كما إذا تحقّق منكر لا يمكن رفعه إلّا بتعاضد الامّة، فحينئذٍ يجب على الامّة القيام بذلك، مع وجود الشرائط و مراعاةالأهمّية ؛ لعدم اختصاص وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالأفراد أو بطبقة خاصّة.
ويمكن أن يستدلّ لذلك ببعض الروايات التي دلّت على أنّه ينبغي للعامّة أن تنكر على الخاصّة إذا رأت منهم منكراً بصورة علنية، فمن ذلك ما ورد عن مسعدة ابن صدقة عن جعفر بن محمّد عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ اللَّه لا يعذّب العامّة بذنب الخاصّة إذا عملت الخاصّة بالمنكر سرّاً من غير أن تعلم العامّة، فإذا عملت الخاصّة بالمنكر جهاراً فلم تغيّر ذلك العامّة استوجب الفريقانالعقوبة من اللَّه عزّوجلّ».
وهذا معناه أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس وظيفة العلماء فقط، ولا وظيفة النافذين المسؤولين في الدولة الإسلامية فحسب، بل هي وظيفة الجميع تجاه الجميع كلّ بحسبه.
يتأكّد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حقّ المكلّف بالنسبة إلى أهله وذويه الأقرب فالأقرب.
فيجب عليه إذا رأى منهم التهاون في الواجبات - كالصلاة وأجزائها وشرائطها، بأن لا يأتوا بها على وجهها لعدم صحّة القراءة و الأذكار الواجبة، أو لا يتوضّؤوا وضوءً صحيحاً أو لا يطهّروا أبدانهم و لباسهم من النجاسة على الوجهالصحيح - أمرهم بالمعروف حتّى يأتوا بها على وجهها، وكذا الحال في بقية الواجبات.
وكذا إذا رأى منهم التهاون في اجتناب المحرّمات- كالغيبة ، و النميمة ، و العدوان من بعضهم على بعض أو على غيرهم، أو غير ذلك من المحرّمات - فإنّه يجب أن ينهاهم عن المنكر حتى ينتهوا عن المعصية .
فإنّ إطلاق الأمر بالوقاية يدلّ على لزوم تجنيبهم النار بحملهم على فعل الواجبات وترك المحرّمات، بل قد جعلهم قرين الأنفس ، فكما يجب على الإنسان حمل نفسه على الخيرتجنّباً للعقاب الإلهي كذلك يجب عليه حمل أهله على ذلك.
قال: «هذا خطاب من اللَّه تعالى للمؤمنين الذين صدّقوا بتوحيد اللَّه و إخلاصالعبادة له، وأقرّوا بنبوّة نبيّه صلى الله عليه و آله وسلم يأمرهم بأن يقوا أنفسهم، أي يمنعونها، ويمنعون أهليهم ناراً، وإنّما يمنعون نفوسهم بأن يعملوا الطاعات ، ويمنعون أهليهم بأن يدعوهم إليها ويحثّوهم على فعلها، وذلك يقتضي أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينبغي أن يكون للأقرب فالأقرب».
ولعلّ مقصوده هو تأكّد المسؤولية وأولويّتها بالنسبة إلى الأهل؛ لأنّه ليس على الآباء و الأزواج إلّاتهيئة الظروف المناسبة لحصول هذه الغاية ، ولعلّ من ذلك أمر الآباء بأمر الصبيان بالصلاة من ستّ أو سبع سنين،
و التأديب يحصل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما في الروايات، فمن ذلك رواية عبد الأعلى مولى آل سام عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «لمّا نزلت هذه الآية: «يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَاراً»
جلس رجلٌ من المسلمين يبكي، وقال: أنا عجزت عن نفسي، كُلِّفت أهلي! فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم : حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك، وتنهاهم عمّا تنهى عنه نفسك».
نعم، لم يتعرّض الفقهاء لأمر الوالدين بالخصوص ونهيهما، إلّا المحقّق القمّي، فقد جوّزه في حدود اللسان مع اللين ولم يجوّزه في غيره؛ جمعاً بين أدلّة وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبين أدلّة برّ الوالدين .
أنّ ارتكابهما الحرام بل أعظم الحرام وهو الشرك، بل مع السعي لدفع الولد إلى الشرك أيضاً، أقصى ما يوجب عدم الطاعة، وإرداف ذلك بوجوب مصاحبتهما بالمعروف، يفهم منه عرفاً أنّ فعلهما هذا لا يجوّز العشرة بغير المعروف معهما، فتكون الآية دالّة على أولوية عشرتهما بالمعروف على سائر الأحكام ذات الصلة كالأمر والنهي.