الاكتساب المحرم
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ذكر الفقهاء موارد كثيرة
للاكتساب المحرّم- أرجعها بعضهم إلى خمسة أقسام، على تفصيل واختلاف بينهم في حرمة بعضها، وأنّ الحرمة فيها تكليفية أم وضعية أم كلاهما-
وإجمالها كما يلي:
والمراد به كلّ نجس
بالأصل أو بالعارض، ولا فرق في ذلك بين الجامد والمائع ممّا يقبل التطهير، كما أفصحت به عباراتهم وانعقدت عليه إجماعاتهم كالخمر والأنبذة والفقّاع وباقي المسكرات والخنزير والميتة والكلاب غير النافعة والدم وأرواث وأبوال ما لا يؤكل لحمه، فيحرم ولا يصحّ الاكتساب بجميع هذه الأمور، ولا
المعاوضة عليها، بلا خلاف ولا إشكال في الجملة، بل ادّعي عليه
الإجماع ومع ذهاب جماعة إلى الحرمة مطلقاً،
ذهب آخرون إلى الجواز إذا كانت لها منفعة محلّلة،
مع استثناء بعض القائلين بالقول الثاني المسكر والخنزير والكلب غير الصيود، فيحرم الاكتساب فيها حتى ولو كانت لها منفعة محلّلة.
لكن هناك من استظهر مِن شتات كلمات الفقهاء- مع ما قيل من الحرمة المطلقة- دوران حرمة التكسّب بالنجاسات مدار عدم جواز
الانتفاع .
قال
السيّد الخميني : «فالجواز مطلقاً للمنافع المحلّلة لا يخلو من قوّة. وقد استقصينا كلمات القوم، وقلنا بأنّ الظاهر منهم جواز
البيع وسائر
الانتقالات مع جواز الانتفاع إذا كان النفع عقلائياً موجباً لمالية الشيء، فراجع».
وقد استدلّ للحرمة بالمطلقات والعمومات القرآنية والروائية، كقوله سبحانه وتعالى: «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ»،
وقوله: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ»،
وقوله:«وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ».
وعن
الإمام الصادق عليه السلام «... وأمّا وجوه الحرام من البيع والشراء، فكلّ أمر يكون فيه فساد ممّا هو منهيّ عنه من جهة أكله أو شربه أو كسبه أو
نكاحه أو ملكه أو
إمساكه أو هبته أو عاريته، أو شيء يكون فيه وجه من وجوه الفساد، نظير البيع بالربا، أو البيع للميتة، أو الدم أو لحم الخنزير، أو لحوم السباع من صنوف سباع الوحش والطير أو جلودها، أو الخمر، أو شيء من وجوه النجس، فهذا كلّه حرام ومحرّم؛ لأنّ ذلك كلّه منهي عن أكله وشربه ولبسه وملكه وإمساكه والتقلّب فيه، فجميع تقلّبه في ذلك حرام...».
ورواية
الفقه الرضوي : «وكلّ أمر يكون فيه الفساد ممّا قد نهي عنه من جهة أكله وشربه ولبسه ونكاحه
وإمساكه ، لوجه الفساد، ومثل الميتة والدم ولحم الخنزير والربا وجميع الفواحش، ولحوم السباع والخمر وما أشبه ذلك، فحرام ضار للجسم وفساد للنفس».
وما روي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام «... وما كان محرّماً أصله، منهيّاً عنه، لم يجز بيعه ولا شراؤه».
والنبوي المشهور: «أنّ اللَّه إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه».
ونوقش في هذه العمومات والمطلقات وغيرها، بعدم دلالتها على المطلوب، بل لا بدّ في كلّ مسألة من ملاحظة مداركها، فإن كان فيها ما يدلّ على المنع أخذ به،وإلّا فالعمومات الدالّة على صحّة العقود- كقوله تعالى: «وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ»،
و «أَوْفُوا بِالعُقُودِ»،
و «تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ»
- محكمة.كما أنّ المشهور لم يستندوا في فتياهم بحرمة بيع النجس إلى رواية تحف العقول، ولا إلى غيرها من الروايات العامة كرواية فقه
الرضا عليه السلام الدالّة على أنّ كلّ ما يكون محرّماً من جهة يحرم بيعه، ولو كان مستندهم ذلك لم يكن الحكم بحرمة البيع مختصّاً بالنجس، بل يعمّ سائر المحرّمات ولو كانت من
الأعيان الطاهرة كأبوال ما لا يؤكل لحمه بناءً على حرمة شربها.فالاستدلال بالروايات العامة فاسد؛ لما فيها من ضعف الدلالة، فضلًا عن ضعفها سنداً.
