• خواندن
  • نمایش تاریخچه
  • ویرایش
 

أسباب الإباحة

احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF



وللإباحة- سواء التكليفية أو الوضعية- أسباب عديدة ومتنوّعة، ومقصودنا من السبب العناوين والأمور التي توجب فعليّة الإباحة . وفيما يلي نشير إلى أهمّ هذه الأسباب:




وهو- بمعنى تشريعه للإباحة وحكمه بها- لا بدّ منه في كلّ إباحة تكليفية أو وضعية، فإنّها لا بدّ وأن تنتهي موجبات الإباحة وأسبابها في النهاية إلى حكم الشارع بالإباحة ولو إمضاءً ، وإلّا لا تثبت إباحة، فإذا أباح المالك مثلًا ماله للغير ولكن لم يحكم به الشارع ولم يمضه- كما في العقود الفاسدة- لم تثبت إباحة للمكلّف قطعاً. فهذا المعنى لا بدّ منه في تمام موارد الإباحة، وليس هو بالدقّة من أسباب الإباحة وموجباتها، وإنّما هو نفس الحكم بالإباحة وتشريعها.
وهناك موارد ثبت فيها الإذن من الشارع، بمعنى جعل حقّ الانتفاع والتصرّف أو الاستهلاك والتملّك في بعض الأموال، فيكون هذا الحقّ المعطى من قبل الشارع هو السبب الموجب للإباحة الوضعية أو التكليفية في تلك الموارد، من قبيل إذنه بالأكل من بيوت الأقرباء في قوله تعالى: «لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى‌ حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَ لا عَلى‌ أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ...»، ومن قبيل إذنه بأكل المارّة من الثمار بقدر حاجتهم، أو إذنه في الانتفاع بالمباحات والمنافع العامّة، أو إحياء الموات وتملّكها وغير ذلك.
قال الشهيد الثاني : «لا يجوز لأحد الأكل من مال غيره، إلّا من بيوت من تضمّنته الآية، وهي قوله تعالى: «... أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ...». فيجوز الأكل من بيوت المذكورين مع حضورهم وغيبتهم إلّا مع علم الكراهة ولو بالقرائن الحاليّة بحيث تثمر الظنّ الغالب بالكراهة».
وقال السيّد عليّ الطباطبائي : «لا يجوز أن يأكل الإنسان من مال غيره... إلّا بإذنه إجماعاً بالكتاب والسنّة المستفيضة المتواترة... وقد رخّص مع عدم العلم بالإذن مع الأكل من بيوت من تضمّنته الآية، فيجوز الأكل من بيوت المذكورين مع حضورهم وغيبتهم إذا لم يحمل ولم يفسد ولم يعلم الكراهيّة.. وكذا رخّص مع عدم الإذن في أكل ما يمرّ به الإنسان اتّفاقاً من ثمرة النخل».
[۴] رياض المسائل، ج۲، ص۲۹۷.

