الأمي
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو الذي بقي على ما ولدته
أمه .
الامّي:
المنسوب إلى الامّ، ويطلق على من لا يقرأ ولا يكتب، ونسب إلى
الامّ ؛ لأنّه بقي على ما ولدته عليه امّه من قلّة
الكلام وعجمة اللسان؛ لأنّ
الكتابة والقراءة مكتسبة، فالامّي على ما ولدته امّه من
الجهل بالقراءة والكتابة.
وقيل: نسبة إلى امّة
العرب ؛ لأنّ أكثرهم كانوا امّيّين، والكتابة فيهم
عزيزة أو عديمة، فهم على أصل
ولادة امّهم.
واستعمله
الفقهاء بمعنى من لا يحسن قراءة
الفاتحة ،
أو من لا يحسن القراءة مطلقاً.
تعرّض الفقهاء للأحكام المرتبطة بالامّي في باب
الصلاة ، نشير إليها إجمالًا فيما يلي:
صرّح الفقهاء بوجوب قراءة سورة
الحمد في الصلاة لمن يحسنها، وأمّا الامّي الذي لا يحسن القراءة فيجب عليه تعلّم
العربية إجماعاً بعد دخول الوقت،
وأمّا قبل دخول
الوقت فيجب إذا علم عدم سعة الوقت له.
ووجوبه عيني عند بعض الفقهاء فلا يسقط بالتمكّن من
الائتمام .
ولو عجز أو ضاق الوقت وكان يحسن بعضها قرأه، ولو لم يحسن شيئاً منها قرأ من غيرها ما تيسّر، و
الأقرب وجوب الإتيان بسورة كاملة إن كان يعلمها، ولو لم يحسن
سورة كاملة قرأ ما يحسنه.
ولو لم يحسن شيئاً من
القرآن أصلًا كبّر اللَّه وهلّله وسبّحه بقدر القراءة، ثمّ يجب عليه التعلّم،
وادّعي أنّه
المشهور ،
بل عليه
الإجماع .
ولو لم يحفظ شيئاً من القرآن حتى ضاق الوقت، فصرّح جماعة بجواز القراءة من
المصحف في الصلاة إن كان عارفاً.
نعم، ذهب بعض إلى أنّ الأقرب عدم
إجزاء القراءة من المصحف مع
إمكان التعلّم.
فلو تمكّن من التعلّم وتركه مع
السعة ولم يتمكّن من الائتمام، فقد ذكر
المحقّق الهمداني : «أنّ
القادر على تعلّم الفاتحة مكلّف بالصلاة معها، ويستحقّ
المؤاخذة على تركها... فيكون تركه للتعلّم بمنزلة تأخيره للصلاة إلى أن يتضيّق الوقت عن
أدائها في عدم كونه منافياً لعموم: الصلاة لا تسقط بحال، فالأحوط إن لم يكن أقوى هو الجمع بين الصلاة
الاضطراريّة في الوقت وقضائها تامّة في خارجه».
لكن
السيّد الخوئي بعد
التصريح بصدق
اسم الصلاة على
الفاقد للقراءة- لتقوّمها
بالركوع و
السجود و
الطهور - قال: «المتعيّن هو
الأداء فقط دون القضاء؛ إذ لا ينتهي
الأمر إليه بعد تعيّن
الوظيفة في الوقت
المانع من صدق
الفوت الذي هو موضوع
القضاء ودون الجمع؛ إذ لا تصل
النوبة إلى العلم
الإجمالي ».
وأمّا لو تمكّن من الائتمام وائتمّ أثم ولكن صحّت صلاته؛ لأنّ تركه
التعلّم ترك للواجب من غير علم بما يسقطه عنه، مع عدم
اطمئنانه بإتمام صلاته جماعة بحيث لا يحتاج فيها إلى
القراءة .
لا يجوز
إمامة الامّي لمن يحسن القراءة، وقد نفي عنه
الخلاف ،
بل ادّعي عليه الإجماع،
فلو ائتمّ
القارئ بالامّي صحّت صلاة
الإمام خاصّة، ولا فرق في ذلك بين صلاة
الجهر و
الإخفات ، كما هو صريح جماعة من الفقهاء.
واستدلّوا له- مضافاً إلى الإجماع- بأنّ القراءة واجبة مع القدرة، ومع
الائتمام بالامّي تخلو الصلاة عن القراءة، ولأنّ الإمام يتحمّل القراءة عن
المأموم ومع عجزه لا يتحقّق
التحمّل .
وأمّا إمامة الامّي لمثله فقد صرّح بعض الفقهاء بجوازه،
وقد نفي عنه الخلاف.
ولكن قيّده
العلّامة الحلّي بعجز الإمام عن التعلّم أو ضيق الوقت؛
لاستوائهما في الأفعال.
