الإتمام (مايجب إتمامه)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الإتمام (توضيح) .
ثمّة أفعال يجب إتمامها بمجرد
الشروع فيها، تعرّض لها الفقهاء في كتبهم تحت عناوين قد يكون بعضها أعم من بعض، وذلك تبعاً لما عنون في
لسان الدليل نذكر منها:
يحرم
قطع الواجبات
المضيّقة و
المعيّنة -
عبادية كانت أم غيرها- و
إبطالها في الأثناء، لكن
حرمة قطعها وإبطالها ليس من جهة أنّ إتمامها واجب، بل لأنّ
لازم قطعها
فوات أصل الواجب. وهذا بخلاف الواجبات
الموسّعة و
المخيّرة و
الكفائية التي يوجد من يقوم بها فيجوز قطعها في الأثناء عدا ما دلّ
الدليل على عدم جواز قطعه من العبادات كالصلاة و
الحج .
قال: «إنّ
الواجب الكفائي مع وجود من يقوم به والمخيّر مع
إمكان أفراده والموسّع مع
بقاء وقته لا يتعيّن على
العامل دون غيره، ولا بأس بالعمل المعيّن دون ما سواه، ولا بخصوص زمان من أزمنة
التوسعة بمجرّد
الدخول في العمل، فله القطع عمّا يجوز قطعه، وله
العدول عن العمل إلى مخالفه، وعن ذلك
الزمن إلى مجانسه... وقطع الواجب الموسّع مع بقاء وقت سعته كالصوم... فيما لم ينص على منعه مانع لا مانع منه».
أوجب بعض
الفقهاء إتمام الأعمال العبادية بمجرّد
الشروع فيها، وحرّم قطعها وإبطالها، وذكر لها
قاعدة تعرف بقاعدة إبطال العمل العبادي.
وخالف بعض آخر ذلك، فذهب إلى عدم وجوب الإتمام وحرمة
القطع ، إلّا فيما دلّ الدليل الخاصّ عليه.
الصلاة الواجبة يجب إتمامها عند بعض الفقهاء، بل ادّعي على حرمة إبطالها وقطعها
الإجماع .
واستدلّ على حرمة الإبطال بوجوه عديدة أشرنا إليها في مصطلح (إبطال). لكن فقهاء آخرين أنكروا وجوب الإتمام وحرمة القطع، وناقشوا في أدلّتهما.
هذا في إتمام الصلاة بالمعنى الأوّل- وهو
إكمال الناقص- وأمّا إتمامها بالمعنى الثاني- أي الإتيان بها
رباعية لا قصراً- فيجب على حاضر
بلده و
العاصي و
المقيم عشرة أيّام والمتردّد ثلاثين يوماً في
السفر وكثير السفر أو من عمله فيه. وسيأتي
تفصيل كلّ ذلك في محلّه.
إذا انعقدت
الجمعة لاكتمال شرائطها فتفرّق
القوم قبل
الفراغ منها بحيث لم يبقَ مع
الإمام ما يكتمل به
النصاب ، فقد ذهب بعض الفقهاء إلى وجوب الإتمام على الباقين.
قال: «لو انفضّوا في أثناء
الخطبة أو بعدها قبل
التلبس بالصلاة سقطت
الجمعة . ولو كان ذلك بعد التلبّس
بالتكبير وجب الاتمام ولو لم يبق إلّا الإمام».
قال: «لو كان
انفضاض العدد
المعتبر بعد أن دخلوا في
الصلاة ولو بالتكبير وجب الإتمام ولو لم يبقَ إلّا واحد؛ لأنّه شرط في
الابتداء عندنا دون
الاستدامة كما في
كشف اللثام ... كما عن بعضهم نفي
الخلاف فيه، ولعلّه كذلك فيما أجده».
لكن بعض فقهائنا المعاصرين أنكر وجوب الإتمام
لبطلانها بفقد شرط العدد، فكأنّه يرى
اشتراطه حدوثاً وبقاء.
قال: «إن دخل العدد- أي أربعة نفر مع
الإمام - في
صلاة الجمعة ولو بالتكبير وجب الإتمام ولو لم يبق إلّا واحد على قول معروف. والأشبه بطلانها، سواء بقي الإمام وانفضّ الباقون أو بعضهم، أو انفضّ الإمام وبقي الباقون أو بعضهم، وسواء صلّوا
ركعة أو أقلّ. لكن لا ينبغي ترك
الاحتياط بالإتمام جمعة ثمّ
الإتيان بالظهر».
