بدل الحيلولة (الأحكام)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
بدل الحيلولة (توضيح).
يتفرّع على
بدل الحيلولة بعد ثبوته امور
وأحكام ذكرها
الفقهاء ، وهي كما يلي:
لا شبهة في أنّ
العين إذا تلفت انتقل
الضمان إلى بدلها من
المثل أو القيمة، كما لا شبهة في أنّ
بقاء الضامن مشغول الذمّة
ضرر عليه، وحينئذٍ يجوز له
إجبار المالك على قبول حقّه. وأمّا في صورة
التعذّر و
ثبوت بدل الحيلولة، فهل ثبوت القيمة حينئذٍ كثبوتها مع تلفها في كونه حقّاً للضامن بحيث يجبر
الضامن على أخذها أ م لا؟ فيه وجوه:
هو أنّ ثبوت
البدل مع التعذّر ليس كثبوتها مع تلفها في كون دفعها حقّاً للضامن، وإنّما
المطالبة به حقّ للمالك، وعليه لا يلزم
المالك بأخذ بدل الحيلولة، بل له أن يمتنع من أخذه ويصبر إلى
زوال العذر؛
وذلك لأنّ الأدلّة الدالّة على ثبوت بدل الحيلولة لا تدلّ على
جواز إجبار الضامن المالك على قبول البدل، وليس هنا دليل آخر يدلّ على ذلك غير تلك الأدلّة.
والفرق بين
التلف والتعذّر إنّه عند تلف العين تسقط الخصوصيّات عن
عهدة الضامن قهراً بالتلف
فلا يبقى في ذمّته إلّا
الطبيعي وهو المثل أو القيمة، فيكون للضامن حقّ
إلزام المالك بقبول ذلك؛ لأنّه عين ما يملكه في عهدته بالفعل، وأمّا في صورة التعذّر فالخصوصيّات غير ساقطة، وذمّة الضامن مشغولة بها، غاية
الأمر للمالك
إسقاطها و
الرضا بالطبيعي، فيكون ملزماً بدفعها، وأمّا الضامن فلا حقّ له في إلزام المالك بإسقاط حقّه.
بل عدم إجبار المالك هو الذي تقتضيه
قاعدة السلطنة ؛ ضرورة أنّ المالك يستحقّ على الضامن العين بنفسها، ومن الظاهر أنّ إجبار الضامن إيّاه على قبول بدلها خلاف سلطنته. وهذا هو الذي أراده
الشيخ الأنصاري من تمسّكه بقاعدة السلطنة في
المقام .
وليس مراده من
التمسّك بها هو سلطنة المالك على
امتناع قبول البدل مع كونه ملكاً له لكي يتوجّه عليه
أنّه ليس للمالك الامتناع من قبول ماله بدليل السلطنة.
ومجرّد
إرادة الضامن تفريغ ذمّته عن تبعات العين من ضمان المنافع و
ارتفاع القيمة السوقية ونحو ذلك من نقص الأوصاف، لا يقتضي أن يكون حقّ
الدفع له.
هو أنّ ثبوت المثل أو القيمة في صورة التعذر كثبوتهما مع التلف، ومن ثمّ يجوز إلزام المالك بأخذ البدل؛ لأنّ
المستفاد من دليل الضمان- على اليد- عدم الفرق بين التلف وغيره، و
استحقاق الضامن إلزام المالك بأخذ ماله
الثابت في ذمّته، سواء قلنا بأنّ مفادها عهدة العين إلى زمان
الأداء ، أو عهدة العين أو القيمة لدى التلف ونحوه؛ وذلك لأنّ العين على الأوّل تقع على عهدة الضامن في زمان الحيلولة بنحو ما تقع عليها في زمان وجودها أو تلفها. وأولى بذلك على
الاحتمال الثاني؛ لأنّ مقتضى دليل اليد على الفرض أنّ على الآخذ المثل أو القيمة مع التلف، ومع فرض
استفادة ضمان بدل الحيلولة منه لابدّ من دعوى أنّ
الميزان في
اشتغال الذمّة بالمثل أو القيمة هو
انقطاع يد المالك عن ماله، فحينئذٍ يكون للضامن رفع شغله وليس للمالك سلطنة على
إبقائها على عهدته؛ لأنّها سلطنة على الغير.