من هنا عدل بعضهم عن هذا المنهج في الاستدلال- أي منهج الرجوع للعمومات- إلى منهج آخر، وهو الرجوع إلى الأدلّة الخاصّة، مثل قيام الضرورة بين المسلمين،
وإطباق الروايات من الفريقين على حرمة البيع والتكسّب بالخمر وكلّ مسكر يصدق عليه عنوان الخمر من النبيذ والفقّاع وغيرهما:
منها: الخبر المشهور- بين الجميع الوارد في حرمة جميع شؤونها- عن جابر عن
أبي جعفر عليه السلام قال: «لعن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم في الخمر عشرة: غارسها، وحارسها، وعاصرها، وشاربها، وساقيها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومشتريها، وآكل ثمنها».
ومنها: رواية
علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: «إنّ اللَّه عزّوجلّ لم يحرّم الخمر لاسمها، ولكنّه حرّمها لعاقبتها، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر».
ومنها: رواية
علي بن جعفر عن أخيه
موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجلين نصرانيين باع أحدهما خمراً أوخنزيراً إلى أجل، فأسلما قبل أن يقبضا الثمن، هل يحلّ لهما ثمنه بعد الإسلام؟قال: «إنّما له الثمن، فلا بأس أن يأخذه»،
فإنّ مفهومه أنّ غير أخذ الثمن لا يجوز له بعد
الإسلام ، وعليه فيستفاد من الرواية أمران: حرمة بيع
الخنزير بعد الإسلام وإلّا لكان الحصر فيها لغواً، وصحّة المعاملة عليه قبل الإسلام وإلّا لكان أخذ ثمنه بعد الإسلام حراماً وأكلًا للمال بالباطل.
ومنها: ما روي عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه علي بن الحسين عن أبيه عن
علي بن أبي طالب عليهم السلام قال:«من
السحت : ثمن الميتة... وثمن الخنزير...».
ومنها: قول أبي عبد اللَّه عن أبيه عن آبائه عليهم السلام: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع الأحرار، وعن بيع الميتة والخنزير والأصنام... وعن ثمن الخمر، وعن بيع العذرة، وقال: هي ميتة».
ومنها: موثّقة محمّد بن مسلم
وعبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت...».
فإنّ مراجعة مجموع هذه الروايات الواردة في النجاسات المختلفة يؤدّي إلى تحصيل الحكم بحرمة الاكتساب بالنجاسات فيما ليس فيه منفعة، لا الرجوع إلى العمومات الضعيفة السند أو الدلالة.
يحرم الاكتساب بما يقصد منه الحرام، وقد ذكر الفقهاء عدّة أنواع لذلك وهي:
وهو أمور:
منها: هياكل العبادة المبتدعة كالأصنام والصلبان.
ومنها: آلات القمار واللهو.
ومنها:
أواني الذهب والفضّة.
ومنها: النقود المعمولة لأجل غشّ الناس، فإنّ هذه يحرم التكسّب بها على تفصيلات تراجع في محلّها.
وهي عدّة موارد:
منها: بيع العنب ليعمل خمراً والخشب ليعمل صنماً أو آلة لهو أو نحو ذلك،
وإجارة المساكن لتباع أو تحرز فيها الخمرة أو يعمل فيها شيء من المحرّمات، وكذا إجارة السفن والحمولة لحمل الخمر وغيرها.
ومنها: المعاوضة على الجارية المغنّية والعبد الماهر في
القمار أو اللهو والسرقة، وكذا نحوهما مع قصد اعتبار صفاتهم المحرّمة فيها على وجه يكون دخيلًا في زيادة
الثمن.ذلك كلّه على تفصيلات وأقوال تراجع في محالّها.