وهذه الموارد يمكن أن تكون من باب جعل الحقّ والإباحة من قبل الشارع في تلك الموارد بما هو شارع ومولى، فتكون إباحة شرعية.
قال السيّد الخوئي - في بحث جوائز السلطان الجائر-: «إنّ الشارع قد أباح التصرّف في مال الغير بدون إذنه إباحة واقعية في موارد كثيرة كأكل طعام الغير في المجاعة، والتصرّف في أرضه لإنجاء الغريق، وأكل المارّة من ثمرته، وأكل اللقطة بعد التعريف المقرّر في الشريعة، والتصرّف في الأراضي المتّسعة والأنهار الكبار، وكالتصرّف فيما يؤخذ ممّن لا يعتقد الخمس ».
ويمكن أن يكون من باب الإذن من قبله بما هو المالك الحقيقي والذاتي لكلّ شي‌ء ولا ملك ولا حقّ لأحد في قباله،فيكون إذنه نظير إذن المالك والولي على تلك الأموال أي من الإباحة المالكية.قال الشيخ الأنصاري : «إنّ أكل المال ونقله عن مالكه بغير رضا المالك أكل وتصرّف بالباطل عرفاً. نعم، بعد إذن المالك الحقيقي وهو الشارع وحكمه التسلّط على فسخ المعاملة من دون رضا المالك يخرج عن البطلان . ولذا كان أكل المارّة من الثمرة الممرور بها أكلًا بالباطل لو لا إذن المالك الحقيقي. وكذا الأخذ بالشفعة والفسخ بالخيار وغير ذلك من النواقل القهريّة».
وهذه الإباحات قد تعطي المباح له حقّاً جديداً لم يكن ثابتاً له سابقاً كما في الموارد المتقدّمة، وقد تتصرّف في كيفيّة استيفاء الحقّ الثابت له كما في إباحة الاقتصاص من مال من عليه حقّ مع تعذّر الاستيفاء بالطرق المشروعة.قال العلّامة الحلّي : «قد أبيح لمن له على إنسان حقّ من دين أو غصب أو غير ذلك استيفاؤه بغير ذلك قضاءً». وهناك بعض الموارد لا يجعل الشارع الإباحة بنفسه، وإنّما يأمر المالك أو الولي بها كما في موارد عجز مالك الأمة والعبد من الإنفاق عليهما فإنّه يلزمه مخيّراً إباحة التصرّف لهما بما يحفظان به حياتهما.قال الحلبي : «فإن عجز المالك لزمه البيع أو العتق أو إباحة العبد أو الأمة التصرّف بما يحفظان به حياتهما، وإن استطاعا العود على مالكهما لزمهما ذلك».
[۸] الكافي في الفقه، ج۱، ص۱۷۷.




وهناك عناوين عامّة توجب الإباحة وارتفاع الحظر بحكم الشارع أو بحكم العقل. ويمكن تصنيفها إلى أصناف:
أ- ما يكون سبباً في انتفاء أهليّة التكليف عن المكلّف، فيرفع أصل التكليف عقلًا أو بحكم الشارع كالصغر، والجنون، والكفر- على قول- فتكون من أسباب الإباحة وعدم الحظر لا محالة؛ لأنّ التكليف مشروط بالبلوغ، والعقل، والإسلام على قول.قال السيّد الخوئي: «إنّ الشارع كما أنّه حرّم المحرّمات في حقّ المكلّفين كذلك أباحها في حقّ جماعة آخرين من الصبيان والمجانين فالفعل إنّما يصدر من غير المكلّف على وجه مباح». وقال المحقق النراقي في مسألة تكليف الكفّار بالفروع: «لو لم يكونوا مكلّفين بفروعنا لم يكن لهم تكليف بالفروع أصلًا، ويلزم من ذلك أيضاً أن لا يكونوا مكلّفين إلّا بتكليف واحد هو الإسلام فلا يكون لشي‌ء من جوارحهم تكليف أصلًا ويكونون مطلقي العنان في جميع سائر الأفعال والصفات».
ب- ما يكون عذراً مانعاً عن توجّه الخطاب والتكليف شرعاً أو عقلًا، كما في الخطأ والنسيان والاضطرار والإكراه والعجز والاشتغال بمصلحة أهمّ أو مساوية في مورد التزاحم؛ فإنّ طروّ أحد هذه الأسباب توجب الإباحة وارتفاع التكليف إمّا شرعاً أو عقلًا.قال العلّامة الحلّي: «يباح للمضطرّ- وهو خائف التلف لو لم يتناول أو المرض أو طوله أو عسر علاجه أو الضعف عن مصاحبة الرفقة مع خوف العطب عند التخلّف أو عن الركوب المؤدّي إلى الهلاك - تناول كلّ المحرّمات إلّا الباغي وهو الخارج على الإمام ، أو العادي وهو قاطع الطريق... ويستبيح كلّ ما لا يؤدّي إلى قتل معصوم الدم، فيحلّ الخمر لإزالة العطش وإن حرم التداوي به». وقال الحلبي: «... وأمّا المحرّمات فيؤثّر (الإكراه‌) إباحتها كالميتة ولحم الخنزير والصيد في الحرم أو الإحرام وغير ذلك..».
[۱۲] الكافي في الفقه، ج۱، ص۲۷۵.
وقال المحقّق الهمداني : « التقيّة سبب لإباحة المحرّمات... سواء كان متعلّق التقيّة بنفسه من المحرمات كشرب المسكر وترك الصلاة والصوم، أو لأجل إفضائه إلى الإخلال بشرط واجب كالتكتّف في الصلاة أو ترك مسح الرجلين في الوضوء؛ فإنّه حرام لا لذاته، ولا لأجل كونه إخلالًا بالوضوء من حيث كونه شرطاً للصلاة الواجبة».
[۱۳] مصباح الفقيه، ج۱، ص۱۶۹.