وبالجملة، أنّ مفاد
دليل اليد واحد، ولا يعقل أن يفيد في مورد عهدة العين أو شغل الذمّة بالمثل أو القيمة، وفي مورد غير ذلك، فلو كان دليل الحيلولة ذلك فلا محيص من
الالتزام بأنّ للدافع حقّ الردّ وللمالك المطالبة بماله. وكذا قاعدة السلطنة إن قلنا إنّ
السلطنة على المال تقتضي لزوم
جبرانه ببدله، ولازمه العقلائي أنّ البدل على عهدته؛ لأنّه لازم الجبران بحقّ. نعم، لو قلنا بأنّها تقتضي وجوب الجبران بالبدل عند مطالبة المالك ولا تقتضي اشتغال الذمّة ولا العهدة، فحينئذٍ ليس للضامن أداء البدل إلزاماً، كما أنّه ليس له إلزام المالك بالمطالبة، ولا يجب عليه البدل إلّابعد المطالبة، وللمالك المطالبة وتركها؛ لقاعدة السلطنة. ولكن في المبنى
إشكال .
اختلاف حكم المسألة باختلاف
المدرك ، فإن كان مدركه قاعدة اليد أو
إطلاق النصوص كان ذلك حقّاً للضامن، فإنّ حاله حينئذٍ كحال سائر أمواله، وأمّا إن كان المدرك
قاعدة نفي الضرر أو كون ذلك من باب الجمع بين الحقّين أو
الإجماع ، فللمالك الامتناع من أخذه، فإنّ
الضرر ينتفي بثبوت حقّ للمالك في مطالبة البدل، كما أنّ الجمع بين الحقّين يكون بذلك، وقاعدة السلطنة على فرض دلالتها على ذلك تدلّ على أنّ للمالك السلطنة على مطالبة مال
للتوسّل به إلى أخذ بدله، فله أن لا يطالب، والمتيقّن من الإجماع صورة المطالبة.
اختلف الفقهاء في أنّ بدل الحيلولة هل هو ملك للمضمون له أو مباح أو يفصّل في
المسألة حسب مداركها على أقوال:
اختاره جمع من الفقهاء،
بل ادّعي عدم
الخلاف فيه،
قال الشيخ الأنصاري: «ثمّ إنّ المال
المبذول يملكه المالك بلا خلاف كما في
المبسوط و
الخلاف و
الغنية و
السرائر ، وظاهرهم
إرادة نفي الخلاف بين
المسلمين . ولعلّ الوجه فيه: أنّ
التدارك لا يتحقّق إلّابذلك، ولولا
ظهور الإجماع وأدلّة
الغرامة في الملكيّة لاحتملنا أن يكون مباحاً له
إباحة مطلقة وإن لم يدخل في ملكه، نظير الإباحة المطلقة في
المعاطاة على القول بها فيها، ويكون دخوله في ملكه مشروطاً بتلف العين».
ونوقش فيه بأنّ صيرورة بدل الحيلولة ملكاً لمالك العين يؤدّي إلى الجمع بين العوض والمعوّض في ملك المضمون له.
قال: «اعلم أنّ هنا إشكالًا، فإنّه كيف تجب القيمة ويملكها بالأخذ ويبقى العبد على ملكه؟! وجعلها في مقابلة الحيلولة لا يكاد يتّضح معناه».
قال: إنّ هذا «لا يخلو من إشكال من حيث
اجتماع العوض والمعوّض على ملك المالك من غير دليل واضح، ولو قيل بحصول الملك لكلّ منهما متزلزلًا أو توقّف ملك المالك للبدل على اليأس من العين وإن جاز له التصرّف فيه، كان وجهاً في المسألة».
واستحسنه
المحقّق السبزواري .
