بيع الصرف
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(ومن هذا الباب الكلام في الصرف)
(وهو) لغة الصوت، وشرعاً (بيع الأثمان) وهي
الذهب والفضّة مطلقا، مسكوكين كانا أم لا، تبعاً لإطلاق النص والفتوى (بالأثمان) وإنّما سمّي بالصرف لما يشتمل عليه من الصوت عند تقليبها في
البيع والشراء. وسمّي الجنسان بالأثمان لوقوعهما عوضاً عن الأشياء، ومقارنتهما بباء العوض غالباً، بل عن الراوندي عن شيخه
العلاّمة الحلّي أنّهما ثمن مطلقا وإن اقترنت الباء بغيرهما حتى لو باعه ديناراً بحيوان ثبت
الخيار للبائع، مدّعياً على ذلك
الاتفاق .
•
اشتراط التقابض في المجلس في الصرف ،(ويشترط فيه) صحةً زيادة على ما يشترط في مطلق
البيع والربا (
التقابض في المجلس) المراد به الأعمّ من مجلس العقد.
(ولو فارقا المجلس مصطحبين لم يبطل) العقد، بلا خلاف في الظاهر؛ للأصل، والعمومات، وعدم
استفادة شيء من أخبار الشرط عدا التقابض قبل التفرّق بالأبدان، كما في
خيار المجلس ، لا المجلس، ففي بعض الصحاح المتقدّمة : «لا تفارقه حتى تأخذ منه، وإن نزا حائطاً فانز معه» .
(ولو وكّل أحدهما) صاحبه أو
أجنبياً (في القبض فافترقا قبله بطل) العقد؛ لعدم الشرط، وهو التقابض قبل تفارق المتعاقدين، وبه وقع التصريح في بعض الصحاح المتقدّمة. هذا إذا وكّله في القبض دون الصرف. ولو وكّله فيه خاصّة أو مع القبض فالمعتبر مفارقة الوكيل لمن وقع معه العقد دون المالك. والضابط أنّ المعتبر التقابض قبل تفرّق المتعاقدين سواء كانا مالكين أو وكيلين.
(ولو اشترى منه دراهم) بدنانير أو بالعكس (ثم اشترى بها) أي بتلك النقود المبتاعة (قبل القبض) لها من البائع (دنانير) أو دراهم (لم يصحّ) البيع (الثاني) مطلقاً، وكذا الأوّل إن تفرّقا قبل التقابض أيضاً، على الأشهر بين أصحابنا.
استناداً في الأوّل إلى أنّه باع ما لا يملك، بناءً على توقّف ملك العوض في الصرف على التقابض قبل التفرّق، الغير الحاصل فيه بحكم الغرض.
وفي الثاني إلى عدم التقابض الذي هو شرط في صحّة بيع الصرف.خلافاً لثاني المحققين والشهيدين
في الأوّل، فصحّحاه مع التقابض قبل التفرّق، وألحقاه
بالفضولي حينئذٍ. وللحلّي،
فالتفصيل بين ما إذا كان النقد المبتاع معيّناً وحصل التقابض في المجلس فالصحة، وإلاّ، بأن كان النقد المبتاع في الذمّة، أو لم يحصل التقابض فيه فضدّها، لوجود موجبه في الثاني، ولزوم بيع الدين بالدين في الأوّل. ومنع عن الوجه الأخير المحققان المتقدّمان تبعاً للفاضل في المختلف وغيره،
بناءً منهم على منع كون مثل ذلك من بيع الدين بالدين المنهي عنه.ولعلّه كذلك، ومختارها لا يخلو عن قوّة؛ لعموم دليل الفضولي بل فحواه.