ج- ما تفضَّل به الشارع وامتنّ به على العباد تسهيلًا عليهم فرفع عنهم مشقّة التكليف في تلك الموارد كعنوان الحرج والعسر والضرر والمشقّة والمرض والتقيّة ونحوها، فإنّها أيضاً من العناوين المبيحة والرافعة للتكليف شرعاً بالرغم من إمكان توجّه الخطاب إلى المكلّف فيها.قال الفاضل السيوري : «قاعدة: كون المشقّة سبب اليسر، وجميع رخص الشرع وتخفيفاته تعود إليها كالتقيّة وشرعية التيمّم عند الخوف على النفس...ومن الرخص إباحة كثير من محظورات الإحرام مع الفدية وإباحة الفطر للحامل والمرضع والشيخ والشيخة وذي العطاش والتداوي بالنجاسات والمحرّمات عند الاضطرار». وقال المحقّق النراقي: «الضرر المبيح لإفطار المريض يشمل زيادة المرض بسبب الصوم أو بطء برئه، أو حدوث مرض آخر أو حصول مشقّة لا يتحمّل عادة مثلها، بل يشقّ تحمّلها كلّ ذلك لصدق الضرر، وإيجابه العسر والحرج المنفيّين».
د- ما حكم فيه الشارع أو العقل برفع المسئوليّة والعذر في موارد الجهل واشتباه الحكم الشرعي، المعبَّر عنه بالأصول العملية الشرعية أو العقلية المؤمّنة. وهي لا توجب ارتفاع التكليف الواقعي لو صادف وجوده، وإنّما ترفع المسئوليّة وتبعة العقوبة.وهذه العناوين المبيحة أو المعذّرة أسباب للإباحة التكليفية بمعنى ارتفاع الحظر والتكليف- ولو ظاهراً- وعدم الإثم والعقوبة في مواردها.لكن بعض الأصوليّين أنكر ثبوت حكم الإباحة في حقّ الفاقد لشرائط التكليف أو ذي العذر والممتنّ عليه بدعوى أنّ رفع التكليف عن أحد لا يلازم ثبوت الإباحة في حقّه.قال الشيخ حسن: «لكن لا يلزم من عدم الحرمة ثبوت الإباحة؛ إذ انتفاء الحرمة قد يكون بطريان الحلّ وقد يكون لامتناع وجود متعلّقها عقلًا».
وقال الميرزا النائيني : «إنّ الثابت في حقّ الصغير ليس إلّا عدم وضع حكم التكليف عليه من دون أن يكون الشارع أطلق عنانه أو رفع التكليف والحرج عنه، فإنّ اللاحرجيّة الشرعية إنّما تكون في الموضوع القابل لوضع قلم التكليف، وذلك إنّما يكون بعد البلوغ . ولذا كان عدم التكليف قبل حضور وقت في الوجه المتقدّم يستند إلى الشارع بحيث لو بنينا على حجّية الأصل المثبت لأثبتنا الإباحة الشرعية من استصحاب عدم التكليف قبل الوقت، وهذا بخلاف عدم التكليف الثابت قبل البلوغ فإنّه لا يستند إلى الشارع؛ لأنّ الصغير ليس في حال يمكن وضع حكم التكليف عليه، بل هو كالبهائم ليس في حقّه جعل شرعي لا وجوداً ولا عدماً؛ لقصوره عن ذلك بنفسه». إلّا أنّ الظاهر أنّ مقصود هؤلاء الفقهاء عدم جعل الإباحة الشرعية ؛ بمعنى جعل خطاب شرعي بالإباحة أو الحلّية كحكم وجودي اعتباري، بينما تقدّم أنّ الإباحة تطلق على مطلق الموقف الشرعي الترخيصي حتى إذا استكشف بدليل عقلي فضلًا عمّا إذا دلّ عليه الخطاب الشرعي، فالإباحة الشرعية بهذا المعنى ثابتة في جميع هذه الموارد. كما أنّ جعل خطاب الإباحة لا يكون ممتنعاً أو لغواً على جميع المباني الاصوليّة في حقيقة الحكم والخطاب الشرعي، بل قد يتّجه على بعض تلك المباني. وتفصيل ذلك يطلب من مظانّه في البحث الأصولي.
ثمّ إن الإباحة- بناءً على القول بثبوتها بهذه العناوين- لا توجب الإباحة الوضعية وصحّة العمل الناقص المأتيّ به خارجاً؛ بمعنى إجزائه إذا كان عبادة أو ترتّب الأثر عليه ونفوذه إذا كان معاملة؛ لأنّ الثابت بالأدلّة العامّة الواردة في هذه العناوين إنّما هو عذريّتها وارتفاع التكليف في موردها، لا صحّة العمل الناقص الفاقد لبعض القيود، فلو اضطرّ إلى معاملة باطلة لا تصبح بذلك صحيحة، وإذا اكره على‌ صلاة بلا سورة لا تصبح بذلك مشروعة ولا مجزية عن الفريضة ما لم تضمّ عناية زائدة من قيام دليل خاصّ على الصحّة أو الإجزاء في ذلك المورد أو استفادة ذلك من الجمع بين الأدلّة.هذا، وقد استفاد الفقهاء من أدلّة التقيّة صحّة العمل المأتيّ به تقيّة وإجزائه، بل أفضليّته في الثواب من العمل بمقتضى الوظيفة الأوّلية.وقد بحث الفقهاء هذه النقطة عند التعرّض لكلّ عنوان من تلك العناوين المبيحة وأدلّتها ونسبتها إلى الأدلّة الأوّلية، فليطلب في المصطلح الخاصّ بها.