ومن هنا يمكن عدّ الأقوال في المسألة أربعة، ومنها هذا القول، أي القول بالملك
المتزلزل . واجيب عن هذه
المناقشة بأنّ وجوب البدل ليس إلّامن باب الغرامة لا المعاوضة، فإذا كان كلّ واحد من البدل والعين المتعذّر ردّها ملكاً للمالك فلا محذور فيه؛ لأنّ اجتماعهما كاجتماع
الأرش والعين المعيبة. وعليه فلم يجتمع عند المالك العوض والمعوّض؛ لأنّ الغرامة لو كانت مباحة له كانت بدلًا عن السلطنة الفائتة، ولو كانت ملكاً له فهي بدل عن مالية ماله التي فاتت منه زمان التعذّر.
احتمله الشهيد الثاني و
الشيخ الأنصاري كما عرفت من عبارتيهما المتقدّمتين آنفاً، ونسب إلى
المحقّق القمّي في أجوبة مسائله
الجزم به، إلّاأنّ الموجود في
جامع الشتات وفي مقام
التفصّي عن إشكال الجمع بين العوض والمعوّض في ملك
المضمون له، أنّه: «لا مانع من أن يكون ذلك نوعاً من التملّك، وحاصله: أنّ للمالك التصرّف في البدل حتى
بالإتلاف والبيع وغير ذلك، وذلك مراع إلى حين ظهور العين المغصوبة، فإن ظهر العين والبدل باقٍ، فللغاصب
استرداد ماله إذا كان باقياً، بخلاف ما لو أتلفه».
واستدلّ لذلك بأنّ الدليل الدالّ على وجوب دفع البدل إنّما هو أدلّة الضمانات لا دليل السلطنة، ومؤدّاها وجوب دفع ما يساوي العين مثلًا كان أو قيمة تداركاً لما ازيل عنه يد المالك من السلطنة و
الانتفاعات عند تعذّرها لا أنّها عوض عن نفس العين، بل هو تدارك لها من حيث الانتفاعات، ومعلوم أنّ ذلك لا يقتضي مملوكية الغرامة للمالك؛ إذ
الفائت ليس إلّا السلطنة، وأمّا نفس العين فهي باقية على ملك مالكها، فمقتضى القاعدة بقاء نفس الغرامة على ملك الضامن، من دون أن يتوقّف التصرّف على المملوكية، فإنّه حينئذٍ يقتضي مملوكية الغرامة للمالك مقدّمة لصحّة التصرّف حين إرادة
التصرّف آناً مّا؛ إذ الضرورة تقدّر بقدرها.
قال
المحقّق النائيني - بعدما قوّى القول بكون الغرامة ملكاً للمالك؛ لأنّه لو ثبت للمالك حقّ في أخذه
البدل فهو ملك له، ولو لم يثبت فلا يباح له-: «ولكنّ
الصواب أن يقال: لو كان البدل بدلًا عن المالية بأن استفدنا وجوبه عن عموم (
على اليد ) فهو ملك للمالك، ولو كان بدلًا عن السلطنة الفائتة فمقتضاه كونه مباحاً له كالإباحة في المعاطاة؛ لأنّ ما فات عن المالك هو
آثار الملك، وهي التصرّف و
التقلّب فيه كيف شاء».
وقال
السيّد الخوئي : والتحقيق أنّ مدركه إن كان قاعدة نفي الضرر، فإنّها تقتضي كون البدل مباحاً للمالك، لا ملكاً له؛ لأنّ دليل نفي الضرر يقتضي
التشريع بالمقدار الذي يرتفع به ضرر المالك، وهذا يرتفع بإباحة التصرّف في بدل الحيلولة، ودخول البدل في ملك المالك ليس بدخيل في
ارتفاع تضرّره. ولو كان مدركه دليل السلطنة فيجب على
الغاصب تدارك فوات السلطنة ويتدارك هذه بإباحة التصرّف في البدل. نعم، مقتضى ذلك هو
الالتزام بالملكية الآنية قبل التصرّف المتوقّف على الملك. وإن كان المدرك قاعدة ضمان اليد فإنّها تقتضي وجوب ردّ العين إلى مالكها، ومع تلفها يلزم على الآخذ ردّ بدلها من المثل أو القيمة، ومقتضى البدلية هو كون البدل ملكاً لمالك المبدل، وكذا في قاعدة
الإتلاف مقتضاه صيرورة البدل ملكاً للمالك، بديهة أنّ الضمان لا يرتفع إلّابذلك.ولو كان المدرك هو
الإجماع فلا شبهة أنّ المتيقّن منه إنّما هو قيام البدل مقام
المبدل في خصوص تصرّفات المالكية لا في الملكية».
