آمين
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هي
اسم فعل بمعني استجب و يقع البحث عند الفقهاء في حكم
التأمين في الصلاة وغيرها.
جمهور
أهل اللغة على أنّ آمين في
الدعاء فيه لغتان: أمين بالقصر في لغة
أهل الحجاز على
وزن يمين، وآمين بالمدّ في لغة
بني عامر، وهو الأكثر، بل قال
النووي بأنّه أشهر وأفصح
، على إشباع فتحة
الهمزة، وليست على وزن فاعيل- من دون تشديد، وتشديد الميم خطأ، وهو مبني على الفتح
.
وفي
الموسوعة الفقهية الكويتية: «نقل الفقهاء فيه لغات عديدة نكتفي منها بأربع:
المدّ، و
القصر، والمدّ مع
الإمالة و
التخفيف، والمدّ مع
التشديد، والأخيرتان حكاهما
الواحدي وزيّف الأخيرة منهما، وقال النووي: إنّها منكرة، وحكى
ابن الأنباري القصر مع التشديد، وهي شاذّة»
.
أمّا معناه: فالمعروف أنّه
اسم فعل موضوع
لاستجابة الدعاء
، بمعنى "استجب" أو "كذلك كان أو فليكن" أو "كذلك فافعل" وغير ذلك
، وقال
الزمخشري: إنّه «صوت سمّي به
الفعل الذي هو استجب، كما أنّ رويد وحيهل وهلم أصوات سمّيت بها الأفعال التي هي أمهل وأسرع وأقبل»
، والمروي مرفوعاً عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّ معناه: ربّ افعل
، ويقال: أمّن
الإمام تأميناً؛ إذا قال بعد الفراغ من
امّ الكتاب: آمين
.
لا يوجد لكلمة آمين لدى
الفقهاء معنى غير
المعنى اللغوي.
وإنّما وقع
البحث عندهم في
دلالته على الدعاء وعدمه، حيث جاء في
تعبيرات جملة منهم أنّه اسم للدعاء أو اسم فعل
مدلوله لفظ "استجب" و
الاسم غير
المسمّى، وهذا ظاهره أنّهم جعلوه اسماً وعلماً للفظ لا للمعنى كما بنى عليه الزمخشري، وبناءً عليه لا يدلّ على الدعاء، فإنّ اللفظ ليس دعاء، وفرّع بعضهم على ذلك أنّه يكون حينئذٍ من كلام
الآدميّين ولا يكون دعاءً ولا
ذكراً فالإتيان به في
الصلاة يوجب بطلانها؛ لأنّه لا يصلح شيء من كلام الآدميّين في الصلاة
.
إلّا أنّ هذا
الرأي مردود من قِبل كثير من المحققين: بأنّ أسماء الأفعال ليست أسماءً للألفاظ بل للمعاني، قال
الرضي في شرح
الكافية: «وليس ما قال بعضهم إنّ "صه" مثلًا اسم للفظ "اسكت"- الذي هو الدالّ على معنى الفعل فهو علم للفظ الفعل لا لمعناه- بشيء؛ إذ
العربي القح ربّما يقول: "صه" مع أنّه لا يخطر بباله لفظ "اسكت"، وربّما لم يسمعه أصلًا، ولو قلت: إنّه اسم ل "اصمت"أو "امتنع" أو "كفّ عن
الكلام" أو غير ذلك ممّا يؤدّي هذا المعنى لصحّ، فعلمنا أنّ المقصود منه المعنى لا
اللفظ»
.
وقد أفاد أيضاً بأنّ اختلافهم إنّما يرجع إلى أمرٍ
صناعي، قال: «والذي حملهم على أن قالوا إنّ هذه الكلمات وأمثالها ليست بأفعال مع تأديتها معاني الأفعال أمرٌ لفظي، وهو أنّ صيغها مخالفة لصيغ الأفعال وأنّها لا تتصرّف تصرّفها، ويدخل اللام على بعضها و
التنوين في بعض، وظاهر كون بعضها
ظرفاً وبعضها
جارّاً و
مجروراً»
، وعليه، فلفظ آمين إذا كان اسماً ل "استجب" كان دعاء مثله، ولا يكون ذلك من كلام الآدميين، وسيأتي مزيد توضيح له.