وهو أيضاً من أسباب الإباحة فيما يرجع إليه أو يكون تحت ولايته ويوجب الإباحة المالكية، فيحقّ للمأذون له التصرّف في حدود الإذن والإباحة. وهذا قد يكون خاصّاً وبالنسبة لشخص معيّن، وقد يكون عامّاً، ومنه ما يستفاد من بعض أخبار الخمس والأنفال من تحليل الأئمّة عليهم السلام ذلك لشيعتهم في عصر الغيبة ؛ فإنّه يمكن أن يكون من الإذن والإباحة الحقّية.وهناك بحث لدى الفقهاء في حدود ما يستفاد من أخبار التحليل وأنّه إباحة لمطلق الخمس أو لخصوص ما يقع بيد الشيعي ممّا تعلّق به الخمس في يد غيره وقبل انتقاله إليه.قال الفاضل السبزواري: «اعلم أنّ كلام الأصحاب في هذه الأبواب مختلفة والكلام هاهنا في مواضع:
الأوّل: المناكح، والمشهور بين الأصحاب ثبوت الترخيص فيها للشيعة في زمن الغيبة وهو الصحيح.
الثاني: المساكن والمتاجر، وألحقهما الشيخ بالمناكح وتبعه على ذلك كثير من المتأخّرين.
الثالث: الأرض الموات وما يجري مجراها، والظاهر أنّه لا خلاف بينهم في إباحة التصرّف فيها للشيعة في زمان الغيبة وهو الصحيح المرتبط بالدليل.
الرابع: سائر الأنفال غير الأرض، والأظهر إباحته للشيعة في زمن الغيبة؛ للأخبار الكثيرة.
الخامس: الخمس في غير الأشياءالثلاثة، وللأصحاب اختلاف كثير في أمر الخمس في زمان الغيبة، والقول بإباحته فيه مطلقاً لا يخلو من قوّة.
[۱۸] كفاية الأحكام، ج۱، ص۴۵.
كما أنّهم بحثوا حقيقة هذا التحليل وأنّه إباحة شرعية أو مالكية وما يترتّب على كلٍّ منها من الآثار والثمرات، يطلب تفصيلها في محالّها.وهذا الإذن والإباحة الحقّية قد يكون في باب الأموال، وقد يكون في التصرّفات الاخرى كإذن السيّد لعبده أو الأب لابنه بالتزويج، وقد يكون قبل العمل فيسمّى إذناً، وقد يكون بعد وقوع العمل سابقاً فيسمّى إجازة.كما أنّه يترتّب على هذا الإذن أو الإجازة الإباحة التكليفية والوضعية، بمعنى صحّة التصرّفات وترتّب آثارها حسب موارد الإذن.