وحكم
صلاة العيدين حكم الجمعة أيضاً.
يجب إتمام
الصوم المعيّن- كصوم أيّام شهر
رمضان - و
المنذور بخصوصه، ويحرم قطعه لكونه
تفويتاً للواجب في حينه، وقد تقدّم أنّه حرام. كما يجب إتمام
قضاء شهر رمضان إذا بدا للمكلّف قطعه و
الإفطار بعد
الزوال .
وقد دلّت على هذا الحكم عدّة روايات.
الاعتكاف إذا لم يتعيّن بنذر ونحوه- ولو كان واجباً موسّعاً- لا يلزم إتمامه بالشروع فيه. نعم، يجب إتمام اعتكاف اليوم الثالث من كلّ ثلاثة أيّام إن أتمّ يومين منها معتكفاً.
قال: «ومتى أتى بيومين تامّين وجب عليه إكمال الثالث ما لم يكن مشترطاً».
قال: «ينقسم -الاعتكاف- إلى
واجب و
ندب ، فالواجب ما وجب
بنذر وشبهه من
العهد و
اليمين و
الإجارة وأمر
السيد ونحوها، والمندوب ما تبرّع به عن نفسه أو عن غيره. فالأوّل يجب بالشروع، بلا خلاف أجده إذا كان معيّناً... والثاني مع عدم
الشرط لا يجب المضي فيه حتى يمضي يومان كاملان
إجماعاً من القائلين بهذا القول، فيجب الثالث وفاقاً
للإسكافي و
ابن البرّاج والشيخ في
النهاية وجمع من المتأخّرين ومتأخّريهم؛ للأصل، و
صحيح محمّد بن مسلم.. وصحيح
أبي عبيدة عن
الباقر عليه السلام... بل قد يظهر من
الأخير وجوب كلّ ثالث بعد اليومين، فيجب السادس لمن اعتكف خمسة، والتاسع لمن اعتكف ثمانية، وهكذا».
قال: «الاعتكاف إمّا واجب أو مندوب، والواجب إمّا موسّع أو مضيّق. أمّا المضيّق فيتعيّن من الأوّل. وأمّا الموسّع والمندوب فيجوز
رفع اليد عنه في اليومين الأوّلين، ولا يجوز في اليوم الثالث، ولا مانع من أن يكون العمل مستحبّاً ابتداء وواجباً بقاء كما في الحجّ والعمرة؛ لقوله تعالى: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ
الْعُمْرَةَ لِلَّهِ» بل قيل- ولو ضعيفاً-: إنّ الصلاة المستحبّة أيضاً كذلك. والحاصل أنّه لا مانع من
استحباب الابتداء ووجوب الإتمام».
لكن بعض الفقهاء- منهم
ابن ادريس والمحقق والعلّامة- أنكروا وجوب إتمام الاعتكاف المندوب مطلقاً حتى في الثالث لمن أتمّ يومين.
يجب على الحاجّ و
المعتمر إتمام الحجّ والعمرة بمجرّد الشروع فيهما سواء كانا واجبين أو مندوبين، بل يجب عليهما الإتمام وإن أفسداهما؛ لقوله تعالى: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ».
قال: «من أفسد حجّه وجب عليه المضي فيه و
استيفاء أفعاله، وبه قال جميع الفقهاء إلّا
داود ... دليلنا:
إجماع الفرقة، بل إجماع
الامّة ... وأيضاً قوله تعالى: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ» يتناول هذا
الموضع ؛ لأنّه لم يفرّق بين حجّة أفسدها وبين ما لم يفسده».
قال: «لا فرق في
الوطء -
المفسد للحج- بين أن يطأ في
إحرام حجّ واجب أو مندوب؛ لأنّه بعد التلبّس
بالإحرام يصير المندوب واجباً، ويجب عليه إتمامه كما يجب عليه إتمام الحجّ الواجب، ولأنّ الحجّ الفاسد يجب إتمامه فالمندوب أولى؛ لقوله تعالى: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ»».
وقال أيضاً: «إنّ جميع
النوافل من سائر العبادات لا تجب بالشروع إلّا الحجّ والعمرة فإنّهما يجبان بالشروع فيهما لتأكّد إحرامهما؛ لعموم قوله تعالى: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ»».