جاء في كلمات جملة من فقهائنا التأكيد على أنّ آمين ليس
قرآناً، ونفي القرآنية عنه ممّا لم يخالف فيه أحد من الخاصّة
أو العامّة
، ولم يكن ثمّة وجه لتوهّم قرآنيّته. والسبب في تعرّضهم لذلك هو نفي وجوه
المشروعية لقول آمين في الصلاة؛ ففي
الحديث الوارد في وصف الصلاة: «إنّما هي
التكبير، و
التسبيح، و
قراءة القرآن»
، ومن ذلك يعرف الوجه أيضاً فيما ورد في عبارات كثير من قدماء
الأصحاب من أنّ آمين ليس قرآناً ولا تسبيحاً ولا ذكراً.
وروي في
دعائم الإسلام عن
جعفر بن محمّدالصادق عليه السلام قال: «إنّما كانت
النصارى تقولها»
، بل حكى في
فيض القدير أنّه كان ذلك
لليهود أيضاً وإن ردّ الأخير
ابن حزم ، فأراد فقهاؤنا نفي هذه التوهّمات، وأنّه ليس قرآناً- كما هو واضح- ولا اسماً لله سبحانه وتعالى ليكون ذكراً أو
مناجاة، ولا تسبيحاً ولا دعاءً خاصّاً
مأثوراً من
الشارع المقدّس، وليس من خواصّ هذه
الامّة دون سائر الامم، وإنّما هو لفظ من الألفاظ اللغوية نظير كلمة" استجب" أو" كذلك فليكن" كما ذكره اللغويّون، وليس له أيّة خصوصية.
•
التأمين عقب الفاتحة ، ذهبت العامّة إلى أنّ التأمين عقب الحمد في الصلاة سنّة ، وذهب بعضهم إلى وجوبه على الإمام في
الصلاة الجهرية [۱۱] . وأمّا فقهاؤنا فقد اتّفقت كلمتهم على عدم كونه سنّة، بل عدم مشروعيّته في الصلاة، حتى أصبح ذلك موقفاً واضحاً للمذهب ، واختلفت كلماتهم بعد ذلك في حرمته و
بطلان الصلاة به.
اختلف في حكم
التأمين في سائر أحوال الصلاة بعد
الفراغ عن حرمته عقب الحمد فيها، فهل يُلحق به في الحرمة والبطلان أم لا؟ والمستظهر من الأصحاب في المسألة أقوال عديدة:
۱-
اختصاص الحكم المذكور بقول آمين عقب الحمد في الصلاة، فلا حرمة ولا بطلان في سائر الأحوال.
۲- تخصيص الحكم بالقراءة في الصلاة سواء كان بعد الحمد أو في أثنائها.
۳- تعميم الحكم المذكور لتمام حالات الصلاة إلّا
القنوت.
۴- تعميم الحكم لتمام حالات الصلاة حتى القنوت.
وقد اختار القول الأوّل جملة من الفقهاء المتأخّرين، وهو ظاهر كلّ من خصّالحكم بقول آمين بأن يكون عقب الحمد ونحو ذلك.
قال
النراقي: «والظاهر اختصاص
التحريم و
الإبطال بكونه بعد قراءة
الفاتحة دون أثناء الصلاة مطلقاً؛ وفاقاً لظاهر
نهاية الشيخ و
الفقيه و
الشرائع و
النافع و
القواعد؛ للأصل واختصاص الروايات»
.
وقال
المحقق النجفي - في التعليق على نسبة الخلاف إلى
ابن الجنيد -: «على أنّه إنّما يتمّ بناءً على تعميم المنع لسائر أحوال الصلاة، لا خصوص الآخر كما هو ظاهر الكتاب ( الشرائع)، بل هو الأقوى، كما ستعرف البحث فيه».