قد تتحقّق الإباحة المالكية بالإذن والإجازة، وهما من سنخ الإيقاعات .قال الحلبي: «إذن المالك بالقول أو ما يقوم مقامه من العالم بالقصد وجه مبيح للتصرّف».
[۱۹] الكافي في الفقه، ج۱، ص۳۲۲.
وقد تتحقّق ببعض العقود، وتسمّى بالعقود الإذنيّة كالعارية والوكالة والوديعة والمعاطاة بناءً على إفادتها إباحة التصرّف لا الملك. وهي إنّما تقتضي الإباحة باعتبار اشتمالها وتضمّنها للإذن من قبل المالك، ولكنّه ضمن اتّفاق وتعاقد بين طرفين فيه إيجاب وقبول.قال الميرزا النائيني لدى بيان أقسام العقود: «ما كان قوامه بالإذن ومجرّد رضا وليّ الأمر ومالكه لا يكون فيه عهد والتزام ، وهذه كالوديعة والعارية بناءً على أن يكون مفادها الإباحة المجّانية». وهناك أبحاث هامّة في الفروق بين العقود الإذنيّة والعقود العهديّة تطلب في مصطلح (عقد).والمقصود هنا بيان أنّ هذه العقود أيضاً أسباب للإباحة، وهي ترجع بالدقّة إلى‌ السبب المتقدّم، أعني إذن المالك أو الولي ولكن في شكل تعاقد، وإيجاب وقبول.نعم، المعاطاة التي يقصد بها التمليك لا الإباحة لو قيل باقتضائها الإباحة فهي لا ترجع إلى ذلك ولا تكون عقداً إذنيّاً بحسب قصد المتعاملين بل عقد عهدي قصد بها التمليك ولكنّ الشارع جعلها سبباً للإباحة. ومن هنا قال بعض الفقهاء: إنّ هذه الإباحة شرعية لا مالكية.



فإنّها أيضاً توجب الإباحة ولكن بتبع حصول الملكية؛ لكونها أحد آثار الملكية وممّا يترتّب عليها، سواء كان السبب الموجب للملكية قهريّاً كالإرث أو اختيارياً قصدياً كاللقطة والحيازة أو اختيارياً إنشائياً كالعقود الموجبة لانتقال الملك.قال السيّد المرتضى : «تصرّف الإنسان فيما يملكه مباح بالعقل والشرع». وقال العلّامة الحلّي: «فائدة الملك استباحة وجوه الانتفاعات». والإباحة المترتّبة على الملكية أو الحقوق الحاصلة بأسبابها قد تكون تكليفية، وقد تكون وضعية بمعنى صحّة التصرّفات الوضعية أيضاً.



