الموسوعة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هي مؤلف يحوي معلومات عامة حول
موضوعات المعرفة الإنسانية أو متخصصة في موضوع معين، ويغلب على معلوماتها
الاختصار، وتعتمد الموسوعات الجيدة على عدد من الكاتبين كل يكتب في مجال تخصصه. تتخصص بعض الموسوعات في نواحي مختلفة من المعرفة مثل الموسوعة
الجغرافية أو موسوعة تأريخ
مصر القديم وموسوعات
فلكية وغيرهم.
تطلق دائرة المعارف أو الموسوعة على البحوث المستفيضة الواسعة التي تجمع بين دفتيها من الحقائق والمعارف جميع ما يدخل في دائرة
العلم الإنساني مما يحتاجه
البشر في
حياته أو تشتمل على فرع من فروع المعرفة البشرية بطريقة خاصة.
ويقابل هذا
الاصطلاح كلمة: الإنْسيكْلوپِدْيا «Encyclopdia»، وهو تعبير
يوناني قديم يطلق على سبعة موضوعات تعتبر اسّ العلوم آنذاك، وهي: «
الصرف والنحو»
والمنطق والبلاغةوالحساب والهندسة والموسيقى والهيئة.
وقد اطلقت الإنْسيكْلوپِدْيا فيما بعد على
القاموس العام للعلوم
والفنون والحرف.
وتختلف دوائر المعارف عن القواميس، حيث إنّ الثانية تقدّم تعريفاً لغوياً مختصراً عن
الكلمة أو
المادة التي يراد تعريفها، فيما تتوسع دوائر المعارف لبيان معناها الاصطلاحي في هذا العلم أو ذاك مع التعرّض
لتأريخ الفكرة وأقسامها وجميع ما يتصل بالفكرة من بحوث ومطالب.
ثمّ إنّ الترتيب الذي تنتظم على
أساسه بحوث
دائرة المعارف أمّا هو الموضوع بحيث يكون هو المحور، وأمّا هو
الترتيب الألفبائي بحيث يكون
تهجي حروف الكلمة هو الاساس.
ويطلق على الأولى دوائر المعارف الموضوعية ويطلق على الثانية دوائر المعارف القاموسية أو الألفبائية.
وهذه الطريقة هي المتبعة والمصطلحة اليوم في تدوين موسوعات العلوم التخصّصية أو
الثقافة العامة.
والذي يبدو أنّ أول ظهور هذا النمط كان في العالم الغربي، وإن كان ترتيب
المعاجم و
القواميس اللغوية أو
الرجالية وغيرهما قد عرفه
علماء المسلمين منذ أمد بعيد، إلّا أنّ هذا الترتيب الحديث في تدوين العلوم والمعارف من ابتكار الغربيين.
قال في
الذريعة: «إنّ تأليف الموسوعات في
الإسلام كثيرة وقديمة، ولا يمكن جمعها في عدّة صفحات، ثمّ قال: وأمّا تأليف دائرة معارف عامّة بما لها من المعنى اليوم فلم تبرز إلى الوجود في الممالك الإسلامية-
إيران ومصر وتركيا وغيرها- إلّا في أواخر القرن الثالث عشر وأوائل القرن الرابع عشر».
لا ريب أنّ
غريزة حب الاطلاع والكشف عن
المجهولات تعتبر إحدى أهم الغرائز التي رُكّبت في الوجود البشري لتجسّد البعد
الروحي في شخصيّته، شأن الغرائز الروحية الاخرى كغريزة حب
الخير والكمال وحب
الجمال و
الفن، وغريزة التدين، وغيرها من الميول التي تجنح
بالإنسان إلى إرواء تلك
الرغبات، تماماً كما تدعوه غرائزه المادية الى إشباع حاجاته الجسدية.
ومن الواضح أنّ البشر يتفاوتون- كمّاً ونوعاً- في التأثّر بهذه الغريزة والانبعاث لندائها، فمنهم من يستجيب لها قليلًا ومنهم من يستجيب لها كثيراً، ومنهم من يلبي
دعوتها في واحد من المجالات فيُحرم من المجالات الاخرى.. ومنهم من يشارك في أكثر من باب من أبواب العلم والمعرفة كما كان عليه الطراز الأوّل من علمائنا ممن يُسمّون بالموسوعيين.. فكلّ إذن يحمل من
بحر العلم بقدر عزمه ونشاطه.
