وعرفاً: هو توقّع مجيء شخص أو أمر ما للمنتظر، و المراد به هنا هو التوقّع الدائم لظهور الحجّة (عجّل اللَّه تعالى فرجه) لتنفيذ الهدفالمنشود من إقامة العدل ونشر الرحمة في أرجاء المعمورة، وهذا بدوره يولّد إشراقةأمل في القلوب ، ويحرّض الأفراد على التزكية و الإصلاح و السعي و الاستعداد بالورع و الاجتهاد ، ويرغّب في العمل بالتكاليف الشرعية والفرائض الدينيّة.
والسرّ في ذلك أنّ الانتظار يستبطن التحضّر لمن يُنتظر، فإذا كان الإنسان في انتظار مجيء صديقه العزيز إليه، فإنّ الانتظار لا ينسجم إلّامع تحضير ألوان الضيافة له و تنظيف المنزل وتهيئته لقدومه، فهنا يقال بأنّه انتظره بشكل صحيح، وهذا هو المعنى الصحيح للانتظار، في مقابل بعض من يتصوّر أنّ الشيعة الإمامية يقصدون بالانتظار ترك الواجبات وفعل المحرّمات و الجلوس مكتوفي الأيدي لتعجيلفرج الإمام الحجّة (عجّل اللَّه تعالى فرجه).
وقد أشارت بعض الروايات إلى هذا النوع من الانتظار الذي يحقّق شرط الظهور ويمهّد له، بأنّه لا يكون إلّا بالمواظبة على العمل الصالح و التحلّي بالورع والاجتهاد، و الالتزامبأمر اللَّه و نهيه ، و الولاية لأوليائه و البراءة من أعدائه.
فعن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «... من سُرّ أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجرِ من أدركه، فجدّوا وانتظروا هنيئاً لكم أيّتها العصابة المرحومة».
حثّت الكثير من الروايات وأكّدت على فضل انتظار الفرج واستحبابه، وأنّه أحبّ الأعمال وأفضل العبادة ، وانتظار فرج الإمام المهدي (عجّل اللَّه تعالى فرجه) هو تطبيق عملي وعيني لفكرة انتظار الفرج عند الشدّة، وذلك عندما يعمّ الدنيا الظلم والجور، ويخيّم اليأس على الجميع، ويخمد صوت العدالة ، فيكون (المهدي) فرجاً عاماً، يملأ الدنيا عدلًا وقسطاً ورحمةً وخيراً.
وفيما يلي نذكر نماذج من تلك الروايات الدالّة على فضل الانتظار عموماً وانتظار فرجه (عجّل اللَّه تعالى فرجه) خصوصاً:
أنّ الانتظار يدعو إلى إصلاح النفس و تهذيبالأخلاق ، وذلك أنّ المنتظر لا يعدّ من أصحاب الإمام المهدي عليه السلام وشيعته ولا من أنصاره و أعوانه إلّاإذا سعى في إصلاح نفسه وتهذيب أخلاقه؛ ليكون قابلًا لصحبة الإمام و الجهاد بين يديه.
لأنّ الانتظار يدعو كلّ مؤمن إلى أن يكون في حالة استعداد دائم للانضمام إلى جيش الإمام المهدي للتضحية في سبيل فرض هيمنة الإمام الكاملة، وبسط سلطنته على الأرض؛ لإقامة شرع اللَّه تعالى، وهذا الشعور يخلق عند المؤمنين حالةً من التآزر و التعاون ورصّ الصفوف و الانسجام ؛ لأنّهم سيكونون جنداً للإمام عليه السلام.
أنّ الامّة التي تعيش حالة الانتظار تعيش حالة الشعور بالعزّة و الكرامة ، فلا تطأطئ رأسها لأعداء اللَّه، ولا تذلّ لجبروتهم وطغيانهم؛ إذ هي تترقّب وتتطلّع لظهوره المظفّر في كلّ ساعة؛ ولذلك فهي تأنف الذلّ و الهوان ، ومثل هذا الشعور يخلق دافعاً قويّاً للمقاومة و الصمود والتضحية؛ كي يتمكّن الإمام عند الظهور من الاستعانة بهم جنداً له.
مضاعفةالجهوزيةاستقبالًا لظهوره (عجّل اللَّه تعالى فرجه)، عبر تهيئة المؤمنين و إعداد النفوس بتحليتها بالأخلاق الحميدة و التزامها بالتكاليف الشرعية، فإنّ هذا من أهم آداب الانتظار وأعظمها.
أن يكون المنتظر مهموماً و مغموماً لغيابه عليه السلام، و متحسّراً على فراقه، وذلك لعشقه له مع عدم الوصول إليه رغم وجوده بين الأنام و اطّلاعه على خفايا الأعمال، فقد ورد في دعاء الندبة : (عزيز عليّ أن أرى الخلق ولا ترى، ولا أسمع لك حسيساً ولا نجوى، عزيز عليّ أن تحيط بك دوني البلوى ولا ينالك منّي ضجيج ولا شكوى ، بنفسي أنت من مغيّب لم يخل منّا).
ومن الأدعية التي يدعى بها له في كلّ وقت وحال لا سيّما في شهر رمضان في ليلة الثالث والعشرين منه الدعاء الشريف: «الّلهمّ كن لوليّك...»، كما جاء في رواية محمّد بن عيسى .
ومن ذلك أن يدعو اللَّه تعالى أن يجعله من جنده والمستشهدين بين يديه، فيربّي نفسه على أن لا يخذله عند ظهوره، ولا يكون كأهل الكتاب الذين كانوا يستفتحون على الذين كفروا فلمّا جاءهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم كفروا به وارتدّوا.