وفي
نجاة العباد : «كما أنّ الأصحّ صحّتها مع قولها في غير المقام المزبور بقصد الدعاء، وإن كان الأحوط خلافه».
وقال
المحقق الهمداني : «فمقتضى ما قوّيناه... اختصاص المنع بمورد دلالة الدليل، وهو في آخر الحمد».
وقال
السيد اليزدي : «العاشر: تعمّد قول (آمين) بعد تمام الفاتحة... ولا بأس به في غير المقام المزبور بقصد الدعاء».
والقول الثاني هو ظاهر الشيخ في
المبسوط حيث عبّر فيه: «سواء كان ذلك في خلال الحمد أو بعده»
.
وفي
الخلاف : «سواء كان ذلك... في آخر الحمد أو قبلها».
وقال العلّامة في
التحرير : «... سواء جهر بها أو أسرّ، في آخر الحمد أو قبلها».
وفي
التذكرة : «فروع: أ- قال الشيخ رحمه الله: (آمين) تبطل الصلاة، سواء وقعت بعد الحمد أو بعد السورة أو في أثنائهما، وهو جيّد؛ للنهي عن قولها
مطلقاً».
ومثله في
نهاية الإحكام .
والقول الثالث اختاره
السيد الشفتي حيث قال: «فالمتحصّل من جميع ما ذكر عدم جواز التأمين في جميع أحوال الصلاة، سوى حال القنوت فالأقوى جوازه حينئذٍ، سواء كانت الصلاة من الفرائض- يوميّة كانت أو غيرها- أو النوافل، لكنّ الأحوط الترك مطلقاً».
وقد حكي عن ابن الجنيد أنّه يستحبّ أن يجهر الإمام بالقنوت ليؤمّن المأمومون على دعائه، ممّا يدلّ على جوازه في القنوت. وإليك عبارته: «ويستحبّ أن يجهر به الإمام- يعني القنوت- في جميع الصلاة ليؤمّن مَن خلفه على دعائه».
واحتمل في الجواهر
إرادة الدعاء
بالإجابة بغير لفظ (آمين).
.
والقول الرابع هو صريح
المحقّق الكركي و
الشهيد الثاني وبعضٍ آخرين.
قال
المحقق الكركي : «فلا فرق في البطلان بين أن يقولها في آخر الحمد أو غير ذلك، كالقنوت وغيره من حالات الصلاة»
.
وقال
الشهيد الثاني في
الروضة البهيّة- في تروك الصلاة-: «والتأمين في جميع أحوال الصلاة»
.
وقال في
مسالك الأفهام : «ولا فرق في البطلان به بين وقوعه آخر الحمد أو غيره من حالات الصلاة كالقنوت»».
وقال في
المقاصد العليّة : «السادس عشر: ترك التأمين، وهو قول آمين في آخر الحمد وغيره حتى في القنوت وإن كان موضع الخلاف في الشرعيّة بين الامّة الأوّل».
وقال في
روض الجنان : «وكذا يحرم قول (آمين) في أثناء الصلاة، سواء في ذلك آخر الحمد وغيرها، حتى القنوت وغيره من مواطن الدعاء».
وربما يظهر ذلك من
الشهيد الأوّل حيث قال: «ويحرم هنا أمران... وثانيهما: قول (آمين)، وهو حرام مبطل على الأصحّ، سرّاً أو جهراً، في الفاتحة وغيرها».
ومنشأ
اختلاف الأقوال في المسألة الاختلاف في مستند الحكم بالتحريم والبطلان، قال
الميرزا القمي : «وهل الحكم في كلّ الصلاة مثل القول بعد الحمد؟ الأقرب
الابتناء في ذلك على كونه من كلام الآدميّين، أو اسم فعل كما قاله بعضهم، أو دعاء وليس باسم فعل كما يظهر من
المحقق الرضي في (صه) وغيره. فعلى الأوّل يتّجه البطلان، والأولى تركه مطلقاً».