(ولو كان له) أي لزيد مثلاً (عليه) أي على عمرو (دنانير) أو دراهم (فأمره أن يحوّلها إلى الدراهم) أو الدنانير في ذمّته، (وساعره) على ذلك، بأن عيّن كلاًّ من العوضين بإزاء الآخر (فقبل) عمرو (صحّ) البيع (وإن لم يقبض) النقود المبتاعة؛ للموثقين، بل ربّما عُدّا صحيحين، في أحدهما : عن الرجل يكون لي عنده دراهم فآتيه فأقول : حوّلها دنانير من غير أن أقبض شيئاً؟ قال : «لا بأس به» قلت : ويكون لي عنده دنانير فآتيه فأقول : حوّلها لي دراهم وأثبتها عندك ولم أقبض منه شيئاً؟ قال : «لا بأس».
ونحوه الثاني
بزيادة التعليل بما يرجع حاصله إلى قوله : (لأنّ النقدين من) شخص (واحد).
وعمل بهما الإسكافي
والطوسي ،
وتبعهما أكثر المتأخّرين، بل لعلّه عليه عامّتهم، وإن اختلفوا في التعبير بظاهرهما، كما عن الأوّلين وهنا، أو بما يوجب
إرجاعهما إلى القاعدة، كما عليه جماعة،
بجعل
الأمر بالتحويل فيهما كناية عن التوكيل في طرفي العقد، وبناؤه على صحته وصحة القبض إذا توقّف البيع عليه بمجرّد التوكيل في البيع؛ نظراً إلى أنّ التوكيل في شيء إذن في لوازمه التي يتوقّف عليها. ولا ريب فيه على هذا التعبير، وإن احتاج إلى عناية تطبيق ظاهر الخبرين عليه؛ لموافقته للقاعدة، لكن بشرط قبض عين العوضين بعد العقد، مع
احتمال العدم، إمّا لما سيأتي من كون ما في الذمّة مقبوضاً، أو للخبرين الظاهرين فيه، مع
اعتضادهما بفتوى الأكثر جدّاً، فيقيَّد بهما ما دلّ على اشتراط التقابض في النقدين من النصّ والفتوى.
ولا بُعد فيه على الأوّل أيضاً بعد ورود النصّ المعتبر فيه؛ إذ لا
استبعاد في مخالفة هذا النوع من الصرف لغيره باعتبار
اتّحاد مَن عليه الحق، فكان كالقابض، كما ذكره الفاضل في المختلف.
فخلاف الحلّي
ومصيره إلى
البطلان مطلقاً مع ندرته، كما في الدروس
ضعيف، وإن كان الأحوط العمل عليه، والخروج عن شبهته بالتوكيل في البيع والقبض الراجع الى التعبير الأخير لكن مع الشرط المتقدّم.
بل يكفي التوكيل في القبض خاصّة ظاهراً إن جرت بينهما صيغة المبايعة، بناءً على أنّ ما في ذمّة المديون من النقود المبتاعة بمنزلة المقبوض بيده، فإذا جعله وكيلاً في القبض صار كأنّه قابض لما في ذمّته، فصدق التقابض قبل التفرق، على
إشكال فيه؛ لمخالفته لظاهر الخبرين، مع الشك في مقبوضيّة ما في الذمّة، وعدم مصحّح آخر له في البين.
(ولا يجوز التفاضل في الجنس الواحد منهما) بشيء منهما أو غيرهما، إجماعاً، فإنّه ربا محض استفاض بحرمته الكتاب والسنّة المتقدّم إليهما
الإشارة .مضافاً الى خصوص المعتبرة المستفيضة، منها الصحيح : «الفضّة بالفضّة مثلاً بمثل، ليس فيه زيادة ولا نقصان، الزائد والمستزيد في النار».
(ويجوز) التفاضل (في المختلف) منهما جنساً، كذهب بفضّة وبالعكس، بشرط التقابض قبل التفرّق، بلا إشكال فيهما، لما مضى.مضافاً إلى خصوص النصوص، منها الصحيحان
: عن الرجل يبتاع الذهب بالفضّة مثلاً بمثلين، قال : «لا بأس به يداً بيد».