ويراد به ما له شأنية ذلك، حيث ذكر بعض الفقهاء أنّه لابدّ من تخصيصه بالموارد المنصوصة، ولذا خصّه الفقهاء ببيع السلاح من أعداء الدين.
فما تقدّم من الأنواع المذكورة ونحوها يحرم ولا يصحّ
الاكتساب والمعاوضة عليه بلا خلاف ولا إشكال في الجملة،
بل ادّعي عليه الإجماع.
وتدلّ عليه- مضافاً إلى المطلقات والعمومات، كقوله تعالى: «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»،
وقوله سبحانه وتعالى: «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ»،
وقوله تبارك وتعالى:«وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ».
وبما في رواية التحف- المتقدّمة- ونحوها من قوله عليه السلام: «وكلّ أمر يكون فيه فساد ممّا هو منهيّ عنه»، وقوله عليه السلام فيها: «إنّما حرّم اللَّه
الصناعة التي هي حرام كلّها التي يجيء منها الفساد محضاً نظير
البرابط والمزامير والشطرنج وكلّ ملهوّ به والصلبان والأصنام وما أشبه ذلك...»، وفيه: «حرام هي».
وبالنبوي المشهور المتقدّم- روايات كثيرة:منها: صحيحة
ابن اذينة ، قال: كتبت إلى أبي عبد اللَّه عليه السلام أسأله عن رجل له خشب فباعه ممّن يتّخذه... صلباناً، قال:«لا».
ومنها: صحيحة
عمرو بن حريث ، قال:سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن التوت أبيعه يصنع للصليب والصنم، قال: «لا».
فإذا حرم بيع الخشب لذلك فإنّ بيع الصليب والصنم أولى بالتحريم.ويؤيّده السيرة القطعية المتّصلة إلى زمان
المعصوم عليه السلام على حرمة بيع هياكل العبادة.ويؤيّده أيضاً وجوب إتلافها؛ حسماً لمادّة الفساد كما أتلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام أصنام مكّة، فإنّه لو جاز بيعها لما جاز
إتلافها .
ومنها: رواية
أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»
قال: «أمّا الخمر فكلّ مسكر من
الشراب - إلى أن قال:- وأمّا الميسر فالنرد والشطرنج، وكلّ قمار ميسر، وأمّا الأنصاب فالأوثان التي كانت يعبدها المشركون، وأمّا
الأزلام فالأقداح التي كانت تستقسم بها المشركون من العرب في الجاهلية. كلّ هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشيء من هذا حرام من اللَّه محرّم، وهو رجس من عمل
الشيطان ، وقرن اللَّه الخمر والميسر مع الأوثان».
ورواية أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «بيع الشطرنج حرام، وأكل ثمنه سحت...».
وما رواه
الحسين بن زيد عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام- في حديث المناهي- قال: «نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم...عن بيع النرد».
ومورد الخبرين الأخيرين وإن كان خصوص بعض الآلات، ولكن يتم المقصود بعدم القول بالفصل بين آلات القمار المعدّة لذلك.
وكذا جملة من الروايات المتواترة من طرق الفريقين على حرمة
الانتفاع بآلة اللهو في الملاهي والمعازف، وأنّ الاشتغال بها
والاستماع إليها من الكبائر الموبقة والجرائم المهلكة، وأنّ ضربها ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الخضرة، ويتسلّط عليه شيطان ينزع منه الحياء، وأنّه من عمل قوم لوط. وفي بعض روايات الجمهور: يخسف اللَّه بهم الأرض، ويجعل منهم القردة والخنازير.