وأمّا
الثمرة التي تترتّب على القول بملكية البدل للمالك والقول بإباحته فهي: أنّه على القول بالملكية يكون البدل
ديناً على الضامن، فينفذ
إبراؤه ، ويصحّ بيعه و
إصداقه و
الضمان عنه و
الحوالة عليه، وحصول
التهاتر به، والوصيّة به، ووجوب قبوله على المالك إذا دفعه إليه الضامن، بخلافه على القول بالإباحة؛ لأنّه حينئذٍ تكليفي صرف، ولا تشتغل ذمّته بشيء حتى يترتّب عليه آثار الملكية.
ثمّ إنّه وقع البحث في أنّ العين التي يجب على الضامن غرامتها هل تصير ملكاً للضامن مطلقاً، أو تبقى على ملك المالك مطلقاً، أو يفصّل بين الغرامات؟ فيه وجوه، بل أقوال:
أنّ الضامن يملك العين التي أدّى عوضها مطلقاً؛
لأنّ أهل العرف يفهمون من
الأمر بدفع البدل حصول
المعاوضة و
المبادلة بين العينين، وصيرورة كلّ منهما ملكاً للآخر وبدلًا عنه. مع أنّ مقتضى عنوان
التدارك والغرامة ذلك؛ إذ مع فرض عدم التلف وبقاء مقدار من المالية للمتعذّر لو
حكم الشارع بتدارك ماليّته بتمامه بعنوان تدارك ما في العهدة، وبعنوان أنّه أداء للمتعذّر، لا مناص من الالتزام بخروجه عن ملكه، وحيث إنّ كون المتعذّر من المباحات
الأصلية لم يقل به أحد، فلابدّ من البناء على صيرورته ملكاً للضامن.
عدم ملكيّته للعين مطلقاً؛
لأنّ المأخوذ بعنوان البدلية ليس عوضاً حقيقياً حتى تستحيل البدلية إلّا بدخول العين المتعذّرة في ملك الضامن، بل هو غرامة خالصة نظير
دية المقتول . ومن البيّن أنّ عنوان الغرامة لا يستلزم خروج البدل من ملك الضامن ولا دخول العين المتعذّرة في ملكه لكي يكون ذلك معاوضة قهرية شرعية.
التفصيل بين ما إذا كان الفائت
معظم الانتفاعات وما إذا لم يفت إلّا بعض ما ليس به قوام الملكية،
وأنّ بقاء العين على ملك مالكها ودفع البدل بعنوان الغرامة عمّا فات من سلطنة المالك ينحصر بما إذا كان الفائت على المالك معظم الانتفاعات حتى يوصف المدفوع بكونه غرامة، وأمّا إذا ثبت البدل مع بقاء سلطنة المالك على معظم الانتفاعات- كما في
تغريم الواطي
الحيوان الذي يركب بقيمته- فلا يبعد أن يستكشف عن
إيجاب دفع البدل دخول المبدل في ملك
الغارم بالدفع، حيث إنّه وإن وجب نفي الحيوان عن ذلك البلد وبيعه في بلد آخر، إلّاأنّ هذا لا يوجب سقوط الحيوان عن المالية، وإذا
حكم الشارع بدفع تمام قيمته إلى مالكه يستفاد أنّ دفعها مبادلة شرعية بينها وبين الحيوان.
وهذا بخلاف ما إذا خرج الشيء عن المالية، فإنّ خروجه عنها موجب لفوت سلطنة المالك على معظم انتفاعه، فلا يكون دفع البدل إليه موجباً لخروج المبدل عن ملكه؛ لأنّ البدل غرامة لتلك السلطنة الفائتة وللخروج عن المالية.
