أرحام
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهي القرابة بالنسب.
الأرحام جمع رَحِم، وهي القرابة، أصلُها الرحِمْ التي هي منبت
الولد، ومنه قوله تعالى: «يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ»،
استعير للقرابة؛ لكونهم خارجين من رحم واحدة.
فالأرحام وذوو الأرحام هم
الأقارب، والرحم يوصف به الواحد والجمع، ويطلق على كلّ من يجمع بينك وبينه
نسب.
لا يخرج استعمال
الفقهاء للفظ الأرحام عن معناه اللغوي إلّا أنّ لهم فيه إطلاقين أحدهما أخصّ من الآخر:
في باب
الإرث، فانّهم يطلقونه على الأقارب الذين لم يذكر لهم فرض ولم يسمّ لهم سهم في
كتاب اللَّه، وإنّما
حكم بإرثهم إجمالًا كالأولاد
الذكور والإخوة والأعمام والأجداد وغيرهم من الداخلين فيه بعموم آية اولي الأرحام.
فيقال: إنّهم يرثون بالقرابة في مقابل الذين يرثون بالفرض
كالأُمّ والأب والبنات
والأخوات.
وتفصيل ذلك في مصطلح (إرث).
في غير المواريث من أبواب
الفقه كالهبة والوصيّة وغيرهما، وقد اختلفوا في المراد منه، فالمعروف- والذي عليه الأكثر بل في
المسالك أنّه موضع نصّ ووفاق
- أنّه مطلق القريب المعروف بالنسب وإن بعدت لحمته وجاز نكاحه وارثاً كان أو غير وارث، والملاك في ذلك هو
الصدق العرفي.
ولا يكفي مطلق
العلم بالنسب كما يتّفق ذلك في
الهاشميّين ونحوهم ممّن يعرف نسبه مع بعده الآن مع انتفاء القرابة
عرفاً.
واستدلّوا على ذلك بالصدق العرفي؛ لأنّه المرجع في كلّ مورد تجرّد عن الوضع الشرعي، وحيث لا نصّ في المقام فيحمل اللفظ على المعنى العرفي كما هو عادة
الشرع في ذلك.
وممّا يؤيّد ذلك من النصوص ما رواه الشيخ في الصحيح عن
أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: نسخت من كتابٍ بخطّ أبي الحسن عليه السلام: رجل أوصى لقرابته بألف درهم وله قرابة من قبل أبيه وامّه ما حدّ القرابة، يعطي من كان بينه وبينه قرابة أو لها حدّ تنتهي إليه، فرأيك فدتك نفسي؟ فكتب عليه السلام: «إن لم يسمِّ أعطاها قرابته».
وهذا الجواب وإن كان لا يخلو من نوع
إجمال إلّا أنّ الظاهر أنّ المعنى فيه أنّه إن لم يسمِّ شخصاً بعينه ولا صنفاً بعينه يعطي من شملته القرابة عرفاً، فأحال إلى العرف، وذلك يؤيّد المعنى المشهور بل يدلّ عليه.
وذهب الشيخ المفيد إلى أنّ قرابة الإنسان هم جميع ذوي نسبه الراجعين إلى آخر أب وامّ له في الإسلام،
وتبعه في ذلك الشيخ في
النهاية.
ونقّحه بعض
الفقهاء بأنّ المراد الارتقاء بالقرابة إلى أبعد
جدّ و
جدّة في
الإسلام وفروعهما ويحكم للجميع بالقرابة، ولا يرتقى إلى آباء
الشرك،
فالجدّ البعيد ومن كان من فروعه وإن بعدت مرتبته بالنسبة إليه، معدود قرابة إن كان الجدّ مسلماً.
واجيب عن هذا القول بأنّه لا دليل يدلّ عليه ولا شاهد يعضده،
كما اعترف بذلك الشيخ نفسه في
المبسوط.
والاستدلال له
بقوله عليه السلام: «قطع اللَّه أرحام الجاهلية»،
وقوله تعالى لنوح عن ابنه: «إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ»
مردود بأنّ قطع رحم الجاهلية لا يدلّ على قطع القرابة مطلقاً مع أصناف الكفّار، وكذا قطع الأهليّة مع ابن نوح، والعرف واللغة يشهدان بأنّ من بعد جدّاً كالأجداد البعيدة لا يدخل في القرابة وإن كان مسلماً، ومن قرب دخل فيها وإن كان كافراً.