إنّ الحقيقة التي تأخذ
بناصية الجميع وتفرض نفسها واقعاً ماثلًا لا يمكن المحيد عنه هي أنّ رقعة العلوم والفنون والمعارف قد أخذت بالتشعّب و
الاتساع والتخصص، ولا تزال كذلك مطردة في هذا الاتجاه يوماً بعد آخر،
فالفلسفة التي كانت في يوم من أيّام
التأريخ تعني شطراً عظيماً من العلم- لما تحويه من علوم كان الإنسان القديم محيطاً بها أو بأكثرها- تفرّق جمعها وتشعّبت حتى صار كل فرع من فروعها تتكفّل بدراسته جامعة من جامعات العالم اليوم.
أضف إلى ذلك اتساع الثقافات والحضارات والاتصالات بين
الشعوب والامم، مما جعل العالم المعاصر يرتبط أقصاه بأدناه، وصارت ثقافة الأمّة- أيّة أمّة- ملكاً طلقاً وحقّاً عامّاً للجميع عبر مختلف وسائل النقل والاتّصال، الأمر الذي يدعو الإنسان المعاصر-
فضلًا عن العالِم المعاصر- إلى مواكبة الحركة العلمية والفكرية والثقافية وتطورها من حوله، ليعرف حضارات الشعوب وثقافاتها المتباينة.
وعنصر آخر يفرض نفسه ويُلقي بشبحه المخيف بشكل دائم هو محدودية
العمر البشري، فإنّ هذه الذخيرة لا بد أن تقف يوماً عند نقطة الانتهاء.
وهذا ما يشير إليه قول
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «خذوا من كل علم أرواحه، ودعوا ظروفه، فإنّ العلم كثير و
العمر قصير».
وقيل أيضاً: «لو اوتي الإنسان عمر
نوح،
وأموال قارون على أن يجمع العلم لما استطاع».
وعليه، فإذا أراد الإنسان أن يوازن بين هذه القضايا المتفرقة (اي: غريزة حب الاطلاع، تشعّب العلوم وتضخمها، اتساع الثقافات وتوارد الحضارات، محدودية العمر البشري والإمكانات)، فلا بد إذن من صياغة أو طريقة توفّق بين جميع تلك القضايا.
وتعتبر دوائر المعارف المعاصرة هي الصياغة المثلى التي تتكفّل
بالإجابة على ما تقدم، فهي خير دليل للوصول بالباحث أو
القارئ المثقّف الى ما يريده من معلومات في مختلف أبواب الثقافة والعلم بطريقة يسيرة، وحسبه في ذلك
القيام بحركة بسيطة لتناول الكتاب ثمّ العثور على مطلوبه.
وقد أطلق على هذا النمط من التدوين اسم «
دائرة المعارف» أو «الموسوعة»، وبهذا تكون دوائر المعارف قد أسدت خدمة علمية جسيمة، وقدّمت متاعاً فكرياً ضخماً لروّاد العلم و
المعرفة، ذلّلت به صعباً، وقرّبت به قاصياً، واختزلت به جهداً.
وبالطبع فإنّ وجود هذا الطرز من
المصادر لا يلغي دور وأهميّة المصادر الام في كل علم من العلوم.
وبكلمة أكثر وضوحاً إنّها لا تُلغي دور البحث
والتحقيق، بحيث تعزل الباحث المحقق عن المصادر الأصلية، وتفقده روح التتبع والتنقيب والمثابرة وتدعوه
للاكتفاء بما هو موجود في دوائر المعارف بقدر ما تكون بحوثها بمنزلة المدخل للباحث المتعمّق تفيده في إعطاء تصور عام عن البحث، مضافاً لدلالتها على مصادره التي تدرج عادة في ذيل كل مقالة منها.
وقد تميزت منهجية دوائر المعارف والموسوعات- باصطلاحها الجديد- في تنظيم وتأليف بحوثها بجملة من الخصائص نشير إلى أهمها بشكل إجمالي:
التقيّد بصياغات حديثة لا تعلو على
أفهام المبتدءين ولا تنبو عنها
أذواق المتخصصين، بل تعين
المثقف على نيل ما يريد بأقصر وقت ممكن، فلا يحول بينه وبين مقصوده التواء التعبير أو ضمير يبحث عن مرجعه أو عبارة معترضة لا يعرف حدّها أو مصطلح يستعصي عليه فهمه.