وأمّا لو خرج عن
التقويم مع بقائها على
صفة الملكية، فمقتضى قاعدة الضمان وجوب كمال القيمة، مع بقاء العين على ملك المالك؛ لأنّ القيمة عوض الأوصاف والأجزاء التي خرجت العين لفواتها عن التقويم، لا عوض العين نفسها، كما في
الرطوبة الباقية بعد
الوضوء بالماء المغصوب، فيقوى عدم جواز
المسح بها إلّا
بإذن المالك ولو بذل القيمة.
واجيب عنه بأنّه مع
الخروج عن التقويم لا معنى لبقائها على صفة الملكية، فإنّ الرطوبة الباقية نظير
القصعة المكسورة، فإنّه لا يقال: إنّ أجزاءها باقية على ملكية مالكها مع عدم فائدة فيها إلّانادراً. ولو قيل ببقاء حقّ
الاختصاص له فإنّه يقال بأنّ
أولويته كان من جهة الملكية، لا أولوية اخرى حتى يبقى بعد زوالها. وإن اريد من ذلك بقاؤها على المالية مع عدم
إمكان ردّها إلى المالك، فنقول: إنّ مقتضى القاعدة في بعض الفروض
الشركة ، كما في مثال
الخيط ، بمعنى أنّ الثوب
المخيط مشترك بين الغاصب والمالك، وفي بعض الفروض لا نسلّم بقاء المالية. ثمّ لا يخفى أنّ مع الخروج عن التقويم لا دخل له بمسألة الحيلولة، بل هو من
التلف الحقيقي.
ما اختاره السيّد الخوئي من «أنّ كون العين المتعذّرة ملكاً للضامن متفرّع على كون
البدل ملكاً للمالك، فإنّه بناءً على صيرورة البدل ملكاً للمضمون له... صار المبدل ملكاً للضامن بالمعاوضة القهرية الشرعية؛ إذ لولا ذلك لزم
اجتماع العوض والمعوّض في ملك مالك العين».
ثمّ إنّه تترتّب على القول بخروج المبدل عن ملك المالك وعدمه امور:
أنّه إذا توضّأ أحد
غفلة بماء مغصوب أو مقبوض بالعقد الفاسد، والتفت بعد الغسلات وقبل المسحات إلى
الغصبية ، فإنّه بناء على
دخول الماء في ملك الضامن بعد
أداء بدله يصحّ المسح بما بقي من رطوبة يده ويصحّ وضوؤه، وبناءً على القول ببقائه على ملك المالك لا يصحّ، بل عليه
الاستئناف . هذا على تقدير أنّ الرطوبة الباقية باقية على ملكه، أمّا لو فرض أنّ الماء يعدّ من التالف عرفاً جاز
المسح بالرطوبة الباقية على كلّ حال.
إلّاأنّه مشكل جدّاً؛ لأنّها كيف تكون كالتالف مع أنّ المسح المتمّم للوضوء يتحقّق بها، ويترتّب عليها؟ فتكون هذه الرطوبة ملكاً ومالًا؛ ولذا لو قال له
الغاصب : إن أعطيتني مقداراً معيّناً من المال فأنا راضٍ بالتصرّف الوضوئي، فأعطاه ورضي، صحّ وضوؤه.
أنّه إذا غصب أحد
خمراً محترمة لغيره، أو غصب دابّة، وماتت
الدابّة وانقلب الخمر خلّاً، فإنّه على القول بوقوع المعاوضة القهرية بين البدل والمبدل كان
الخلّ و
ميتة الدابّة للضامن بعد أداء البدل، وإلّا فهما للمضمون له.
أنّه إذا خاط أحد ثوبه بخيوط مغصوبة، فإنّه على القول بدخول الخيوط في ملك الغاصب بعد أداء البدل جازت له
الصلاة في ذلك
الثوب ، وإلّا فلا. إلّاأن يقال: إنّ تلك الخيوط بمنزلة التالف؛ إذ لا يمكن ردّها غالباً إلى مالكها إلّا بعد سقوطها عن الماليّة بسبب
النزع ، فتتعيّن القيمة، وحينئذٍ فتجوز الصلاة في هذا الثوب المخيط؛ إذ لا غصب فيه حتى يجب ردّه.