فإن صدّ الحاجُّ أو المعتمر أو احصر فإن كان اشترط على اللَّه في الإحرام
التحلّل حيث يحصر تحلّل في مكانه، وإلّا بعث بهديه إلى محلّه، فإذا بلغ
الهدي محلّه تحلّل من الإحرام فيكون إتمامه بذلك. وكذا إذا ضاق الوقت عن إتمام عمرة
التمتّع لمن كان التمتّع فرضه عدل إلى
الإفراد ، فيحج مفرداً ثمّ يأتي بعمرة مفردة فيكون اتمامه بالعدول، فليس هذا وأمثاله
استثناءً من وجوب الاتمام.
وقال أيضا: «إذا أحرم الحاجّ وجب عليه إكمال ما أحرم له من حج أو عمرة، فاذا صدّه المشركون أو غيرهم من الوصول إلى مكّة بعد إحرامه ولا طريق له سوى موضع الصدّ أو كان له طريق لا تفي نفقته لسلوكه تحلّل بالإجماع».
قال: «إذا تلبّس الحاج أو المعتمر بالإحرام وجب عليه الإتمام؛ لقوله تعالى «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ» ومتى صُدّ بعد إحرامه يتحلّل، لا أعرف في هذا الحكم في الجملة خلافاً».
قال: «إذا تلبّس -الحاج- بالإحرام- لحج أو لعمرة- تعلّق به وجوب الإتمام إجماعاً؛ لقوله عز وجل: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ». ولو صدّ في إحرامه ذلك عن
الوصول إلى
مكة أو الموقفين ولا طريق غير موضع العدوّ أو كان ولا
نفقة لسلوكه ذبح هديه أو نحره بمكان الصدّ بنيّة التحلّل فيحلّ على
الإطلاق ، سواء كان في الحرم أو خارجه، ولا ينتظر في
إحلاله بلوغ الهدي محلّه، ولا يراعي زماناً ولا مكاناً في إحلاله».
قال: «لا يجوز لمحرم
إنشاء إحرام آخر بنسك آخر أو بمثله قبل
إكمال الأوّل. ويجب إكمال ما أحرم له من حجّ أو عمرة واجباً أو مندوباً إلّا ما سيجيء في باب
التقصير ».
قال: «إذا تلبّس المكلّف بإحرام الحجّ أو العمرة وجب عليه الإكمال إجماعاً،
فتوى ودليلًا، كتاباً وسنّة، قال اللَّه سبحانه: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ».
ومتى صُدّ بعد إحرامه ولم يكن له طريق سوى ما صُدّ عنه أو كان له طريق ولم يمكن
المسير منه إمّا لقصور نفقته عنه أو عدم
الرفقة أو غير ذلك، فيحلّ حيث صُدّ عن كلّ شيء حرم عليه بالإحرام، بلا خلاف يعرف كما في
الذخيرة ، بل بالإجماع كما عن
التذكرة ».
وقد استند جملة من الفقهاء إلى هذا الحكم- أعني وجوب اتمام الحج والعمرة بمجرّد الشروع في كلّ منهما- للقول بعدم جواز
إدخال الحج على العمرة ولا العمرة على
الحج قبل أن يفرغ من الآخر؛ لأنّه خلاف وجوب اتمام كل منهما بمجرد الشروع فيه.
قال: «أفعال العمرة لا تدخل في أفعال الحجّ عندنا، ومتى فرغ من أفعال العمرة بكاملها حصل محلًاّ، فاذا أحرم بعد ذلك بالحج أتى بأفعال الحج على وجهها ويكون متمتعاً، وإن أحرم بالحج قبل
استيفاء أفعال العمرة بطلت عمرته وكانت حجته مفردة.. دليلنا إجماع
الفرقة ... وأيضاً قوله تعالى: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ» فأمر بالحج والعمرة معاً، ولكلّ واحد منهما أفعال مخصوصة، فمن ادّعى
دخول أحدهما في الآخر فعليه الدليل...».
قال: «لا يجوز إدخال الحجّ على العمرة، ولا إدخال العمرة على الحجّ، بل لكلّ واحد منهما حكم نفسه... لنا قوله تعالى: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ» لو دخل على أحدهما غيره لما كان متمّاً له...».
قال: «ولا يقع الإحرام إلّا من محلٍّ، فلو كان محرماً بالحجّ لم يجز له أن يحرم بالعمرة... وكذا لا يجوز إدخال الحجّ على العمرة. وقال جميع الفقهاء من
الجمهور بجوازه. لنا: قوله تعالى: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ» وبإدخال أحدهما على الآخر لا يمكن الإتمام..».