والذي يظهر من
السيد الحكيم أنّه إذا اعتمدنا في الحكم على
النصوص الناهية عن التأمين فالصحيح هو القول باختصاص المنع بآخر الحمد، وأمّا إذا كان المعتمد في الحكم بالبطلان أنّه من كلام الآدميّين أو بعض معاقد الإجماعات فلم يفرّق في البطلان به بين آخر الحمد وغيره من سائر أحوال الصلاة
.
وظاهره فرض قولين في المسألة لا أكثر، وهما الأوّل والرابع. وقد عرفت أنّه يمكن أن يستظهر من كلمات الفقهاء أكثر من قولين، كما أنّه يمكن
استناد بعض من قال بالتعميم إلى
إطلاق النهي.
ويمكن أن يكون وجه القول الثاني
استفادة النهي في مطلق القراءة في الصلاة من الروايات دون سائر الحالات.
كما أنّه لو فرض استفادة الإطلاق من النهي فيها أمكن
إخراج حالة القنوت بالخصوص؛ لما ورد في بعض أدعية القنوت التي كان يقنت بها
الأئمّة عليهم السلام وفيها قول (آمين)،
كأمير المؤمنين عليه السلام ،
و
الإمام موسى الكاظم عليه السلام .
وهذا هو مبنى القول الثالث.
والذي عليه فقهاؤنا المعاصرون هو القول الأوّل؛ لاختصاص دليل المنع بالنصوص وبطلان الأدلّة الاخرى، والنصوص لا إطلاق فيها لغير ما عليه العامّة من قول آمين عقب الحمد.
لم يتعرّض لهذه المسألة صريحاً في كلمات فقهائنا عدا بعض المتأخّرين منهم، إلّا أنّ ظاهر عبارات المانعين الإطلاقُ وعدم الفرق في الحكم بين
الفريضة و
النافلة، حيث جعلوا قول آمين من تروك الصلاة أو ممّا يوجب بطلانها، خصوصاً من استدلّ عليه بأنّه من كلام الآدميين وأنّه خارج عن الصلاة ونحو ذلك من العبارات الظاهرة في عدم الفرق بين الفريضة والنافلة.
كما أنّ الروايات الناهية وإن كان جملة منها واردة في صلاة المأموم المختصّة بالفريضة إلّا أنّه قد يدّعى إطلاق بعضها الآخر، كالحديثين الثالث والرابع المتقدّمين.
قال في كتاب الصوم
استطراقاً : «كقول (آمين) في الصلاة النافلة، ولا يلزم من جواز قطع النافلة جواز كلّ أمر فيه»،
فاعتبر التعميم مفروغاً عنه. وقد تقدّم التصريح بالتعميم في عبارة السيد الشفتي حين تعرّض
لإثبات التعميم مفصّلًا تحت عنوان «المقام الرابع: في أنّ المنع من التأمين وبطلان الصلاة به هل يختصّ بالفرائض أو يعمّها والنوافل؟»،
فاستظهر الإطلاق من بعض الروايات المتقدّمة ومن عبارات الفقهاء وكلماتهم ومن سائر الوجوه المستند إليها للقول بالبطلان وأنّها لا تختصّ بالفريضة، بل لو تمّت فهي تجري في النوافل أيضاً.
وكذلك صرّح بالتعميم
الفقيه الهمداني قدس سره فقال: «ثمّ إنّ قضيّة إطلاق خبر
زرارة وكذا إطلاق الجواب في رواية
ابن سنان من غير
استفصال كإطلاق كلمات الأصحاب في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم المحكيّة عدم الفرق بين الفريضة والنافلة في الحكم المزبور حرمة وإبطالًا».
قد يناقش في
التحريم بدعوى أنّه مبنيّ على حرمة قطع النافلة
اختياراً وعدمها.
ورُدّ بمنع ذلك؛
لإمكان القول بالتحريم هنا ولو لم نقل بحرمة قطع النافلة، للنهي عنه بالخصوص.