فالمسألة من صغريات الضابطة الكلّية المذكورة في البحث عن حرمة بيع هياكل العبادة المبتدعة، وعليه فالحكم هو حرمة بيع آلات اللهو وضعاً وتكليفاً.على أنّه ورد في أحاديث متعدّدة ما يدلّ على حرمة بيع آلات الملاهي وشرائها وحرمة ثمنها والتجارة فيها:
منها: خبر أبي امامة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «إنّ اللَّه بعثني هدى ورحمة للعالمين، وأمرني أن أمحو المزامير والمعازف والأوتار والأوثان وأمور الجاهلية- إلى أن قال-: إنّ آلات المزامير شراؤها وبيعها وثمنها والتجارة بها حرام»». ولكنّه ضعيف السند
ومنها: قول أبي عبد اللَّه عليه السلام في موثّق الجعفي- مشيراً إلى الدراهم المغشوشة-:«اكسرها فإنّه لا يحلّ بيع هذا ولا إنفاقه»
ومنها: رواية موسى بن بكر، قال:كنّا عند أبي الحسن عليه السلام وإذا دنانير مصبوبة بين يديه، فنظر إلى دينار فأخذه بيده، ثمّ قطعه بنصفين، ثمّ قال لي:«ألقه في البالوعة حتى لا يُباع شيء فيه غش»
ومنها: رواية
جابر ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر، قال: «حرام أجره»
وفيه: (صابر) بدل (جابر). ومنها: ما روي عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «من اكترى دابّة أو سفينة، فحمل عليها المكتري خمراً أو خنازير أو ما يحرم، لم يكن على صاحب الدابّة شيء، وإن تعاقدا على حمل ذلك فالعقد فاسد والكراء على ذلك حرام»
والروايات المستفيضة من الفريقين على حرمة بيع الجواري المغنّيات، وكون ثمنهنّ سحتاً كثمن الكلب، كصحيحة إبراهيم بن أبي البلاد، قال: قلت لأبي الحسن الأوّل عليه السلام: جعلت فداك، إنّ رجلًا من مواليك عنده جوار مغنّيات قيمتهنّ أربعة عشر ألف دينار، وقد جعل لك ثلثها، فقال: «لا حاجة لي فيها، إنّ ثمن الكلب والمغنّية سحت»
كما ورد في جملة من الأخبار النهي عن بيع السلاح لأعداء الدين، كصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال:سألته عن حمل المسلمين إلى المشركين
التجارة ، قال: «إذا لم يحملوا سلاحاً فلا بأس».
ورواية هند السرّاج، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: أصلحك اللَّه، إنّي كنت أحمل
السلاح إلى أهل
الشام فأبيعه منهم، فلمّا عرّفني اللَّه هذا
الأمر ضقت بذلك، وقلت:لا أحمل إلى أعداء اللَّه. فقال لي: «احمل إليهم فإنّ اللَّه يدفع بهم عدوّناً وعدوّكم- يعني الروم- وبعه، فإذا كانت الحرب بيننا فلا تحملوا، فمن حمل إلى عدوّنا سلاحاً يستعينون به علينا فهو مشرك».
هذا، وقد نوقش في بعض الأدلّة المتقدّمة وغيرها بما يدلّ على خلافها، من حيث عدم وجود إطلاق فيها لتمام الحالات، أو
اختصاصها بما إذا قصد البائع الحرام من وراء بيعه لها وغير ذلك.
جرت عادة الفقهاء أن يقيّدوا عنوان هذا الباب بعدم الانتفاع، وذكر أشياء معيّنة على سبيل المثال، وقيّده بعضهم بما لا منفعة فيه معتدّاً بها عند العقلاء.وأنّ ما لا ينتفع به تارة يكون لقلّته- كحبة من الشعير والحنطة وغيرهما- فإنّ هذه الامور وإن كانت تعدّ عند العرف والشرع من الأموال، بل مهمّاتها، إلّاأنّ قلّتها أخرجتها عن حدودها وحدود
إمكان الانتفاع بها.وأخرى يكون لخسّته وردائته، كحشرات الأرض من العقارب والحيّات والخنافس والجعلان والضفادع والديدان، وكبعض أقسام الطيور أيضاً.
ويتمحّض البحث في هذا القسم لبيان الحرمة الوضعية، والتحريم هنا ليس إلّا من حيث فساد المعاملة، وعدم تملّك الثمن، وليس كالاكتساب بالخمر والخنزير تجري فيها الأحكام التكليفية أيضاً.والمعروف بينهم حرمة بيع ما لا ينتفع به نفعاً مجوّزاً للتكسّب على وجه يرفع السفه عن ذلك، بل ادّعي عدم الخلاف فيه، بل
الإجماع عليه،
وإن وقع الكلام بينهم فيما ذُكر مثالًا له.