ونقل عن
ابن الجنيد أنّ القرابة خصوص من تقرّب من جهة
الولد أو الوالدين، وقال: «ولا أختار أن يتجاوز بالتفرقة أي تفرقة المال الموصى به للقرابة ولد
الأب الرابع؛ لأنّ
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يتجاوز ذلك في تفرقة سهم ذوي القربى من
الخمس».
واجيب عنه: بأنّ فعل
النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالخمس ذلك لا يدلّ على نفي القرابة مطلقاً عمّا عدا ذلك، فإنّ ذلك معنى آخر للقربى بالنسبة إليه صلى الله عليه وآله وسلم للقطع بأنّ القرابة في حقّ غيره لا تقتصر على احدى بناته وأولادها وبعلها الذي هو من شجرته.
وأمّا
علماء أهل السنّة فمنهم من وافقنا، ومنهم من ذهب إلى أقوال اخرى كتخصيصه بالمحرم أو بالوارث أو بغير ذلك،
وهي حقيقة بالإعراض عنها؛ لعدم مساعدة الوضع اللغوي ولا
العرف ولا الاستعمال في النصّ عليها، كما هو واضح. ومزيد التفصيل في ذلك في باب
الهبة أو
الوصية في مسألة ما لو وهب أو أوصى لقرابته أو أرحامه ولم يعيّن، فراجع. هذا، وقد تضاف إلى الأرحام كلمة (اولو) أو (ذوو)، فيقال: اولو الأرحام، وذوو الأرحام، وقد تأتي مفردة فيقال: ذو رحم مثلًا.
أهل الرجل في اللغة
عشيرته وذوو قرباه، وأيضاً زوجته وأخصّ الناس به.
وعلى المعنى الأوّل يكون مساوقاً للأرحام وعلى الثاني مبايناً؛ لأنّ الزوجة بعنوان كونها زوجة ليست من الأرحام. وأمّا على المعنى الثالث فيكون بينهما
عموم وخصوص من وجه، فإنّ أخصّ الناس به يشمل الزوجة وغيرها، رحماً كان أو غير رحم ممّن يكون من أتباعه وخاصّته كخادمه ومملوكه مثلًا.
ذكر للعشيرة في اللغة عدّة معان، فقيل: إنّ عشيرة الرجل هم بنو أبيه الأدنون، وقيل: هم القبيلة. والجمع عشائر وعشيرات.
وقال
ابن شميل: «العشيرة العامّة مثل بني تميم وبني عمرو بن تميم، والعشيرُ القبيلة».
وكيف كان فهي خاصّة بالقرابة من طرف الأب دون طرف الامّ، فهي أخصّ من الأرحام من هذه الجهة.
هذا، وقد وقع الخلاف بين الفقهاء في المراد من هذه الألفاظ وحدودها عند إطلاقها في أبواب الفقه، ومنشأ ذلك تعدّد معانيها واختلافها لغةً، والأكثر
إرجاع ذلك إلى العرف كما عرفت في معنى أرحام، وستعرف في الهبة والوقف والوصية وما شابه ذلك.
تتعلّق بالأرحام أحكام كثيرة متفرّقة في أبواب الفقه تختلف باختلاف متعلّقها، نذكر أهمّها فيما يلي إجمالًا محيلين تفصيلها إلى محالّها:
•
صلة الأرحام ، أمرت الشريعة المقدّسة كتاباً وسنّةً بصلة الأرحام ونهت عن قطعها، فقد تظافرت الآيات والروايات بذلك.
•
أولوية الأرحام في الصدقات والهبات، من
اهتمام الشريعة بالأرحام والتأكيد على صلتهم وإكرامهم جاءت الكثير من الأحكام منها تقديمهم في العطايا والهبات والصدقات المالية.
القرابة إحدى أسباب وجوب النفقة، فإنّ نفقة شخص على آخر لا تجب إلّا بأحد أسباب ثلاثة: الزوجية والملك والقرابة. إلّا أنّ الذي تجب نفقته بالقرابة خصوص العمودين- أي الآباء- وإن علوا والأولاد وإن نزلوا، سواءً كانوا ذكوراً أو إناثاً، وسواءً كان الجدّ للأب أو للُامّ، وسواءً كان الولد لابن المنفق أو لبنته، بلا خلاف في ذلك، بل في خصوص
الأبوين والأولاد عليه إجماع المسلمين فضلًا عن المؤمنين، والنصوص
في ذلك مستفيضة أو متواترة.
وأمّا غير العمودين من الأقارب كالإخوة والأعمام والأخوال وغيرهم ممّن كان على حاشية النسب فالظاهر عدم الخلاف في عدم وجوب النفقة عليهم،
بل ادّعي عليه
الإجماع في الظاهر.
