملوا به، ولا يتأمّل أحد في ثبوته في حقّهم؛
لذا صار الاشتراك في
التكليف من مرتكزات المسلمين، بل هو من مرتكزات أهل
الأديان كافّة.
ويلاحظ عليه: بأنّ مبنى ومرتكز هذه السيرة واضح وهو
استفادة العموم و
الإطلاق من
النصوص والأحاديث، فإنّه وإن كان قد يفرض
السائل في سؤاله عن المعصومين عليهم السلام فرداً أو مورداً خاصاً إلّا أنّه من
الواضح عرفاً أو لغة ودلالةً على أنّ ذلك من باب المثالية لا الخصوصية، ولهذا لا يوجد مثل هذه السيرة فيما إذا ورد
التقييد بقيد أو صنف خاص في
لسان الحديث ابتداءً، حيث لا يمكن أن يحمل عندئذٍ على المثالية ليستفاد منه الإطلاق.
قال
المحقّق المراغي : «إنّا وجدنا أغلب التكاليف والأحكام
[۲۰] مشتركة بين المكلّفين كافّة، ولم نجد
الفرق إلّافي مقامات
نادرة ، فإذا شكّ في الاشتراك والعدم فينبغي
الإلحاق بالغالب».
ويلاحظ عليه: عدم حجّية مثل هذا
الظن الحاصل من
الغلبة ما لم يحصل
العلم بالتعميم أو قيام حجة شرعية معتبرة عليه.
قال
المحقّق البهبهاني : «... وربّما مال آخر إلى أنّ
الأصل الاشتراك إلّاأن يثبت
الاختصاص ، وربّما كان بناؤه على أنّ الإجماع وقع كذلك، أو أنّ من
الاستقراء وتتبّع تضاعيف الأحكام يظهر ذلك، أو ممّا روي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «حكمي على الواحد حكمي على الجماعة».
لكن ثبوت هذه الامور يحتاج إلى التأمّل».
وقال بعض المحقّقين: «
التحقيق عندنا: أنّ جعل الأحكام من
الأزل على الموضوعات
المقدّرة الوجود على نحو القضايا الحقيقيّة، وليس من قبيل
القضايا الخارجية حتى يكون تسريته إلى غير الحاضرين في مجلس
الخطاب أو غير الموجودين في ذلك الزمان بدليل الاشتراك- إلى أن قال:- وفي
الحقيقة هذا
الوجه ... يوجب هدم هذه
القاعدة ، ولا يبقى معه احتياج إلى تلك القاعدة»».
و
الصحيح في الاستدلال على الاشتراك: تارة: باستظهار الاشتراك من إطلاق الأدلّة اللفظية الدالّة على الأحكام الشرعية؛ لأنّها ظاهرة في ذلك امّا بدلالة لفظية عامة أو مطلقة- كما إذا استعمل فيها أدوات العموم أو الإطلاق- وإذا فرض عدم استعمال أدوات العموم والإطلاق في الخطاب أو ورود قيد فيه مع ذلك يستفاد الاشتراك والعموم منه عرفاً من باب
إلغاء خصوصية المورد أو حمل
القيد على المثالية أو على أنّه قيد راجع للمخاطبة و
المشافهة وليس قيداً في موضوع الحكم الشرعي، كما في جملة من الخطابات القرآنية والتي صدّرت الآية بقوله: «يَا أيُّها الذينَ آمَنُوا...» مع وضوح عموم حكمه لغير
المؤمنين أيضاً.
ويمكن أن يكون وضوح أنّ التشريعات الإلهية عامة و
خالدة وليست قضايا خارجية وأحكاماً شخصية بنفسه
قرينة ارتكازية وذهنية عامة يعتمد عليها المعصومون في إفهام الاشتراك واستظهار التعميم والإطلاق من أدلّة الأحكام الشرعية.
واخرى: باستفادة الاشتراك في بعض الأبواب أو الموارد الخاصة من الأدلّة الخاصة كالإجماعات أو الضرورة
المدعاة على اشتراك الجاهلين مع العالمين في الأحكام أو اشتراك
الكفار و
المسلمين في التكليف
بالفروع أو غير ذلك، بل قد استدل في بعض الأبواب على الاشتراك بالدليل العقلي.
وتفصيل ذلك موكول إلى محالّه.