هذا، ولكن التحقيق أنّه بناءً على عدم حرمة قطع النافلة اختياراً يقع التفصيل بين قول (آمين) في الفريضة وقوله في النافلة، فانّه بناء على استفادة المانعية والحرمة الوضعية من الروايات يثبت بطلان النافلة بقول (آمين) كالفريضة دون الحرمة تكليفاً لعدم حرمة قطعها به بخلاف الفريضة. وأمّا لو استفيد من الأخبار الحرمة التكليفية- ولو بملاك
التشريع - فلا فرق فيه بين الفريضة والنافلة.نعم، وقع الكلام في القنوت كما تقدّم آنفاً، فراجع.
وقد استثنى المانعون لقول آمين في الصلاة حالة التقيّة، فيجوز بل قد يجب قوله، ولا تبطل الصلاة به، قال العلّامة في
التذكرة: «لو كانت حال تقيّة جاز له أن يقولها، ولهذا عدل الصادق عليه السلام عن الجواب وقد سأله
معاوية بن وهب : أقول: آمين إذا قال الإمام: «غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ»؟ قال: «هم اليهود والنصارى» ولم يُجِب فيه بشيء كراهة لهذه اللفظة، ولم يمكنه عليه السلام التصريح بها. وعليه يحمل قوله عليه السلام وقد سأله جميل عنها: «ما احسنها، واخفض الصوت بها»
.
وقال في
نهاية الإحكام: «ويجوز قولها حالة التقيّة»
وقال
الشهيد الأوّل في
الدروس : «والرواية المجوّزة له محمولة على التقيّة، ولا ريب في جوازه حينئذٍ».
وقال
الشهيد الثاني في
الروضة البهية : «إلّا لتقيّة فيجوز حينئذٍ، بل قد يجب»،
ومثله في المسالك.
وقال المحقق الكركي: «ولو كان في موضع تقيّة فأتى بها للتقيّة لم تبطل صلاته مطلقاً».
وقال
المقدس الأردبيلي : «وأمّا قوله للتقيّة؛ فعلى تقدير الإلجاء إليها لا نزاع في جوازه بل وجوبه، لكنّ الإلجاء بعيد؛ لجواز الإخفاء عندهم بل
الاشتراط و
الأولويّة »
فناقش هذا المحقّق في تحقّق صغرى التقيّة مع ذهابهم أو ذهاب بعض مذاهبهم إلى جواز
الإخفاء أو أولويّته؛ إذ لا إلجاء ولا اضطرار
للإجهار به حينئذٍ ليجب ذكره تقيّة.
إلّا أنّ هذا مبني على
افتراض أنّ التقيّة متوقّفة على تحقّق
الاضطرار و
الإلجاء أو
الخوف على نفسه أو الآخرين. وأمّا بناءً على
التوسع في فهم التقيّة بما هو أعمّ من ذلك فلا ينبغي الإشكال في تحقّق صغراها كثيراً عند الصلاة معهم، كما نبّه على ذلك صاحب الجواهر
.
وقد عبّر بعضهم عن هذا القيد بقوله: «لغير ضرورة» كما في
العروة الوثقى ،
فجعله أعمّ من حالات التقيّة، وإن كان استفادة
الإجزاء والصحّة في غيرها مشكل بل ممنوع؛ لاختصاص دليله بأوامر التقيّة، فمدرك الحكم بالجواز والصحّة عندهم في المقام هو التمسّك بعمومات التقيّة واستفادة الصحّة والإجزاء منها، خصوصاً ما ورد منها في الصلاة، فلا يمكن التعدّي إلى غير موارد
التقيّة .
وهذا كلّه واضح، وإنّما وقع البحث عند المتأخّرين في صحّة الصلاة عند ترك قول (آمين) في مورد التقيّة، فذهب الأكثر إلى صحّة الصلاة وعدم بطلانها بترك ذلك وإن كان جائزاً أو واجباً.
وقال الشهيد الثاني في الروضة البهيّة: «ولا تبطل بتركه في موضع التقيّة؛ لأنّه خارج عنها».