نعم، يظهر من
القواعد حكاية قول بالوجوب على الوارث،
ونسبه بعض شرّاحه
إلى الشيخ، مع أنّ الموجود في
المبسوط و
الخلاف خلافه، وإنّما أسند ذلك إلى الرواية، ثمّ حملها على
الاستحباب .
نعم، نصّ الفقهاء على استحباب
الإنفاق على غير العمودين من الأقارب؛ لأنّه من
صلة الرحم المندوب إليها كتاباً وسنّة كما سمعت ذلك مراراً، ويتأكّد الاستحباب في الوارث؛ لأنّه أقرب، ولقوله تعالى: «وَ عَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ»،
والنبوي: «لا صدقة وذو رحم محتاج».
ولما رواه
غياث بن إبراهيم عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «اتي
أمير المؤمنين عليه السلام بيتيم، فقال: خذوا بنفقته أقرب الناس منه من العشيرة كما يأكل ميراثه».
وما رواه الحلبي عنه عليه السلام أيضاً قال: قلت: من الذي اجبر على نفقته؟ قال: «الوالدان والولد والزوجة والوارث الصغير».
المحمولان على الاستحباب وتأكّده في الوارث.
النسب أحد موجبات
الإرث ، فإنّ موجبات الإرث أمران: نسب وسبب. والمراد بالنسب:
اتّصال أحد الشخصين بالآخر بالولادة بانتهاء أحدهما إلى الآخر كالأب والابن، أو بانتهائهما إلى ثالث مع صدق النسب عرفاً على الوجه الشرعي أو ما في حكمه كالتولّد من نكاح الشبهة أو
نكاح أهل الملل الفاسدة. والمراد بالسبب: الاتّصال بما عدا الولادة من ولاء أو زوجية. والإرث بالنسب على مراتب ثلاث مترتّبة لا يرث أحد من غير الاولى مع وجود وارث منها، وكذا الثانية بالنسبة إلى الثالثة، وهي:
الاولى:
الأبوان المتّصلان دون الأجداد والجدّات، والأولاد وإن نزلوا ذكوراً وإناثاً. الثانية:
الإخوة والأخوات وأولادهم وإن نزلوا، والأجداد والجدّات وإن علوا كآبائهم وأجدادهم. الثالثة: الأعمام والأخوال وإن علوا كأعمام الآباء والامّهات وأخوالهم وأعمام الأجداد والجدّات وأخوالهم، وكذلك أولادهم وإن نزلوا كأولاد أولادهم وأولاد أولاد أولادهم وهكذا، بشرط صدق القرابة للميّت عرفاً وليس مطلقاً، وإلّا لعمّ النسب وبطل الولاء.
ثمّ أنّه قد سمعت أنّ القرابة منهم من سمّي لهم فرض في كتاب اللَّه كالأُمّ والأب والبنات والأخوات، ومنهم من لم يسمّ لهم فرض في كتاب اللَّه وإنّما يرثون بعموم آية (اولي الأرحام) كالابن والإخوة للأبوين أو للأب والجدّ والأعمام والأخوال. والقسم الأوّل يعبّر عنهم في المواريث من يرثون بالفرض، والثاني من يرثون بالقرابة. وتفصيل ذلك في مصطلح (إرث).
•
الأرحام وأحكام الميت، تجهيز الميّت من تغسيله وتكفينه وكذا الصلاة عليه ودفنه فرض على الكفاية على جميع المكلّفين، وبقيام بعضهم به يسقط عن الباقين، إلّا أنّ أولى الناس بذلك أولاهم بميراثه، بمعنى أنّ الولي لو أراد القيام به أو عيّن شخصاً لذلك لا يجوز مزاحمته. هذا كلّه مضافاً إلى ثبوت حقّ الميّت عليه بالرحم و
الإرث ، فمن
أداء حقوقه وصلته قيامه بأحكامه، فإنّ ذلك
إكرام له و
إعانة ، ولأنّه لمّا كان أخصّ به من غيره كان أشدّ
اجتهاداً في فعل ما ينبغي على الوجه الأكمل وأكثر
احتراماً وإكراماً له، ولأنّه أبصر بعيوبه وأستر لها.
•
الأرحام في النكاح،النسب سبب من أسباب
تحريم النكاح في الجملة، فيحرم على
الإنسان اصوله وفروعه.لا
ولاية للأرحام في النكاح غير الأب والجدّ للأب وإن علا.