(ويستوي في
اعتبار التماثل) المشترط في صحّة بيع الربويات مطلقا (الصحيح والمكسور والمصوغ) وغيره، بلا خلاف، فإنّ جيّد كل جنس ورديئه واحد، فلا ربا مع
التماثل في المقدار.مضافاً الى خصوص النصوص في المضمار، منها الصحيح : عن الرجل يستبدل الكوفيّة بالشاميّة وزناً بوزن فيقول الصيرفي : لا أُبدّل لك حتى تبدّل لي يوسفيّة بغلّة وزناً بوزن، فقال : «لا بأس» فقلت : إنّ الصيرفي إنّما طلب فضل اليوسفيّة على الغلّة، قال : «لا بأس به».
(وإذا كان في أحدهما غشّ لم يبع بجنسه) الخالص، بلا خلاف، بل عليه
الإجماع في بعض العبارات؛
وهو الحجة.مضافاً إلى لزوم
الربا فيه، باحتمال مساواة الجنس الصافي للمغشوش في المقدار، فيلزم زيادة الغشّ فيه على الصافي، وهو الربا المحرّم، فلا يباع بالجنس (إلاّ أن يعلم) زيادة الصافي ولو على فرض الندرة، أو (مقدار ما فيه) أي في المغشوش من الجوهر الخالص (فيزاد الثمن عن قدر) ذلك (الجوهر) ولو يسيراً لم يكن بقيمة الغشّ بعد أن يكون متمولاً في العرف والعادة، فيكون قد زيد حينئذ (بما يقابل الغشّ).
وتقييد منع البيع بالجنس يقتضي الجواز بغيره على
الإطلاق ، ولو حالة الجهل بمقدار المغشوش. وهو كذلك؛ للأصل؛ وفقد المانع من احتمال الربا، بناءً على
اختلاف الجنس.وللصحيح : عن شراء الفضّة فيها الرصاص بالورق وإذا خلصت نقصت من كلّ عشرة درهمين أو ثلاثة، قال : «لا يصلح إلاّ بالذهب» وعن شراء الذهب فيه الفضّة والزيبق والتراب بالدنانير والورق، فقال : «لا تصارفه إلاّ بالورق».
وما فيه من حصر بيع المغشوش بالمخالف مبنيّ على الغالب نقص الخالص عن المغشوش بحسب المقدار، فإنّ بناء البيع والشراء على المماكسة والمغالبة، فالمشتري لا يبذل فضّة خالصة أو ذهباً كذلك في مقابل الغشّ وتعسر معرفة مقدار المغشوش، وإلاّ فلو تحقق خلاف الغالب من زيادة الخالص على الغشّ، أو حصول معرفة المقدار جاز بلا إشكال ولا خلاف، كما مضى.
ويجوز بيع أحد المغشوشين المتجانسين بالآخر مطلقا، ولو كان مقدار الخالص منهما مجهولاً، بل ولو علم زيادة الخالص في أحدهما على الخالص الذي في الآخر بناءً على ما مضى من الحيلة في دفع الربا بضمّ الضميمة إلى أحدهما أو إليهما، ولا ريب أنّ الغشّ ضميمة تصلح للربا وعدمه جدّاً، كما عرفت ممّا ذكره أصحابنا، وبه صرّح في الدروس شيخنا.
(ولا يباع تراب) معدن (الذهب بالذهب، ولا تراب) معدن (الفضّة بالفضّة) أي ترابهما الخليط بهما بخالصهما مع جهالتهما أو أحدهما؛ لاحتمال زيادة أحد العوضين عن الآخر فيدخل فيه الربا.ولو علم زيادة الثمن عمّا في التراب من جنسه لم يصحّ هنا، وإن صحّ في المغشوش جدّاً، بناءً على أنّ التراب لا قيمة له لتصلح في مقابل الزائد أصلاً.ومنه يعلم جواز بيع التراب بالخالص مع
مساواة مقدار جوهريهما؛ لعدم الزيادة أصلاً والتراب لعدم قيمة له وجوده كعدمه. (ويباع) أحد الترابين (بغيره) أي بغير جنسه، نقداً كان أم لا مطلقا.