ومن أسباب إباحة التصرّف في المال أن لا يكون متعلّقاً لحقّ شخص حقيقي أو حقوقي؛ فإنّه عندئذٍ يجوز التصرّف فيه بالانتفاع بل والتملّك أيضاً بأسبابه كالحيازة والإحياء ؛ لأنّ الممنوع إنّما هو التصرّف في مال الغير وحقوق الآخرين لا ما لا يرجع إلى الآخرين، وهذا ما يعبّر عنه في الفقه بالمباحات العامّة أو المشتركات والمنافع العامّة.قال المحقّق النراقي: «معنى المباح الحلال .. وسمّيت المباحات الأصلية مباحة؛ لأجل إباحتها لكلّ أحد حيث لا يد لشخص مخصوص عليها حتى يحرم لأجله التصرّف والانتفاع على غيره فتكون‌ مباحة لكلّ أحد».
[۲۴] عوائد الأيّام، ج۱، ص۱۱۹.
وسنتعرّض إلى الموضوع بنحو أكثر تفصيلًا فيما يأتي.وممّا يندرج تحت هذا العنوان أيضاً إعراض المالك عن ملكه أو من له الحقّ عن حقّه وإسقاطه له؛ فإنّه أيضاً يوجب زوال حقّه، وبالتالي عدم تعلّق حقّ الغير به، فيجوز للثاني التصرّف فيه وتملّكه بأحد أسباب الملك.قال المحدّث البحراني : «إنّ الملك لا يزول بإعراض صاحبه عنه، نعم ربّما أفاد الإباحة في بعض الموارد إلّا أنّ إباحة التصرّف لا تقتضي زوال الملك». وقال الشهيد الثاني: «يجوز تناول ما أعرض مالكه عنه من الثمار ونحوه، ويجوز للمالك الرجوع فيها ما دامت عينها باقية؛ لأنّ ذلك بمنزلة الإباحة».
وفي مقابل هذا الرأي يذهب بعض الفقهاء إلى زوال ملكية المالك بالإعراض ويصير من المباحات العامّة التي يجوز تملّكها لكلّ أحد.قال المحقّق النجفي: «هل يملك المباح آخذه بالأخذ الذي هو بمنزلة الحيازة للمباح الأصلي من المالك الحقيقي؟الأظهر نعم، كما عن المبسوط والمهذّب والإرشاد والتذكرة ؛ للسيرة القطعية في الأعصار والأمصار على معاملته معاملة المملوك بالبيع والهبة والإرث وغيرها، بل هي كذلك في كلّ مال أعرض عنه صاحبه». وهناك بعض الحقوق أو الملكية تزول بمجرّد الترك ولو لم يكن إعراضاً كمن ترك إحياء الأرض الميتة بعد أن أحياها، أو من ترك دابّته وأسبلها في البيداء.قال الفاضل السبزواري: «ولو وجد البعير من جهة أو مرض في غير كلأ ولا ماء فهو لواجده لا أعرف فيه خلافاً بينهم... وكذا حكم الدابّة والبقرة والحمار إذا تركت من جهة في غير كلأ وماء». وللاطّلاع على مزيد من التفاصيل يراجع مصطلحي (إعراض، إحياء الموات).