القرابة والرحميّة إحدى أسباب زوال الملك في الجملة؛ إذ أنّ بعض الأرحام لا يصحّ تملّكه، بمعنى أنّه إذا ملكه انعتق عليه قهراً، وبعضهم يصحّ على كراهة، وتفصيل ذلك كالتالي:
لا يصحّ تملّك العمودين وهم الآباء وإن علوا، والأبناء وإن نزلوا، والمعبّر عنهم باصول
الإنسان وفروعه مطلقاً
اختياراً و
اضطراراً ذكراناً أو إناثاً أو خناثاً، فإذا ملك الرجل أو
المرأة أحد هؤلاء انعتق عليه في الحال، بلا خلاف في ذلك بين الفقهاء،
بل عليه إجماعهم؛
للنصوص التي ستسمع بعضها.
أمّا غير العمودين من الأرحام فقد فصّل الفقهاء،
تبعاً للنصوص بين الرجل والمرأة، فالرجل لا يملك محارمه من النسب كالأُخت والعمّة والخالة وبنت الأخ وبنت
الأخت ، ويملك ما عدا هؤلاء من ذوي قرابته من الرجال والنساء كالأخ والعمّ والخال وأولادهم ذكوراً وإناثاً. وأمّا المرأة فلها أن تملك محارمها وغيرهم ويستقرّ ملكها، ولا ينعتق عليها سوى العمودين، بلا خلاف في كلّ ذلك. نعم، ذهب
الشيخ المفيد في
المقنعة إلى
إلحاق الأخ والعمّ والخال بالعمودين بالنسبة إلى المرأة،
إلّا أنّه وصف بالشذوذ، وأنّ النصّ والفتوى على خلافه.
وممّا دلّ على ذلك من الروايات ما رواه الشيخ في الصحيح عن
عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عمّا يملك الرجل من ذوي قرابته، فقال: «لا يملك والده ولا والدته ولا اخته ولا ابنة أخيه ولا ابنة اخته ولا عمّته ولا خالته، ويملك ما سوى ذلك من الرجال من ذوي قرابته...».
وفي الصحيح عن
أبي بصير وأبي العباس وعبيد كلّهم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إذا ملك الرجل والديه أو اخته أو عمّته أو خالته أو بنت أخيه أو بنت اخته- وذكر أهل هذه الآية من النساء- عتقوا جميعاً، ويملك عمّه و
ابن أخيه و
ابن اخته والخال...».
وفي ملك المرأة ما رواه
أبو حمزة الثمالي قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن المرأة ما تملك من قرابتها؟ فقال: «كلّ أحد إلّا خمسة: أبوها وامّها وابنها وابنتها وزوجها».
وغير ذلك من الروايات،
هذا، وقد وقع الخلاف في
انسحاب الحكم إلى الرضاع، وأنّه لو ملك الرجل أو المرأة هؤلاء من الرضاع فهل يصح أم ينعتق عليه؟ فيه روايتان وقولان، أشهرهما رواية وفتوى العتق.
وأنّ كلّ من ينعتق عليه من جهة النسب لا يصلح تملّكه من جهة الرضاع، وتفصيله في محلّه.
الأرحام- غير العمودين والمحارم بالنسبة إلى الرجل- وإن صحّ تملّكهم واسترقاقهم إلّا أنّه مكروه، وتتأكّد الكراهة في الوارث، بمعنى أنّ الأفضل عتقهم، صرّح بذلك بعض الفقهاء؛
للنهي عن ذلك في بعض الأخبار، وأنّه لا يصلح للرجل إذا ملك ذا رحمه أن يبيعه أو يستعبده وهو مولاه وأخوه في الدين وإن مات ورثه،
وفي بعضها: «لا يملك الرجل أخاه من النسب...».
فقد حمل الفقهاء ذلك على الكراهة؛
جمعاً بينها وبين الأخبار الدالّة على الجواز والتي قد سمعت بعضها. كلّ ذلك مع المنافاة لصلة الأرحام و
الإخلال بالاحترام، فلا ينبغي البيع ولا غيره من النواقل ولا
الاستعباد .
الحضانة - التي هي ولاية على تربية الطفل وما يتعلّق بها من مصلحة حفظه ورعايته ومداراته ونظافته ونحو ذلك- حقّ للُامّ، بمعنى أنّها أحقّ بالولد مدّة الرضاع- وهي حولان- ذكراً كان أو انثى أم غيرهما، بلا خلاف في ذلك بشروط ومواصفات تفصيلها في محلّها.