ومثلها
عبارة التذكرة.
وقال أيضاً: «قد بيّنا أنّه لا يجوز إدخال الحج على العمرة ولا العمرة على الحج إذا كان قد أحرم بالحجّ وحده، بل كلّ واحد منهما له حكم نفسه، فإن أحرم بالعمرة التي يتمتّع بها إلى الحجّ فضاق عليه
الوقت أو حاضت
المرأة جعله حجّة مفردة ومضى فيه، وإن أحرم بالحج مفرداً ثمّ أراد التمتّع جاز له أن يتحلّل ثمّ الإحرام بعد ذلك للحجّ فيصير متمتّعاً، فأمّا أن يحرم بالحجّ قبل أن يفرغ من
مناسك العمرة أو بها قبل أن يفرغ من مناسكه فانّه لا يجوز على حال.
وخالف في ذلك جميع الفقهاء فقالوا: يجوز إدخال الحجّ على العمرة، وفي
العكس خلاف. لنا: قوله تعالى: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ» ولا يمكن إتمامهما معاً دفعة فوجب على
التعاقب ».
ومراده من الفقهاء فقهاء
أهل السنة والجماعة.
قال: «لا يجوز لمن عقد إحراماً أن يعقد إحراماً آخر حتى يأتي بأفعال ما أحرم له أوّلًا كملًا، والظاهر أنّه لا
خلاف فيه كما يظهر من
المنتهى ، ويدلّ عليه قوله عزّ وجلّ: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ» وبإدخال أحدهما على الآخر لا يحصل الإتمام».
إلّا أنّ بعضهم تأمّل في صحة هذا الاستدلال.
قال: «ولا يجوز إدخال أحدهما- أي الحجّ والعمرة- على الآخر؛ بأن ينوي الإحرام بالحجّ قبل التحلّل من العمرة، أو بالعمرة قبل الفراغ من
أداء مناسك الحجّ وإن تحلّل. ولا أعرف خلافاً في ذلك بين
الأصحاب ، ونقل بعضهم الإجماع عليه، واستدلّ عليه.. بقوله تعالى: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ» ومع الإدخال لا يتحقّق الإتمام، وفيه تأمّل».
والظاهر من كلمات الفقهاء في الحجّ والعمرة أنّ وجوب اتمامهما هو وجوب تكليفي زائداً على الوجوب الشرطي الذي هو بمعنى عدم حصول التحلّل من الاحرام ما لم يأت بجميع ما يعتبر في الحج والعمرة ليحصل التحلّل، كلّ ذلك
استناداً إلى الآية الكريمة الآمرة بإتمام الحجّ والعمرة، إلّا أنّ ظاهر كلام بعض الفقهاء
استفادة الوجوب الشرطي من
الآية و
إنكار الوجوب التكليفي. ويترتّب على ذلك عدم
تأثيم من بقي على إحرام الحجّ والعمرة ولم يتمّهما.
قال: «لا يجوز لمحرم
إنشاء إحرام آخر بنسكٍ أو بمثله قبل إكمال الأوّل إجماعاً كما سبق، ويأتي... ويجب إكمال ما أحرم له من حجّ أو عمرة وإن أحرم له ندباً ما لم يُصدّ أو يحصر أو يعدِل، بمعنى انّه لا يحلّ إلّا بالإكمال أو حكمه إذا صدّ أو احصر أو إكماله بالعدول إليه. أمّا لو لم يفعل شيئاً من ذلك وبقي على إحرامه حتى مات ولو سنين متعمّداً لذلك لم يأثم ولم يكن عليه شيء؛ للأصل بلا
معارض ».
وقد أنكر بعض الفقهاء ذلك حيث قال: «لكن
الانصاف أنّ الآية ظاهرة في وجوب إتمام كلٍّ من العمرة والحجّ بعد الشروع فيهما وعدم
البقاء في الإحرام، فما في كشف اللثام من أنّ من بقي على إحرامه إلى أن يموت لا يُعدّ عاصياً استناداً إلى
الأصل وعدم الدليل على وجوب الإتمام إلّا الآية الكريمة التي لا تدلّ صريحاً عليه، غير تامّ؛ لما تقدّم من ظهور الآية على وجوب الإتمام بعد الشروع وتماميته في المقام».