(ولو جُمعا) أي الترابان، بأن خلطا ومزجا، أو أُريد بيعهما في صفقة واحدة معاً (جاز بيعه) أي المجموع (بهما) أي بخالصهما معاً؛ لكونه من الضميمة المصحّحة لذلك قطعاً، وإن جهل مساواة مقدار الثمن والمثمن منهما للآخر.وللمعتبرة، منها الخبر : عن الجوهر الذي يخرج من المعدن وفيه ذهب وفضّة وصفر جميعاً، كيف نشتريه؟ فقال : «تشتريه بالذهب والفضّة».
ويجوز بيعهما معاً أيضاً بأحدهما مع العلم بزيادة الثمن على مجانسه بما يصلح عوضاً عن الآخر. وأولى منهما بيعهما بغيرهما.
(ويباع جوهر الرَّصاص) بفتح الراء (والنُّحاس) بضم النون (بالذهب والفضّة وإن كان فيه يسير من ذلك) مطلقاً، وإن لم يعلم زيادة الثمن عن ذلك اليسير، ولم يقبض قبل التفرّق ما يساويه، بلا خلاف في الظاهر؛ لأنّه لقلّته مضمحلّ، وتابع غير مقصود بالبيع. وللنصوص، منها الصحيح وغيره : في الأُسرب -الأُسرُب : كقُنفُذ. والآنُكُ بالمدِّ وهو الرّصَاص. وهو فارسي مُعرب.
يشترى بالفضّة، فقال : «إن كان الغالب عليه الأُسرب فلا بأس».
ومثله المنقوش منهما على الجدران والسقوف بحيث لا يحصل منهما شيء يعتدّ به على تقدير نزعه منهما.
•
المعاملة بالدراهم المغشوشة معلومة الصرف ،(ويجوز
إخراج الدراهم) والدنانير (المغشوشة) بنحو من الصفر
والرصاص ونحوها.
وهنا (مسائل) ستّ.
الأولى : (إذا) ابتاع ديناراً مثلاً و (دفع زيادة عمّا) يجب عليه (للبائع) أو بالعكس (صحّ) المعاملة إذا وقعت على العوضين في الذّمة، ولا كذلك لو كانا معيّنين، من حيث
اشتمال أحد العوضين على زيادة عينية، وكذلك لو كان الزائد معيّناً والمطلق مخصوصاً بقدر ينقص عن المعيّن بحسب نوعه.(و) حيث صحّت المعاملة (تكون الزيادة أمانة) في يد مَن وقعت في يده، بلا خلاف، إذا كان الدفع بطريق العمد
والاستيمان ، بل في المسالك
الاتّفاق عليه.
(وكذا لو) هجل الحال، بأن (بأن فيه زيادة) خارجة عن العادة (لا تكون إلاّ غلطاً أو تعمّداً) لا مسامحة فشكّ في كونها على سبيل العمد، أو عرف كونها على نحو السهو على قول الأكثر؛ لأصالة البراءة من الضمان، الخالية عن المعارض من نحو القبض بسبب مضمون، كالسوم والغصب والبيع الفاسد، فإنّه قبضها هنا
بإذن المالك، فيكون كالودعي.والقول الآخر أنّها تكون مضمونة؛ لأنّه قبضة على أنّه أحد العوضين اللذين جرى عليهما عقد المعاوضة، فيكون مضموناً؛ نظراً إلى مقتضى العقد، ولأنّه أقرب الى الضمان من المقبوض بالسوم، ولعموم : «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي».
وضعّف بأنّ القبض على نيّة العوض غير قادح مع ظهور العدم، والعقد لا يقتضي ضمان غير العوض.وكونه أقرب من المقبوض بالسوم إنّما يجري لو سلّم كون المقبوض بالسوم كذلك، وهو محلّ النزاع.وعموم الخبر بحيث يشمل محلّ النزاع في حيّز المنع، فإنّ الثابت على الآخذ بمقتضى الخبر غير مبيّن، فجاز كون الواجب على اليد الحفظ أو نحوه إلى
الأداء ، ويرشد إليه الأمانات المقبوضة باليد مع عدم الحكم بضمانها، وإنّما القدر المتّفق عليه وجوب الحفظ خاصّة.وفي الأخيرين نظر، فالأوّل بابتناء الفحوى على ثبوت الحكم في المقيس عليه وأنها على تقديره.والثاني أوّلاً : باستلزامه القدح في
الاستناد الى الخبر
لإثبات ضمان المأخوذ باليد على الآخذ، وعدم جوازه في شيء من مواضع الخلاف، بناءً على ما زعمه من
الإجمال ، وهو خلاف الوفاق.