هناك موارد ذكرت لقاعدة الاشتراك نشير إلى أهمّها فيما يلي:
أغلب التكاليف الواردة في النصوص الشرعية إمّا أن يكون
العنوان فيها (
الرجل ) أو (الرجال) ونحوهما، وإمّا أن يكون الخطاب متوجّهاً إلى (الرجل) أو (الرجال)، ولكنّ التكليف فيها عامّ شامل للرجل و
المرأة ؛ وذلك لاشتراكهما في التكليف، فكثير من آيات الأحكام مصدّرة ب «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» وهو خطاب إلى الذكور، وفي كثير من الروايات يكون السائل فيها رجلًا أو موضوع الحكم الوارد فيها عنوان (الرجل)، أو يكون الخطاب الشرعي موجّهاً فيها إلى الرجال، مثل قول
أبي عبد اللَّه عليه السلام في رواية
معاوية بن عمّار : «لا بأس بأن يصلّي الرجل
صلاة الليل في
السفر وهو يمشي»،
ونحو ذلك من الموارد التي لا يحتمل فيها اختصاص الحكم بالرجال، فيستفاد من مثل هذه الأدلّة
التعميم والاشتراك، فقاعدة الاشتراك في هذا
التطبيق مرجعها إلى استظهار الإطلاق والتعميم من أدلّة الأحكام الشرعية ما لم يكن فيها ما يقتضي
الاختصاص بالرجل أو المرأة.
أكثر الخطابات الشرعية تكون على نحو المشافهة والخطاب للحاضرين، فهي بنفسها لا تشمل الغائبين والمعدومين على ما قرّره بعض علماء الاصول،
وإنّما يثبت التكليف في حقّهم بقاعدة الاشتراك.
إلّاأنّ هذا مرجعه إلى استظهار الاشتراك والتعميم من دليل الحكم، لأنّ
المخاطب بالخطاب وإن كان خصوص المشافه به إلّا أنّ مفاده ومضمونه لا يختصّ بالمشافهين كما هو مقرّر في محلّه من علم الاصول.
لو لم يدلّ دليل على اختصاص الحكم بالمعصوم عليه السلام- سواء كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمام عليه السلام- فأصالة الاشتراك تقتضي اشتراك سائر المكلّفين معه في التكليف، وبهذا يمكن إثبات بعض الأحكام، مثل وجوب الدعاء لدافع الصدقة أو استحبابه على الفقيه أو الساعي لجمع الزكوات؛
لثبوته على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى:
«خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ»،
والصلاة: الدعاء.
وكاستحباب
التفريق في صلاة الليل؛
لفعل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لها، فيثبت لسائر المكلّفين.
واستحباب
الإسراج في
البيت الذي فيه
ميّت ؛ لفعل الإمام الصادق عليه السلام ذلك عند موت أبيه
الإمام الباقر عليه السلام ،
و
الإمام أبو الحسن الكاظم عليه السلام عند موت أبيه الإمام الصادق عليه السلام،
ونحو ذلك ممّا ورد في
الفقه .
قال المحقّق النجفي: «ينبغي أن يعلم أنّ ما يرجع إلى الأحكام الشرعية الأصل الاشتراك؛ لدليل التأسّي حتى يثبت الاختصاص بطريق من الطرق الشرعية، فكلّ ما شكّ فيه حينئذٍ من ذلك يبقى على الأصل كما هو واضح».
وهذا التطبيق أيضاً مرجعه إلى استظهار الإطلاق وعدم الاختصاص بالمورد، كما هو مقرّر في محلّه.
يشترك
العبيد و
الأحرار في أكثر الأحكام الشرعية، إلّاما ثبت اختصاصهم به،
فلا فرق بين الحرّ والعبد؛ ضرورة ثبوت قاعدة الاشتراك في التكاليف.
وهي أيضاً ترجع إلى إطلاق أدلّة الأحكام.
الأحكام مشتركة بين
العالم و
الجاهل ، وقد ادّعي الإجماع على ذلك، بل قيام الضرورة و
تواتر الأخبار عليه.
وهذا هو
مبنى قاعدة الاشتراك في
المقام ، مضافاً إلى إطلاق أدلّة الأحكام الشرعية ما لم يكن فيها ما يقتضي الاختصاص بالعالمين.
نسب إلى المشهور بين المتقدّمين والمتأخّرين اشتراك الكفّار مع المسلمين في التكليف بالفروع،
بل استظهر من كثير من عباراتهم الإجماع،
بل صرّح بعضهم بكونه إجماعيّاً،
بل قيل: إنّه من ضروريّات
المذهب .
وقد استدلّ المشهور أيضاً بأنّ الأصل عدم التقييد؛ لورود الخطابات على سبيل الإطلاق وعمومات الأخبار المتواترة، فالمقتضي موجود و
المانع غير صالح للمانعية.
خلافاً لبعض
المحدّثين حيث قال بعدم تكليفهم بالفروع؛
لاستظهار ذلك من بعض الروايات الخاصّة.
وتفصيل ذلك في محلّه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۳، ص۲۱۲-۲۱۹.