ومن أسباب الإباحة ثبوت الولاية على مال أو نفس أو تصرّف؛ فإنّه يوجب إباحة التصرّف في حدود تلك التولية .والولاية قد تكون عامّة، وقد تكون خاصّة.كما أنّها قد تكون شرعية أي بحكم الشارع ونصب منه كولاية الفقيه وولاية الأب والجدّ. وقد تكون بحكم القاضي أو الحاكم كمن ينصبه القاضي قيّماً على الأيتام ومن يجعله الحاكم والياً على شأن من شئون المسلمين. وقد يكون بحكم المالك كالقيّم أو الوصي المنصوب من قبل الميّت بالنسبة لتركته ولأولاده الصغار.



هناك بعض الجرائم والذنوب توجب إباحة الدم والمال من قبيل الكفر- في غير الذمّي- والارتداد وسبّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والمعصومين عليهم السلام، ويطلق عليه عنوان مباح الدم أو مهدور الدم والمال.وقد اختلف الفقهاء في أنّ هذه الإباحة هل هي ثابتة لكلّ أحد بلا حاجة إلى إذن الإمام فيباح لكلّ أحد سفك دمه أو أخذ ماله، أم لا يجوز لأحد ذلك إلّا بإذن من الإمام أو نائبه؟ وتفصيل ذلك وحدوده يطلب من مظانّه وعناوينه الخاصّة.
وعنوان مباح الدم أو مهدور الدم قد يطلق على كلّ محكوم عليه بالقتل حدّاً وإن كان لا يجوز لأحد قتله غير الإمام في الحدود. والمقصود من الإباحة عندئذٍ عدم قصاص قاتله، لا إباحة قتله وجوازه حيث ذهب جملة من الفقهاء إلى أنّ قتل من يكون محكوماً عليه بالموت حدّاً لا قود فيه، فعبّر عن عدم القود في قتله بالإباحة، أو يكون المقصود إباحة دمه في الجملة، أي لوليّه أو للإمام.


 
۱. النور/سورة ۲۴، الآية ۶۱.    
۲. النور/سورة ۲۴، الآية ۶۱.    
۳. الروضة البهية، ج۷، ص۳۴۱.    
۴. رياض المسائل، ج۲، ص۲۹۷.
۵. مصباح الفقاهة، ج۱، ص۷۷۳.    
۶. المكاسب (تراث الشيخ الأعظم)، ج۳، ص۵۵.    
۷. تذكرة الفقهاء، ج۲، ص۲۶۶.    
۸. الكافي في الفقه، ج۱، ص۱۷۷.
۹. التنقيح في شرح العروة (الطهارة)، ج۲، ص۳۳۶.    
۱۰. عوائد الأيّام، ج۱، ص۹۷.    
۱۱. إرشاد الأذهان، ج۲، ص۱۱۴.    
۱۲. الكافي في الفقه، ج۱، ص۲۷۵.
۱۳. مصباح الفقيه، ج۱، ص۱۶۹.
۱۴. نضد القواعد الفقهية، ج۱، ص۷۴- ۷۵.    
۱۵. مستند الشيعة، ج۱۰، ص۳۷۴.    
۱۶. معالم الدين، ج۱، ص۷۹.    
۱۷. فوائد الأصول، ج۴، ص۱۸۶.    
۱۸. كفاية الأحكام، ج۱، ص۴۵.
۱۹. الكافي في الفقه، ج۱، ص۳۲۲.
۲۰. منية الطالب، ج۱، ص۸۹.    
۲۱. نهج الفقاهة، ج۱، ص۷۸.    
۲۲. الانتصار، ج۱، ص۴۴۵.    
۲۳. تذكرة الفقهاء، ج۱، ص۵۹۵.    
۲۴. عوائد الأيّام، ج۱، ص۱۱۹.
۲۵. الحدائق الناضرة، ج۲۲، ص۳۹۲- ۳۹۳.    
۲۶. مسالك الأفهام، ج۵، ص۱۶۱.    
۲۷. جواهر الكلام، ج۲۹، ص۵۲.    
۲۸. كفاية الأحكام، ج۲، ص۵۲۵.    




الموسوعة الفقهية، ج۲، ص۱۰۰-۱۱۰.    



جعبه ابزار