وفي المقاصد العليّة: «ولو تركه معها (التقيّة) لم تبطل الصلاة وإن أثم؛ لعدم وجوبه عندهم، ولأنّه فعل خارج عن الصلاة».
وفي
روض الجنان : «وعلى كلّ حال لا تبطل الصلاة بتركه حينئذٍ؛ لعدم وجوبه عندهم، ولأنّه فعل خارج عن الصلاة».
وقال المقدس الأردبيلي: «وعلى تقديرها لا يتوهّم البطلان بتركه».
وقال
العلّامة الطباطبائي رحمه الله
: ويُبطل الكتفُ بها عن عمدِ وهكذا الآمين بعد الحمدِ ويَلزمان حالةَ التقية ولا يُعدّانِ من الكيفيّة فلو أخلّ بهما لم تفسدِ وإن عصى بالترك عن تعمّدِ وقال المحقق النجفي: «ثمّ على تقدير وجوب الفعل للتقيّة لو تركها أثم بلا إشكال، والأقوى صحّة صلاته؛ لعدم كون ذلك من الكيفيّة اللازمة في صحّة الصلاة عندهم، وتخيّل الجهلاء منهم اعتبارها فيها لا يترتّب عليه الحكم».
وقال
الشيخ الأنصاري قدس سره: «ولو تركها مع التقيّة فالظاهر أنّه لا يبطل الصلاة وإن فعل محرّماً».
وقال السيد اليزدي: «ولو تركها أثم، لكن تصحّ صلاته على الأقوى».
وقال السيد الحكيم: «لكن يتمّ ذلك لو كانت التقيّة من العلماء، أمّا لو كانت من الجهلاء فاللازم الحكم بالبطلان؛ فإنّ أدلّة التقيّة لا يفرّق في جريانها بين مذهب العلماء والجهلاء. نعم لو تمّت دعوى عدم ظهور أدلّة التقيّة في
اعتبار ذلك في الصلاة وأنّها ظاهرة في وجوبه فقط كان ما ذكر في محلّه، لكنّها خلاف الظاهر، كما تقدّم في مباحث الوضوء».
ولكن قال
السيد الخوئي : «من غير فرق بين
اعتقاد العامّة جزئيّة التأمين كما لعلّه الشائع عند جهّالهم أو عدمها كما يراه علماؤهم؛ إذ لا يستفاد من أدلّة التقيّة أكثر من الوجوب النفسي لا جزئيّة ما يُتّقى فيه ليستوجب فقده البطلان، وإن شئت قلت: غاية ما يترتّب في المقام على أدلّة التقيّة إنّما هو رفع المانعيّة لا قلبها إلى الجزئيّة».
وقد صرّحوا بعدم البطلان إذا صدر قول آمين في الصلاة
سهواً أو
نسياناً، قال
ابن حمزة : «فإن حصل جميع ذلك سهواً أو نسياناً أو تقيّة لم يقطع الصلاة».
وقال
ابن سعيد : «فإن فعله سهواً لم تبطل»».
وقد عبّر بعض الفقهاء عن ذلك بأخذ قيد التعمّد أو الاختيار في موضوع التحريم والمانعية بقول (آمين).
وقال الشهيد الثاني: «وتبطل الصلاة بتعمّده اختياراً».
وقال الشيخ الأنصاري قدس سره: «تبطل الصلاة لو قاله اختياراً من غير تقيّة ولا نسيان».
وقال السيد اليزدي: «العاشر: تعمّد قول آمين... كما لا بأس به مع السهو».
وقال
المحقق العراقي : «نعم، لا بأس به نسياناً؛ لعموم «لا تعاد»، كما لا يخفى».
وقال
السيد الإمام الخميني: «إلّا مع التقيّة فلا بأس به، كالساهي»
، وقال
السيد الحكيم في
منهاج الصالحين: «التاسع:
تعمّد قول آمين... وإذا كان سهواً فلا بأس به»
، ومثله قال السيد الخوئي
.