ثمّ انّ هناك روايات وكلمات للفقهاء تدلّ على أنّ المستفاد من الآية وجوب الإتيان بالحجّ والعمرة تامّين- أي بجميع أجزائهما وشرائطهما- ومع كونه كذلك فالآية قد لا تدلّ على وجوب الاتمام بعد الشروع فيها، بل على أصل وجوب الحج والعمرة التامّين.
فقد روى
الفضل أبو العباس عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام في قول اللَّه عز وجل: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ» قال: «هما مفروضان»،
وأصرح منه ما عن
عمر بن اذينة قال: كتبت إلى أبي عبد اللَّه عليه السلام بمسائل بعضها مع
ابن بكير ، وبعضها مع أبي العباس، فجاء
الجواب بإملائه : «سألت عن قول اللَّه عز وجلّ «وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» يعني به الحجّ والعمرة جميعاً؛ لأنّهما مفروضان». وسألته عن قول اللَّه عزّ وجلّ: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ» قال: «يعني بتمامهما أداءهما، و
اتقاء ما يتقى المحرم فيهما».
وعن
معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «العمرة واجبة على
الخلق بمنزلة الحجّ على من استطاع؛ لأنّ اللَّه عزّ وجلّ يقول: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ»...».
ونحوها ما عن
زرارة .
وعن الأعمش عن
جعفر بن محمّد عليهما السلام - في حديث
شرائع الدين - قال بعد ذكر الآية: «وتمامهما
اجتناب الرفث و
الفسوق و
الجدال في الحجّ، ولا يجزي في
النسك الخصي؛ لأنّه ناقص، ويجوز
الموجوء إذا لم يوجد غيره...».
ونحوها المروي عن
عبد اللّه بن سنان ،
والمروي عن زرارة و
حمران و
محمّد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه عليه السلام.
قال: «العمرة
فريضة مثل الحجّ ذهب إليه علماؤنا أجمع... لقوله تعالى: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ» والأمر للوجوب والعطف بالواو يقتضي
التسوية ».
ونحوها في موضع آخر
ونحوها ما في التذكرة.
وقال أيضاً: «الحجّ فريضة من فرائض
الإسلام ومن أعظم أركانه بالنصّ والاجماع... قال تعالى: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ»».
قال: «أمّا وجوب العمرة في الجملة فلا
إشكال فيه، ويدل عليه قوله تعالى: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ»».
فكأنّ هؤلاء الفقهاء استفادوا وجوب الاتمام بكلا المعنيين من الآية الشريفة. لكن هذا المعنى لم يلقَ قبولًا لدى جملة من فقهائنا حيث اعترضوا عليه بأنّه خلاف الظاهر، وأنّ
المراد بالإتمام في الآية إتمام الحجّ والعمرة بعد الشروع فيهما لا
الإتيان بهما تامّين.
قال في
بيان ما استدل به الفقهاء على وجوب العمرة و
التعليق عليه: «دليله الإجماع
المفهوم من المنتهى، قال فيه: العمرة فريضة مثل الحجّ، ذهب إليه علماؤنا مستنداً إلى الكتاب: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ» أي يجب الإتيان بهما تامّين، فتأمّل؛
لاحتمال المراد وجوب إتمامهما بعد الشروع، وذلك غير مستلزم للوجوب
أصالة و
ابتداء ».
وقال أيضاً في
تفسير الآية: «المراد بالحجّ والعمرة -في الآية- معناهما الشرعي
المتعارف عند الفقهاء، ولهما أفعال مخصوصة معلومة من كتب
الفروع . وأتمّوهما يعني ائتوا بهما تامّين مستجمعين للشرائط مع جميع المناسك و
تأدية كلّ ما فيهما، كذا في
الكشّاف و
تفسير القاضي و
مجمع البيان، أي المراد الإتيان بهما لا الإتمام بعد الشروع فيهما... وفي الخبر الصحيح: أنّ الإحرام من
الميقات من تمام الحج. وفي
حسنة عمر بن اذينة قال: «يعني بتمامهما أداءهما واتقاء ما يتّقي المحرم فيهما»... وقال في مجمع البيان: وقيل: معناه أقيموهما، إلى آخر ما فيهما. وهو المروي عن
أمير المؤمنين عليه السلام و
علي بن الحسين عليهما السلام وعن
سعيد بن جبير و
مسروق و
السدّي ... فعلى هذه التفاسير كلّها تدلّ الآية على وجوب الحجّ والعمرة
ابتداء وإن لم يكن شرع فيهما، والظاهر أنّه لا خلاف عندنا فيه، ويدلّ عليه الأخبار أيضاً... وأمّا دلالتها على إتمام الحجّ المندوب وإتمام الحجّ الواجب الفاسد والعمرة كذلك- كما قيل- فليست بواضحة إلّا بتكلّف.