لو غصب أحد دهناً وخلطه بطعامه، فعلى
القول بدخول المبدل في ملك الغاصب بعد ردّ بدله جاز له التصرّف في ذلك
الطعام ، وإلّا فلا يجوز له التصرّف فيه، إلى غير ذلك من الفروع.
لو تمكّن الغاصب من العين المغصوبة بعد أداء بدلها لمالكها، ففي جواز رجوع المالك إلى العين ووجوب دفعها له وعدمه أقوال:
وعن بعضهم نفي الخلاف في ذلك؛
لعموم (على اليد)، ودفع البدل لأجل الحيلولة إنّما أفاد خروج الغاصب عن الضمان، بمعنى أنّه لو تلف لم يكن عليه قيمته بعد ذلك.
وذكر المحقّق النائيني أنّ وجوب الردّ حينئذٍ فوريّ، وأنّه يجب حتى بناءً على القول بالمعاوضة القهرية؛ لأنّ
حكم الشارع بالمعاوضة مترتّب على عنوان التعذّر ويدور مداره، ولا يمكن
قياس المقام على المثلي المتعذّر مثله بعد أداء قيمته، حيث لا يجب فيه
ردّ المثل بعد التمكّن، فإنّهما وإن اشتركا في أنّ الخصوصية العينية أو المثلية غير قابلة
للإسقاط بنفسها، إلّاأنّهما
مفترقان في أنّ المثلية
أثر كلّي تدخل في الذمّة، فتسقط بكلّ ما أدّاه الضامن مصداقاً لما في ذمّته بدلًا عن الكلّي. وهذا بخلاف العين الشخصية فإنّها إذا اسقط أداؤها بالتعذّر وطالب المالك ماليّتها، فوقوع كلّ ما يؤدّيه الضامن بدلًا عن العين يحتاج إلى معاوضة
مالكية أو شرعية أبدية، لا دائرة
مدار التعذّر؛ لأنّ العين لا تدخل في
الذمّة حتى تبرأ ذمّة الضامن منها بأداء بدلها، فإذا ارتفع التعذّر يجب ردّ
العين .
ونوقش فيه بأنّ الغاصب قد خرج عمّا كان عليه من
عهدة العين بدفع البدل، وفرغت ذمّته عمّا كانت
مشتغلة به، وبعد ذلك أيّ دليل دلّ على وجوب ردّه للعين مهما أمكن؟ وهل أنّ دليل على اليد يقتضي أمرين: وجوب أداء القيمة عند تعذّر ردّ العين بتلف أو
حيلولة ، ووجوب أداء العين مهما أمكن؟ أو ليست قضيّتها إلّا واحدة، وهو
اشتغال الذمّة بالبدل متى ما تعذّر
الأصل ، فإذا أدّى البدل فقد خرج عن كونه غاصباً، و
المفروض في المقام سقوط
الخطابين جميعاً؛ أمّا
التكليف بأداء العين فبالتعذّر، وأمّا
الضمان فقد أدّاه فلم يبق شيء ممّا عليه.
وقد يقال: إنّه تخلّص من العين من جميع الجهات إلّامن
حيثية جواز مطالبتها، والتعذّر كان مانعاً من المطالبة، ومع ارتفاعه يعود الجواز، إلّاأنّه غير تام؛ إذ
بإعطاء البدل عن العين لا وجه لبقاء جواز المطالبة. وقد يتمسّك بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «
الناس مسلّطون على أموالهم»،
إلّاأنّه غير تام أيضاً؛ لأنّ المفروض أنّه قد
عمل بمقتضاه من
الحكم بأخذ البدل، فلابدّ من
التخلّص بعد ذلك، ولا يبقى محلّ للتمسّك به ثانياً.
فتبيّن أنّه لا وجه لهذه المسألة إلّاعلى القول بكون البدلية ما دامية؛ بمعنى أنّ
المستفاد من الأدلّة ذلك، وحينئذٍ فبعد
ارتفاع التعذّر يجوز لكلّ منهما الاسترداد، وليس الغرض أنّ الأدلّة ناطقة بذلك؛ وإنّما
العرف يحكم بوجوب دفع البدل ما دام التعذّر.