وثانياً : بأقربيّة الضمان من الحفظ إلى سياق الخبر بعد العرض على العرف، سيّما بعد ملاحظة فهم الأصحاب، مع أنّ إرادة الأمرين منه أظهر
بالإضافة إلى
الإطلاق ، وتقييده بأحدهما سيّما الثاني؛ لمرجوحيّته كما ظهر لا بدّ له من داعٍ، وليس، فاللازم العمل على
الإطلاق ، وهو كافٍ في الإثبات في الباب وغيره من الأبواب، فالقول الثاني أقرب إلى الصواب، وفاقاً للمحقق الثاني وغيره من الأصحاب،
مع أنّه أحوط بلا
ارتياب .ثم
الأمانة حيث قلنا بها هل هي شرعيّة يجب ردّها على الفور
وإعلام المالك بها، أم مالكيّة لا يجب ردّها فوراً إلاّ مع طلب المالك لها، وإن وجب عليه حفظها؟ قولان، أحوطهما الأوّل.
(ولو كانت الزيادة) معتادة (ممّا يتفاوت به الموازين) ويتسامح بها عادةً (لم يجب
إعادته ) إجماعاً ظاهراً، والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة جدّاً، منها الصحيحان، في أحدهما وهو طويل : قلت : فأقول له : اعزل منه خمسين كرّاً أو أقلّ أو أكثر بكيله، فيزيد وينقص وأكثر ذلك ما يزيد، لمن هي؟ قال : «هي لك»
الحديث.
وفي الثاني : عن فضول الكيل والموازين، فقال : «إذا لم يكن تعدّياً فلا بأس».
ولكن يستحب الردّ؛ لما مرّ من
استحباب أخذ الناقص، وإن استحبّ دفع الزائد للبائع، بل وربما يتعيّن لو علم من عادته عدم الزيادة بمثلها إلاّ سهواً، وإن كانت معتادة من غيره جدّاً، فيرجع إلى حكم المسألة المذكورة سابقاً.
(الثانية : يجوز أن يبدل له درهماً بدرهم ويشترط) عليه (صياغة خاتم) وفاقاً للنهاية وجماعة؛
لرواية قاصرة السند بالجهالة، والمتن عن الدلالة، إذ فيها : عن الرجل يقول للصائغ : صغ لي هذا الخاتم وأبدّل لك درهماً طازجياً بدرهم غلّة، قال : «لا بأس».
وهو كما ترى لا دلالة فيه على المطلوب أصلاً، فأوّلاً : بتضمنهما جعل
إبدال الدرهم بالدرهم شرطاً في الصياغة، لا بيعهما بشرطها، وأحدهما غير الآخر جدّاً.
وثانياً : بتضمّنها إبدال درهم طازج بدرهم غلّة مع شرط الصياغة من جانب الغلّة، وقد ذكر جماعة من أهل اللغة
أنّ الطازج هو الخالص والغِلّة غيره وهو المغشوش، وحينئذٍ فالزيادة الحكميّة وهي الصياغة في مقابلة الغشّ، وهذا لا مانع عنه مطلقا، لا في هذه المسألة ولا في غيرها، ولا في الحكميّة ولا في غيرها، وعلى هذا يصحّ الحكم ويتعدّى لكن لا في مطلق الدرهم، كما ذكروه، بل ما شابه موردها، هذا.مع مخالفتها
الأصل المطّرد من عدم جواز الزيادة من أحد الجانبين مطلقا، حكميّة كانت أو عينيّة، فلا يجوز الاستناد فيما خالفه إلى مثلها مع ما هي عليه ممّا قدّمنا.