والمدرك للحكم المذكور ما دلّ على عدم مانعيّة السهو في غير
الأركان في الصلاة، كحديث «لا تعاد»
الشامل بإطلاقه للموانع. على أنّه يمكن دعوى قصور المقتضي وعدم إطلاق الروايات الناهية لصورة السهو والنسيان. هذا كلّه بناءً على ثبوت التحريم والبطلان بقول آمين في الصلاة بعنوانه، وأمّا بناءً على القول بالحرمة تشريعاً فلا موضوع لهذا البحث؛ إذ لا تشريع محرّم مع السهو أو النسيان.
وأمّا بناء على القول ببطلان الصلاة بملاك الزيادة العمدية؛ فانّه مع فرض السهو أو النسيان لا تكون عمدية، فلا توجب بطلان الصلاة
، وكذا البحث فيما لو كان البطلان بملاك كونه من كلام الآدميين؛ فانّه لا بطلان مع السهو، وإن وجب سجود السهو.
والمقصود به ما إذا جاء به المصلّي بقصد الجزئية أو بدون قصد الدعاء جاهلًا بحرمته ومانعيّته، ولم يتعرّض لهذا الفرع صريحاً في كلماتهم
، إلّا أنّه يمكن أن يستفاد حكمه ممّا تقدّم، فإنّه لو قيل بعدم حرمته بعنوانه وعدم مانعيّته، فمع
الجهل واعتقاد الجواز لا تشريع ولا زيادة عمدية إن لم يقصد الجزئية، بل ومعه على أصح القولين
، فلا موضوع للحكم بالحرمة تشريعاً أو البطلان. وعلى القول بمانعيّته بعنوانه أو كونه من كلام الآدميين الممنوع عنه في الصلاة فالجهل بالحكم وإن لم يكن
رافعاً له ولكن يمكن إثبات
صحّة الصلاة حينئذٍ بحديث «لا تعاد» بناءً على إطلاقه وشموله للجاهل مطلقاً-
قاصراً أو
مقصّراً- أو لخصوص القاصر على الأقلّ.
وقد ورد
الترغيب في التأمين على الدعاء، كما ورد التأمين بلفظ آمين في كثير من الأدعية
، بل وأدعية قنوت بعض
الأئمّة عليهم السلام
.
ومن الموارد التي ذكر فيها الفقهاء ثبوت التأمين على الدعاء شرعاً ما يلي:
۱- ما ورد في صلاة
الاستسقاء من التأمين على دعاء الإمام، وقال
الحلبي : «وليؤمّن الحاضرون على دعائه ثمّ ينزل».
قال
السيد ابن زهرة : «فإذا فرغ الإمام من الصلاة صعد المنبر فخطب خطبة يحثّ الناس فيها- بعد حمد الله تعالى والثناء عليه والصلاة على محمّد و
آله - على التوبة وفعل الخير، ويحذّر (هم من)
الإقامة على المعاصي ويُعلِم أنّ ذلك سبب القحط. فإذا فرغ من الخطبة حوّل ما على منكبه الأيمن من الرداء إلى الأيسر وما على الأيسر إلى الأيمن، ثمّ استقبل القبلة فكبّر مائة مرّة رافعاً بها صوته والناس معه، ثمّ حوّل وجهه إلى يمينه فسبَّح مائة مرّة والناس معه، ثمّ حوّل وجهه إلى يساره فحمد اللَّه مائة مرّة والناس معه، ثمّ حوّل وجهه إلى الناس فاستغفر اللَّه مائة مرّة والناس معه، ثمّ يحوّل وجهه إلى القبلة ويسأل اللَّه تعالى تعجيل الغيث، ويؤمّن الناس على دعائه».
۲- يستحبّ التأمين على الدعاء، قال
الشيخ جعفر الكبير : «ومنها: الدعاء مع التأمين؛ فإنّ الداعي والمؤمّن شريكان.
وفي تفسير «قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما»
:
كان موسى داعياً و
هارون والملائكة مؤمّنين.