وهذا
مختار السيّد الخوئي، حيث ذهب إلى أنّ مقتضى قاعدتي (من أتلف) و (ضمان اليد) صيرورة المبدل ملكاً للضامن بالمعاوضة القهرية، وعليه إذا كانت هذه الملكية لازمة فلا يجوز
الرجوع ، وإن كانت جائزة فإنّه وإن كان لا بأس به إلّاأنّ مقتضى القاعدة المستفادة من قوله تعالى: «وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ
بِالْبَاطِلِ » هو اللزوم وعدم إمكان
الاسترجاع فيما نحن فيه.
نعم، إذا لم نقل بصيرورة العين ملكاً للضامن لا بالمعاوضة القهرية الشرعية، ولا بمعاوضة غير قهرية، جاز للمغصوب منه أن يرجع إلى العين المغصوبة بعد خروجها عن التعذّر.
لو تجدّد للضامن التمكّن من ردّ العين فهل يرجع بدل الحيلولة بمجرّد ذلك إلى ملكه، فيكون ضامناً للعين بضمان جديد، بحيث لو تلفت يثبت بذمّته بدل التلف، أو يبقى في ملك المالك إلى حين وصول العين بيده، بحيث لو تلفت العين قبل وصولها بيده لا يكون ضمان آخر على الضامن، بل يملك المالك بدل الحيلولة منجّزاً بعدما كان مالكاً له متزلزلًا؟
ذهب
الشيخ الأنصاري إلى أنّ
الأظهر الثاني؛ لأنّ مقتضى
الاستصحاب بقاء بدل الحيلولة على حاله وعدم حدوث ضمان جديد بتجدّد تمكّن الضامن،
ولأنّ التعذّر وإن أوجب
استحقاق البدل إلّاأنّه علّة للوجوب، لا أنّه موضوع له حتى يبطل البدلية بمجرّد التمكّن؛ وذلك لأنّ
التمكّن لا يخرج العين عمّا هي عليه من
انقطاع سلطنة المالك عنها وعدم كونها تحت يده، فما لم يرجع العين لا تدخل تحت سلطنته ويده ولا تعدّ مالًا من أمواله، فالموضوع هو خروج العين عن تحت السلطنة لا التعذّر.
وتمكّن الضامن على ردّ العين على مالكها لا يوجب عود سلطنة المالك على العين، ولذا لو امتنع الضامن عن ردّ العين لا يتمكّن مالكها على بيعها أو
إجارتها من شخص آخر، وإنّما يعود سلطنة المالك بعود العين ووصولها بيده، فلا يلزم من ملكه للبدل والعين الجمع بين العوض والمعوّض.
نعم، لو كان ملكه بدل الحيلولة عوضاً عن تمكّن الضامن على ردّ العين على صاحبها لزم
الجمع بينهما، ولكن من الظاهر أنّ تمكّن الضامن على ردّ العين
أجنبي عن المالك فلا يأخذ عنه بدلًا أصلًا.
لكن لوحظ عليه أنّ الالتزام بصيرورة الغرامة بدلًا عن نفس العين لا يتّفق مع الالتزام بجواز مطالبة المالك العين من
الغاصب بعد التمكّن منها، فإنّ ذلك التزام
بالمتناقضين .
فلابدّ من
التفصيل ، بين ما إذا كان دليل بدل الحيلولة يقتضي تحقّق
المعاوضة بينه وبين العين- كدليل ضمان اليد- فلا
شبهة عندئذ في انقطاع حقّ المالك عن العين انقطاعاً دائمياً، ولا يجوز له أن يطالبها من الضامن في أيّ وقت من الأوقات. وبين ما إذا كان يقتضي وقوع البدل بإزاء السلطنة دون العين وجب على الغاصب ردّ العين على مالكها بمجرّد تمكّنه منها، وجاز للمالك أن يطالبه بنفس العين؛ لعدم تحقّق المعاوضة بينها وبين البدل لكي يمنع ذلك عن وجوب ردّ العين على مالكها.