فلو بيع الدرهمان بل مطلق الربويات كذلك بطل، وفاقاً لجماعة، كالشهيدين والفاضل في المختلف والمحقق الثاني في شرح القواعد والصيمري في شرح الشرائع.
(و) على العمل بها كما فهموه (لا يتعدّى الحكم) إلى غير موردها؛
اقتصاراً فيما خالف الأصل المتقدّم على المتيقّن من النص والفتوى.خلافاً للمحكي عن جماعة،
فجوّزوا التعدية مطلقاً في الطرفين من الشرط والنقدين. وهو ضعيف جدّاً.
(ويجوز أن يقرضه الدراهم) أو الدنانير (ويشترط أن ينقدها بأرض أُخرى) للأصل، والعمومات، مع فقد المانع من نصّ أو إجماع؛
لاختصاصهما بالمنع عن القرض بشرط النفع، وليس
الإنقاد في بلد آخر منه جدّاً.مضافاً إلى خصوص الصحيح : في الرجل يسلف الرجل الورق على أن ينقدها إيّاه بأرض أُخرى ويشترط عليه ذلك، قال : «لا بأس».
ولعلّ المراد من الإسلاف فيه القرض؛ لكثرة
استعماله فيه في «ح» زيادة : وفي الصحيح : يدفع إليّ الرجل الدراهم فأشترط عليه أن يدفعها بأرض أُخرى سود بوزنها. وأشترط ذلك عليه. قال : لا بأس.
ولم أقف على من تعرّض لهذا الحكم هنا ولا في بحث القرض بنفي ولا
إثبات ، عدا شيخنا في
الدروس في القرض
والفاضل في الإرشاد هنا،
فصرّحا بما هنا.وكان ذكره ثمّة كما فعله الأوّل أنسب وأولى، إلاّ أن يكون المراد بذكره هنا بيان أنّ القرض ليس يجري فيه حكم الصرف فيشترط فيه التقابض قبل التفرق.وهو حسن تقدّم وجهه، ويدلّ عليه الصحيح المتقدّم، والخبر : عن الرجل يسلف الرجل الدراهم وينقدها إيّاه بأرض أُخرى والدراهم عدداً، قال : «لا بأس به»
فتأمّل.
(الثالثة :) الضابط في جواز بيع (الأواني المصوغة من الذهب والفضّة) بأحدهما أن يكون في الثمن زيادة على ما في المصوغ من جنسه تقابل الجنس الآخر وإن قلّت بعد أن تكون متموّلة، مطلقا، سواء علم مقدار كلّ واحد منهما أم لا، وسواء أمكن تخليصهما أم لا، كان الثمن من جنس النقد الأقلّ في المصوغ أم من جنس الأكثر.وفاقاً لأكثر من تأخّر، كالروضتين والمحقق الثاني والفاضل في
المختلف ؛
عملاً فيه بالقواعد المتقدّمة الدالّة عليه وعلى جواز بيعهما معاً بهما كذلك مطلقاً، علم مقدارهما أو أحدهما أم لا، أمكن تخصيصهما أم لا، وبغيرهما كذلك.
خلافاً للنهاية وجماعة،
فقالوا : إن كان كلّ واحد منهما معلوماً جاز بيعه بجنسه من غير زيادة وبغير الجنس، و (إن) زاد وإن لم يعلم (أمكن تخلصهما لم يُبَع بأحدهما) وبيعت بهما أو بغيرهما، (وإن تعذّر) التخليص (وكان الأغلب أحدهما بيعت بالأقل) منهما خاصّة، (وإن تساويا) مقداراً (بيعت بهما) أو بغيرهما.وهذا التفصيل مع عدم وضوح مستنده يتوجّه النظر إليه من وجوه مذكورة في كلام بعض هؤلاء الجماعة المتقدّم ذكرهم، يسهل على المتدبّر المتأمّل
استخراجها من القواعد المتقدّمة، وطريق
إيرادها على كلام هؤلاء الجماعة.