وقد فصّل
السيّد اليزدي بين ما إذا اختلفا في المحلّ الذي لم يحسناه فلا يجوز إمامة من لا يحسن القراءة لمثله، وبين ما إذا اتّحدا في المحلّ فلا يبعد
الجواز وإن كان
الأحوط العدم.
وعلّق عليه السيّدان
البروجردي و
الخميني بأنّ الأحوط وجوباً ترك الائتمام مطلقاً.
ولو أحسن أحدهما
الفاتحة والآخر السورة جاز ائتمام من يعجز عن الفاتحة بالقادر عليها دون
العكس ؛ للإجماع على وجوبها في الصلاة، بخلاف
السورة كما ذكره بعض الفقهاء.
يجب على الامّي- بمعنى
الجاهل بالقراءة والكتابة- تعلّمها مقدّمة لتحصيل العلم، عندما يكون تحصيل
العلم واجباً ولا يتسنّى بغير هذه
الطريقة .
كما قد يستند في ذلك إلى عمومات وجوب التعلّم، وكذلك ما دلّ على تعلّم
الكتاب و
الحكمة و
تعليمها ، عندما نعرف أنّ هذا الأمر متوقّف على تعلّم القراءة والكتابة، ويكون ذلك بنحو
الوجوب الكفائي، فإنّ رفع حالة
الامّية في
المجتمع الإسلامي قد يكون واجباً كفائياً؛ لأنّ ذلك ممّا يقوّي المجتمع
الإسلامي ويحقّق له
المنعة و
الحماية من مختلف أشكال
الخطر الداخلي والخارجي، فلا يبعد القول لا سيّما في مثل زماننا هذا بوجوب التعلّم كفائياً لتحقيق هذا
الغرض .
ولذلك نجد أنّ رفع حالة الامّية في
المجتمع مقدّمة لتحصيل
المعارف الدينية والإسلامية، كما أنّه مقدّمة
لتحصين الامّة و
الناس من
الانحراف و
الضلال ، ومقدمة لرقي
المجتمع من
الناحية الثقافية والعلمية والحضارية؛ فإنّ المجتمعات التي يندر فيها وجود المتعلّمين تكون في
العادة مجتمعات متخلّفة تتراجع فيها
المعرفة وتتهاوى فيها معالم
التقدّم و
التطوّر ، مع أنّ اللَّه سبحانه حثّ
الإنسان على مواصلة طلب العلم وعدم
التوقّف في هذا الأمر، قال سبحانه وتعالى: «وَقُل رَبِّ زِدْنِي عِلْماً».
وبهذا يمكن
إدراج وجوب رفع الامّية في المجتمع وضرورة سعي الدولة الإسلامية لتحقيق ذلك من عمومات وجوب
الإعداد لمواجهة أشكال الخطر الخارجي والداخلي، ووفقاً لما أثبتته الدراسات
الإحصائية والإنسانية، فإنّ المجتمعات التي لا تعرف ثقافة
التدوين ، أي
ثقافة القراءة والكتابة، لا تدخل مرحلة
الحضارة ، وتظلّ مجتعات تعيش على هامش الحضارة.
من هنا رأينا في
الروايات أنّ
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومنذ بدايات تأسيس الدولة الإسلامية سعى لرفع حالة الامّية، ففي معركة بدر طلب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من كلّ
أسير أن يعلّم عشرة من
الأنصار بحيث يحسنون الكتابة، ويكون ذلك فداءً يطلق
سراحهم بعده، وقد تعلّم آنذاك عدد من
المسلمين، منهم
زيد ابن ثابت .
كما أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عبد اللَّه بن
سعيد ابن العاص أن يعلّم الناس
الكتابة بالمدينة؛
ولهذا عجّت مساجد
المدينة التسعة بحركة تعليم القراءة والكتابة والقرآن، ولم يقف الأمر عند الذكور من المسلمين، بل ذكرت بعض الروايات أنّ
النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحثّ بعض زوجاته على تعليم بعض
النساء والفتيات الكتابة وغيرها.
والمعروف تاريخياً أنّ ثقافة القراءة والكتابة لم تشهد
ازدهاراً إلّابعد السنة الاولى للهجرة.
إنّ هذا كلّه يؤكّد على أنّ
المنهج النبوي كان ومنذ المراحل الاولى لحركة تكوّن المجتمع الإسلامي يؤكّد على
الانتقال بالامّة من
المرحلة الشفوية العفوية إلى المرحلة التدوينية العلمية، وهذا ما أدّى إلى تكوّن
الحضارة الإسلامية وازدهاراً عاماً بعد آخر.
وللملاك عينه الذي قلناه في وظائف
الدولة وقادة المسلمين يصبح
السعي لرفع الامّية بمعنى تعليم الآخرين واجباً أيضاً وفق
المعيار نفسه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۷، ص۳۳۲-۳۳۶.