ونقطة مهمّة أيضاً تلاحظ في
الصياغة، هي أن تكون المطالب بأخصر التعابير وأقصرها تجنّباً لحشو
الكلام وزيادته.
وجود ضابطة علمية تتحكم بمنهج البحث وضبط مادته، فكل فقرة أو فكرة تذكر في محلها المناسب الذي يُترقب وجودها فيه.
والأصل الأساسي في هذه
الضابطة في العمل الموسوعي يقوم على أساس «تجميع المتفرقات، وتفريق المجتمعات» وتطبيق هذا الأصل بحاجة الى ذوق رفيع ومهارة عالية في
الموازنة بين البحوث من أجل توزيعها أو تجميعها. وبعد ذاك فلا مجال لمنطق الصدفة في طرح البحوث، أو الجري على قاعدة أنّ الكلام يجر الكلام، أو اقتفاء أثر
الأعلام، أو تتميماً للفائدة أو بحث استطرادي أو غير ذلك مما درج عليه المنهج
التقليدي.
وضع البحوث- تقدماً وتأخّراً- يخضع للترتيب الألفبائي (اي:
القاموسي). فالمحور هو مادة
الكلمة لا
الموضوع، كما عليه الموسوعات الموضوعية والمناهج المدرسية الأخرى.
والخاصة في هذا الاسلوب
الدلالة على المعلومات بشكل يتيسر على الباحث
الظفر بمراده وإن لم يكن من أهل ذلك العلم أو يعوزه الإلمام بمواطن البحث فيه.
ولا يخفى ما توفره هذه الخصائص بمجموعها- سيّما الأولتين- على الباحث من وقت وجهد مما يُسهم في رفد حركة العلم وتنميتها وفي تطوير
القابليات التي قد يذهب شطر كبير منها في المناهج التقليدية لتأول العبارات و
تفسيرها أو لحشد متفرقات البحث وجمعها، الأمر الذي قد يتكرر بشكل غير مدوّن ولا منضبط مرّات عديدة بحسب عدد الباحثين.
يتّسم المنهج الموسوعي بالحيادية التامّة إزاء الاتّجاهات و
الآراء المعروضة والتي
تتجاذب الفكرة الواحدة. وعلى هذا، فلا تسوغ الموازنة
والترجيح بين الآراء ولا
المحاكمة بين الأدلّة، إلّا في حدود ما هو واقع بين الاتجاهات وأصبح جزءاً من المادة العلمية.
إنّ المنهج الموسوعي في اصطلاحه الجديد يعتمد العرض الوصفي لبحوثه: بمعنى أنّه يعرض- عبر صياغات خاصة- الناجز والمتحقق بالفعل من أبواب
المعرفة البشرية، من دون مساس بالمضمون أو
تصرف فيه، ومن ثمّ فهو لا يقدم جديداً من حيث المادة، فدوره دور
الإخبار عن المعاني، لا
إنشاء المعاني.
وهذا هو الفارق الأساس بين الموسوعية
الحديثة من جهة وبين الموسوعية بمعناها القديم، فالمؤلّف في الأولى لا يقدّم جديداً في المعرفة كما قلنا، بل يقوم بدور
المهندس الذي يُتقن وضع بناء المعرفة البشرية على
أفضل هيئة وأحسن نظام بحسب ما تقتضيه أساليب البحث العلمي الجديد. فمهمته الإخبار عن المادة العلمية الموجودة في بطون الكتب من خلال ترتيبها وعرضها في شكل زاهٍ جديد من دون تصرف أو
اجتهاد يُبديه، ولذا لا مجال لظهور شخصية الكاتب العلمية على صفحة البحث إلّا بمقدار
الهندسة والمنهجة لأبحاث الموسوعة، وبالطبع فإنّ هذا فنّ في نفسه يحتاج الى تقنية عالية و
إشراف كامل على المعلومة.
وأمّا المؤلّف في الثانية، فالفكرة تتدفّق منه
صورة و
مادة، اسلوباً ومضموناً بما يمكّنه من ظهور آرائه و
اجتهاداته على طاولة البحث، فدوره دور المؤسس والمهندس معاً.
تمتاز بحوث دائرة المعارف بتوثيق المعلومات الواردة فيها وتذييل مقالاتها بذكر المصادر ليستزيد من يريد التوسّع.
الموسوعة الفقهية ج۱، ص۷۷-۸۱.