وربما كان مستندهم في عدم
البيع بأحدهما مع إمكان التخليص بعض النصوص : في جام فيه ذهب وفضّة أشتريه بذهب أو فضّة؟ فقال : «إن كان تقدر على تخليصه فلا، وإن لم تقدر على تخليصه فلا بأس».
وفيه قصور سنداً بجهالة جماعة من رواته جدّاً، ومنافاة إطلاقه ذيلاً في الجواز مع عدم إمكان التخليص، وصدراً في العدم مع
الإمكان لما فصّلوه قطعاً.ومع ذلك غير مقاوم للقاعدة المسلّمة المتّفق عليها نصّاً وفتوى، ويمكن تطبيقه ككلام الجماعة بحذافيره عليها، كما فعله بعض أصحابنا.
وكيف كان
فالأمر سهل بعد وضوح المطلب والمأخذ.
وهل يكفي غلبة الظنّ في زيادة الثمن على مجانسه من الجوهر، كما في اللمعة،
لعسر العلم اليقيني بقدره غالباً، ومشقّة التخليص الموجب له، أم يعتبر القطع بها؟ قولان، أجودهما الثاني، وفاقاً للدروس والشهيد الثاني؛
لأنّه
الأصل .وتعسّره لا يوجب جواز
الانتقال إلى غلبة الظن إلاّ حيث لا يمكن التخلّص من ضرر عدم العلم إلاّ به، وهنا ليس كذلك جدّاً، بل يتعيّن في مثله العدول إلى البيع بغير الجنس قطعاً.نعم، لو لم يمكن واحتيج إلى البيع به أمكن ذلك؛ دفعاً لضرر ذي الحاجة، ومشقّة التخليص، المنفيّين إجماعاً، نصّاً وفتوى.
•
بيع المراكب والسيوف المحلاة بالذهب والفضة ،المراكب والسيوف ونحوها (المحلاّة) بأحد النقدين (إن علم) ما فيها من (مقدار الحلية) أو ظنّ، على
اختلاف القولين (بيعت بالجنس) المحلاّة به.
(الخامسة : لا يجوز بيع شيء) مطلقا، نقداً كان أو ثياباً (بدينار) مثلاً (غير درهم) فيقول : بعتك هذا بدينار إلاّ درهماً، إذا لم يعرف نسبة الدرهم إلى الدينار، نقداً كان أم نسيئة، بلا خلاف (لأنّه) أي الثمن حينئذٍ (مجهول).وللمستفيضة، منها «يكره أن يشتري السلعة بدينار غير درهم، لأنه لا يدري كم الدينار من الدرهم»
ونحوه خبر آخر.
وفي ثالث «ذكره أن يشتري الرجل بدينار إلاّ درهماً وإلاّ درهمين نسيئة، ولكن يجعل ذلك بدينار إلاّ ثلثاً، وإلاّ ربعاً، وإلاّ سدساً، أو شيئاً يكون جزءاً من الدينار».
وقصور الأسانيد منجبر بالفتاوى كضعف دلالة الكراهة على الحرمة، مع
انجباره زيادة على ذلك بالتعليل في أكثرها، الصريح في الحرمة بملاحظة ما دلّ على حرمة بيع الغرر والمجازفة من الفتاوى والسنّة.
مضافاً إلى رواية أُخرى في الفساد صريحة : في الرجل يشتري السلعة بدينار غير درهم إلى أجل، قال : «فاسد فلعلّ الدينار يصير بدرهم».
ولا يقدح اختصاصها كبعض ما مرّ بالمنع نسيئة؛ الإشعار التعليل فيها وفي غيرها بالعموم البتّة.
•
بيع تراب الصياغة ،(ما يجمع من تراب الصياغة) من الذهب والفضّة حكمه حكم تراب المعدن في جواز أن (يباع) مع
اجتماعهما فيه (بالذهب والفضّة).
رياض المسائل، ج۸، ص۴۴۳-۴۷۱.