وكان
الباقر عليه السلام إذا أحزنه أمر جمع النساء والصبيان ليؤمّنوا على دعائه.
وقال
موسى بن جعفر عليه السلام : «من دعا وحوله
إخوانه وقال لهم: أمّنوا، وجب عليهم التأمين، وإن لم يقل فالأمر إليهم» .
۳- يستحبّ أن يكون الزوجان على وضوء حين الدخول، وأن يصلّي كلّ منهما ركعتين ويدعو الزوج ويؤمّن من حضره على دعائه.
۴- ورد في بعض الروايات أنّ
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (آمين) بعد دعاء
جبرئيل عليه السلام ، قال المفيد: «وروي أيضاً عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنّه قال: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم كان على المنبر فسمعه الناس قال: (آمين) ثمّ سكت، ثمّ قال: (آمين) ثمّ سكت، ثمّ قال: (آمين)، فلمّا نزل سأله بعض الناس، فقالوا: يا رسول اللَّه، سمعناك تقول: آمين آمين ثلاث مرّات، فقال: إنّ جبرئيل عليه السلام قال: من ذُكرتَ عنده فلم يصلّ عليك فأبعده اللَّه. قلت: آمين. قال: ومن أدرك
شهر رمضان فلم يُغفر له فأبعده اللَّه. قلت: آمين. قال: ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يُغفر له فأبعده اللَّه. قلت: آمين».
وروى
السيوطي في قصّة
المباهلة ، «فلمّا أصبح رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم الغد- بعد ما أخبرهم الخبر- أقبل مشتملًا على
الحسن و
الحسين في خميلةٍ له وفاطمة تمشي خلف ظهره للملاعنة، وله يومئذٍ عدّة نسوة... فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: «إن أنا دعوت فأمّنوا أنتم»».
وقال
الزمخشري : «... فأتى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وقد غدا محتضناً الحسين آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعليّ خلفها وهو يقول: «إذا أنا دعوت فأمّنوا».
فقال أسقف
نجران : يا معشر النصارى، إني لأرى وجوهاً لو شاء اللَّه أن يزيل جبلًا من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه
الأرض نصراني إلى
يوم القيامة ، فقالوا: يا أبا القاسم، رأينا ألّا نباهلك... الخ».
يستفاد من كلمات الفقهاء أنّ لفظ آمين يفيد
الإقرار، فلا يجوز
الإنكار و
النفي بعد ذلك، وقال الشيخ في
المبسوط : «إذا أتت
المرأة بولد فهُنّئ بالمولود؛ فإن أجاب بما يتضمّن رضاً بالمولود كان إقراراً ... وهو أن يقول: بارك اللَّه لك في مولودك، جعله اللَّه لك خلفاً. فإن قال: آمين، أو قال: أجاب اللَّه دعاءك... كان ذلك إقراراً بالولد»
، وقال في الخلاف: «إذا وُلد له وَلد وهنّئ به فقال له المهنّئ: بارك اللَّه لك في مولودك، جعله اللَّه خلفاً لك، فقال: آمين، أو أجاب اللَّه دعاءك، فإنّه يكون ذلك إقراراً يبطل به النفي».
وقال المحقق: «ومتى أقرّ بالولد صريحاً أو فحوى لم يكن له
إنكاره بعد ذلك، مثل أن يبشّر به فيجيب بما يتضمّن الرضا؛ كأن يقال له: بارك اللَّه لك في مولودك، فيقول: آمين».
وقال العلّامة: «وكلّ من أقرّ بولد صريحاً أو فحوى لم يكن له إنكاره بعد، والصريح ظاهر، والفحوى أن يجيب المبشّر بما يدلّ على الرضا، مثل أن يقال له: بارك اللَّه لك في مولودك هذا، فيقول: آمين».
وقال الشهيد الثاني: «وقد يكون
الإقرار فحوىً، مثل أن يُهنّأ به...فقال: آمين»
الموسوعة الفقهية، ج۱، ص۲۷۹-۳۱۷.