ولكنّه مع ذلك لا يجوز للمالك أن يتصرّف في البدل في فرض جواز مطالبته بنفس العين؛ لأنّا لو سلّمنا كون البدل بدلًا عن السلطنة الفائتة، إلّاأنّه بدل عنها حال التعذّر من مطالبة العين لا مطلقاً، فإذا ارتفع التعذّر زالت البدلية، ومن ثمّ إذا حصل التعذّر ثمّ ارتفع قبل أداء البدل، لم يكن للمالك مطالبة البدل بلا
إشكال .
اختلف الفقهاء في أنّه هل يحقّ للضامن
الامتناع عن ردّ العين وحبسها على المالك إلى حين
أخذ البدل- والكلام نفسه في حبس المالك البدل- على قولين:
أنه لا يحق للضامن حبس العين؛
لأنّه وإن ثبت في المعاوضات-
كالبيع ونحوه- جواز امتناع كلّ من المتعاملين عن
إعطاء ما عنده قبل قبض ما عند الآخر، لكنّه لا يمكن
إجراء ذلك في المقام؛ لأنّ ذلك
الحكم ثبت في باب المعاوضات من جهة
اشتمال عقد المعاوضة- مثل البيع- على
اشتراط التسليم و
التسلّم شرطاً ضمنياً، وبذلك يصير كلّ واحد منهما
ملزماً بالقبض بالآخر، ويصير كلّ من
الثمن والمثمن منشأ للخيار، وليس منشأ
الخيار إلّا تخلّف ذاك الشرط الضمني.
أوّلًا: لأنّ بدل الحيلولة غرامة لا أنّه عوض عن المبدل، وليس في البين معاوضة حتى تتضمّن هذا
الشرط .
وثانياً: على تقدير كون باب البدل باب المعاوضة إلّاأنّه لا يوجد ذلك الشرط الضمنيفي المقام، بل هو معاوضة قهرية من الشارع بين المالين، لا مالكية من قبل المالكين حتى يقال بكون فعلهما متضمّناً للشرط، مع أنّ
الكلام إنّما هو في مقام رجوع البدل إلى الضامن الذي يثبت بتمكّنه من ردّ المبدل.
ونوقش فيه بأنّ لزوم التسليم والتسلّم في المعاوضات و
فسخها هو من
الأحكام العقلائية، وليس شرط ضمني من المتعاملين في المعاملات ولا
إجماع تعبّدي في مورد فسخها، كما أنّ الأمر كذلك في باب الغرامات، فإنّ الغرامة بدل للعين أو لماليّتها أو لسلطنتها، ومقتضى البدليّة عرفاً جواز المبدل ومطالبة البدل، ومع هذا
الحكم العقلائي لا يفهم من دليل لزوم ردّ المال إلى صاحبه لزومه مطلقاً، سواءً أدّى بدله أم لا، فدليل إيجابه
منصرف عنه».
يجوز للضامن
حبس العين؛
لأنّ البدل لا يخلو إمّا أنّه بدل عن
أصل المال، وإمّا بدل عن السلطنة. ومقتضى
المبادلة والمعاوضة هو أنّ لكلّ من الطرفين حبس ما عنده حتى يستردّ بدله وعوضه، سواء كان البدل بدلًا عن أصل المال أو عن السلطنة، وبالنسبة إلى المالك فإنّ البدل المدفوع إليه بدل عن سلطنته الفائتة حيث سلّطه الضامن على ماله بإزائها، وبعد رفع التعذّر ومطالبة المالك للضامن حبس العين والامتناع من ردّها إلى حين استرجاع البدل.
ثمّ إنّ هنا فروعاً اخر: كبحث تلف العين فيما لو حبسها، أو
حكم ارتفاع
القيمة ونزولها قبل الدفع وبعد الدفع وحقّ
الأولوية في العين، أو تعذّر ردّ العين لأدائه إلى تلف العين أو مال محترم، أو تعذّر ردّها بسبب
الخلط أو
المزج وغير ذلك، تفصّل في محلّها.
الموسوعة الفقهية، ج۲۰، ص۱۵۷-۱۶۹.