نعم، لا يبعد وجوب إتمامهما في الفاسد بدليل وجوب أصلهما و
أصل عدم سقوط الباقي بالإفساد، والأصل بقاؤه. لكن ظاهر الآية- مع قطع النظر عن التفاسير التي تقدّمت- وجوب إتمامهما بعد الشروع، فتفيد وجوب إتمام كلٍّ منهما بعد الشروع فيهما ندباً أو مع
الإفساد ، وحينئذٍ لا تدلّ على وجوبهما أصالة وقبل الشروع...».
قال بعد جعل
السيد اليزدي الكتاب من الأدلّة على وجوب العمرة في
إشارة إلى الآية الكريمة: «كذا في كلام جماعة منهم كاشف اللثام و
النراقي وصاحب
الجواهر . لكن
دلالة الكتاب على
الوجوب غير ظاهرة، فإنّ العمرة لم تذكر في الكتاب إلّا في قوله تعالى: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ» والظاهر منه وجوب الإتمام لا وجوب العمرة...».
قال: «الظاهر من الإتمام في الآية وجوب الإتيان بجميع الأجزاء والشرائط
المعتبرة في العمرة والحجّ بقرينة الذيل، فمن شرع فيه يجب عليه الإتمام إلّا إذا احصر فيكفيه
الهدي . ولا ينافي ذلك ما ورد من أنّ معنى الإتمام في الحجّ أداؤه تامّاً باتّقاء ما يحرم و
الاجتناب عن الرفث والفسوق والجدال مما يجب على المحرم تركه ورفضه، فإنّ كلّ ذلك يؤيّد ما استظهرناه من معنى الإتمام وحمله على وجوب الإتيان بجميع ما يعتبر في الحجّ والعمرة حتى الشرائط المعتبرة في كمالهما. لكن
الانصاف أنّ الآية ظاهرة في وجوب إتمام كلٍّ من العمرة والحجّ بعد الشروع فيهما وعدم البقاء في الإحرام».
وقد اتّضح مما تقدّم وجود ثلاثة احتمالات للأمر بالاتمام في الآية
المباركة :
أن يكون
أمراً تكليفياً أي
ايجاباً لإتمام الحجّ والعمرة بعد الشروع فيهما ولو كانا مندوبين.
أن يكون أمراً
ارشادياً شرطياً، بمعنى إرشاد المكلّف إلى بقائه على
الإحرام وعدم التحلّل ما لم يتمّهما.
أن يكون أمراً تكليفياً وجوبياً بالحجّ والعمرة التامّين- أي الاتيان بجميع أجزائهما وشرائطهما- فيستفاد وجوب الحج والعمرة معاً.
وما يترتب على كلّ منها ظاهر يطلب تفصيله في مصطلح (حج) و (عمرة). وإنّما أطلنا
البحث في هذا المورد
لاختلاف الفقهاء في المراد من الإتمام فيه بخلاف الموارد السابقة التي لا تعرّض من قبل الفقهاء إلّا إلى حكم إتمامها.
ذهب بعض الفقهاء
إلى أنّ
المناضلة عقد لازم على المتناضلين يجب عليهما
الوفاء به وإتمامه كسائر العقود، لكن مع رجاء الفائدة من الإتمام. فلو تناضلا على أنّ من بدر إلى
إصابة خمس قبل الآخر هو السابق فبدر إليها أحدهما قبل الآخر لم يجب الإكمال وإن بقيت لهما رميات، بخلاف ما لو تساويا. وكذا إن تناضلا على أنّ من فضل صاحبه باصابة هو السابق فأصاب الأوّل برميته الاولى وأخطأ الآخر لم يجب الإكمال أيضاً؛ لتحقّق الفضل للأوّل بالرمية الاولى. وإن تحاطّا فأصاب أحد المتراميين خمس عشرة من عشرين والآخر خمساً فقط فلا
فائدة في الإكمال ولا يجب.
الموسوعة الفقهية، ج۳، ص۳۱۱-۳۲۴.