وأمّا بعد الحولين فالمشهور أنّ الوالد أحقّ بالذكر، والامّ أحقّ بالانثى حتى تبلغ سبع سنين، وقيل: تسع، وقيل: ما لم تتزوّج. ومع فقد الأبوين اختلف الفقهاء، فمنهم من عدّى الحكم منهما إلى باقي الأقارب والأرحام على ترتيب الإرث؛ لقوله تعالى: «وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ»،
فإنّ
الأولوية تشمل الإرث والحضانة وغيرهما، ولأنّ القريب أولى بها من البعيد، وإن تعدّد الرحم اقرع بينهم.
ومنهم من ذهب إلى أنّه مع فقد الأبوين تكون الحضانة لأب الأب مقدّماً على غيره من الأقارب وإن شاركوه في الإرث؛ لأنّه أب في الجملة، فيكون أولى من غيره. ومنهم من جعلها للأجداد مطلقاً ثمّ إلى باقي مراتب الإرث.
وفي المسألة أقوال اخرى
استقصاؤها وأدلّتها في مصطلح (حضانة).
النسب- وإن قرب- لا يمنع قبول الشهادة عند فقهاء
أهل البيت عليهم السلام ، فتقبل شهادة الأب لولده وعليه، والولد لوالده، والأخ لأخيه وعليه، فضلًا عن غيرهم من الأرحام. وقد نفى في الجواهر الخلاف عن ذلك نصّاً وفتوى، وادّعى عليه الإجماع بقسميه، مضافاً إلى عموم الأدلّة و
إطلاقها المقتضيين عدم الفرق بين الضميمة وغيرها،
خلافاً للشيخ في النهاية حيث اعتبرها.
نعم، في قبول شهادة الولد على والده بمال أو حقّ خلاف. إلّا أنّ المشهور بين الفقهاء شهرة عظيمة عدم القبول،
بل ادّعى بعضهم
الإجماع عليه، وفي الخلاف نسبته إلى أخبار الفرقة؛
مستدلّين على ذلك بما روي في خبر: أنّه «لا تقبل شهادة الولد على والده»،
مضافاً إلى ظاهر قوله تعالى: «وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً»،
فإنّه ليس من المعروف الشهادة عليه والردّ لقوله و
إظهار تكذيبه، بل
ارتكاب ذلك عقوق مانع من قبول الشهادة.
القرابة لا تمنع من
إقامة الحدّ أو التعزير أو الأخذ بالقصاص. نعم، يستثنى من ذلك الأب فقط- كما في الشهادة- في حدّي السرقة والقذف، والقصاص، فإنّ المعروف عدم
إجراء حدّ القذف وحدّ السرقة فيما لو كان السارق أو القاذف أباً. نعم، يعزّر في الأخير.
وكذا لا يقتصّ منه لو قتل ولده، وإن لم ترتفع سائر الآثار من الكفّارة والدية وتعزير الحاكم له وعدم إرثه منه؛ لكونه قاتلًا.
وقد تقدّم ذلك في مصطلح (أب)،
ويأتي في مصطلح (سرقة) و (قذف) و (قصاص).
قال الشيخ في المبسوط: «يكره للعادل قتل ذي رحم له من
أهل البغي، ويعرض عنه ليلي قتله غيره»،
ونسبه العلّامة في
المنتهى إلى أكثر العلماء؛
لقوله تعالى: «وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً».
وروي أنّ أبا بكر أراد قتل أبيه يوم احد فنهاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: «دعه ليلي قتله غيرك»، وكفّ أبا حذيفة عن قتل أبيه، وإذا نهى عن قتل أبيه الحربي فبأن ينهى عن قتل الباغي أولى.
لكن في الجواهر: أنّ البغاة كالمشركين في
أصل القتال و
المصابرة حتى بالنسبة إلى قتل الوالد وغيره من الأرحام، والتعارض بين ما دلّ على قتالهم مع العادل والآية الكريمة مخصوص بالوالد؛ للأمر بالصحبة في الدنيا معروفاً فيها، ومع التكافؤ من جميع الوجوه يتخيّر. وأمّا غير الوالد فهو باقٍ على مقتضى عموم القتل كالمشرك الرحم، بل يمكن منع التكافؤ في الأوّل؛ لقوّة دليل وجوب قتلهم المؤيّد
بإعزاز الدين، ونهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر وأبا حذيفة عن قتل أبويهما لم يثبت من طرقنا.
الموسوعة الفقهية، ج۹، ص۴۳۲-۴۳۵