واستدلّ له- مضافاً إلى الإجماع المتقدّم- بأنّ المعاملة إنّما شرّعت لقيام النظام وتسهيل امور المعاش، وذلك يستدعي الصحّة في خصوص ما ينتفع به ولو قليلًا.
وخالف في ذلك بعضهم فذهب إلى جواز بيع ما لا نفع فيه؛ لأنّ الإجماع المحصّل منه غير حاصل، والمنقول منه ليس بحجّة، مضافاً إلى عدم
الاطمئنان بوجود الإجماع التعبّدي الكاشف عن الحجّة المعتبرة؛ لاحتمال
استناد المجمعين إلى الوجوه المذكورة في المسألة والأدلّة التي يضعّفها أو يرفضها غيرهم.ووقوع المعاملات على ما لا نفع فيه قليلًا لا يخلّ بالنظام العام حتى يكون حراماً بعنوانه.
من هنا ذكر
السيّد الخوئي أنّ العلم بعدم صدق المال على شيء لا يمنع عن وقوع البيع عليه فضلًا عن الشكّ في صدقه عليه، وعليه فلا وجه لرفع اليد عن عموم ما دلّ على صحّة البيع والتمسّك بعمومات التجارة والصلح والعقود والهبة المعوّضة وغيرها.
جرت عادة الفقهاء على بحث جملة من الأعمال المحرّمة في مقدّمة أبحاث التجارة، وهناك ذكروا الكثير من المحرّمات التي من شأنها الاكتساب بها ولو لم يتعارف ذلك، كالغيبة والنميمة وغيرهما.
ونكتفي هنا بذكر عناوينها، لتراجع تفاصيلها في محالّها، وهي:
التدليس في المعاملة، وتزيين الرجل بما يحرم عليه، وتشبّه الرجل بالمرأة وبالعكس، والتشبيب بالمرأة
الأجنبية ، وتصوير ذوات الأرواح، والتطفيف، والتنجيم، والرمل والفال، وكتب الضلال
والإضلال ونحوها، وحلق اللحية، والقمار، والرشوة، وسبّ المؤمن،
والسحر ، والشعوذة، والغشّ، والغناء،
والغيبة، والقمار،
والقيادة ، والقيافة، والكذب،
والكهانة ، واللهو، ومدح من لا يستحقّ المدح، ومعونة الظالم، والنجش، والنميمة، والنوح بالباطل، والولاية من قبل الجائر، وهجاء المؤمن، والهجر، إلى غيرها ممّا يراجع في محالّه.
وقد استدلّوا على كلّ واحدة من هذه بأدلّة ولهم فيها أبحاث مفصّلة، كما أنّ عمومات حرمة الاكتساب بالحرام وما فيه الفساد وما شابه ذلك تجري هنا أيضاً.
المشهور بين الفقهاء
حرمة التكسّب بما يجب على
الإنسان فعله عيناً أو كفاية، تعبّداً أو توصّلًا،
بل ادّعي عليه الإجماع.
وذكر بعضهم اختلاف كلمات الفقهاء على أقوال- خاصة في أخذ
الأجرة على الواجبات- يمكن إجمالها فيما يلي:
الأوّل: عدم الجواز مطلقاً، كما هو ظاهر القدماء.
الثاني: الجواز مطلقاً، كما عن بعضهم.
الثالث: التفصيل إمّا بين العيني والكفائي،
وفي الكفائي بين التعبّدي منه والتوصّلي،
وإمّا بين التعييني والتخييري،
وفي التخييري بين التعبّدي منه والتوصّلي.
هذا، وقد ادّعى غير واحد من أرباب الأقوال المذكورة الإجماع على رأيه، ولكنّه ليس من الإجماع التعبّدي، فإنّ من المحتمل القريب أنّ المجمعين قد استندوا في فتياهم بالحرمة أو غيرها إلى غير الإجماع من الوجوه المقرّرة في المسألة والنصوص الواردة في موارد خاصة.
بل مع هذا
الاختلاف لا يمكن دعوى وجود الإجماع في المسألة، كما صرّح به
الشيخ الأنصاري .
وجميع ذلك يُراجع في محالّه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۶، ص۲۱۵-۲۲۶.